|
المواطنة وأزمة الولاء للوطن في العراق
حسني أبو المعالي
الحوار المتمدن-العدد: 1700 - 2006 / 10 / 11 - 07:55
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
يبدو أن معظم الأحزاب السياسية والمذاهب الدينية في العراق قد شيعت جثمان عنصرالولاء للوطن، ووارته التراب، وأجهزت على الرمزالجميل الذي يلتف حوله ومن أجله كافة العراقيين ألا وهو حب الوطن، وأحيت بقوة عنصرالولاء لانتماءاتها الحزبية و الطائفية والعنصرية، ناهيك عن التبعية العمياء للعشيرة والأشخاص من أصحاب النفوذ، وما تشهده الساحة العراقية من تردي الواقع السياسي والمذهبي والأمني، يؤكد هذه الحقيقة المرة بأن الوطن هو الغائب الوحيد في ضمير من يمثلون الأمة، فالعربي الشيعي المتطرف لا يفقه من التشيع سوى ولائه للمرجعية الشيعية بأسلوب يفتقد إلى الموضوعية والحكمة حتى لو كان ذلك على حساب الوطن والإسلام، والعربي السني المتطرف لا يدرك أن سنة الرسول " ص " لا تنسجم وشريعة الغاب في التعامل بين الأخوة في الوطن والدين على أسس تعتمد البغضاء والكراهية والسيطرة بالقوة التي تؤدي إلى العنف وبالتالي إلى ضياع الدين والوطن لمجرد اختلاف المذهب " واختلاف الراي لا يفسد للود قضية " أما الاحزاب السياسية العراقية مع احترامي لبعض الأحزاب اليسارية وتاريخها النضالي، فقد انشغل معظمها بالبحث عن المناصب والاستئثار بالكراسي لمصلحة هذا الحزب أو ذاك على حساب مصلحة الشعب والوطن، وحرصت في أدبياتها وفي برامجها على تكريس شعارات جوفاء تتناقض وممارساتها العملية التي تسيئ إلى الوطن وهو مثخن بالجراح ويتخبط الآن بدماء أبنائه، الشيء الذي يتطلب منها كما من الجميع الإيثار والتضحية ولا يختلف الحال مع شركائنا في الوطن وأعني بهم الأخوة الأكراد، وخصوصا العنصريون منهم الذين مازالوا متمسكين بكركوك باعتبارها الجزء المفقود والسليب من الاراضي الكوردية، وكأنها ليست مدينة عراقية، وهم يحكمون العراق الآن عبر رئيسين كرديين يحتلان مركز الصدارة في الوطن أحدهما في بغداد العاصمة والآخر في أربيل، ومع ذلك فإنهم يتعاملون مع أخوانهم العرب من منطلق عدم الثقة، فكيف سيجد الوطن نصيبه من الحب والاهتمام من كل هؤلاء القادة والمسئولين؟ وفي ظل هذه الخيارات اللاوطنية من قبل " عقلاء القوم " تنعدم هنا قيمة الوطن لدى المواطن العادي وتتوارى رمزيته الجميلة ويغيب الضمير الانساني المرتبط بحقوق الوطن وتتلاشى فكرة المواطنة ويصبح القتل عملا مشروعا والسرقة مبررة ويعم الفساد الإداري وتنتشر الفوضى داخل البلاد بدون محاسبة الفاعل، كما يحصل الآن، وتستوي الظلمات بالنور والجلاد بالضحية والمتهم بالبريء، والاحصائيات تشير الى أن المئات من القتلى والجثث المجهولة تذهب يوميا ضحية غياب الضميرالوطني وهذا يعني ان الوطن يموت كل يوم مئات المرات، وتتآكل البنى التحتية بفعل التخريب المتعمد على يد من لا ضمير له، إن الوطن يمثل ضمير المواطن الشريف الذي يعي مقدار وحجم واجباته تجاه وطنه ارضا وشعبا، ومن لا يسكنه الوطن حبا وتضحية من أجله لا يستحق شرف المواطنة، وعجبي كيف يصبح القتل والذبح لغة الحوار عند أناس ينتمون الى وطن سن أولى القوانين في التاريخ؟ وكيف يمسي الاختلاف السياسي والمذهبي والعنصري لديهم سببا في الاقصاء والاغتيالات والتهجير؟ إن المواطنة لا ترتبط بمسقط الرأس فقط ولا بالانتماء لهذا الوطن أو ذاك وإنما هي شعور حقيقي بالانتماء وتعامل صادق بين الموطنين وإحساس مفعم بالحب للوطن ليس باعتباره أرضا فحسب بل الحب لكل ما ينتمي ويتعلق بالوطن من الشجر إلى البشر، ومن الشمس إلى القمر ومن الجبل إلى النهر، والحرص على التضحية من أجلهم جميعا لأن الوطن هنا يمثل جميع هذه العناصر، وهذا الحب لا يولد ولا ينمو أويترعرع ويكبر إلا من خلال تربية حقيقية يشهدها الوطن على كامل ترابه، وتلمسها الأجيال عبر عهود مختلفة، تتبناها عناصر وطنية وشخصيات مخلصة وخيرة، تتضافربالمشاركة مع فعاليات المجتمع المدني لتوضح عن طريق جميع الوسائل المتاحة المعاني الجميلة للانتماء والولاء للوطن، فحب الوطن من الإيمان، كما قالت العرب، ولكن: " إذا الإيمان ضاع فلا أمان ولا دنيا لمن لم يحي دينا ومن رضي الحياة بغير دين فقد جعل الفناء لها قرينا "
لاشك أن الاحتلال الغاصب له اليد الطولى في كل ما يجري في العراق فقد آثرمنذ اليوم الاول لاحتلاله الوطن أن يعمد إلى إشعال الفتنة بين أبناء الوطن من المسلمين عبر تفجير النزعة الطائفية وساهم في خلق شخصيات كاريكاتورية وكارتونية دينية بائسة ومنحها دورا قياديا لا تستحقه وزرع بالمقابل شخصيات أخرى رعناء لتكتمل لعبة المنافسة بين جهلاء القوم على حساب الوطن ومحاولة تقسيمه إلى دويلات يمكن السيطرة عليها، وأبعد عن الساحة السياسية العناصر الوطنية الشريفة لإلغاء دورها الحقيقي، وغيبها بطرق مختلفة تهميشا واغتيالا وبطشا على يد أعوانه من المرتزقة الذين لا يهمهم أمر الوطن والمأساة الكبرى أن تنطلي هذه المؤامرة على رجال الدين ورجال السياسة في العراق الذين غابت عنهم، كما يبدو، أبجدية ما تعلموه من دروس في الوحدة والتضامن لمواجهة الأساليب الاستعمارية المغرضة التي تعتمد على سياسة فرق تسد ومن جهة أخرى فقد كثر الحديث عن الفيدرالية أو الدولة الاتحادية هذه الأيام في العراق، والفيدرالية هي من النظم السياسية التي تبنتها بنجاح كبيرالكثير من الدول الأوربية وفق شروط تخدم مصالحها الداخلية أولا، ولاشك أن هذا النظام قد حظي بموافقة شعوبها بالاجماع ثانيا، وفوق هذا وذاك أنها دول تتمتع باستقلالية تامة وغير خاضعة للاحتلال ثالثا، ومحاولة تطبيق هذا النظام في العراق في ظل ظروفه الحالية هو بكل بساطة مشروع خياني يقف من ورائه الاحتلال بهدف تقسيم الوطن، ولا يحق لأي مواطن يدعي صدق المواطنة أو أية جهة أو كتلة وطنية أن تتخذ قرارا منفردا بشأنه بدون موافقة جميع أطياف الشعب العراقي، وإلا فإن لعنة الأجيال القادمة ستلاحقهم جيلا بعد جيل وعربيا لم نشهد حاكما أومسئولا استجاب لنداء الوطن وتنازل عن عرشه من أجل المصلحة العامة إلا في حدود ضيقة جدا شهدها القرن الماضي مع الراحل جمال عبد الناصر في مصرعندما أعلن استقالته بعد هزيمة حزيران ومع الرئيس السوداني السابق سوار الذهب الذي تنازل عن الحكم طواعية ظنا منه أنه سيعطي الفرصة للديمقراطية ان تزدهر في بلاده، هذه الأمثلة النادرة لن تتكرر اليوم ولا أعتقد بان الزمن سيجود بمثلها أوينعم علينا بشخصيات غيرها مرة أخرى، وإذا كان لدينا في كل قرن رجلين يعرفان معنى المواطنة ويضحيان من أجل الوطن، فكم من الزمن سنحتاج لتصبح شعوبنا قادرة على رسم المعاني الصحيحة للمواطنة وترعى مصالح الوطن الضائعة؟
#حسني_أبو_المعالي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
التقسيم بات وشيكا .... فأين عقلاء الأمة من كل ما يعصف بالوطن
...
-
الواقع العراقي المر وتداعياته على الوضع العربي
-
التدخين علاج شاف في مستشفيات العراق
-
قناع الزرقاوي: الوجه الحقيقي للإرهاب الأمريكي
-
قناع الزرقاوي والوجه الحقيقي للإرهاب الأمريكي
-
أبعاد السياسة الاسرائيلية في الوطن العربي
-
للصراحة حدود يا بن عبود
-
سحقا للشعب من أجل شيطان السلطة
-
هل حكم على الشعب العراقي بقصة لا تنتهي مع الطغاة؟
-
الإعلام العربي: حرية نشر الخبر أم مسؤولية نشر الخبر
-
الطائفية في العراق: قريبا من السلطة بعيدا عن الاسلام
-
بانوراما الألوان واحتفالية الأشجار
-
الفنان التشكيلي المغربي المكي مغارة وحوار العتمة والنور
-
ثلاث محطات ضوء مغربية من شمس الموسيقى العربية
-
أنين العود في ليل العراق الطويل
-
إعلان مدفوع الثمن
-
من الذي أساء إلى الإسلام غير المسلمين ؟
-
الأغنية العربية في ميزان الفيديوكليب
-
الشمس والغربال / رأي في الأغنية العربية
-
رنين العود أنين العراق
المزيد.....
-
كيف يعصف الذكاء الاصطناعي بالمشهد الفني؟
-
إسرائيل تشن غارات جديدة في ضاحية بيروت وحزب الله يستهدفها بع
...
-
أضرار في حيفا عقب هجمات صاروخية لـ-حزب الله- والشرطة تحذر من
...
-
حميميم: -التحالف الدولي- يواصل انتهاك المجال الجوي السوري وي
...
-
شاهد عيان يروي بعضا من إجرام قوات كييف بحق المدنيين في سيليد
...
-
اللحظات الأولى لاشتعال طائرة روسية من طراز -سوبرجيت 100- في
...
-
القوى السياسية في قبرص تنظم مظاهرة ضد تحويل البلاد إلى قاعدة
...
-
طهران: الغرب يدفع للعمل خارج أطر الوكالة
-
الكرملين: ضربة أوريشنيك في الوقت المناسب
-
الأوروغواي: المنتخبون يصوتون في الجولة الثانية لاختيار رئيسه
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|