|
حصاد العمر جمجمة ..
حسين مهنا
الحوار المتمدن-العدد: 7480 - 2023 / 1 / 2 - 15:03
المحور:
الادب والفن
حَصادُ العُمْرِ جُمْجُمَةٌ.. (قِصَّةٌ قَصيرَةٌ)
السَّيِّدُ عِرْفان نَموذَجٌ فَريدٌ مِنْ نَوعِهِ، فَإِذا جَلَسَ إِلى الطَّعامِ، وقَبْلَ أَنْ يَلْقُمَ لُقْمَتَهُ الأُولى يَقولُ: بِسْمِ الله؛ وبَعْدَ أَنْ يَأْخُذَ كِفايَتَهُ مِنَ الطَّعامِ يَقولُ: الحَمْدُ للهِ؛ أَي إِنَّهُ رَجُلٌ يُؤْمِنُ بِالله، ويَقولُ: لَمْ نَرَهُ ولكِنْ بِالعَقْلِ عَرَفْناهُ! والسَّيِّدُ عِرْفان عَصَبِيُّ المِزاجِ، ولِأَتْفَهِ الأَسْبابِ يَنْسى البَسْمَلَةَ والحَمْدَلَةَ فَيَصْرُخُ ويَشْتُمُ ويَكْفُرُ، فَإِذا أُنِّبَ على كُفْرِهِ يَقولُ ضاحِكًا: اللهُ غَفورٌ رَحيمٌ. يَعْني بِاختِصارٍ نِصْفُهُ مُؤْمِنٌ ونِصْفُهُ الآخَرُ كافِرٌ! سُئِلَ مَرَّةً لِمَنْ تُصَلِّي!؟ أَلِلَّهِ تُصَلِّي أَمْ تُصَلِّي لِلشَّيطان!؟ أَجابَ ساخِرًا مِنَ السُّؤالِ وسائِلِهِ: ما الشَيطانٌ إِلّا الإِنْسانُ.. وسُئِلَ مَرَّةً بِحُضورِ مَجْموعَةٍ مِنْ رِجالِ الدِّينِ قَصْدَ الإِحْراجِ: هَلْ تُؤْمِنُ بِالأَدْيانِ وبِالأَنْبِياءِ؟ قالَ: الأَدْيانُ كُنُوزٌ لِلْأَخْلاقِ، والأَنْبِياءُ حُرَّاسُها ومَا عَدا ذَلِكَ فَهْوَ تَحَزُّبٌ وتَعَصُّبٌ وتَفْرِقَةٌ! هَكَذا اسْتِطاعَ السَّيِّدُ عِرْفان أَنْ يَقْطَعَ سَنَواتِ العُمْرِ بِهَدْيِ (أَبيقور) مِنْ غَيرِ أَنْ يَقْرَأَ فَلْسَفَتَهُ أَو حَتَّى يَسْمَعَ بِهِ، وأَنْ يِتَعايَشَ مَعَ أَهْلِهِ وأَهْلِ بَلَدِهِ وكُلِّ مَنْ عَرَفَهُ مِنْ قَريبٍ أَو مِنْ بَعيدٍ بِالَّتي هِيَ أَحْسَنُ، وهَكَذا قَبِلوهُ وتَعايَشوا مَعَهُ، فَالطَّبْعُ الَّذي طَبَعَهُ اللَّبَنُ في أَعْرافِهِمْ لا يُغَيِّرُهُ إِلّا الكفَنُ. لَكِنَّ السَّيِّدَ عِرْفان لا يَقْبَلُ هَذا التَّعْليلَ لِأَنَّهُ يُؤْمِنُ بِأَنَّ اللهَ أَعْطاكَ عَقْلًا لِتُفَكِّرَ ولِتُفَسِّرَ الأَشْياءَ بِبَواطِنِها قَبْلَ ظَواهِرِها تَفْسيرًا عِلْمِيًّا، حَتّى في بَدِيهِيّاتِ الحَياةِ كَأَنْ يُقالَ مَثَلًا: اللهُ يَمْنَحُ المَطَرَ متى شاءَ ويَمْنَعُهُ متى شاءَ! فَإِذا قالَ لَهُمْ: هَذِهِ ظَواهِرُ طَبيعِيَّةٌ لَها عَلاقَةٌ بِالبُرودَةِ وبالمُنْخَفَضاتِ الجَوِّيَّةِ وما إِلى ذَلِكَ، يَقولونَ ساخِرينَ: نِصْفُكَ الكافِرُ هو الَّذي يَتَكَلَّمُ، أَو أَنْ يُقالَ: الغِنَى والفَقْرُ مِنْ عِنْدِ اللهِ، يَقولُ: ولَكِنَّ عَلِيًّا كَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ قالَ: ما اغتَني غَنِيٌّ إِلّا بِفَقْرِ فَقيرٌ! كَمْ يُحِبُّ هَذا القَولَ لَيسَ لأَنَّهُ يَنْتَمي إِلى رَهْطِ الفُقَراءِ فَقَطْ، بَلْ لِأَنَّ سَيِّدَنا عَلِيًّا قَدْ سَبَقَ ماركس بِنَظَرِيَّةِ الصِّراعِ الطَّبَقيِّ بِقُرونٍ وقُرون! وبِالحَقيقَةِ الخالِصَةِ لَمْ تَكُنْ لِتُزْعِجَهُ هّذِهِ الأُمورُ الحَياتِيَّةُ خاصَّةً وهْوَ في خَريفِ العُمْرِ، بِقَدْرِ ما كانَ يُزْعِجُهُ تَفْكيرُهُ بِالحَياةِ وبِالمَوتِ، الأَمْرُ الَّذي لَمْ يَكُنْ يَخْطُرُ عَلى بالِهِ مِنْ قَبْل؛ فَما قيمَةُ الحَياةِ إِذا كانَتْ سَتَنْتَهي بالاندِثارِ والفَناءِ!؟...مِنَ التُّرابِ وَإِلى التُّرابِ تَعودُ! وهَلْ صَحيحٌ ما قالَهُ الجامِعَةُ ابْنُ داودَ المَلِكِ في أُورشَليمَ: إِنَّ كُلَّ شَيءٍ باطِلٌ وقَبْضُ الرّيحِ!! وأَخَذَتْةُ الذَّاكِرَةُ بَعيدًا بَعيدًا يَومَ كانَ طِفْلًا حَيثُ كانَ يَسْتَرِقُ النَّظَرَ بِوَهَلٍ إِلى الكِبارِ وهُمْ يَنْتَشِلونَ عِظامَ المَوتى مِنَ القُبورِ فَيَرى عِظامَ السّاقَينِ والفَخِذَينِ والسّاعِدَينٍ والأَضْلاعَ وعِظامَ الكَفَّينِ والقَدَمَينِ مُجَرَّدَةً مِنْ شَحْمِها ولَحْمِها إِلى أَنْ يَصِلَ بِنَظَرِهِ المُتْعَبِ إِلى الجُمْجُمُةِ فَيَشْعُرَ بِرَعْدَةٍ فيها مِنَ القَباحَةِ شَيءٌ، ومِنَ الرَّهْبَةِ أَشياءٌ. كَبِرَ السَّيِّدُ عِرْفان وكَبِرَ هَذا المَشْهَدُ مَعَهُ، بَلْ ظَلَّ يُعاوِدُهُ كُلَّما شارَكَ في جَنازَةٍ أَو رَأَى دابَّةً نافِقَةً أَو شَجَرَةً يابِسَةً أَو حَتّى أَرْضًا أَخَذَتْها القُحولَةُ؛ وكَثيرًا ما كانَ يُهاجِمُهُ هذا المَشْهَدُ في ساعاتِ تَأَمُّلِهِ.. وَيَتَساءَلُ: تُرى أَينَ ساقَا (فيدبيداس) اللَّتَانِ قَطَعَتا سَهْلَ ماراتونَ لِيَقولَ لِزُعَماءِ أَثينا: قَدِ انْتَصَرْنا! وأَينَ عَينَا (زَرْقاء اليَمامَةِ) اللَّتَانِ رَأَتا عَلى بُعْدِ مَسيرَةِ ثَلاثَةِ أَيّامٍ أَشْجارًا تَسيرُ نَحْوَ قَومِها جَديس!؟ وأَيْنَ أَنامِلُ (المُتَنَبِّي) الَّتي خَطَّتْ أَجْمَلَ القَصائِدِ!؟ وأَينَ (تْشارلي تشابْلِنْ) الَّذي جَلَبَ الفَرَحَ إِلى النُّفوسِ المُتْعَبَةِ في هَذا العالَمِ الصَّلْدِ دونَ أَنْ يَنْطِقَ ولو بِكِلِمَةٍ واحِدَةٍ!؟ أَينَ... وأَينَ...وأَينَ!؟ وَتَخَيَّلَ نَفْسَهُ هَيكَلًا عَظْمِيًّا بِجُمْجُمَةٍ مُفْرَغَةٍ لا تَصْلُحُ إِلّا مَأْوىً لِلْعَناكِبِ والعَقارِبِ والحَيّاتِ السّامَّةِ؛ بَعْدَ أَنْ كانَتْ مَصْدَرَ الخَلْقِ والإِبداعِ عِنْدَ الإِنْسانِ. فَصاحَ، أَو هَكَذا خُيِّلَ لَهُ: ماذا بَعْدَ هَذِهِ الحَياةِ!!... ماذا بَعْدَ هَذِهِ الحَياة!! وهَلْ حَصادُ العُمْرِ سِوى جُمْجُمَة؟! قالَها ماسِحًا دَمْعَةً بارِدَةً عَنْ وَجْنَتِهِ وأَسْلَمَ نَفْسَهُ لِاسْتِرْخاءٍ كُلِّيٍّ في كُرْسِيِّهِ المُريحِ كَمَنْ يُريدُ أَنْ يَرى نَفْسَهُ مَطْروحًا على دَكَّةِ المَوتِ. البُقَيْعَةُ/الجَليل6/12/2022
#حسين_مهنا (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
إضاءة
-
انا افهمك ولكن
-
الوسطى - قصّة قصيرة
-
الحارة
-
COVID 19 - قصّةٌ قصيرة
...
-
كرامة قوميّة
-
حواريّة
-
سالم جبران
-
رُباعيّات
-
السّاديّون
-
هواية
-
سميح القاسم
-
صباحُ شيخ في الخامسة والسّبعين
-
حيفا
-
نعي عنترة
-
ذبابة
-
القصيدة العاتبة ..
-
القصيدة الغاضبة
-
كوني أنتِ
-
مشاركة في حوار حول التّحرّش الجنسي
المزيد.....
-
الحكاية المطرّزة لغزو النورمان لإنجلترا.. مشروع لترميم -نسيج
...
-
-شاهد إثبات- لأغاثا كريستي.. 100 عام من الإثارة
-
مركز أبوظبي للغة العربية يكرّم الفائزين بالدورة الرابعة لمسا
...
-
هل أصلح صناع فيلم -بضع ساعات في يوم ما- أخطاء الرواية؟
-
الشيخ أمين إبرو: هرر مركز تاريخي للعلم وتعايش الأديان في إثي
...
-
رحيل عالمة روسية أمضت 30 عاما في دراسة المخطوطات العلمية الع
...
-
فيلم -الهواء- للمخرج أليكسي غيرمان يظفر بجائزة -النسر الذهبي
...
-
من المسرح للهجمات المسلحة ضد الإسرائيليين، من هو زكريا الزبي
...
-
اصدارات مركز مندلي لعام 2025م
-
مصر.. قرار عاجل من النيابة ضد نجل فنان شهير تسبب بمقتل شخص و
...
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|