أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد المجيد إسماعيل الشهاوي - المال والصالح العام














المزيد.....

المال والصالح العام


عبد المجيد إسماعيل الشهاوي

الحوار المتمدن-العدد: 7469 - 2022 / 12 / 21 - 16:04
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


من المفترض أن يُستخدم المال العام في تحقيق الصالح العام. لكن، لكي يكون المال عاماً، يتعين أن تكون الجهة التي تملكه والمخولة لصرفه عامةً كذلك بالضرورة، وإلا انتفت عنه صفة العمومية وتحول إلى شيء آخر. كذلك، إذا ما استوفى المال شرط العمومية، حتى يُصرف في تحقيق مقاصد الصالح العام يتعين أن يوجد من يُعرف هذا الصالح العام أولاً. من الذي يحدد ما هو الصالح العام؟

’العام‘ عكس ’الخاص‘. الإرادة الخاصة، لدى كل فرد أو شركة أو مؤسسة أو منظمة أو أي كيان هادف أو غير هادف للربح آخر غير مملوك أو تابع لجهة حكومية، هي التي تحدد بقرارها الشخصي أين هي مصلحتها بالتحديد، وكيف ستصرف مالها الخاص سعياً لتحقيقها. ومن المفترض أن تؤدي الإرادة العامة الدور نفسه فيما يتعلق بالأفراد والكيانات والمؤسسات المملوكة للدولة أو التابعة لها بشكل أو آخر، أو ما يسمى ’المال العام‘، سعياً لتحقيق المصلحة العامة لهذه الدولة ككل. لكن، من جهة أخرى، ماذا يحدث إذا كانت هذه ’الإرادة العامة‘ فاقدة الأهلية، أو ربما غير موجودة من الأصل؟!

العامة هم جمهور مواطني الدولة الذين يفترض أنهم أصحاب المال والمصلحة الأصليين فيها، بحكم كونها وطنهم الأم. وعليه، ليس ثمة ’مال عام‘ ما لم يكن مالهم جميعاً ولا ’مصلحة عامة‘ ما لم تكن مصلحتهم جميعاً بحكم قدرهم التاريخي كون هذا البلد تحديداً إرثهم عن آبائهم سيورثونه لأبنائهم. لذلك، حتى يكون المال عاماً بحق، لابد أن يكون ملكاً لهؤلاء العامة مجتمعين؛ وحتى تكون المصلحة عامة بحق، لابد أن تحقق مصالح هؤلاء العامة أيضاً مجتمعين. ولكي يتحقق ذلك، لابد من جهة أو هيئة أو مؤسسة ما تجسد إرادة هؤلاء العامة مجتمعين، وتملك من الأدوات ما يلزم لتخصيص وصرف ومراقبة مالهم فيما يحقق لهم مصالحهم.

لكن، في بعض الملكيات من دولنا، ليس ثمة جهة عامة على الإطلاق تمثل الإرادة العامة؛ وفي البعض الآخر، ومعظم الجمهوريات، هناك جهات عامة عديدة لكنها صورية وشكلية وفي أحسن الأحوال فاقدة الأهلية لتجسيد الإرادة العامة بالحد الأدنى المطلوب. تبقى حالتان، العراق ولبنان، حيث توجد جهات تمثل الإرادة العامة بدرجة أفضل كثيراً، لكنها تظل معيبة وناقصة لأسباب عديدة من أبرزها الصراعات الطائفية والتدخلات الخارجية وهشاشة الدولة.

هل معنى ذلك أن دولنا تفتقر إلى ما يسمى بلغة الاصطلاح الحديث ’المال العام‘ و’الصالح العام‘؟ وإذا كان، بماذا إذن نسمى الموازنات الجبارة التي تخصصها حكوماتنا سنوياً لمشاريع واستثمارات عملاقة قد تعجز أمام أقلها ضخامة كل شركات القطاع الخاص مجتمعة؟!

في الواقع، مثل الأشخاص الطبيعيين، الأشخاص الاعتباريين ومن ضمنهم الدول لا تستطيع الحياة من دون ’مصروفات‘ تلبي لها احتياجات البقاء الضرورية. وفي هذا الصدد، لا فرق على الاطلاق بين الدول الاستبدادية والديمقراطية- كل الدول تحتاج إلى البقاء. لكن بينما توجد ’إرادة عامة‘ في الديمقراطيات هي التي تخصص وتصرف المال العام في تحقيق الصالح العام الذي تقرره بنفسها، في الدول الاستبدادية حيث ينعدم التمثيل الحقيقي لهذه الإرادة تؤدي هذا الدور بدلاً منها السلطة الحاكمة، سواء ملكية أو جمهورية أو غير ذلك. عندئذٍ، في الحقيقة، تنتفي عن هذا المال صفة ’العام‘ ليتحول إلى ’حكومي‘، غايته العليا مزيد من توطيد قبضة ’الحُكم‘ ويخصصه النظام الحاكم بقراره المنفرد وتحقيقاً لمصالحه الخاصة، المتمثلة بالدرجة الأولى في ضمان استمراريته في الحكم. هكذا تتحول مقاصد المال العام، بعدما تحولت حاضنته، من خدمة ’العامة‘ إلى خدمة ’الحكومة‘، بعدما أصبح في الحقيقة بمثابة مالها الخاص كحكومة. ولما كانت الحكومة ليست معادلاً للدولة، فإن مصلحة الأولى قد لا تتلاقى أو تتطابق بالضرورة مع مصلحة الأخيرة دائماً.

علاوة على ذلك، لأن من يجمع المال العام ويصرفه في الدول الاستبدادية هي حكومة مفتقدة إلى الإرادة العامة، تتبدل أيضاً بالتبعية طبيعة هذا المال وتنشأ بينه وبين ’المال الخاص‘ علاقة معكوسة مناقضة لما هو قائم في الدول الديمقراطية. في هذه الأخيرة، يُجمع المال العام من الضرائب التي تفرضها الإرادة العامة من خلال القوانين على المال الخاص، بمعنى أن المال الخاص هو الأصل والمنشأ للمال العام. بينما في الدول الاستبدادية تنعكس الآية، حيث يصبح المال العام هو الأصل والمنشأ- وسدرة المنتهى- لكل من يطمح إلى كنز ومراكمة مال خاص. في قول آخر، لا يستطيع المال الخاص أن ينشأ، وإذا نشأ أن يستمر، من دون الارتباط والتربح في علاقة نفعية متبادلة مع المال العام.

وماذا ستريد الحكومة المستبدة من المال الخاص أكثر من تأييد ومساندة حكمها؟! وماذا سيريد المال الخاص من المال العام بيد الحكومة أكثر من المزيد والمزيد منه؟! في قول آخر، سيتحول المال الخاص إلى خادم وتابع للحكومة إذا ما أراد المزيد من المال، وسيتحول المال العام إلى إكراميات ومكافآت لكل من يلتف حول الحكومة مؤيداً ومسانداً؛ وسينفض الجميع عن عامة الناس الذين يتركون لتدبر أمورهم بأنفسهم عبر وسائل من ضمنها التحايل والتهرب والسرقة من المال العام، الذي هو في الأصل مالهم أنفسهم.



#عبد_المجيد_إسماعيل_الشهاوي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأنبياء ملوك المستضعفين
- ديانة التوحيد
- عُقْدَة أبولهب
- اعتذار واجب للكافرين
- عمل الفساد في السلطة
- زنا العيون لا يُنتج حملاً
- السلطة والثروة والدين
- لديَّ حُلْمُ كُوردي
- السلثردي
- هل القوة وحدها تكفي؟
- سوريا، أَنْتِ هُنَا؟
- الهيمنة الأوروبية قديماً وحديثاً
- أساطير الأولين2
- هل تُفْلِس مصر؟
- حرب الجمهوريات
- أساطير الأولين
- تحيا جمهورية مصر العربية
- رعايا في مملكة الملك
- حرب بوتين في أوكرانيا قد تضيع منه روسيا
- التمثيل النسبي للإرادة العامة


المزيد.....




- شاهد رد فعل طالبة أثناء بث رسالة تحذير من جامعة فلوريدا يُشي ...
- الإليزيه يصف محادثات باريس حول أوكرانيا بـ-التبادل الممتاز- ...
- الكويت.. قرار بسحب الجنسية من 962 شخصا والداخلية تعلن عدة أس ...
- قتيل وجرحى بانقلاب حافلة مدرسية في ساوث كارولينا الأمريكية
- عامل غير تقليدي يرتبط بزيادة خطر السكتة الدماغية المبكرة
- مسيرة إسرائيلية تستهدف سيارة على أوتوستراد صيدا صور جنوب لبن ...
- وسائل إعلام: الولايات المتحدة تسحب مئات الجنود وتغلق 3 من قو ...
- البيت الأبيض يعيد تشكيل مجلس الأمن القومي وفق رؤية ترامب لـ- ...
- استطلاع: نصف الأمريكيين لا يريدون رؤية هاريس بمنصب حاكم ولاي ...
- حاكم فلوريدا يواجه انتقادات بعد تطبيق قانون الهجرة على مواطن ...


المزيد.....

- فهم حضارة العالم المعاصر / د. لبيب سلطان
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3 / عبد الرحمان النوضة
- سلطة غير شرعية مواجهة تحديات عصرنا- / نعوم تشومسكي
- العولمة المتوحشة / فلاح أمين الرهيمي
- أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا ... / جيلاني الهمامي
- قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام / شريف عبد الرزاق
- الفاشية الجديدة وصعود اليمين المتطرف / هاشم نعمة
- كتاب: هل الربيع العربي ثورة؟ / محمد علي مقلد
- أحزاب اللّه - بحث في إيديولوجيات الأحزاب الشمولية / محمد علي مقلد
- النص الكامل لمقابلة سيرغي لافروف مع ثلاثة مدونين أمريكان / زياد الزبيدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد المجيد إسماعيل الشهاوي - المال والصالح العام