أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - فلاح أمين الرهيمي - مدينة الفارابي الفاضلة















المزيد.....

مدينة الفارابي الفاضلة


فلاح أمين الرهيمي

الحوار المتمدن-العدد: 7488 - 2023 / 1 / 11 - 12:05
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


تعتبر مدينة الفارابي أو تصور أنموذج لبناء مدينة مثالية في الإسلام وكانت مصدراً من مصادر إخوان الصفاء في هذا الباب ... وإذا نظرنا إلى مدينة الفارابي الفاضلة فإنها تقوم على دعامتين أو حول فكرتين :-
1) التوافق بين الدين والفلسفة وذلك بإتيان النبوة عن طريق عقلي وضرورة الحاجة إليها.
2) حل مشكلة الرئاسة التي كانت دوماً محل النزاع والحروب وذلك بأن يتولى الرئاسة فيلسوف نبي وإن لم يكن ذلك فيتولاها مجلس رئاسي يتوفر فيهم مجتمعين خصال النبوة.
فالفارابي ركز في مدينته الفاضلة على الحاكم الذي يجب أن يمتلك الجانب العقائدي والجانب الاجتماعي وفي الجانب الأخير اهتم بصورة أكثر برئيس المدينة الفاضلة وما يجب أن يتوفر فيه من خصال حميدة .. إلا أن مدينة الفارابي الفاضلة اقتصرت على هاتين الفكرتين فقط لأنها لم تضع لتلك المدينة الفاضلة منهجاً أو برنامجاً أو وسيلة كما افتقرت إلى النظام التربوي والتعليمي لذي وجد في جمهورية أفلاطون ودولة إخوان الصفاء في رسائلهم.
أفلاطون وجمهوريته
كان الفيلسوف أفلاطون التلميذ الأقرب إلى الفيلسوف سقراط وقد احتل السدة التي فرغت بموت معلمه سقراط وأخذ عن سلفه الطريقة نفسها التي كان ينتهجها أستاذه سقراط في بث تعاليمه أي طريقة السؤال والجواب توصلاً إلى معرفة الحقيقة وإدراك فضائلها وقد أسس أفلاطون معهداً لتعليم الفلسفة في أثينا عام/ 529 قبل الميلاد وبقي هذا المعهد إلى ما بعد الغزو الروماني لأثينا عاصمة اليونان فأغلقه الامبراطور جوستيان على أمل استبدال الفلسفة الرومانية بالفلسفة الأغريقية بيد أن أفلاطون سار بفلسفته شوطاً أبعد من الشوط الذي ساره معلمه سقراط عندما وضع أنظمة الحكم في كتابه (الجمهورية) واصفاً به صفات الحاكم وحق المحكوم والعلاقة التي يجب أن تكون بين الحاكم والمحكوم وقد جمع أفلاطون برنامج الدولة في فضائل ثلاث هي : الحكمة في الحاكم والشجاعة في المحارب والاعتدال في المواطن موقناً وإن النظام والعدالة وصلاح الحاكم ليست إلا نتائج حتمية للفضائل الثلاث المذكورة مما يجدر ذكره ما شهد الكاتب الفرنسي (جان جاك روسو) بعد ألف وتسعمائة سنة من موت أفلاطون (إن مقال أفلاطون عن التعليم هو أحسن مقال كتب في الموضوع).
إن جمهورية أفلاطون هي جمهورية خيالية بمعنى أن أفلاطون تخليها بفكرة عن الواقع الإنساني المأساوي الذي كان يعيشه الناس في نظام الرق والعبودية والتي كانت مستمدة من نظرة إنسانية تعبر عن الظلم والعبودية والجوع والحرمان الذي يعيشه الإنسان في تلك المرحلة المتزامنة مع حياة أفلاطون فكتب جمهوريته التي هي انعكاس لعمق المأساة الإنسانية التي كان يشعر بها الفيلسوف أفلاطون فترك العنان لقريحته لتعبر به ما تفيض به روحه من تمنيات وآمال لحياة سعيدة مرفهة يعيشها الإنسان في أمان واستقرار واطمئنان مستمدة من نظرة اجتماعية قريبة إلى حد ما من الاشتراكية والنظرة الشيوعية للدولة في خيال أفلاطون الذي يجب على الدولة أن تكون هي المهيمنة والراعية على كل شيء حتى على حياة الإنسان في الزواج ورعاية الأطفال وتربيتهم تربية تقوم على الأخوة الإنسانية ونكران الذات والتضحية ينصهر فيها الإنسان في بوتقة واحدة مع أخيه الإنسان في الحياة والعيش المشترك وفي مساواة الرجل مع المرأة في الخدمة والتعليم في حياة اجتماعية شاملة وفي نظام إنساني جماعي ومن كلام أفلاطون عن الدولة وصيته على المحافظة واحترام تقاليد الأقدمين فيما يتعلق بالفنون ولاسيما فنون الموسيقى وإنمائه وعدم التحول عنه لكي لا يتسلل الفساد إلى العلاقات بين الناس بعضهم مع بعض ويؤدي إلى الفساد والخروج عن القانون والنظام مثلما ألح معلمه سقراط على إنماء فن الموسيقى وركز أيضاً على إنماء الرياضة ونشرها بين الناس وخاصة رياضة (الجمنازيوم) لأن الموسيقى ورياضة (الجمنازيوم) يحمين الجسم والروح ويحافظان على نقاوتهما وعلى العلاقة الضرورية بينهما مما يؤدي أيضاً إلى تنمية العقل الإنساني الذي يؤدي إلى قيام حكم إنساني عادل ومجتمع فاضل تتجسد فيه جميع الصفات الإنسانية.
حينما كان أفلاطون يوصي ويطالب بالمحافظة على تراث الأقدمين ربما كان يقصد به (مجتمع الشيوعية البدائية) التي كانت سائدة في عصره أو قبل عصره لأن أفكار جمهوريته جاءت معبرة عن معاناة الإنسان بعاطفة خيالية عن العصر الذي عاش به (الرق والعبودية).
كان أفلاطون شأنه شأن معلمه سقراط حيث كان اثنياً ويعتبر الاثنين النخبة الممتازة في الشعب ولذلك كان منحازاً إليهم ويتمسك بحق الأفضلية والسمو في الحياة لأنهم يحوزون ويمتازون بالعلم والمعرفة والتعليم وبما يمتلكونه ويكتسبونه من الفضائل فإنهم يستطيعون أن يضمنوا العدالة الاجتماعية لكل طبقات المجتمع .. إن تسمية جمهورية أفلاطون الخيالية هي تسمية صحيحة إلا أنها غرست وزرعت في النفوس فكر الجمهورية العادلة والاجتماعية والحكم الشعبي والفكر الاشتراكي وحددت على قدر مفاهيم ذلك العصر وحقوق الإنسان في العيش الحر الكريم.
يقول أفلاطون : إنني قد أمعنت النظر في معترك الحياة السياسية فراقني تلاحق الأحداث فيها وأخذ بعضها برقاب بعض وانتهى بي المطاف إلى أن أتبين بوضوح أن جميع أنظمة الحكم الموجودة الآن بدون استثناء أنظمة فاسدة وقد دفعني ذلك إلى أن أقول : أنه لا سبيل لتحقيق حياة سعيدة للجنس البشري إلا بإحدى الوسيلتين فأما يتولى مقاليد الحكم جمهرة الفلاسفة السائرين على نهج الفلسفة الصحيحة الحقة وأما أن الطبقة الحاكمة المهيمنة على الشؤون السياسية بمعجزة من معجزات الإرادة السماوية إلى فلاسفة حقيقيين .. هكذا شعر أفلاطون بالاضطراب السياسي الذي كان يعيش فيه مجتمعه وأفلاطون كفيلسوف لا يبحث عن الظواهر فحسب بل يحاول أن يكشف عما وراء تلك الظواهر والأسباب التي أدت إلى ظهورها وبروزها فهذا الاضطراب السياسي وما يصاحبه من اضطراب اجتماعي لابد أن يكون وراءه سبب معين أو أسباب معينة وقد وصل أفلاطون بعد التأمل والاستقصاء إلى أن بؤرة المشاكل والاضطراب هي الملكية الخاصة .. فهي السبب في الاختلاف والنزاع والحروب بين الأفراد والدول وفي ذلك يقول مشيراً إلى حب التملك : (وفي وسعنا أننا اهتدينا إلى أصل الحرب في ذلك الميل الذي هو أصل كل بلايا الدول والأفراد) وللقضاء على هذه البؤرة وضع أفلاطون خطته أو منهجه المكون من :
1) تكوين جيش من الأفراد المتخصصين في مهنة الحرب يصد عن المدينة أطماع الغزاة ويقوم بحمايتها من كل عدوان يأتي على المدينة ويكون تأسيس هذا الجيش وفق قواعد وقوانين حددها في جمهوريته.
2) إلغاء الملكية الخاصة بجميع أشكالها وأنماطها سواء في تلك الملكية الخاصة المادية أو المعنوية بالنسبة للحكام فهؤلاء أولو قوة وبأس وبإمكانهم الحصول على ما يريدون لذا فلابد من تشريع يمنع هؤلاء من استغلالهم قوتهم لمصلحتهم الشخصية.
كما يقول الكاتب (سباين) : لقد بلغ أفلاطون بشدة اقتناعه بفشل الشعوب في ثوراتهم على الحكومات فلم يجد سبيلاً إلى القضاء على هذا الشر إلا بإلغاء الثورة نفسها بالنسبة للجنود والحكام حيث لا وسيلة لمعالجة جشع وطمع الحكام إلا بتجريدهم من الحق في التملك لأي شيء والحكام بناء على رأي أفلاطون يجب عليهم في معسكراتهم أن يتناولوا طعامهم على مائدة مشتركة مع الآخرين وليس لهم الحق بالزواج بمعناه الاجتماعي وتكوين الأسر.
3) نظام التربية : يهتم أفلاطون بتنشئة الإنسان منذ ولادته إلى أن يكبر ويستقر حسب كفاءته في مرحلة من مراحل التدرج ماراً بالحضانة فالمدارس الابتدائية فما فوقها حسب مناهج محددة لكل هذه المراحل بعناية فائقة ورقابة شديدة ومتابعة مستمرة .. ووضعت هذه البرامج والمناهج وفق فلسفة شاملة لجميع نواحي الحياة مبنية على نظرية المثل .. فعالمنا المادي بما فيه وما عليه ليس له حقيقة وإنما هو مجرد وهم وخيال .. فالحقيقة إنما هي النفس وعلى النفس أن تعمل لتتخلص من هذا العالم المادي والعودة إلى حيث كانت في الأول بسيطة وهناك تكمن السعادة الأبدية كما جعل أفلاطون مراحل التعليم في جمهوريته ثلاث :-
المرحلة الأولى : من الولادة إلى سن العشرين حيث يدرس التلميذ في هذه المرحلة الدراسات الإنسانية والتربية البدنية والموسيقى.
المرحلة الثانية : تبدأ من العشرين إلى الثلاثين وتخصص هذه الفترة الدراسية بالرياضيات والعلوم.
المرحلة الثالثة : تبدأ من الثلاثين إلى الخمسين حيث تخصص خمس سنوات منها لدراسة الفلسفة ثم تخصص الخمسة عشر الباقية للجانب التطبيعي للأعمال الإدارية والقيادة الحربية .. وحينما ينجح أصحاب هذه المرحلة في حياتهم العملية خلال تلك السنوات الخمس عشر كنجاحهم في الدراسات النظرية يرتقون إلى المرحلة الأخيرة وهي مرتبة الحكام وهي رتبة خلاصة الخلاصة وقد زال من نفوسهم الطمع والجشع في هذا السن وما زالوا موفوري النشاط والحيوية فيعيشون فلاسفة متوقرين على تأمل المعقولات الصرفة والخير المطلق للإنسانية.
حينما وضع أفلاطون جمهوريته في القرن الخامس قبل الميلاد فجاء الفارابي وإخوان الصفاء في القرن التاسع الميلادي أو ما بعده فأسس كل من الفارابي وإخوان الصفاء جمهوريته وحينما وضع إخوان الصفاء جمهوريتهم الفاضلة كانت قائمة على أسس وضعوها وفق تصورات حدودها يبتغون من وراء إقامتها سعادة الناس كأفراد وكذلك كمجتمع وقد سبقهم إلى مثل هذا التصور فلاسفة آخرون والمقصود هو أفلاطون الذي أسس أول مدينة فاضلة فتعرف إخوان الصفاء على مبادئها وقوانينها ونظامها ومؤسساتها بصورة متكاملة فكانت جمهورية أفلاطون ذات تأثير واضح على فكر إخوان الصفاء في تصميم مدينتهم .. كما تأثر إخوان الصفاء في تقسيمهم لمراحل الحياة في نظرية أفلاطون في التربية والتعليم.



#فلاح_أمين_الرهيمي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رد على الأخ الدكتور لبيب سلطان المحترم
- حركة جمعية إخوان الصفاء في مدينة البصرة
- حركة القرامطة في ضواحي مدينة الكوفة في العراق
- ثورة البابكيين + ثورة الزنج في العراق
- الحركات الاجتماعية في العراق والجزيرة العربية (الزنج والقرام ...
- المحاصصة الحزبية ونظام الحكم في العراق
- الاستثمار والعوائق والمعرقلات التي تمنع عمله في العراق
- نتائج الانتخابات أفرزت حكومة صدرية سلبت منها وليس انتزعت أكث ...
- عملية خاطئة يجب التصدي لها ومحاسبة الوزير عنها
- الأزمات المتكررة وعدم تجاوزها طبيعة من طبائع النظام الذي لا ...
- الفساد الإداري في العراق أسبابه ونشأته ومعالجته
- الواقع يكشف الحقيقة وليس التهديد والترهيب
- أهمية القاعدة التنظيمية السياسية في سلوك وعملية الأحزاب السي ...
- هكذا وبكل بساطة يعود العراق إلى مربع الصفر
- العراق المستباح وشعبه المذبوح يرزح تحت كابوسين الفساد الإدار ...
- التهديد والترهيب أصبحت عادة وأسلوب للسياسيين في إكمام الأفوا ...
- ميناء الفاو معادلة وتعويض عن نفط العراق
- ماذا يعني تضمن قانون جرائم المعلوماتية عبارة المس بالرموز ال ...
- مصداقية كلام الإنسان والتزامه ووعوده تكشف شخصيته إذا كان صاد ...
- الطبيعة والتطبع


المزيد.....




- -خطير للغاية-.. حقائق عن إعصار بيريل
- شاهد: دمار في كييف نتيجة قصف روسي
- يورو 2024: إسبانيا تكتسح جورجيا وتلتقي ألمانيا في ربع النهائ ...
- انتخابات فرنسا.. أقصى اليمين يتصدر
- 18 وزيرا من الحاليين لن يكونوا فيها.. برلماني مصري يكشف موعد ...
- إصابة 18 جنديا إسرائيليا بانفجار مسيرة فوق هضبة الجولان
- -حزب الله- يعرض مشاهد من استهدافه مقر الفرقة 91 في ثكنة بران ...
- روسيا تتولى الرئاسة الدورية لمجلس الأمن الدولي
- كأس أمم أوروبا: إسبانيا تقسو على جورجيا وتتأهل لمواجهة نارية ...
- لبيد يؤكد: نعمل مع قادة المعارضة لإسقاط حكومة نتنياهو


المزيد.....

- The Unseen Flames: How World War III Has Already Begun / سامي القسيمي
- تأملات في كتاب (راتب شعبو): قصة حزب العمل الشيوعي في سوريا 1 ... / نصار يحيى
- الكتاب الأول / مقاربات ورؤى / في عرين البوتقة // في مسار الت ... / عيسى بن ضيف الله حداد
- هواجس ثقافية 188 / آرام كربيت
- قبو الثلاثين / السماح عبد الله
- والتر رودني: السلطة للشعب لا للديكتاتور / وليد الخشاب
- ورقات من دفاتر ناظم العربي - الكتاب الأول / بشير الحامدي
- ورقات من دفترناظم العربي - الكتاب الأول / بشير الحامدي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - فلاح أمين الرهيمي - مدينة الفارابي الفاضلة