أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - أحمد رباص - نيتشه والعمل في المجتمع الحديث: هذه -النقيصة- في عصرنا الحالي (الجزء السادس)















المزيد.....

نيتشه والعمل في المجتمع الحديث: هذه -النقيصة- في عصرنا الحالي (الجزء السادس)


أحمد رباص
كاتب

(Ahmed Rabass)


الحوار المتمدن-العدد: 7467 - 2022 / 12 / 19 - 02:36
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


تفتضي مواصلة الحديث عن هذا الموضوع تناول إشكالية تحددها العلاقة القائمة بين العمل والراحة (utium) والثقافة الراقية، فنقول: يتم الجمع بين النقد الفني للرأسمالية، عند نيتشه، مع التعارض المنهجي بين العمل ووقت الفراغ، ليس بمعنى الترفيه بل بمعنى الأوتيوم . ومن الجدير بالذكر، في هذه النقطة، أن ضد المصطلح اللاتيني otium هو neg-otium؛ أي الأعمال . 
يدين نيتشه، كما رأينا في القسم الأول من هذه الدراسة، بانتظام الحماسة للعمل نظرا لتأثيره على العقل ووقت الفراغ. كما أنه يعتبر العمل الجسدي - أو على الأقل بعض أشكال العمل الجسدي - "مرهقا". ومع ذلك، وبسبب انعكاس القيم، فإن "العمل" الذي "كان شيئا حقيرا" أصبح ذا قيمة اجتماعية.
يقول نيتشه: "لم يعد لدينا الوقت أو القوة للاحتفالات، للانعطافات نحو اللطف، وللفكر أثناء المحادثة، وللأوتيوم بشكل عام،". بعبارة أخرى، فإن اختفاء الأوتيوم، بمعنى الترفيه التثقيفي، يولد وفقا لنيتشه شكلاً من أشكال الانحدار الثقافي والحضاري. 
يتميز اللوتيوم بالفعل، وهذا منذ كتابه الحامل لعنوان "Considérations Inactuelles"، بكونه يتصدر ولادة كل الأشياء الرائعة والجميلة ، أي ما يساهم في ظهور "الثقافة الراقية (كروليك،2001، 307). 
هكذا نكتشف تماما المضمون الأرستقراطي لنقد نيتشه، من حيث أنه، أولاً، يحكم على الثقافات بواسطة مقياس محدد من القيم، في حين أن الاتجاه الخاص بالحداثة، كما تشهد على ذلك بعض السوسيولوجيات، هو على عكس النسبية الثقافية. 
ثانيًا، تظهر أيضا السمة الأرستقراطية لفكره عندما يُظهر كيف أن الأوتيوم ليس أو لا يمكن - بله لا ينبغي - إلا أن يكون امتيازا لشخص ما فقط - امتيازا وأرستقراطية يتحددان بشكل متبادل في الفكر الحديث. 
في الفقرة التي تحمل عنوان "الحضارة والطبقة الاجتماعية"، يكتب نيتشه قائلا: "لا يمكن أن تنشأ حضارة متفوقة إلا عندما تكون هناك طبقتان متميزتان في المجتمع؛ هما طبقة العمال وطبقة المتعطلين القادرين على قضاء وقت فراغ حقيقي؛ أو بعبارات أقوى، طبقة العمل الشاق وطبقة العمل الحر".
يبدو أن مدح الحياة التأملية يرافقه عند نيتشه نقد للطبقة العاملة غير الصالحة لقضاء وقت الفراغ. وهكذا يمكن للمرء أن يعتقد أنه يمتدح الكسل من خلال مقابلة العمال بالمتعطلين، ويكون بالتالي على طرفي نقيض من أحكام فيبلن المذكورة سابقا. 
ومع ذلك، فإن الفارق المهم عند نيتشه هو ذلك الذي يقابل "العمل الشاق" ب"العمل الحر" . هذا ما لم يره بعض الماركسيين وما دفعهم إلى تصنيف نيتشه ليس فقط على أنه "متمرد أرستقراطي" (لوسوردو، 2002) ولكن أيضا باعتباره رجعيا (لوكاتش، 1943). وعندما يشير هذا الأخير إلى أن الحداثة تستلزم، من وجهة نظر نيتشه، "تقليد أوروبا" ، يقدم تأويلا يبدو مبررا تماما. وبنفس الطريقة، يلخص على أتم وجه فكر نيتشه بالإشارة إلى أنه يستنكر "اللامبالاة العميقة تجاه جميع القيم" التي تصاحب "القضاء على عدم المساواة" (لوكاتش، 1943). 
غير أنه من المشكوك فيه أن هدف نيتشه، كما يؤكد لوكاتش، كان هو "شرح التقسيم الاجتماعي للمجتمع إلى طبقات اجتماعية من خلال قوانين الطبيعة "البيولوجية  الأبدية" (نفس المرجع، 33).
بالنظر إلى موضوع العمل، تمكنا من ناحية من رؤية أن نيتشه يفسر سلوك الطبقات الاجتماعية المختلفة على الرغم من أنه لا يقدم تفسيرا لهذا التقسيم الطبقي. من ناحية أخرى، لا يمكن للمرء أن يعتبر أنه يبرهن من منظور القوانين البيولوجية، حتى لو استخدم مصطلح العرق - كما يوضح المثال التالي: "الثروة تنتج بالضرورة أرستقراطية عنصرية". ذلك أن بقية حجاجه ليست سوى تفسير سوسيولوجي لإعادة الإنتاج الاجتماعية، وهي ليست أبدية، كونها عرضية بالضبط.. 
يعتبر نقد نيتشه أرستقراطيا على وجه الخصوص لأنه يرفض العمال والبرجوازيين على التوالي، بينما يدعو إلى شكل جديد للإنسان قادر على قضاء وقت فراغ لائق. وبهذا المعنى، فإن موقف الاقتصاديين مثل كينز أو جالبريث يذكرنا مرة أخرى بموقف نيتشه الذي لا يستنكف عن اللجوء إلى أحكام القيمة، بل على العكس تماما. 
يتضح الجانب الأرستقراطي من فكر كينز بشكل خاص في كتابه "الآفاق الاقتصادية لأحفادنا"، حيث يقول: "ربما يقدم رجال المال النشيطون والحازمون على ان يجرونا جميعا معهم إلى حضن الوفرة الاقتصادية. ولكن سيكون الأشخاص الذين يعرفون كيفية الحفاظ على فن العيش ورعايته إلى حد الكمال، والذين لا يبيعون أنفسهم من أجل الكفاف، هم الذين سيتمكنون من الاستمتاع بالوفرة عندما تأتي".
إن إدانة العمل الشاق كنشاط مزدر والثناء على شكل معين من أوقات الفراغ تذكرنا أيضا بمضمون النقد الرأسمالي لكاتب رئيسي آخر في تاريخ الفكر الاقتصادي: ثورستين فيبلن، أحد الآباء المؤسسين للنزعة المؤسساتية الأمريكية التاريخية. 
مثل نيتشه، يسخر فيبلن (1899)، بعد مرور عشر سنوات على الأول، من المحاولة البرجوازية التي تتمثل في تزيين نجاح المرء بذوق الثقافة. ومثل نيتشه، يستنكر فيبلن عدم أخلاقية وعدم جدوى الإنفاق البرجوازي. مثل نيتشه دائما، يعتبر فيبلن أن العمل في عصر قوى الصناعة الكبرى "طريقة تفكير ضيقة وميكانيكية". مثل نيتشه مرة أخرى، يلاحظ فيبلن انعكاس القيمة الذي حدث في زمن الحداثة فيما يتعلق بالعمل. 
وتعليقا على نظريته الشهيرة حول طبقة المترفين، لاحظ جالبريث: "في الحضارات البدائية، يرتبط العمل، في العادات العقلية للرجال، بالضعف والخضوع للسيد. ولذلك فهو علامة على الدونية، غير جديرة بإنسان في حالة جيدة. لكن المدرسة التقليدية منحت للعمل هالة العمل الشريف. لم يقدم فيبلن على هذا التنازل حتى".
وهكذا، رأينا أن النقد الأرستقراطي لنيتشه يمكن تعريفه على أنه مطلب لثقافة راقية مرتبطة بازدراء معين للمهام الدنيئة. إنه نقد للأعراف الحديثة. 
إلى جانب ذلك، وجدنا اسذكارات لما يسمى بالنقد الأرستقراطي لدى بعض الكتاب العظماء في تاريخ الفكر الاقتصادي، مثل فيبلن وكينز وجالبريث. ثم أدركنا بعد ذلك تماما ما الذي يجعل هؤلاء الاقتصاديين، وخاصة نيتشه، في تعارض مع ماركس. 
بكل تأكيد، يقوم مؤلف كتاب "رأس المال" بمعاينة مماثلة مفادها أن العمل له مركزية أساسية. لكن جوهر نقده للرأسمالية الحديثة، وتجاوزها المحتمل، يقع على وجه التحديد في مسألة العمل وعلاقات الإنتاج، في حين أن الجانب الأرستقراطي لنقد نيتشه، مثل نقد فيبلن وكينز وجالبريث، يسعى للتأكيد على أهمية شكل معين من الثقافة خارج مسألة العمل والمنطق الاقتصادي والنفعي.
 وبقدر ما يعلق جزئيا الإشكالية الاقتصادية الأساسية للعيش لاستبدالها بمشكلة الثقافة، يمكن أن يُنظر إلى نيتشه بحق على أنه نخبوي. لأنه - مسألة تافهة ولكنها حاسمة - من ينتج إذا كان جميع الأفراد مهتمين أو يجب أن يهتموا، أو يكرسوا أنفسهم للثقافة، التي تتطلب وقت فراغ بالمعنى القوي للوقت غير المقيد؟ 
تقودنا هذه الإشكالية إلى واحد من أكثر الموضوعات إثارة للجدل في عمل نيتشه؛ ألا وهو موضوع العبودية، وهو الموضوع الذي يعتمد عليه الماركسيون في رفضهم لفلسفة نيتشه (رينو 2004).
(يتبع)



#أحمد_رباص (هاشتاغ)       Ahmed_Rabass#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- محنة التنقل والترحال عبر مسالك وعرة بين الجبال - مذكرات
- نيتشه والعمل في المجتمع الحديث: هذه -النقيصة- في عصرنا الحال ...
- السنون تمضي والذكريات تبقى - مذكرات
- نيتشه والعمل في المجتمع الحديث: هذه -النقيصة- في عصرنا الحال ...
- إيفا كايلي.. فضيحة فساد مالي بجلاجل
- نيتشه والعمل في المجتمع الحديث: هذه -النقيصى- في عصرنا الحال ...
- أيها الباذنجانيّون المطبعون تبريراتكم واهية..
- نيتشه والعمل الحديث: هذه -النقيصة- في عصرنا الحالي(الجزء الث ...
- نيتشه والعمل الحديث: هذه -النقيصة- في عصرنا الحالي
- كناطح صخرة يوما ليوهنها..
- أفكار أولية حول استعمال مفهوم -الاستراتيجية- في الجغرافيا ال ...
- الكذب إخفاء حقيقة لا بد من ظهورها - مذكرات
- حتى لا ننسى.. تنظيمات مغربية سياسية وجمعوية ونقابية رفضت مبا ...
- فلاسفة الأنوار
- حقوق الإنسان في العالم العربي.. بين وصم المدافعين عنها ب-الإ ...
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
- لويس ألتوسير.. فيلسوف خنق زوجته وأزهق روحها
- المغرب: لأطفال يتأثرون ايضا بالعنف القائم على النوع الاجتماع ...
- المغاربة مستاءون من تفاقم الأزمة الاجتماعية
- الشبح الذي يظهر ويختفي - مذكرات


المزيد.....




- الأنشطة الموازية للخطة التعليمية.. أي مهارات يكتسبها التلامي ...
- -من سيناديني ماما الآن؟-.. أم فلسطينية تودّع أطفالها الثلاثة ...
- اختبار سمع عن بُعد للمقيمين في الأراضي الفلسطينية
- تجدد الغارات على الضاحية الجنوبية لبيروت، ومقتل إسرائيلي بعد ...
- صواريخ بعيدة المدى.. تصعيد جديد في الحرب الروسية الأوكرانية ...
- الدفاع المدني بغزة: 412 من عناصرنا بين قتيل ومصاب ومعتقل وتد ...
- هجوم إسرائيلي على مصر بسبب الحوثيين
- الدفاع الصينية: على واشنطن الإسراع في تصحيح أخطائها
- إدارة بايدن -تشطب- ديونا مستحقة على كييف.. وترسل لها ألغاما ...
- كيف تعرف ما إذا كنت مراقبًا من خلال كاميرا هاتفك؟


المزيد.....

- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - أحمد رباص - نيتشه والعمل في المجتمع الحديث: هذه -النقيصة- في عصرنا الحالي (الجزء السادس)