أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود شقير - مرايا الغياب/ سليمان النجاب5















المزيد.....

مرايا الغياب/ سليمان النجاب5


محمود شقير

الحوار المتمدن-العدد: 7483 - 2023 / 1 / 5 - 13:44
المحور: الادب والفن
    


8

كتبت:
نعود إلى أمكنتنا الأولى، ويعود سليمان إلى مكانه المحبب، نزوره هناك لنرى حديقة الورود. نتمشى في أرجاء الحديقة وهو معنا. وحينما يحضر الموت يذهب وحده إلى حضن الحديقة، التي لطالما اعتنى بها في صباحات وفي مساءات لن تعود.

9

كانت لسليمان أمكنته المحببة إلى نفسه، ولم يقم في بيروت بعد وصولنا إليها من سجون الاحتلال، إلا أسابيع قليلة.
كان معنياً بالذهاب إلى عمان، لأن له فيها علاقات أغنى من علاقاته في بيروت. ودعناه ذات صباح وسافر إلى عمان. استأجر بيتاً في جبل الحسين، أقام فيه مع زوجته وأطفاله، التمّ شمل الأسرة من جديد، وأصبح البيت قبلة لرفاقه وأصدقائه القادمين من الأرض المحتلة ولكثيرين من الأصدقاء في العاصمة.
أما أنا، فقد كنتُ راغباً في البقاء في بيروت. ربما بسبب ما لبيروت في ذهني من ألق وظلال. أقصد بيروت الثقافة وحرية الكلمة والكتب والصحف والأفلام (لم أزرها من قبل إلا مرة واحدة العام 1965، ولم تغب منذ ذلك الوقت عن البال)، لكن الحرب الأهلية كانت على الأبواب، ولم أكن أتوقع ذلك. اعتقدت أن الأمور لن تتفاقم إلى حدها الأقصى. بقيت في بيروت ثمانية أشهر والحرب الأهلية تزداد اشتعالاً. لم يعد من الممكن إحضار زوجتي وأطفالي للعيش معي في بيروت، لذلك قررت السفر إلى عمان.
التقيت سليمان في عمان. زرت بيته في جبل الحسين، ثم تعددت زياراتي لهذا البيت، لأسباب شخصية ولحضور اجتماعات كنا نعقدها في بيت سليمان حيناً، وفي بيت عيسى مدانات حيناً آخر. كنت عضواً في هيئة تحرير صحيفة "الجماهير" التي يصدرها الحزب سراً. والهيئة مكونة من عيسى مدانات، سليمان النجاب، سعيد مضية، ومحمود شقير. كان يتعين على هذه الهيئة أن تصدر أعداداً من "الحقيقة" المجلة النظرية والفكرية للحزب. إلا أننا لم نصدر أي عدد، ربما بسبب حالة الارتباك الناتجة عن الخلاف الذي وقع في قيادة الحزب بعد وفاة قائد الحزب، فؤاد نصار.
كان سليمان معجباً بفؤاد نصار، مقدراً لنضاله الذي استمر سنوات طويلة. وأعتقد أنه سمى طفله الثالث "فؤاد" على اسم القائد الذي لم يمهله المرض طويلاً. زرته في بيت الدكتور يعقوب زيادين. كان ممدداً في السرير شاحب الوجه، لكنه قوي الإرادة، يتحدث بهدوء وثقة. بعد أسابيع مات فؤاد نصار، وسار حشد كبير من أعضاء الحزب وأنصاره ومن القوى الوطنية الأخرى في جنازته (لم يترك أية مذكرات تقود إلى معرفة أعمق بشخصيته وبأسلوب فهمه للفكر الذي اعتنقه، وهو يعتبر من أبرز الشخصيات المناضلة التي ظهرت في فلسطين منذ أوائل الثلاثينات من القرن الماضي).
لم ينقطع سليمان عن متابعة أخبار الحزب في فلسطين. كانت صحيفة "الطليعة" الأسبوعية، تأتي إلى بيته بانتظام، يحملها أحد أعضاء الحزب أو أحد الأصدقاء ويأتي بها إلى بيت سليمان، ليجري تصوير نسخ منها، وتوزيعها على المعنيين بها في عمان.
وكان سليمان يعيش حياة هادئة، على الأقل في السنة التي سبقت وفاة فؤاد نصار. كان له احترامه الواسع في أوساط أعضاء الحزب، باعتباره القائد الذي صمد في سجون الاحتلال (من أين استمد سليمان هذه القدرة على الصمود؟ ربما من قراءاته عن صمود قادة واجهوا التعذيب بشجاعة. ربما من تعاليم الحزب التي كانت تحث أعضاءه على الصمود. ربما من إحساس شخصي بالأنفة ورفض الخنوع الذي تمليه أخلاق مترفعة عن الدناءة، وربما من تضافر هذه العناصر كلها معاً). تحمل التعذيب ومرارة السجن، ثم أبعد من وطنه. وكان مستمراً كعادته في الميل إلى الدعابة الظريفة وإلى المزاح.
ذات مساء، هاتفته مقترحاً أن أزوره في البيت للتشاور معه في شأن ما. رحب بي وقال إنه ينتظرني. تصادف آنذاك أن كان في ضيافته شخص من معارفه، ضخم الجثة على نحو لافت للانتباه. حينما أزمع هذا الضيف على مغادرة البيت ألح عليه سليمان بالبقاء نصف ساعة أخرى ريثما أصل. قال له: لي صديق ناصح مثلك، ولا بد من أن أعرفك عليه. كنت أقيم آنذاك أنا وزوجتي وأطفالي في بلدة "مرج الحمام". ركبت سيارتي ووصلت بيت سليمان في الوقت المحدد. دخلت البيت وسلمت على سليمان وعلى ضيفه الناصح وعلى عدد آخر من الرفاق، وسط ضحكات لم أعرف سببها للوهلة الأولى. ثم خمنت أن لها علاقة بنحافتي الزائدة في مقابل نصاحة الضيف، الذي بدا معجباً هو الآخر بالمقلب الذي رتبه مضيفه.
ولم يتوقف سليمان عن ممارسة حياته الاجتماعية التي تعني وفرة في العلاقات. كان ثمة ضيوف في بيته وعلى مائدته باستمرار. كنت أغبطه على هذه الروح الاجتماعية التي لا تجد متعتها إلا بالعلاقات الواسعة مع الناس. كان يتزاور مع كثيرين من رفاقه وأصدقائه. وبسبب صعوبة التنقل في عمان دون سيارة خاصة، اشترى سيارة فولكس فاجن بيضاء صغيرة. اشتراها من ماله الخاص، ولم تكلفه مبلغاً كبيراً، لأنها سيارة قديمة.
في تلك الفترة، قدم الحزب سلفاً مالية لبعض أعضاء اللجنة المركزية، الراغبين في شراء سيارات، لتسهيل تنقلهم الذي يساعد على إنجاز مهماتهم بشكل أسرع. سليمان لم يوافق على أخذ سلفة، معتبراً أن هذا الأمر قد يؤدي إلى خلق ولاءات خاصة أو إشاعة روح غير إيجابية في الحزب. تعاطف مع هذا الرأي عدد آخر من أعضاء اللجنة المركزية، وامتنعوا عن أخذ سلف مالية. كنت واحداً من الذين لم يقتنعوا بهذا الرأي، ربما تحت وطأة حاجتي إلى سيارة أفضل من سيارتي الهرمة. أخذت سلفة مقدارها ألف وثمانمائة دينار أردني، واشتريت سيارة من نوع أوبل، ثم سددت السلفة خلال ثلاث سنوات.
كان سليمان مواظباً على قراءة الكتب، وعلى الاستماع إلى الموسيقى. تجمعت لديه وفرة من الاسطوانات وأشرطة موسيقية لعدد غير قليل من أشهر الموسيقيين في العالم. وقد شجعني على الاقتداء به، فاستعرت منه مجموعة من الأشرطة وقمت بنسخها، ومن ثم المواظبة على الاستماع إليها، والتحدث حينما نلتقي عن هذه الروائع الموسيقية (كنا معجبين بالسمفونية التاسعة لبيتهوفن. حيث يبهرنا الأداء الغنائي لنشيد شيلر الذي يؤكد على السعادة، وعلى أن جميع البشر سيصبحون أخوة). كانت لديه موسوعة باللغة الانجليزية تتحدث عن الموسيقى وعن المؤلفين الموسيقيين، يلجأ إليها دوماً لإغناء معرفته في هذا الميدان.
يتبع...



#محمود_شقير (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مرايا الغياب/ سليمان النجاب4
- مرايا الغياب/ سليمان النجاب3
- مرايا الغياب/ سليمان النجاب2
- مرايا الغياب/ سليمان النجاب1
- مرايا الغياب/ أمينة7
- مرايا الغياب/ أمينة6
- مرايا الغياب/ أمينة5
- مرايا الغياب/ أمينة4
- مرايا الغياب/ أمينة3
- مرايا الغياب/ أمينة2
- مرايا الغياب1
- ظل آخر للمدينة61
- ظل آخر للمدينة60
- ظل آخر للمدينة59
- ظل آخر للمدينة58
- ظل آخر للمدينة57
- ظل آخر للمدينة56
- ظل آخر للمدينة55
- ظل آخر للمدينة54
- ظل آخر للمدينة53


المزيد.....




- بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في ...
- -الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
- حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش ...
- انطلاق فعاليات معرض الكويت الدولي للكتاب 2024
- -سرقة قلادة أم كلثوم الذهبية في مصر-.. حفيدة كوكب الشرق تكشف ...
- -مأساة خلف الكواليس- .. الكشف عن سبب وفاة -طرزان-
- -موجز تاريخ الحرب- كما يسطره المؤرخ العسكري غوين داير
- شاهد ما حدث للمثل الكوميدي جاي لينو بعد سقوطه من أعلى تلة
- حرب الانتقام.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 171 مترجمة على موقع ...
- تركيا.. اكتشاف تميمة تشير إلى قصة محظورة عن النبي سليمان وهو ...


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود شقير - مرايا الغياب/ سليمان النجاب5