|
في الذكرى الثانية والعشرين لإستشهاد الدكتور محمد بشيشي الظوالم - الجزء الأخير
بلقيس الربيعي
الحوار المتمدن-العدد: 1697 - 2006 / 10 / 8 - 11:11
المحور:
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية
الجزء الأخير ستبقى حاضرا رغم الغياب لا اعرف كيف أبدأ ومن أين , لكي أصف ما أحسه منذ رحيلك حتى اللحظة , إذ لن تكفي كل الكلمات الموجودة في الآرض للتعبير عما تركه غيابك العاصف في حياتي , ولا لوصف ما أحسه تجاهك , فما بيننا يا أبا ظفر ليس كما بين الناس ..ما بيننا تأريخ طويل ...زمن تكتظ وتتناغم فيه الذكريات والصور الرائعة الجمال ، عن حبنا الذي عمدته الحياة بأنفاسها الخالدة ... إن جذوة هذا الحب لازالت وستبقى تتوهج في قلبي وفي ضميري . فهو تاريخي بل أجمل ما فيه لآنك كنت رمزاً لكل شيء أعشقه وأعتز به .
لقد كنت يا ابا ظفر إنسانا بمعنى الكلمة ، وقد اتسمت حياتك بالتواضع والبساطة مما جعلك قريبا الى كل من تعرف عليك وعمل معك . لذلك ستظل وستبقى حاضرا في ذاكرة من احببتهم وأحبوك ، وها هم رفاق دربك يتحدثون عنك وكأنك بينهم . الشهيد أبو ظفر سجايا في الذاكرة
خالد صبيح لا تكمن قيمة أي سلوك في نتائجه فقط وإنما تتأثر قيمته،برأيي، كما في اي شيء آخر في الحياة بالطريقة التي ينجز بها. فالكثير من السلوكيات والممارسات الاجتماعية أو المهنية التي تنطوي على قدر كبير من نضج الإنجاز والأهمية العملية تبهت وتفقد الكثير من جدواها إذا مااديت بطريقة خالية من الحرارة والصدق الإنساني. وصفة الأداء الصادق والدافئ هي أهم وابرز صفة في شخصية الرفيق الشهيد أبو ظفر. كان الشهيد طبيبا يقدم خدماته للرفاق ببساطة وروح رفاقية عالية يذهب باهتمامه بحالات المرضى الى خلفياتها النفسية والمعنوية فكانت شخصية الرفيق والإنسان والطبيب حاضرة في مزاولته لمهنته. اذكر أول مرة التقيته عندما كنت ضيفا في مقر بشتاشان في صيف عام 1982 وكنت قد سمعت باسمه ولم أتعرف بشخصه بعد وكنت أتحدث مع احد الرفاق الذي كان في جلسة عمل مع رفيق لم أكن اعرفه حينها ذاكرا له أني أريد الذهاب الى الطبيب( متاعب في الجيوب الانفية) وكان الشهيد أبو ظفر هو الشخص الآخر في الخيمة فقال لي اذهب الى العيادة وانتظرني عشر دقاق وسآتي.
كنت أتوجس من لقاء الأطباء لطبيعة بي أو ربما لصور وانطباعات مترسبة في ذهني عنهم جعلتني قلقا بعض الشيء وأنا انتظر أبا ظفر،فالصورة التقليدية للطبيب في المشافي الحكومية في مخيلة العراقيين، لاسيما فقراؤهم سلبية غالبا، فيها الكثير من التعالي والعجرفة ومن عدم احترام لإنسانية المريض وأثار مثل هذا الانطباع لم تغادر مخيلتي بعد. وحين جلست ليفحصني الشهيد كنت مشدودا ومتوترا فطلب مني مع ابتسامة بان استرخي ( استرخي رفيق اخذ راحتك) قالها بطريقة جعلت هواجسي تتبدد بسرعة، كانت جملة بسيطة لكنها تركت أثرا نفسيا طيبا وانطباعا وثقة في هذا الرجل. لم يكن الأطباء الآخرون سيئين بطبيعة الحال ولكن بعضهم (وأؤكد على بعضهم) بعض الأحيان يقدم خدماته الطبية بطريقة اقل ما توصف به هو أنها روتينية باهتة وبدون اهتمام حقيقي أحيانا. ولكن الشهيد جعل بسلوكه سقف التعامل في العلاقة بين الطبيب ومريضه عاليا وبهذا حظي هو ورفاق أطباء آخرون( كالشهيد الدكتور عادل) بمحبة الرفاق والقرويين الحقيقية.
من المؤكد إن الشهيد أبو ظفر ترك أثرا طيبا وانطباعا ايجابيا لدى غالبية الرفاق الذين عايشوه أو الذين سمعوا به، ومن الممكن في غمرة الحياة أن تبهت في ذاكرتهم صورة الشهيد ولكنها في ذهني أبدا لن تغيب ولن تفقد القها. لأنه في يوم 3-4-1983 في الساعة الثامنة مساءا شعرت زوجتي الحامل بقرب الولادة فذهبت الى الرفيق الشهيد لأحضره معي. وهذا الوقت بالذات هو موعد نوم الشهيد، فهو قد اعتاد على النوم المبكر جدا، وحين فحصها قرر أنها حالة ولادة فعلا فذهبنا معا لإحضار الأدوات الطبية وما لفت انتباهي لحظتها انه في مثل هذا الوقت يكون نعسا فقد تحمس وامتلأ حيوية مع إن المهمة مزعجة .
استمرت عملية الولادة، مع شيء من التعسر، من الساعة الثامنة الى الواحدة بعد منتصف الليل فأتى الى الدنيا (طارق) ولاانسى هنا الدور الطيب والاستثنائي في مساعدة الشهيد الذي قامت به الرفيقة العزيزة (عشتار) التي كانت ساعتئذ في زيارة لنا. ماقامت به هذه الرفيقة بتفاصيله الكثيرة والمتعبة يستحق الانحناء فتحياتي لها.
كان الرفيق الشهيد وطيلة وقت الولادة ورغم مارافقها من ضوضاء وتوتر كان يحدثنا أحاديث مرحة وجميلة ليرفع من معنوياتنا ويهدأ انفعالاتنا فحكى لنا قصصا عن أيام دراسته في الجامعة وتطبيقه في المستشفيات وأول عملية ولادة قام بها وهو طالب مطبق. واستمر عملية الولادة الشاقة الى وجه الصبح وكان أداء الرفيق، المرن والدقيق، لهذه العملية ملفتا للانتباه وباعثا على الإعجاب علما أنها أول عملية ولادة في حركة الانصار وربما اخرها.
ولم تنته عناية الرفيق بالطفل وأمه أبدا في المقرات المؤقتة في القرى الإيرانية والى حين خروجهما من كردستان الذي تصادف مع خروجه هو بإجازة في خريف عام 1983.
بعد بشتاشان وماحدث بها من اهتزازات معنوية وتشاؤم مازلت اذكر رأيه في الواقع الذي أدى الى الهزيمة فحينها قال كلمة بقية عالقة بذهني حينما عزا أسباب الهزيمة في أخطاء الأداء السياسي الذي جمع كل التناقضات ( الجبان والشجاع تحت سقف واحد) حسب تعبيره.
ارتبط اسم وصورة الشهيد أبو ظفر بصفاته المميزة ( بالمناسبة، كان شخصا خجولا) بذهني طالما بقي ابني بذاكرتي وطبعا هذا لن يغادرها على الإطلاق حتى لو محيت كل مخزوناتها.
وأيضا من لا يتذكر العملية الجراحية التي أجراها لبتر إصبع الرفيق (أبو حازم) التي أكلتها الغرغرينة والتي أجريت مراحلها الأخيرة بدون مخدر. ومرة وصف الشهيد أبو ظفر قوة احتمال أبو حازم بأنها كانت درسا كبيرا له بالحياة تعلم منها الصبر ومغالبة الألم.
( إن قدرة هذا الرفيق على الاحتمال كانت قدوة وملهم لي.)
أيضا مازال اذكر في شتاء عام 1983 وفي مقر بشتاشان حيث أصيب بعض الرفاق بإسهال مريب فاخذ الرفيق الشهيد على عاتقه متابعة الأمر وتقصى، رغم بساطة أدواته، مجرى مياه (الروبار) ليبحث عن الجراثيم المتسببة بالمرض. وهنا أضيف صفة ايجابية أخرى وهي حرص الشهيد على التوعية الصحية من خلال محاضراته( المفيدة والممتعة) التي كان يقدمها للفصائل وإجاباته الذكية والتفصيلية عن أسئلة الانصار.
كان وجوده يشيع دائما الحيوية ويرفع درجة الحماس. ومرة ذكر احد الرفاق ممن كانوا يرقدون في المستشفى إن الشهيد كان مرحا للغاية ومنكبا ظريفا وكان يصحبهم في الصباحات بالمزاح والنكت واذكر بهذا الصدد انه زار مرة مقر مؤقت لنا وكانت الأجواء مكفهرة بعد بشتاشان ولاسيما بين الرفيقات النصيرات اللاتي كن موجودات في هذا المقر وحين زارهن الشهيد في خيمتهن كنا نسمع ضجيج تكرار ضحكاتهن المرحة لنكاته.
أشياء كثيرة ومتنوعة في سيرة الرفيق ربما لن يتسع المجال لها هنا وأكيد أن حياة واستشهاد الرفيق أبو ظفر ستكون كما كل الشهداء ملفات مفتوحة تستوجب العودة إليها لتسديد جزء بسيط من ديونهم الكبيرة لشعبهم ولرفاقهم.
كم نفتقدك وأمثالك اليوم يا ابا ظفر.
#بلقيس_الربيعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
في الذكرى الثانية والعشرين لإستشهاد الدكتور محمد بشيشي الظوا
...
-
في الذكرى 22 لاستشهاد الدكتور ابو ظفر - الجزء الثاني
-
في الذكرى الثانية والعشرين لإستشهاد الدكتور محمد بشيشي الظوا
...
-
قصة قصيرة بعنوان رصاصة في البيت الاخضر
-
الرسالة !
المزيد.....
-
السيناتور بيرني ساندرز:اتهامات الجنائية الدولية لنتنياهو وغا
...
-
بيرني ساندرز: اذا لم يحترم العالم القانون الدولي فسننحدر نحو
...
-
حسن العبودي// دفاعا عن الجدال... دفاعا عن الجدل (ملحق الجزء
...
-
الحراك الشعبي بفجيج ينير طريق المقاومة من أجل حق السكان في ا
...
-
جورج عبد الله.. الماروني الذي لم يندم على 40 عاما في سجون فر
...
-
بيان للمكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية
-
«الديمقراطية» ترحب بقرار الجنائية الدولية، وتدعو المجتمع الد
...
-
الوزير يفتتح «المونوريل» بدماء «عمال المطرية»
-
متضامنون مع هدى عبد المنعم.. لا للتدوير
-
نيابة المنصورة تحبس «طفل» و5 من أهالي المطرية
المزيد.....
-
سلام عادل- سيرة مناضل - الجزء الاول
/ ثمينة ناجي يوسف & نزار خالد
-
سلام عادل -سیرة مناضل-
/ ثمینة یوسف
-
سلام عادل- سيرة مناضل
/ ثمينة ناجي يوسف
-
قناديل مندائية
/ فائز الحيدر
-
قناديل شيوعية عراقية / الجزءالثاني
/ خالد حسين سلطان
-
الحرب الأهلية الإسبانية والمصير الغامض للمتطوعين الفلسطينيين
...
/ نعيم ناصر
-
حياة شرارة الثائرة الصامتة
/ خالد حسين سلطان
-
ملف صور الشهداء الجزء الاول 250 صورة لشهداء الحركة اليساري
...
/ خالد حسين سلطان
-
قناديل شيوعية عراقية / الجزء الاول
/ خالد حسين سلطان
-
نظرات حول مفهوم مابعد الامبريالية - هارى ماكدوف
/ سعيد العليمى
المزيد.....
|