كذابها ربّع

عمر حمش

الحوار المتمدن-العدد: 7478 - 2022 / 12 / 30 - 23:23
المحور: الادب والفن
    

وربّع المشددة هنا من ربيع الخير العميم، والرزق الوفير، وقد تأتي منه: ربيعة؛ في إشارةٍ إلى حصادٍ مغتنم، أو فرصةٍ اقتُنصتْ، وقد سنحت،
كما في ربيعة وظائف أوسلو التي أقامت القاعد، وأقعدت الواقف.
عجيبٌ هذا اللسان الفلسطيني في اشتقاقه للمفردات.
وكذابها ربّع، لا تعني أنّه تربّع، أو أخذ شكلا، بل هو هناك في ربيع الفرص، مثله مثل ثور اقتدر، يجري من هنا إلى هناك، ويتلاعب بلسان شيطان، فيطيح بهذا، ويراوغ هذا، وهو يسكب على الملأِ شهدا متخيلا فيه السّم الناقع.
عندما كنت أستمع إلى صوت العرب في ستينيات القرن الفارط؛ لم أتخيل ولو للحظةٍ أنّهم كانوا يكذبون، ويستغفلونني.
وعندما كان فدائيو ما قبل الهزيمة يمضون في الليل، ويعودون في النهار، وظهورهم محمّلة بأكياسٍ، ظنناها معبأةً بأطراف قتلى الغاصبين، كان يلزمني بضع سنين؛ لأكبر، وأعلم أن الأكياسَ ما كانت تعبأ إلا ببرتقالٍ مسروقٍ من حقول الحدود.
مَكذبةٌ على وزن مَفعلة، وهي لدى العرب تشبه لفظا، ومعنى مكتبة!
فلك أن تدخل مكتبة، وتسوح في الثنايا على شتى أصناف الآداب، والعلوم.
كذلك المكذبة، اعبرها، وامكث قليلا، شريطة ألا تكون بخيالي الصبياني الذي كان، فتصدّق إذاعةً، أو شاعرا، أو خطيبا، أو شيخَ مِنبر.
فقط امكث بعين الحصيف الفصيح، لترى العجب العجاب ...
في بلادنا يكذبون، من الوزير إلى الغفير، ومن المعلّم إلى التلميذ، ومن الأب إلى الأم. وكلهم مظلومون، كلٌّ في المكذبة يشكو المظلمة التي ألمّت به، ويشكو حتى يربّع، وفي الربيعة يصلُ أعلى مراتب التربيع، فيشارُ إليه بالبنان، كمن أنهى علما، وحصّل مرتبة بجمالِ عقله، وبهاءِ سعيّه.
هنا لواء مظلومٌ، لا يجيد إطلاق رصاصة، وهناك موجّهٌ تربويّ يضربُ أباه، ويسعى جاهدا إلى ترقية، وهنا شاعرٌ بلا علاقة بفنّ الحرف، وهناك سياسيّ قبيحُ؛ يحاول أن يجيدَ الرقص.
والدنيا شيوخ:
الأب، والأم، والبنات، والأولاد،
والعاملون، والعاطلون .. المعترضون، والموافقون.
كلهم شيوخ يريدون إقناعك أنّ الهزائمَ اختبار الله، وجوعَ الخلقِ ابتلاء. والكذبَ ملحُ الرجال.
كذابها ربّع يا قومُ، والصدقُ تنحّى.
الصادقُ ضعيفٌ خجولٌ، ولكم هو كئيبٌ في تلك المعمعة.

#عمر_حمش (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات