|
المعطف...
ماهين شيخاني
( كاتب و مهتم بالشأن السياسي )
الحوار المتمدن-العدد: 7472 - 2022 / 12 / 24 - 11:35
المحور:
الادب والفن
كانت الاحتفالات والمسيرات بين فترة وأخرى من المناسبات الحكومية إجبارية ، بالرغم من أنف الموظف للخروج ورفع شعارات أو لافتات داعمة للنظام الحاكم ، كتب عليها من قبل الجهات المعنية و رؤوساء الدوائر المرغمون خوفاً أو تملقاً للنظام في الدولة ولا يعفى أحياناً حتى المريض منها،الجميع ملزمون بالحضور وإثبات وطنيتهم حسب المفهوم المخابراتي . باستثاء إحداهن وهي زوجة أحد الشخصيات الغير مرحب به من قبل الأمن فاسم" آراس " كان كافياً لاعفاء والدته المربية من المشاركة الإجبارية . ذات شتاء، وفي الفرصة الأخيرة اجتمع المدير " العميل " مع المدرسين وبكلمة مقتضبة حماسية عن الوطن والوطنية وبأسلوبه الخطابي المميز باحترافيه والمتمكن بضخ كميات هائلة من الطاقة الثورية ، لحثهم بالتحضير للخروج إلى المسيرة بانتظام وعدم التنصل و الهروب أثناء المسيرة بعد عدة خطوات والاختباء بين الواقفون على الأرصفة. والانسحاب خلسة من بين الجماهير إلى البيت ، وأن عليهم الإلتزام بالأوامر الصادرة من الحكومة الرشيدة، وأية ملاحظة أو غياب سوف يتحملها الشخص وقد تصل التحقيق إلى عقوبة السجن والفصل من الوزارة التربية. - أعيد وأكرر ، عليكم أيها الرفاق ،ايتها الرفيقات ،البقاء إلى نهاية الإحتفال ، وأنت أم آراس بإمكانك التريث قيلاً ، ريثما يحين استعدادنا، يمكنك الانصراف بهدوء ، فأولادك صغار وهم بحاجة إليك ، أدار بوجهه الى جهة ثانية وهو يعدل نظارته السميكة قائلاً: الإهتمام بالصغار ايضاً من صلب رسالتنا ، يصب في خانة النضال ضد التخلف والاستعمار ، علينا جميعاً النضال بشتى الطرق والوسائل ضد الاستعمارية والإمبريالية، ثم ادلق كأس من الماء . انتصبت أم آراس لتتحرك نحو الباب للخروج، استوقفتها زميلتها وطلبت منها المعطف الذي ترتديه ..وهي تلوك اللبانة التي في فمها قائلة: -الجو في الخارج لساعات لايحتمل ، زمهرير ،انا لا أطيق البرد ، لو سمحتي لي بارتداء معطفك ، أنت محظوظة على ما يبدو مدعومة من قبل المدير ، اما نحن المساكين ملتزمون ، نحن في جبهة واحدة كما تعلمين ، قالتها بابتسامة: يعني غصباً عنا....؟!!!!. - تكرمي ، أيتها الرفيقة المناضلة والمشاكسة ، قالتها ضاحكة ، لقد أخرجته من الخزانة و ارتديته اليوم ، ثم خلعت المعطف على عجل وسلمتها لها ، استودعتها ملوحة بيدها ...ثم أخذت دربها واتجهت صوب الدار ... اما الباقون بعد لحظات خرجوا الى الشارع يصفون التلاميذ للتوجه والوصول إلى المسيرة حسب التوقيت ...كان الضجيج والهتافات التي القنوها للتلاميذ تشق عنان السماء في المدينة ، بالرغم من الجو القارس و ترافقه صفير الهواء كموسيقى صاخبة تتراقص أسلاك الكهرباء بعشوائية والسحب تتسابق ، تظهر الشمس بين الفينة والأخرى باستيحاء ثم تختفي ، الشوارع موحلة وبرك المياه منتشرة ، تتسلل البرد إلى جوف الحضور والمارة ، الهواء تلسع الوجوه فتحمر الخدود وتخرج من الأفواه والأنوف أبخرة تشكل سحابة على رؤوس الجميع... لا شعورياً دست ( الرفيقة المشاكسة) يديها في جيب المعطف لتقي يديها البضتين من البرد وهي تسير بخطى ثابتة ضمن صف منتظم ...كانت محط الأنظار لدى الذكور ، لخفة دمها وحلاوة كلامها وروحها إضافة إلى جمالها الأخاذ ، كانت بيضاء البشرة ، كنسمة لطيفة في قيظ ملتهب ، تكسو خديها صبغة وردية ، ناعمة ، ملامحها في الغاية الدقة ، صنعت بأنامل فنان بارع ، تلمست بوجود ورقة في الجيب الداخلي للمعطف ، سحبتها بفضول وحين فتحت الورقة ، وبدأت تقرأ المضمون ، تنحت جانباً ، اضطربت ، تغيرت ملامحها الى الصفرة ذابت الحمرة من خديها بلحظات ، نشفت ريقها ، ارتجفت خائفة وجلة ، تسرب الرعب في اوردتها ... - يا للهول ، ما هذه المصيبة التي بين يدي ، كيف أنقذ ذاتي من هذا المازق ...نشرة حزبية معارضة ، ومن جهة حزبية كوردية ...سيتهمونني بالعمل لصالحهم ، ربما يتهمونني مثلما يتهمون الكورد التحريض على اقتطاع جزء من الدولة وإنشاء كيان منفصل ، عليَّ بتمزيقها فوراً وإلا التحقيق و السجن لا مفر منه....لكن كيف امزقها بين هذا الحشد الجماهيري...فلو مزقتها لقطع جد صغيرة ، سيأتي ابن حرام ما وما أكثرهم و يتلقفها ، ظناً منه بأنني مزقت رسالة غرامية ، ولو رأى كلمة مناهضة للنظام سيكون التهلكة الحتمية من مصيري...عليَّ الخروج حالاً من الصف والولوج بين الناس باية ذريعة،ثم التوجه الى إحدى الشوارع الجانبية ، وأن رآني أحدهم او سد طريقي مخبر ما ، ساتجنبه وأن اضطررت للوقوف والمسائلة ، سأقول بأنني ذاهب إلى بيت قريب من هنا لأداء حاجتي ، وامري لله... تسللت شيئاً فشيئاً وبخطى راجفة وخرجت ، لكن كان حدسها صادقاً فهناك عين تراقبها.... راقبها من حارة إلى حارة ومن شارع إلى شارع، ومن منزل إلى منزل ومن ثم تأكد على اي باب تدق . - هزَّ " الرقيب " رأسه منتشياً، بالصيد التي وقعت بالفخ.
#ماهين_شيخاني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بمناسبة يوم اللغة العربية
-
من الذاكرة المنسية
-
-بائعة الخبز -
-
الادارة والمجلس و« المغارة » ...الأخوين قاسم و علي بابا .
-
مقال
-
- كورد سوريا والعام الجديد -
-
- وماذا بعد سجن الصناعة في الحسكة -
-
قصة قصيرة - الارستقراطي .
-
الخرائط الجديدة والترقّب
-
الاخطبوط التركي أمام صمت الأمم
-
مذكرات ..خوشو ..مبدعاً..؟.
-
قصة قصيرة - المشهد..؟.
-
قصة قصيرة خبر مثير...لاجتماع الحمير ..؟.
-
- تركيا ...والرقص مع الفيلة -
-
الجسر _ قصة قصيرة
-
- تركيا و التهديد بين حين وآخر بورقة المياه ..-
-
ثورة أيلول والآمال على 14تموز
-
قصة قصيرة
-
كوردستان الغربية وما بعد الانتخابات الأمريكية
-
الاصطفافات في الحركة الكوردية السورية
المزيد.....
-
تركيا تقضي باعتقال مديرة أعمال فنانين مشهورة بتهمة محاولة ال
...
-
-من هو النمبر وان؟-.. الفنان المصري محمد رمضان يسأل والذكاء
...
-
الثقافة السورية توافق على تعيين لجنة تسيير أعمال نقابة الفنا
...
-
طيران الاحتلال الاسرائيلي يقصف دوار السينما في مدينة جنين با
...
-
الاحتلال يقصف محيط دوار السينما في جنين
-
فيلم وثائقي جديد يثير هوية المُلتقط الفعلي لصورة -فتاة الناب
...
-
افتتاح فعاليات مهرجان السنة الصينية الجديدة في موسكو ـ فيديو
...
-
ماكرون يعلن عن عملية تجديد تستغرق عدة سنوات لتحديث متحف اللو
...
-
محمد الأثري.. فارس اللغة
-
الممثلان التركيان خالد أرغنتش ورضا كوجا أوغلو يواجهان تهمة -
...
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|