|
كيفية ترتيب الآيات القرأنية
بدر الدين العتاق
الحوار المتمدن-العدد: 7479 - 2023 / 1 / 1 - 12:04
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
يرى بعض الباحثين في دراساتهم عن القرآن الكريم أمثال الأستاذ الدكتور سامي الذيب؛ الباحث السويسري الجنسية الفلسطيني الأصل ، أنَّ هناك عدم ترتيب في تركيب الآيات القرآنية ومن ثَمَّ وضعها على شكل السور المتعارف عليها / راجع طبعته للقرآن باللغة العربية ولغات أخرى بالإنترنت / فساقتني هذه الإشارة للبحث والمضي قُدُمَاً في فهم هذا الاعتراض من جانبه وكذلك الأستاذ الدكتور / محمد المسيح؛ الباحث المغربي في مخطوطاته عن القرآن الكريم؛ وقد أخذا هذه الاعتراضات من جملة الآراء القديمة مما وجداه في تفسير القرطبي والطبري وخلافهما كقولهم عما ورد أن سورة الأحزاب كانت في الطول مثل سورة البقرة أي عدد الآيات؛ فكانت لهما إشارة بأنَّ ثَمَّةَ تضارب أو فوضى في ترتيب تركيب الآيات القرآنية لا السور خصوصاً إذ أشكل عليهما سؤالاً مثل قوله تعالى في سورة طه : { وقبضت قبضة من أثر الرسول }؛ من هو هذا الرسول المقبوض أثره ؟! إضافة إلى العديد من المسائل البحثية ليس ههنا موضع تفصيلها. قلت : ساقتني تلك الإشارة للبحث عن عدم ترتيب تركيب آيات القرآن حسب قولهما وأضرابهما منحى ثانياً للبحث وهو وقت نزول السور زمنياً هل هو ذاته ما اشاروا إليه أم غيره ؟ . وجدتُ ثَمَّةَ تقارب بين التساؤلات جميعها في أنَّ الربط بين المُدَدِ الزمنية في نزول السور الطِوال بالتحديد وبين عدم ترتيب تركيب الآيات القرآنية داخل السورة الواحدة هو أُسُّ الإشكال؛ وبمعنى أبسط : الفترات الزمنية الطويلة في تنزيل وتجميع وتكوين السور الطِوال بالذَّات كالبقرة والنور والأنعام وغيرهم هو ما عزاهم لقولهم آنف الذكر؛ ووجدت جذر الإشكال فيما رواه المتقدمون في تفاسيرهم للقرآن مثل القرطبي والطبري والجلالين وخلافهم من أنَّ السورة المعنية / البقرة بالذات / الطويلة أخذت ردحاً من الزمن حتى اكتمالها وهنا وجه الخطأ ! والصواب إن شاء الله هو : إنَّ القرآن الكريم لم ينزل سوراً سوراً ولا سورة ًسورةً كالبقرة والأنعام وبعض السور الطِوال المتفق عليها عند أغلب أهل العلم مثلاً ( قِصار السور مما نزل جملة وكاملة مرة واحدة دون تفريق أو تنجيم وأكثرها في سنوات المبعث الأولى بمكَّة المكرمة بين سني : 611 م – 614 م ) ، لكن إنَّما نزل آيات آيات كما قال به أغلب أهل العلم أيضاً ( راجع كتب وتفاسير المفسرين أمثال السيوطي والقرطبي والطبري والزمخشري وأضرابهم بتسبيب النزول ، وألاحظ هنا أنَّ الآيات أو السور التي لم يجدوا لها سبباً واضحاَ بزعمهم لسبب نزول معين قالوا إنَّما نزلت كاملة وجملة واحدة دون قرينة سبب نزول كالسور المكيَّة أوائل سنوات المبعث الشريف ) ، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم الأصحاب حين يكتبونها أن : [ ضعوا هذه موضع هذه؛ وهذه موضع هذه ] إذ كان تكوين السور لا بحيث ترتيبها من النزول بل بتركيبها من الآيات؛ وهذا الأمر النبوي الشريف جاء بتوجيه وأمر إلهي من طريق الوحي ومن ثم تم تدوينه وكتابته بالطريقة التي نراها بصورتها الحالية منذ ذلك الوقت إذ جملة الأمر كان توقيفياً لا توفيقياً؛ وموضع الإشكال الذي تنبه له الباحثون المتأخرون هو ذهابهم بالفهم والرأي أنَّ السورة الطويلة الواحدة نزلت متفرقة وليس هذا صحيحاً والصحيح هو أن التفريق كان في الآيات لا في السور ولا في ترتيبها بل في تركيبها ثم جمعت وسُمِّيَتْ بأسمائها التي بين دفتي المصحف الشريف وهذا الأمر من الأهمية بمكان لا يُتجاوز . لنأخذ مثالاً : سورة الأحزاب؛ مركبة بأكثر من مقطع لأكثر من حدث في أكثر من زمن معين أو محدد ؛ ففي المقطع الأول تحدثت وتطرقت لقضية التبني عن نِسبة الأبناء للآباء المتبنين دون آبائهم الحقيقيين كتبني النبي محمد عليه السلام لزيد بن حارثة وكان تبنيه له قبل المبعث النبوي الشريف؛ ثم تطرق في المقطع الثاني بجواز زواج زوجة / نكاح / الابن من التبني في ذات قضية زواج زيد بن حارثة من زينب بنت جحش رضي الله عنهم ما بين السنة الثالثة إلى السنة الخامسة من الإخراج النبوي على خلاف بين الرواة الموافق لسنة ٦٢٧ - ٦٢٩ للميلاد / راجع البخاري والبداية والنهاية لابن كثير وكتب السِّيَر في ذلك / ؛ وفي المقطع الثالث تطرقت لقضية آل البيت النبوي الشريف وأزواجه رضي الله عنهن؛ وكانت هذه الأحداث في مكَّة قبل الإخراج من مكَّة إلى المدينة في السنة الثالثة عشر من المبعث الموافق لسنة ٦٢٤ للميلاد ؛ وفي المقطع الرابع تطرقت السورة لقضية واقعة الخندق المتعارف عليها بواقعة الأحزاب في السنة الخامسة من الإخراج النبوي الموافق لسنة ٦٢٩ للميلاد ؛ حين كانت هذه الحادثة بالمدينة؛ إلى غيرها من المواضيع والأحداث؛ لكن الشاهد هنا هو تركيب مقاطع الآيات وتجميعها بهذا الشكل ومن ثَمَّ تسميتها بالحدث التاريخي الأهم والأبرز وهو واقعة الأحزاب أو غزوة الخندق ؛ وهذا التركيب أوعز للكثيرين بطول الفترات الزمنية لنزول السورة الواحدة التي جاءت بشكلها المتفق عليه من جميع العلماء والفقهاء والرواة والمحدثين وغيرهم؛ وهو أُسُّ الإشكال كما بيناه سابقاً إذ كان التركيب والتجميع لا علاقة له بطول الفترات الزمنية لحدوث الأحداث والوقائع أو بتسمية السور ذاتها . مما زاد الإشكال إشكالاً جديداً هو تسمية السور وتصنيفها ما بين مكي ومدني أو السور المكية التي تحتوي على آيات مدنية والآيات المدنية التي تحتوي على آيات مكية وهكذا؛ أو بمعنى أدق من ذلك هو : تسبيب النزول؛ ولا يخلو من تكلف؛ ووجه التكلف هو ما وقع فيه أصحابنا المتقدمين والمتأخرين من الآراء المتباينة والمتعارضة حتى ذهبت بالمحدثين والمتقدمين فيما بعد بالطعن والتشكيك في القرآن الكريم بوجه من الوجوه؛ لأنَّه أثبت التعارض ما بين التصنيف والتسمية والتسبيب وما بين التنزيل والترتيب والتركيب؛ مما حدا بهم القول بعدم الترتيب والفوضى في القرآن أو جملة السور أو السورة الطويلة الواحدة ؛ تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً . خذ مثالاً لذلك : سورة الفيل ، زعموا أنَّ سبب نزولها هو هدم الكعبة من أبرهة الحبشي وجيشه وسموا هذا العام بعام الفيل وكانت العرب تسمي أعوامها بالحادثات الكبيرة البارزة وكان ذلك في سنة 571 للميلاد ، وهذا خطأ ! خطأ تسبيب النزول لا خطأ تسمية العام لأنَّ السورة نزلت بعد مبعث النبي عليه السلام في السنوات [ يؤمن المسلمون نقلاً عن المفسرين الذين نقلوا عن ابن إسحاق، أنها نزلت على النبي محمد لتذكير قبيلة قريش بما فعله الله بأصحاب الفيل الذين حاولوا هدم الكعبة وهم أبرهة الحبشي وجيشه وفيها تذكير بقدرة الله على العتاة ولم تكن قريش بند لأبرهة وجيشه وهم يعادون رسول الله محمد / راجع النت ويكبيديا السورة ] الأولى من المبعث النبوي فقرينة التسبيب لا تتفق ولا تتوافق مع الحدث لاختلاف الزمنين أي بعد أكثر من أربعين إلى خمس وأربعين سنة تقريباً ، ومن المعلوم بالضرورة إذا أردت التسبيب أن يكون التزامن مع الحدث في آن واحد ، وهذا يعنى بطبيعة الحال أنَّ سبب النزول غير صحيح بمجرد كلمة " سبب النزول " وذكرك لها بقرينة السورة تقع في الخطأ وقد بيَّنَّا وجوب التفريق لكل منفرداً . سورة الأحزاب مدنية فيما زعموا؛ رغم وجود أحداث منها كانت بمكَّة قبل البعثة أصلاً ( قضية التبني مثلاً ) وأحسب أنَّ الذي دفعهم لتصنيفها بروز الحدث الأكبر وهو حفر الخندق بالمدينة وفيها جاء ذكر الهجرة للأصحاب من مكَّة المكرمة إلى بلاد الحبشة في السنة الخامسة من المبعث الشريف الموافق لسنة ٦١٦ للميلاد؛ وهو ما خلق الاضطراب بين التصنيف والتسبيب والتنزيل والتركيب والتسمية وبين تساؤل من سأل وبحث في دراسته عن القرآن . إليك مثالاً آخراً : سورة البقرة؛ وردت بها آية الكرسي؛ فإذا ذهبت لتربط بذات النمطية التي ذهب إليها المتقدمين من المفسرين والشُرَّاح فيما سبق توضيحه من التسبيب والتزامن وهلم جرا؛ بين موضوع السورة وبين آية الكرسي لن تجد العلاقة بسهولة / راجع كتابنا : " الزمن في الإسلام " تحت الإعداد تأويل سورة البقرة / كذلك تركيب مقطع : { ألم ترى إلى الملأ من بني إسرائيل إذ قالوا لنبي لهم ابعث لنا ملكاً نقاتل في سبيل الله } المرجع السابق؛ مع أول السورة وذكر قصة بقرة بني إسرائيل لن تجد الربط والعلاقة بسهولة؛ وبهذه المناسبة : ذكر أهل التفسير أن سورة البقرة مدنية رغماً أنَّها تحمل تصنيفهم للسور التي نزلت بمكَّة من مفتتح السور بالآيات المُهَجَّئة ( أ ل م) فاستثنوها من التصنيف والقاعدة وأحالوها إلى مدنية هي وآل عمران؛ فبدر إلى ذهني سؤال : لماذا لم يتم تصنيف سورة الرعد بأنَّها مكية أيضاً رغم مُفتتحها بـــــ ( أ ل م ر ) وتم تصنيفها على أنها مدنية ولم يذكروها من استثناء القاعدة والضوابط ؟! . من أمثلة الاضطراب ما قالوه عن سورة النور أنَّها مدنية بالإجماع وأنَّها نزلت بعد سورة النصر؛ / راجع الإنترنت والمصادر ذات الصِّلة / قلت : وقد ذهب بن عباس أنَّ سورة النصر هي آخر ما نزل من القرآن؛ فكيف تكون شورة النور الأخيرة بينما سورة النصر هي آخر ما نزل قبل انتقاله عليه السلام للرفيق الأعلى بثمانين يوماً وسماها بن عباس بسورة "التوديع" باتفاق جمهرة العلماء بينما آخر آية نزلت إجماعاً أيضاً هي : { واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس بما كسبت وهم لا يظلمون } سورة البقرة ؟! أفتوني في أمري هذا إن كنتم له تعبرون . مثل هذا الاضطراب خلق التفكير في تعارض السور وعدم تكييف آياتها مع بعضها البعض في سورة واحدة وأنَّها غير منسجمة وما إلى غير ذلك ولك أن تلاحظ لآية النور في سورة النور من جملة ما جاء أعلاه تجد التساؤل قائماً . قالوا : إنَّ سورة النور نزلت آخر السنة الأولى من الإخراج النبوي وقال بعضهم أنَّها نزلت أواخر السنة الأولى وبداية السنة الثانية من الإخراج النبوي وكان تمام نزولها في ثمانية سنوات حتى السنة التاسعة من الإخراج النبوي الشريف الموافق لسنة ٦٣٣ للميلاد؛ وأظهر هذا الخلاف الزمني وترتيب الآيات وتركيبها / آية النور من ذات السورة؛ مثالاً / بين المتقدمين والمتأخرين جملة من التساؤلات منها : تسبيب حادثة الإفك- والسورة مدنية بالإجماع - حين قال بعضهم بنزول آيات التبرئة قبل زواج النبي عليه السلام من أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها / راجع بحثنا المفصل عن حادثة الإفك في موقع سودانيز أون لاين والانترنت وصحيفة المدائن بوست التي تصدر من ألمانيا وخلافهما على الفيس بوك / في السنة الثانية من الإخراج النبوي الموافق لسنة 626 للميلاد وسورة النور نزلت في السنة الخامسة الموافق لسنة 𧿵 للميلاد وقال ابن إسحاق في باب المغازي في السنة السادسة من الإخراج النبوي ( 630 م ) بعد الأحزاب ( 629 م ، ما يُفهم أن سورتين نزلتا في وقت واحد وعلى وجه الدقة : آيات من سورة الأحزاب وآيات من سورة النور نزلتا في سنة واحدة أو وقت واحد [ 629 م – 630 م ] وهنا مكمن الاضطراب والتشكيك والتساؤل وما يجري مجراه ) وقال أصحاب السِّيَر أنَّها في السنة الخامسة من ذات السنة؛ وكان عليه السلام اصطحب عائشة رضي الله عنها في غزوة بني المصطلق لماء يقال له المريسيع أو ما تعرف بغزوة المريسيع ( موضع الاستشهاد هنا ما بين تسبيب نزول السورة وحادثة الافك وزواجه من أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها في تثبيت التواريخ والتحقيق ، ركِّز جيداً أيُّها القارئ الفطِن ) فكيف يتفق ذلك التسيب مع طول فترة التنزيل لها كاملةً خلا ثمانية سنوات إلى ثمانية سنوات ونصف / راجع أول المقال / مع تلك الأحداث التاريخية مما يشير إلى أنَّ الحادثة حدثت بعد نزول الآيات العشرة الثانية من السورة مع عدم تحديد وقت نزول العشر آيات الثانية قطعاً وحسماً زمناً تاريخياً لا يقبل الشك ودون التقييد أو الالتفات لما قالوه جملة عنها من باب التسيب ؟ ومن طرف خفي نفهم حدوثها من عدمه والله تعالى أعلم أيُّ ذلك كان . أمرٌ آخر لا يقل أهميَّة من ذات الموضوع وهو : لماذا تكلَّف المتقدمون من الشُرَّاح والمفسرين والفقهاء وأصحاب السِّيَر والمتكلمين وأضرابهم وأشياعهم بكل إصرار وجهد أن يجعلوا وكدهم في تصنيف سورة البقرة مدنية النزول ( فُهِمَتْ أحكام التشاريع الواردة فيها رأس الرمح في مدنيتها وهنا موضع تشكيك آخر لأنَّ سورة الحج مدنية وذكر فيا تشريع إذن القتال والهجرة من مكَّة إلى الحبشة للأصحاب رضوان الله عليهم من خلال السياق وربط الآيات وهي تتكلم عن حدث بعينه بعد التضييق على المسلمين بالحصار الاقتصادي والمقاطعة الكاملة من قريش لمن دخل في دين محمد الدين الجديد والمعروفة بميثاق الصحيفة التي كتبها منصور بن عكرمة أحد المشركين وأكلتها الأَرَضَة ولم يبق منها إلا " باسمك اللهم " وشُلَّت يده ، في شِعب أبي طالب ثلاثة سنوات وكان الإذن بالهجرة للصحابة والمسلمين بعامة لمن قدر عليها في السنة الخامسة من المبعث الموافق لسنة 616 للميلاد قال تعالى : { أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40) الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ } سورة الحج ، والذي ساق رأي أغلب المتقدمين في مدنية السورة هي مناسك الحج أو ذكر الحج فيها ، ولك أن تحدثني أيُّها القارئ الحصيف عن مدنيتها أو مكيتها حين أطمأن أنا لما قد ذكرته جملً وتفصيلاً إن شاء الله ) إذ قام تقسيمهم وتصنيفهم على أنَّ السور مكية النزول من شروطها أو ابجدياتها أو موضوعاتها أو ما أشبه هي ما افتُتِحَتْ بحروف الهجاء المقطعة وذكر فيها القصص والعبرة والتاريخ وما إلى ذلك؛ وكانت سورة البقرة من ذات التصنيف أو الشروط أو الاعتبارات أو الضوابط التي اتفقوا عليها لأنَّها مُفتتحة بحروف التهجي المتقطعة ( ا ل م ) ثم استثنوها من مكي النزول إلى مدني النزول هي وآل عمران وفات عليهم ذكر سورة الرعد المفتتحة بــــــ ( ا ل م ر) حين صنفوها بالمدنية وهي تحمل ذات ضوابطهم لمكي النزول ؟!. لست أرى رأيهم لسبب بسيط جداً هو : إنَّ التشاريع التي وردت في سورة البقرة أو كوَّنتها هي مكية النزول للسبب الذي ذكروه ثم استثنوها منه أولاً؛ ثم إنَّ ظهور أي نبي أو مصلح اجتماعي في قامته صاحب تكليف رباني إنَّما أول ما يبدأ به هو طرح التكليف والتوجيه لأنَّها رسالة الأنبياء والمرسلين بالأمر الإلهي المباشر والأصل ثانياً؛ وعلى هذا يكون القياس إن شاء الله ( راجع ما ذكرناه عاليه من أمر سورة الحج وتشريع إذن القتال بمكة ربطاً بالحدث التاريخي الأهم وهو هجرة الصحابة إلى مملكة إكسوم الحبشية ، مشكوراً ). ليس شرطاً أن تبرز أحكام وقضايا وتكاليف التشريع النبوي المحمدي في المدنية أو بقيام الدولة المدنية أو نواة الدولة الإسلامية الجديدة بالمدينة بمجرد مقام النبي فيها بكل مجرياتها التاريخية التي حدثت بل أثق للغاية في المذهب الذي ذهبته بمكية السورة لا مدنيتها من هذا الباب إن شاء الله . أمر مهم جداً : الذي أبرز قضايا التشريع والتكليف المحمدي هم رجالات القرن الأول الإخراجي أمثال عروة بن الزبير ونافع مولى عمر ومالك بن أنس وعبد الله بن عباس؛ والمصطلح عليهم بالصحابة والتابعين وأتباع التابعين الذين جاءوا من بعدهم على مر التاريخ الإسلامي الأول القديم من رواة الحديث وكَتَبَةِ الوحي وبروز المدارس الفقهية في الأمصار وبدايات التدوين أوائل القرن الثالث الإخراجي ونهاية القرن الثاني مع بداية الدولة العباسية بالعراق ( تأسيس الدولة العباسية بدأت عام 132 خ / 750 م، واستمرت أكثر من خمسة قرون، حتى قضى عليها المغول عام 656 خ / 1258 م. وهي أطول مدة عرفها نظام الخلافة الإسلامي " التواريخ دون تدقيق " ) وظهور الملل والطوائف والمدارس الفقهية والفكرية بالكوفة والبصرة وبقية الأمصار وما إلى ذلك؛ كل هؤلاء متأخرين جداً عن العهد والعصر النبوي بحال من الأحوال ( 634 م – 750 م ، حوالي 116 سنة ) رغم أنَّ العلم الذي نقلوه إلينا متواتراً لكنهم ربما فات عليهم أو لم يُذكر في أدبياتهم مبدأ بداية التشاريع والتكاليف الإلهية لأمة محمد بن عبد الله عليه السلام بمكَّة المكرمة ثم جمعها في سورة البقرة أيام عهدهم بالمدينة الأولى؛ لأنَّهم بدأوا في تفعيل تلك التشاريع للناس ودخول العقل المتلقي لمن شهد النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة الكرام وحوجتهم لمعرفة دينهم بشكل جديد يتماشى مع تساؤلاتهم ومعطيات وقتهم في القرن الأول من الإخراج النبوي الشريف بعد انتقاله عليه السلام للرفيق الأعلى بأكثر من مائة وستة عشر سنة ( 116 سنة ) على أقل تقدير وكما صحب تلك الفترة من نقلة حضارية وفكرية لم تكن بشكل قوي حين كان النبي بين ظهرانيهم ولا أبتعد عن وجودها القليل لكن نهاية الدولة الأموية ( الدَّوْلَةُ الأُمَوِيَّةُ أو الخِلافَةُ الأُمَوِيَّةُ أو دَوْلَةً بَنِي أُمَيَّة (41 - 132 خ / 662 - 750 م ) " التواريخ دون تدقيق " ) وبداية الدولة العباسية سنة ١٣٢ للإخراج النبوي وظهور مدارس الفقه والفكر - على قلته آنذاك - هو الذي أطَّر لنواة الفقه المعروف وهو هو الذي قال بأنَّ التشاريع نزلت بالمدينة؛ التشاريع لم تبدأ بالمدينة ولكنها انتهت إليها وبدأت مع بداية نزول الوحي؛ راجع استثناء جمهور العلماء لمكية سورة البقرة وتصنيفها لمدنية لما بها من التشاريع وهو أصل كلمتنا هذه - في الكتب والمصادر الإسلامية ذات الصِّلة - فتجد صحة ما ذهبنا إليه بكل اطمئنان إن شاء الله. كذلك سورة محمد سورة مدنية، اتفق العلماء على ذلك على حد قول بن عبَّاس ، ورأى بعضهم أنها أنزلت في أول العهد النبوي، والسورة تُعْنى بالأحكام التشريعية الخاصة بالقتال، والأسرى، والغنائم، وأحوال المنافقين، ولكنَّ المحور الذي تدور عليه السورة هو موضوع "الجهاد في سبيل الله"، ورُويَ أن الآية 13: { وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ فَلَا نَاصِرَ لَهُمْ } نزلت في طريق هجرة النبي محمد إلى المدينة، وَقَالَ الثَّعْلَبِيّ : إِنَّهَا مَكِّيَّة , وَحَكَاهُ اِبْن هِبَة اللَّه عَنْ الضَّحَّاك وَسَعِيد بْن جُبَيْر ، راجع تفسير القرطبي للسورة بالإنترنت . دعني أيُّها القارئ الكريم نقرر معاً : إنَّ جميع آيات القرآن منسجمة مع بعضها البعض ومتكيفة تكييفاً لا تخطئه الحكمة - تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً - وأنَّ الاضطرابات والإشكالات التي صدرت من عديد الباحثين في دراساتهم هي من قبيل القصور في الفهم عن النص وليس من أصل النص ، وبغض النظر عما نقله التراث الإسلامي في ذلك فالعقل الجمعي الواعي اليوم يستطيع بفضل الله ثم بفضل تطور العلم ومعطياته فك هذا التعارض والإشكال والتساؤل إن وُجِدَ بقليل من التريث والتدبر إن شاء الله ؛ قال تعالى : { إنا أنزلناه قرآناً عربياً لعلكم تعقلون * وإنه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم } سورة الزخرف؛ فالحكمة كل الحكمة والعلَّة كل العلة في التعقل والتدبر؛ وهذا ما لزم توضيحه .
#بدر_الدين_العتاق (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سورة الحشر؛ الإحلال والإبدال الديمغرافي
-
الهوية السودانية
-
جدارية العاج؛ حائط المبكى
-
في العيد الوطني السعودي؛ تحية وقضية
-
إدريس جماع؛ حياته وشعره؛ تصويب وتوضيح
-
اسمها فدية الصوم وليست زكاة الفطر
-
نشيد الجيش السوداني
-
تعدد الزوجات في الإسلام
-
إنما الصدقات ... للقوات المسلحة الإنسانية !
-
حول حقيقة الإسراء والمعراج والوحي
-
السكرتيرة- ؛ الزوجة الثانية للمدير العام
-
أين ذهبت خطب الجمعة للنبي صلى الله عليه وسلم؟
-
وردة بنفسج - لأجلها- في عيد الحب
-
الكجور.. صور شعبية
-
مقترح تقسيم السودان إلى خمسة أقاليم
-
قصيدة - كوني ملهمتي-
المزيد.....
-
144 مستعمرا يقتحمون المسجد الأقصى
-
المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية: مذكرة اعتقال نتنياهو بارقة
...
-
ثبتها الآن.. تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025 علي كافة الأقم
...
-
عبد الإله بنكيران: الحركة الإسلامية تطلب مُلْكَ أبيها!
-
المقاومة الإسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الأراضي
...
-
المقاومة الإسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الاراضي
...
-
المقاومة الاسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الاراضي
...
-
ماذا نعرف عن الحاخام اليهودي الذي عُثر على جثته في الإمارات
...
-
الاتحاد المسيحي الديمقراطي: لن نؤيد القرار حول تقديم صواريخ
...
-
بن كيران: دور الإسلاميين ليس طلب السلطة وطوفان الأقصى هدية م
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|