|
اوكرانيا: حرب استنزاف روسية ضد الكتلة الامبريالية الغربية اليهودية
جورج حداد
الحوار المتمدن-العدد: 7445 - 2022 / 11 / 27 - 09:01
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
إعداد: جورج حداد*
لم يعد الامر يحتاج الى الكثير او القليل من التحليل والتفكير وإنعام النظر لنرى بالعين المجردة: ــ1ــ الطابع العالمي للحرب الاوكرانية بين روسيا من جهة، والكتلة الامبريالية الغربية ــ اليهودية بمجملها، من جهة ثانية. ــ2ــ الطابع الشمولي لهذه الحرب: سياسيا ــ اعلاميا ــ ثقافيا ــ ماليا ــ اقتصاديا و... عسكريا، بمعنى الحرب بالاسلحة الكلاسيكية، اولا، وبكونها ثانيا تضع العالم على حافة الحرب النووية، لثاني مرة بعد ازمة الصواريخ السوفياتية في كوبا في تشرين الاول 1962. وتحاول البروباغندا الاميركية المتعجرفة والغبية، واذنابها وابواقها في كل مكان، الايحاء بأن مسؤولية هذه الحرب تقع على عاتق شخص ــ او زعيم ـــ واحد، يوصف بأقذع النعوت، هو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. ولكن الواقع ــ وبدون اي انتقاص من زعامته واسهامه الشخصي كقائد وطني روسي حقيقي، صلب ومقدام وحكيم ــ فإن فلاديمير بوتين يخطط ويقرر ويعمل، مسترشدا برؤية جيوبوليتيكية عالمية، من ضمن الآلية الدمقراطية الروسية ومؤسساتها الشرعية والمسؤولة (مجلس النواب، ومجلس الوزراء، والهيئات القضائية والعسكرية والاقتصادية والمالية والاجتماعية المعنية، بالاضافة الى قيادة الحزب الحاكم (حزب "روسيا الموحدة")، وبالتوافق مع كل الاحزاب الوطنية الحقيقية الروسية الرئيسية الاخرى، الموالية والمعارضة للسلطة) وهو محاط بفريق عمل ضخم ومتخصص بجميع الشؤون، ويضم رجالا ونساء وطنيين ومشهودا لهم، هم من اكبر الادمغة في روسيا والعالم، ونذكر بضعة منهم فقط من الذين تتداول الصحافة اسماءهم: ــ ألكسندر دوغين، الايديولوجي الوطني الروسي، صائغ نظرية الوحدة الاوراسية الشرقية التحررية، والدور الطليعي لروسيا فيها، بوجه الكتلة الامبريالية الغربية الاطلسية ــ اليهودية؛ ــ سيرغيي لافروف، مهندس السياسة الدولية لروسيا؛ ــ ديميتري ميدفيدييف، الرئيس الروسي سابقا ونائب رئيس مجلس الامن القومي حاليا؛ ــ ميخائيل ميشوستين، رئيس مجلس الوزراء الحالي؛ ــ يوري بوريسوف، نائب رئيس مجلس الوزراء والرئيس الحالي لوكالة الفضاء الروسية العملاقة "روسكوسموس"؛ ــ دميتري روغوزين، الرئيس السابق لوكالة الفضاء "روسكوسموس"؛ ــ سيرغيي شُوْيْغُو، وزير الدفاع؛ ــ فاليري غيراسيموف، رئيس اركان الجيش؛ ــ دنيس مانتوروف، وزير الصناعة والتجارة ورئيس المجمع الصناعي الحربي؛ ــ سيرغيي ناريشكين، رئيس المخابرات الخارجية الروسية؛ ــ الكسي كودرين، وزير المالية الحالي؛ ــ إلفيرا نابيولينا، رئيسة البنك المركزي الروسي؛ ــ الكسي ميلر، رئيس قطاع النفط والغاز والطاقة. وكل ما قامت وتقوم به روسيا وقواتها المسلحة في اوكرانيا، انما تم ويتم بنتيجة بحث معمق وتخطيط جماعي مدروس وموزون بميزان الصيدلي. ونخلص الى القول إن حرب الاستنزاف الحالية، ضد الكتلة الامبريالية الغربية ــ اليهودية، التي بدأتها روسيا في اوكرانيا، ليست حرب فلاديمير بوتين وسلطته، بل هي حرب الجيش الوطني الروسي، وكل الشعب الروسي بمن في ذلك جميع الاحزاب الوطنية الحقيقية، الموالية والمعارضة للسلطة، وجميع المؤسسات الدينية وأولها الكنيسة الاورثوذوكسية، اي انها حرب وطنية جديدة، على غرار ما كانت "الحرب الوطنية" ضد الغزو النابوليوني في 1812، و"الحرب الوطنية العظمى" ضد الغزو النازي الهتلري في 1941. وفي مجمل الخطة الستراتيجية، السياسية والعسكرية، التي طبقتها روسيا في الازمة الاوكرانية حتى الان يمكن رصد المجريات التالية: قبل الانقلاب الفاشي في شباط 2014، كانت روسيا قد وجهت الدعوة الى اوكرانيا للانضمام الى منظمة الاتحاد الاقتصادي الاوراسي (الذي يضم روسيا وبيلاروسيا وكازاخستان وقيرغيزستان وارمينيا)، وكانت اوكرانيا قد قدمت طلب الانضمام الى الاتحاد الاوروبي؛ واعلن الرئيس الاوكراني الشرعي حينذاك فيكتور يانوكوفيتش موافقته على انضمام بلاده للاتحاد الاقتصادي الاوراسي وللاتحاد الاوروبي معا. وكانت روسيا تأمل ان تضطلع اوكرانيا بدور مميز كجسر تواصل بين الاتحاد الاوروبي، من جهة، وروسيا والاتحاد الاقتصادي الاوراسي، من جهة ثانية. وهذا ما اصاب بالغضب الشديد القيادات اليهودية العالمية والامبريالية الاميركية والناتوية، التي كانت تعمل بشكل حثيث لادخال اوكرانيا في حلف الناتو وتحضيرها كقاعدة انطلاق لاستفزاز روسيا ومهاجمتها، بدءا من الاراضي الاوكرانية. ولهذه الغاية أوكلت تلك القيادات ملف اوكرانيا الى الدبلوماسسة الاميركية فيكتوريا نولاند (وهي من اصل اوكراني ــ يهودي خزري. والاسم الاصلي لعائلتها هو نودلمان او نودلمانز). ولا بد من الملاحظة هنا ان انطوني بلينكن وزير الخارجية الاميركية هو ايضا من اصل اوكراني يهودي ــ خزري (اشكنازي). وقد اشرفت نولاند (او نودلمان) "بنجاح" على تنظيم ما سمي "انتفاضة الميدان" الاوروبي، الذي تعاونت فيه قوى اقصى اليمين وامتدادات التنظيمات الاوكرانية النازية القديمة (انصار ستيبان بانديرا وغيرهم)، وتمكنت في شباط 2014 من تحقيق الانقلاب اليميني ــ الفاشي المعادي لروسيا، على طريقة "الربيع العربي" المشؤوم، حيث رفعت جميع شعارات الزبالة الشعبوية عن: "الدمقراطية" و"حقوق الانسان" و"حقوق الامم" و"الاستقلالية" و"السيادية" و"الحضارية الاوروبية"، التي تستخدم زورا لتغطية ابشع الارتكابات الفاشية والداعشية. وتحت هذه الشعارات "الدمقراطية" المزيفة، تم اقتحام البرلمان الاوكراني، والتنكيل بالنواب المؤيدين لاستمرار التعاون الاخوي التاريخي مع روسيا، واجبرت الحكومة الشرعية على الاستقالة، وتم تشكيل حكومة انقلابية يمينية ــ فاشية، تحت التهديد بهراوات البيسبول الغليظة المرفوعة فوق رؤوس النواب؛ وحينها هرب الرئيس الشرعي يانوكوفيتش مع عائلته الى روسيا، معتقدا انه يفتح الطريق لسيطرة اليمين الفاشي على السلطة سلميا. ولكن في الواقع بدأ حمام دم حقيقي وحملة مطاردة وتنكيل وقتل وحشية في الشوارع واماكن العمل، ضد الروس والناطقين بالروسية، وحرق بيوتهم. وفي اوديسا ارسل الملياردير اليهودي ــ الخزري ايغور كولومييسكي رجال المافيات التابعة له، الذين شاركوا مع رجال الشرطة المباعين والموالين للغرب في ارتكاب مجزرة ضد مؤيدي استمرار التعاون مع روسيا، ومهاجمتهم وقتلهم في بيوتهم واماكن عملهم وفي الطرقات؛ وحينما لجأ مئات الناس الى مقر قيادة النقابات في المدينة للاحتماء به، لما له من حصانة معنوية، قام الانقلابيون ورجال مافيات كولومييسكي بإحراق البناء بمن فيه من الناس الذين احرقوا وهم احياء، والذي كان منهم ينجح في الخروج من البناء، كانت تطلق عليه النار او يتم تحطيم جمجمته بهراوات البيسبول الاميركية ويقتل في مكانه. ونظرا لفظاعة ومفضوحية جريمة "بيت النقابات" في اوديسا، فقد وجهت الاتهامات الى كولومييسكي. ولغسل يديها من هذه المجزرة الفظيعة اضطرت الادارة الاميركية ذاتها "لمعاقبته!" باصدار امر بمنعه هو وافراد عائلته من السفر الى اميركا؛ ولكن لم توقع به اية عقوبات اخرى. وقد غادر هذا الملياردير اليهودي السفاح اوكرانيا الى اسرائيل، حيث لا يزال الى الان هناك، دون ان تطالب اميركا بتسليمه للقضاء الاميركي. ولكن روسيا اصدرت ضده قرارا بإحالته الى القضاء الروسي. ولذا فهو لم يعد يجرؤ على العودة الى اوكرانيا، مع ان "الرئيس" اليهودي ــ الخزري فولودومير زيلينسكي هو دمية لدى كولومييسكي، وهو الذي اوصله الى الرئاسة بالتعاون مع المخابرات الاميركية. وبالاضافة الى مافيات كولومييسكي والعصابات النازية، شاركت في انقلاب شباط 2014 في اوكرانيا عائلة روتشيلد المليارديرية المعروفة، والمؤسسات "الثقافية" و"المدنية" التابعة للملياردير العالمي اليهودي جورج سوروس (صاحب "الايادي البيضاء" في "الربيع العربي")، والسي آي ايه، والموساد، والمخابرات البريطانية والاوروبية الاخرى. وردا على الانقلاب الفاشي الموالي للغرب في كييف، والحملة الوحشية المعادية لروسيا والاوكرانيين الروس والناطقين بالروسية، قامت في مقاطعات شرق وجنوب شرق اوكرانيا، ذات الاغلبية الشعبية من الروس والناطقين بالروسية، انتفاضة شعبية معادية للفاشية، واجريت في شبه جزيرة القرم وحوض الدونباس (مقاطعتا دونيتسك ولوغانسك) استفتاءات شعبية طالبت باعادة الانضمام الى الوطن الام روسيا. ولكن المؤسسات البرلمانية والحكومية والقضائية والعسكرية الروسية، بقيادة فلاديمير بوتين، ولاسباب جيوبوليتيكية عليا، أيدت اعادة ضم شبه جزيرة القرم الى روسيا، الا انها أجّلت النظر في طلب اعادة انضمام مقاطعتي الدونباس: دونيتسك ولوغانسك. ولكنها اعترفت بانفصال المقاطعتين عن اوكرانيا وتأسيس جمهورية شعبية مستقلة في كل منهما؛ بل ووقعت روسيا اتفاقيات عسكرية وسياسية واقتصادية وغيرها مع الجمهوريتين الشعبيتين الجديدتين. وكانت القيادة الروسية تفضل الابقاء على الدولة الاوكرانية، ومن ضمنها جمهوريتا الدونباس الشعبيتان (الروسيتان)، في اطار اوكراني فيديرالي او كونفيديرالي يتم التفاوض والاتفاق على صيغته، وان تضطلع اوكرانيا الاتحادية المفترضة بدور حلقة تواصل ايجابي بين روسيا ومنظمة الاتحاد الاقتصادي الاوراسي وبين الاتحاد الاوروبي. وقد جرت بالفعل مفاوضات بين روسيا ودولة اوكرانيا (كييف) لوقف القتال ومن ثم البحث عن حلول سياسية للازمة. ولكن السلطة الاوكرانية الانقلابية، المندمجة اكثر فأكثر مع العصابات الفاشستية والمافيات الاوكرانية، والموالية للغرب ولاسرائيل، كانت تستغل المفاوضات الروسية ــ الاوكرانية لكسب الوقت والامعان في سياستها العدوانية ضد روسيا والروس وضد المصالح الوطنية العليا للشعب الاوكراني؛ تماما على الطريقة الاسرائيلية في المفاوضات الاوسلوية العقيمة مع السلطة "الوطنية" الفلسطينية. ومنذ الانقلاب الاميركي ــ الفاشي في كييف في شباط 2014، وحتى شباط 2022، تاريخ بداية التدخل العسكري الروسي في شرق وجنوب شرق اوكرانيا، مارست السلطة الانقلابية ــ الفاشية الاوكرانية الموالية للغرب سياسة عنصرية اجرامية وتدميرية فظيعة ضد الجمهوريتين الشعبيتين المستقلتين في الدونباس. واحتشد عشرات الوف الجنود الاوكرانيين التابعين للانقلابيين جنبا الى جنب الفصائل المقاتلة للمنظمات الفاشية كـ"القطاع الايمن" وما يسمى "فيلق آزوف"، ومارسوا مجزرة متواصلة ضد السكان المدنيين في جمهوريتي الدونباس، فكانت ارتال الدبابات تشن الهجمات المتواصلة على خطوط التماس، والمدفعية والصواريخ تقصف كل شيء، وخاصة الاسواق والساحات العامة ومحطات القطارات والباصات والمدارس والمستشفيات والمجمعات السكنية، انتقاما من المدنيين الذين اختاروا الخروج عن طاعة الانقلابيين الفاشست واسيادهم الامبرياليين الغربيين والصهاينة. وقد وقع عشرات الوف القتلى والجرحى ومئات الوف المهجرين جراء تلك الجرائم. واستقبلت روسيا عشرات الوف العائلات التي فقدت بيوتها واللاجئين من الاطفال والنساء والرجال الذين فقدوا اهاليهم واقربائهم، ومنحت الجميع على الفور الجنسية الروسية التي تتيح لهم الحصول على جميع حقوق المواطنين الروس في العمل والطبابة والتعليم وحقوق الامومة والمعاشات التقاعدية (مع الاعتراف بفترة خدمتهم السابقة). وطوال تلك الفترة السوداء، تحلت القيادة الروسية بالكثير من ضبط النفس. وكانت كل من الجمهوريتين المستقلتين قد شكلت جيشها للدفاع الذاتي، الذي تطوع فيه عشرات الالوف من المقاتلين الشعبيين المصممين على الدفاع عن بيوتهم وعائلاتهم وحريتهم واستقلالهم. كما تدفق عشراتت الوف من المتطوعين الروس ولا سيما من القوزاق الى شرقي اوكرانيا للمشاركة في الدفاع عن اخوتعم وابناء جلدتهم. وقد ساعدت الدولة الروسية في تسليح هذين الجيشين الشعبيين كما يجب. ولكنها مارست نفوذها لمنع اتخاذ قرارات اندفاعية باكتساح "خطوط التماس" ومهاجمة مواقع الانقلابيين الاوكرانيين ومطاردتهم حتى كييف واقتحامها. وخلال فصول هذه التراجيديا المأساوية، التي استمرت سنوات، كانت تصريحات الدوائر الاميركية والناتوية تتوالى بأنه لن يجري ضم اوكرانيا الى حلف الناتو، او اقله انه لن يجري النظر قريبا في هذه المسألة. ولكن الوقائع على الارض كانت تؤكد ان كل هذه التصريحات الهوائية لم تكن سوى اكاذيب الهدف منها "تطمين" القيادة الروسية ومحاولة خداعها. اما الافعال على الارض فكانت تكذب تلك الاقوال. ومن ذلك: ــ1ــ رفع تعداد الجيش الاوكراني من 260.000 كما كان قبل اعادة انضمام القرم الى روسيا، الى 400.000 الف، وضم فيالق العصابات الفاشية الى وحدات مندمجة في الجيش الرسمي الاوكراني، ووصول الوف المستشارين والخبراء العسكريين والمدربين الاميركيين والناتويين لتدريب "الجيش الاوكراني الجديد" على الاسلحة الغربية التي بُدئ بتزويد اوكرانيا بها بكثافة وبدون اتفاقات معلنة وضجيج إعلامي، وتم تحويل "العقيدة العسكرية" للجيش الاوكراني الجديد من "عقيدة اوكرانية" الى "عقيدة اورواطلسية ــ ناتوية". ــ2ــ تجميع السفن الحربية الاميركية والناتوية في بحر البلطيق والبحر الاسود، والمحاولات الاستفزازية لخرق المياه الاقليمية الروسية (للقرم)، ونشوء خطر التصادم المباشر مع قطع البحرية الحربية الروسية. ــ3ــ حشد اكثر من 416.000 جندي ناتوي (بما في ذلك "قوات النخبة" الاميركية) في الدول الناتوية والموالية للغرب، المحيطة بروسيا والقريبة منها، كدول البلطيق وبولونيا ورومانيا وجيورجيا وبلغاريا. ــ4ــ القيام بمناورات متواصلة لقوات الناتو، بالقرب من روسيا، تدور كلها على محاكاة شن الهجمات على روسيا. ــ5ــ نقض اميركا لاتفاقية منع نشر الصواريخ ذات الرؤوس النووية، قصيرة ومتوسطة المدى؛ واعادة نشر هذه الصواريخ الاميركية في الدول الاوروبية ولا سيما المحيطة بروسيا، بحيث يمكنها الوصول الى موسكو بخلال 6 ـــ 7 دقائق منذ لحظة انطلاقها، مما يصعّب على منظومات الدفاع الروسية قدرة اصطيادها. ــ6ــ تسربت الى القيادة الروسية المعلومات التي تفيد إنه، باشراف وقيادة الخبراء والاختصاصيين الاميركيين والناتويين، تم ويتواصل تحضير وتسليح الجيش الاوكراني الشوفيني ــ الفاشي الجديد، بالاسلحة الكيماوية والجرثومية وما يسمى القنابل "القذرة" المركبة من مزيج من المواد المتفجرة واليورانيوم المنضب؛ وبأنه جرى كذلك سرا تزويد هذا الجيش بقذائف مدفعية نووية اميركية "تاكتيكية". وانه سيتم استخدام كل هذه الاسلحة للدمار الشامل بشكل "صاعق" ضد الجانب الروسي، العسكري والمدني. ــ7ــ وفي الوقت ذاته كانت اميركا والدول الغربية تشن على روسيا (تحت عنوان العقوبات) حربا مالية، اقتصادية، وسياسية، شاملة، لا سابقة لها، بهدف خنق وتجويع الشعب الروسي، وتحريك المعارضة "الدمقراطية" القذرة والعميلة، داخل روسيا، وإضعاف القدرات القتالية للجيش الروسي. امام هذه المعطيات وغيرها من المعلومات الاستخبارية، توصلت القيادة والمراجع الروسية المعنية الى الاستنتاج بأنه يجري التحضير لهجوم مباغت، اوكراني ــ ناتوي ــ اميركي، ضد روسيا، في ربيع وصيف 2022 وقبل الشتاء القادم 2022 ــ 2023؛ لتجنب الصعوبات التي يفرضها الشتاء الروسي على الجيوش المهاجمة. وان الهجوم يمكن ان يتدرج على ثلاث مراحل: الاولى ــ معركة اوكرانية شاملة ضد روسيا، تحت الشعار "الوطني الاوكراني" الزائف: تحرير القرم والاراضي الاوكرانية ممن يسمونهم "المحتلين الروس"، اي بمن فيهم الروس والناطقين بالروسية ــ السكان الاصليين لشرق وجنوب شرق اوكرانيا. (والشيء بالشيء يذكر، فإن اعداء المقاومة في لبنان، من سمير جعجع والسنيورة الى كريم مروة والياس عطالله يسمون كذلك "حزب الله" اللبناني الصميم: "احتلالا ايرانيا"!). وكان من ضمن المخطط ان يشارك في هذه المعركة القادة العسكريون والمستشارون والخبراء والاختصاصيون بالاسلحة الكيماوية والجرثومية والقذرة والنووية، الاميركيون والناتويون. والمرحلة الثانية ــ رفع شعار "الدفاع عن اوكرانيا" ("الصغيرة" و"الضعيفة" و"المسكينة"!) ومنع سحقها من قبل الدب الروسي "اللادمقراطي" و"المتوحش" و"المعتدي"، كمظلة سياسية ومبرر لكي تتدخل القوات الناتوية المحتشدة مسبقا في بحر البلطيق واوروبا الشرقية والبحر الاسود والقوقاز، وتشن الهجمات البرية والبحرية والجوية والصاروخية، وبكل الاسلحة الكلاسيكية والقذرة والنووية، ضد جميع الاراضي الروسية، من قسمها الاوروبي الى الشرق الاقصى والقطب الشمالي. وطبعا تشارك في هذه المعركة الجهنمية الناتوية ضد روسيا، القوات والاسلحة الاميركية المنتشرة على الاراضي الاوروبية وغيرها من المناطق في كافة ارجاء العالم. اما الاراضي الاميركية ذاتها، وبموجب هذا المخطط، فتبقى خلف الاطلسي بعيدة عن القتال وما يتسبب به من دمار جهنمي لكل الاطراف المشاركة فيه. وفي المرحلة الثالثة والاخيرة، تنزل كافة الجيوش الاميركية بكثافة، وتنتشر في جميع البحار والاراضي الاوروبية والروسية، المدمرة والمنهوكة الى اقصى حدود، وتحتشد في اراضي الشرق الاقصى الروسي، بمواجهة الصين من البر، ووضعها ــ اي الصين ــ بين فكي كماشة حصار اميركي بري من الشرق الاقصى الروسي، وبحري من البحور المحيطة بالصين، وإجبار الصين وكوريا الشمالية على الرضوخ التام للهيمنة الاميركية، او تدميرهما بالكامل بالقنابل النووية، ولا حسيب ولا رقيب(!). وكل من يرفع رأسه بعد ذلك، ايران او فنزويلا او غيرهما، سيكون مصيره الدمار الشامل كمصير روسيا واوروبا والصين وكوريا الشمالية. ومن ثم تتم دعوة الجمعية العامة لـ"الامم المتحدة" طيبة الذكر لوضع الاسس "الشرعية" لفرض "السلام الاميركي (Pax Americana) على العالم. ولكن كل هذا المخطط العدواني الجهنمي المبيّت، الناتوي ــ الاميركي، الذي كان سيستخدم الجيش الاوكراني كمخلب قط، جرى كشفه وفضحه واسقاطه بالضربة القاضية ودفنه قبل ان يولد، عن طريق الهجوم الروسي الشامل على اوكرانيا من قبل القوات الروسية، برا وجوا وبحرا والكترونيا، تحت عنوان "العملية العسكرية المحدودة"، التي وافق عليها البرلمان الروسي (الدوما)، والتي بدأت في 24 شباط 2022. وقد ادارت القيادة الروسية هذه "العملية العسكرية المحدودة" لتطبيق خطة عسكرية ــ سياسية مدروسة، يمكن تسميتها: "الخطة آ" (plan A) لحرب الاستنزاف الروسية وكانت هذه الخطة تهدف الى تحقيق ما يلي: ــ1ــ تعطيل قدرات الجيش الاوكراني، وشل حركته، وشرذمته الى اقصى حد ممكن. ــ2ــ توجيه ضربات قاسية الى عصابات المافيات ومجموعات التنظيمات الفاشية التي تقاتل مع الجيش الاوكراني. ــ3ــ الدعم الاقصى للجمهوريتين الشعبيتين في الدونباس (دونيتسك ولوغانسك) وتحرير مقاطعتي خيرسون وزابوروجيه، الواقعتين بين حوض الدونباس وشبه جزيرة القرم، لخلق تواصل ارضي بين شبه جزيرة القرم والمقاطعات الروسية الجديدة في شرق وجنوب شرق اوكرانيا. ــ4ــ التقدم باتجاه اوكرانيا الوسطى وتحرير اكبر عدد من المدن والارياف فيها، مع الحرص الشديد على المدنيين ووقوع اقل قدر ممكن من الخسائر البشرية في صفوفهم، لان روسيا تعتبر هؤلاء المدنيين الاوكرانيين اشقاء للشعب الروسي، اما لكونهم روسا او ناطقين بالروسية، او لكونهم سلافيين واورثوذوكسيين. ــ5ــ محاصرة العاصمة كييف وتضييق الخناق عليها والتحضير لدخولها في اي لحظة. ــ6ــ تغيير النهج الستراتيجي للسلطة الاوكرانية، المعادي للروس وروسيا والموالي للامبريالية الغربية والصهيونية، اما بإجبار السلطة الراهنة على تغيير نهجها، او بقيام انصار الرئيس الشرعي السابق فيكتور يانوكوفيتش (اللاجئ الى روسيا)، بالتعاون مع الضباط الوطنيين الاوكرانيين المستقلين، وتنظيم "انقلاب وطني اوكراني" يعيد الامور الى نصابها الحقيقي، ويعيد العلاقات التاريخية الاخوية الروسية ــ الاوكرانية الى مجراها الطبيعي. وهذا بالتحديد كان هو الهدف الجيوبوليتيكي الرئيسي للعملية العسكرية الروسية المحدودة. وفي الايام الاولى، بل وفي الساعات الاولى، للعملية العسكرية الروسية المحدودة، طبقت القوات الروسية تاكتيك "قفزة النمر"، وتمت السيطرة الكاملة على الاجواء الاوكرانية، وضرب البنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات في أوكرانيا، بحيث فقدت جميع القوات الاوكرانية الاتصالات مع قياداتها وفيما بين بعضها البعض، كما تم ضرب جميع قواعد وتجمعات الجيش الاوكراني والمطارات والسكك الحديدية ومخازن الاسلحة والذخائر وحظائر الدبابات والمدفعية والشاحنات وغيرها من الاهداف العسكرية المفصلية، كما تم تحرير العديد من المدن والمؤسسات الأوكرانية، بما في ذلك محطة تشيرنوبيل النووية. وفي غضون يومين او ثلاثة ايام تم شل حركة الجيش الاوكراني الكبير (400.000 مقاتل) وتحويله الى قطعان ماشية مفككة، حائرة وضائعة، محرومة من الاتصالات، وليست في وضع هجوم ولا في وضع دفاع، ولا تعرف كيف ومن اين ستأتيها الضربات "المعادية". كما تمت محاصرة كييف تماما. وكانت مدافع الميدان مذخّرة، والطائرات المقاتلة والقاذفات الستراتيجية مستنفرة في الاجواء، والصواريخ منصوبة، وكلها جاهزة للاطلاق فورا. وقد فاجأت هذه العملية واربكت جميع القيادات السياسية والعسكرية الاميركية والناتوية، ناهيك عن الاوكرانية، التي فقدت كلها زمام المبادرة في ادارة الصراع، وتحولت المبادرة كلية الى القيادة الروسية، التي اجبرت قيادات اميركا والناتو والاتحاد الاوروبي ان تتعلم مكرهة وللتو كيف ترقص رقصة "كازاتشوك" الفولكلورية الروسية مع الدب الروسي. ولكن "الخطة آ" (plan A، التي حققت النجاح التام في جانبها العسكري، تعرضت للإخفاق في هدفها الجيوبوليتيكي الاخير: فلا حكم زيلينسكي تراجع عن نهجه، بسبب الدعم السياسي والمالي والاقتصادي والعسكري الهائل الذي تلقاه من الغرب الامبريالي المذعور، ولا "الانقلاب الوطني الاوكراني" حدث، لاسباب عدة، اهمها اثنان: الاول ــ ان الرئيس الشرعي السابق فيكتور يانوكوفيتش تخلف عن القيام بواجبه الوطني التاريخي والنزول الى الساحة وقيادة معركته الوطنية والشخصية، في حين ان العميل الامبريالي الغربي، اليهودي ــ الخزري الصهيوني فولودومير زيلنسكي، الى جانب المحيطين به من العسكريين والسياسيين الانقلابيين العملاء، والقادة النازيين والصهاينة، الذين يدركون مصيرهم في حال هزيمتهم، فقد خاضوا المعركة كمعركة حياة او موت بالنسبة له ولهم. والثاني ــ انه بعد انقلاب شباط 2014 فإن النازيين الذين سيطروا على الساحة السياسية وعلى السلطة الانقلابية الجديدة، وبالتعاون الوثيق مع المخابرات الناتوية والاميركية والاسرائيلية، فرضوا رقابة مشددة على جميع ضباط الجيش، واجروا "تبديلات مناسبة!" شاملة، ولا سيما بعد تمرد قائد وضباط البحرية للاسطول الحربي الاوكراني في البحر الاسود، الذين انضموا مع سفنهم الحربية الى الاسطول الحربي الروسي؛ وصار النازيون يحصون انفاس كل ضابط اوكراني، وجميع الضباط اصبحوا يعيشون تحت التهديد الدائم لهم ولعائلاتهم فيما اذا بدرت من اي منهم اي كلمة او تصرف "مشبوه" في نظر النازيين. وفي هذا الوقت كان سائقو الدبابات الروسية يمسكون بمقاود دباباتهم بانتظار صدور الامر بالتقدم بين ثانية واخرى للسيطرة على كييف. ولكن النازيين وضباط الجيش الانقلابيين عمدوا الى تاكتيك حفر الخنادق واقامة المتاريس في شوارع كييف، كما حولوا المعاهد التعليمية والمستشفيات والمؤسسات العامة الى ثكنات حربية ومستودعات اسلحة، وشرفات واسطح المنازل الى مرابض لمدفعية الهاون والرشاشات، وللقناصين وقاذفي الصواريخ المضادة للدبابات وطائرات الهيليكوبتر. واتضح تماما للقيادة الروسية ان اقتحام كييف سيؤدي الى وقوع خسائر كبيرة في صفوف المهاجمين، وخسائر هائلة في صفوف المدنيين، والتدمير شبه التام لمدينة كييف التي تحتل مركزا هاما في وجدان وتاريخ الشعب الروسي. ولهذا قررت القيادة الروسية اجراء تعديل اساسي في الهدف الجيوبوليتيكي الاخير للعملية العسكرية المحدودة، واصبح الهدف: انضمام شرق اوكرانيا الى روسيا، والسيطرة الكاملة على شرق اوكرانيا وبحر ازوف وعلى الحركة البحرية، المدنية والعسكرية، في البحر الاسود. وفي حين كانت جميع الانظار مشدودة الى الحصار الروسي لكييف، ووسائل الاعلام العالمية تنشر صور الاقمار الاصطناعية لقوافل الدبابات والمدفعية والصواريخ الروسية، التي تمتد عشرات ومئات الكيلومترات وهي متوجهة نحو كييف ووسط وغرب اوكرانيا، اعلنت القيادة الروسية وقيادات المناطق الشرقية الاربع (دونيتسك ولوغانسك وخيرسون وزابوروجيه) عن اجراء استفتاء شعبي في تلك المناطق للانضمام الى الوطن الام روسيا. وجرت عملية الاستفتاء "بهدوء" على مدى 5 أيام من 23 ولغاية 27 من ايلول 2022. وفي حين كانت واشنطن ودول الناتو وآلة البروباغندا الاميركية تستعد مسبقا لاقامة الجنازات والمناحات على كييف والنباح الهستيري ضد وحشية الروس الذين اقتحموا كييف (وهو ما لم يحصل)، ليس بدافع الشفقة على الاوكرانيين، بل لتبرير الفظائع التي ارتكبها الاميركيون وحلفاؤهم في افغانستان والعراق واليمن ولبنان وفلسطين وغيرها؛ في هذا الوقت، وامام ذهول وارتباك العواصم الغربية، كانت موسكو "تخيب الامال" المعادية لروسيا، وتستبدل اقتحام كييف بإقامة مهرجان كبير، بحضور بوتين وقادة "المناطق الروسية الاربع الجديدة"، احتفالا بانضمام تلك المناطق الى الدولة الروسية الام، وذلك بالقرب من ضريح لينين، صاحب مشروع اقامة الدولة الاوكرانية بعد انتصار الثورة الاشتراكية الروسية في 1917، وهي ــ اي اوكرانيا ــ منطقة لم يكن لها وجود في السابق، كدولة، بل كانت جزءا من الدولة الروسية. وفي 3 تشرين الاول 2022 صادق البرلمان الروسي (الدوما) على انضمام تلك المناطق الى الدولة الروسية. وفي 19 تشرين الاول 2022 اعلن بوتين "حالة الحرب" و"الاحكام العرفية" في دونيتسك ولوغانسك وخيرسون وزابوروجيه. وبذلك انتهت مرحلة "العملية العسكرية الروسية المحدودة"، وبدأت مرحلة جديدة يمكن تسميتها: مرحلة حرب الاستنزاف الروسية ضد الكتلة الامبريالية الغربية بزعامة اميركا واليهودية الدولية. وفي هذه الحرب الجديدة بدأت روسيا بتطبيق: "الخطة ب" (plan B) لحرب الاستنزاف في اوكرانيا وخلافا لـ"العملية العسكرية المحدودة" التي طبقتها روسيا في المرحلة السابقة، والتي توِّجت بانضمام الدونباس وخيرسون وزابوروجيه الى الوطن الام، فإن المرحلة الجديدة من الحرب الراهنة اصبحت تتصف بأنها حرب استنزاف طويلة الامد، قد تطول سنوات غير محددة، وهي حرب مركبة: عسكرية ــ سياسية ــ اقتصادية ــ اعلامية. والهدف الجيوستراتيجي ــ الجييوبوليتيكي لها هو: اولا ــ وضع الكتلة الامبريالية الغربية بشكل متواصل على حافة الرعب من ضربة نووية روسية شاملة. ولهذه الغاية اعلن الرئيس الروسي الاستنفار النووي الشامل والدائم، طالما ان الحرب الاوكرانية مستمرة. ثانيا ــ وخلال ذلك: استنزاف وتفكيك واضعاف الكتلة الامبريالية العالمية واجبارها على الرضوخ والاستسلام لاعادة بناء نظام عالمي جديد، تتنازل فيه الكتلة الامبريالية الغربية عن كل امتيازاتها واشكال هيمنتها، وتسود فيه مبادئ الحرية والتعاون والتآخي بين جميع شعوب وبلدان العالم، كبيرها وصغيرها، وبناء المنظمات والمؤسسات الدولية التي تجسد هذه المبادئ. والا فإن الكتلة الامبريالية الغربية ــ اليهودية سيكون مصيرها الفوضى والخراب والدمار. وكما يرشح من الصحافة المعنية، يسير تطبيق "الخطة ب" (plan B) الروسية الجديدة ضمن الخطوط العريضة التالية: ــ1ــ بعد تحقيق الهدف الجيوبوليتيكي للخطة آ plan A المتمثل في انضمام المناطق الاوكرانية السابقة الى الدولة الام روسيا، الانتقال الى تطبيق التاكتيكات العسكرية الميدانية لاستدراج القوات المعادية (الاوكرانية النازية والشوفينية والخبراء والمدربين والمرتزقة الاجانب)، وإيهام تلك القوات بامكانية اقتحام المناطق الروسية الجديدة، ومن ثم "تشجيع" القوات المعادية على الاحتشاد المتواصل على امتداد المناطق الاربع، للتمكن من ضربها وابادتها بجميع انواع الاسلحة، حتى ذات "الموديلات" القديمة من المدفعية والدبابات وصواريخ كاتيوشا وغراد من موديلات الحرب العالمية الثانية؛ والفتك بتجمعات تلك القوات المعادية بالاسلحة والصواريخ الاحدث حينما ترى القيادة العسكرية والسياسية الروسية ضرورة لذلك. ــ2ــ منذ سنوات طرحت القيادة الروسية مشروعها لتجديد وتحديث الجيش الروسي، في ما سمي "خطة 2030"، التي اعلنت وزارة الدفاع وقيادة الاركان الروسية والمجمع الصناعي الحربي ومجلس النواب (الدوما) موافقتهم جميعا عليها. ودون التخلي عن الجيش الوطني الكلاسيكي القائم على نظام خدمة العلم، فإن "خطة 2030" تهدف الى التوصل حتى ذلك التاريخ الى تشكيل جيش روسي جديد، محترف كليا، مؤلل وليزري ونووي والكتروني بشكل كامل، ومؤهل للقتال في الوقت ذاته في البر والبحر والجو والفضاء الكوني، وهو ما سماه الاميركيون في القرن الماضي "جيش حرب النجوم". ولكن الاميركيين تكلموا عن "جيش حرب النجوم"، اما الروس فيعملون بشكل حثيث لتحقيقه. وهنا يبرز السؤال: وماذا سيجري العمل بالاسلحة الكلاسيكية القديمة او الجدديدة التي يجري إخراجها من الخدمة، والمكدسة كالجبال لدى الجيش الروسي؟ حتى الان كان يجري "تصريف" هذه الاسلحة بثلاث قنوات: الاولى ــ بيع الاسلحة باسعار مخفضة للدول والمنظمات غير المعادية، لاستخدامها للدفاع والتدريب او في المهمات الامنية والحروب " الصغيرة" و"الاقليمية". الثانية ــ تفكيكها واستخراج القطع التي يمكن استخدامها وبيعها كقطع غيار او اعادة استخدامها في الصناعات الروسية والاجنبية الحربية او المدنية. والثالثة ــ تحويل ما يتبقى منها الى خردة ومواد أولية لاعادة الصهر والتصنيع. اما الان فقد ظهرت امكانية ستراتيجية جديدة لاستخدام و"استهلاك" هذه الاسلحة القديمة وذات الموديلات الخارجة عن الخدمة، وذلك باستعمالها في حرب الاستنزاف الحالية في اوكرانيا. فأميركا واسرائيل وجميع دول حلف الناتو هي مرعوبة تماما من امكانية هزيمة النظام العميل والفاشي في اوكرانيا، مما يعني القضاء تماما على النفوذ الاميركي ــ اليهودي ــ الغربي في كل اوروبا الشرقية، اولا، ثم في اوروبا والعالم بأسره. ولذلك فإن هذه الدول فتحت جميع مستودعات اسلحتها وبدأت تزود بها الجيش الاوكراني المرتزق الجديد، بالاضافة الى جيش المستشارين العسكريين والخبراء والمدربين والمرتزقة الاجانب الذين يرسلون للحرب في اوكرانيا. وفي هذه الحالة فإن روسيا تستهلك بوجه الدول الغربية الاسلحة التي كانت بالاساس تعمل للتخلص منها. وفي الوقت ذاته فإن روسيا تجبر اميركا والدول الناتوية، في لهاثها المحموم للانتصار على القوات الروسية (وهو ما لن يحصل ابدا)، ان "تكشف" بالتدريج عن كل اسلحتها الجديدة، وهو ما يسهّل على روسيا القضاء بالتدريج على تلك الاسلحة، لانها ــ اي روسيا ــ تمتلك مروحة كاملة من الاسلحة القديمة فالاقل قدما فالحديثة فالاحدث فالاكثر حداثة فالمذهلة التي لا مثيل لها في العالم. ولذلك فإن روسيا هي غير مستعجلة في تحقيق النصر النهائي، بل ان مخططها الستراتيجي يقوم على الاستنزاف طويل الامد لاميركا والدول الناتوية والغربية جميعا، واستخدام كل نوع اسلحة في الوقت المناسب، بطريقة تحتفظ فيها روسيا دوما بالمبادرة العسكرية، والتفوق الميداني، والتقدم "بمنخار فقط" (كما يقال في سباق الخيل) على الجانب الاميركي ــ الناتوي، لاغرائه دائما بمواصلة المعركة على امل النصر الموهوم للغرب. واذا اردنا ان نرسم صورة كاريكاتورية لهذا الوضع، فيمكن القول ان روسيا سوف "تكشف"، وتستنزف الاسلحة المتقدمة الاميركية والغربية، وتقضي عليها بـ"الخردة" والتكنولوجيا العسكرية الروسية، الخارجة او المفروض ان تخرج من الخدمة. ــ3ــ حينما بكى رئيس الوزراء اللبناني الخائن فؤاد السنيورة في حرب تموز 2006، فهو طبعا لم يبك على تهديم البنية التحتية والملاجئ والمستشفيات وبيوت الفقراء في لبنان، التي دمرتها اسرائيل بوحشيبة منقطعة النظير، بل بكى لان اسرائيل لم تحقق الهدف الذي كان ينتظره هو وامثاله، وهو تدمير قوة المقاومة الاسلامية الوطنية بقيادة حزب الله. ويومها توسل السنيورة و"السياديون" اللبنانيون الخونة امثاله، من الولايات المتحدة الاميركية ان تطلب من اسرائيل متابعة حربها الوحشية في لبنان. ولكن القيادة الاسرائيلية، كانت قد ذهلت تماما اما الصمود الاسطوري للمقاومة والضربات الجوابية التي وجهتها ضد المواقع المعادية في الاراضي المحتلة، العسكرية وغير العسكرية. وتحت تأثير هذا الذهول، بدت القيادة الاسرائيلية اكثر حرصا على "شعبها" من حرص السنيورة واضرابه على ما يدعون انه "شعبهم". فطلبت ــ اي القيادة الاسرائيلية ــ وقف اطلاق النار، اولا وقبل الجانب العربي، وذلك ما يحدث لاول مرة في تاريخ الحروب العربية ــ الاسرائيلية. هذا هو معدن وديدن الخونة والعملاء امثال فؤاد السنيورة وانطوان لحد واولاد بيار الجميل (الجد) وسمير جعجع والدواعش. فآخر ما يهم هؤلاء الخونة هو مصير ما يدعون اعلاميا انه "شعبهم". والملياردير الصهيوني إيغور كولومييسكي، ودميته اليهودي ــ الخزري الصهيوني فولودومير زيلينسكي، والفاشست والصهاينة وعملاء المخابرات الاميركية والناتو الاوكرانيين، لا يختلفون بشيء عن الخونة والعملاء اللبنانيين "المسيحيين!" والدواعش "الاسلاميين!". فبعد الضربات التي تلقوها على جميع الاراضي الاوكرانية، وخصوصا بعد انضمام مقاطعات شرق اوكرانيا الاربع الى الدولة الام روسيا، عمد النازيون والصهاينة الاوكرانيون الى تطبيق خطة قتالية خبيثة، بايعاز وتنسيق ودعم من قبل المخابرات الاميركية والناتوية والاسرائيلية، وهي خطة نشر القوات الاوكرانية التابعة لهم في جميع المواقع المدنية في جميع المدن والبلدات الاوكرانية، متخذين من المواطنين المدنيين دروعا بشرية لهم، معتبرين ان ذلك سيوقع القوات الروسية في ورطة ستراتيجية هي ايقاع خسائر كبرى في صفوف المدنيين الاوكرانيين في حال مهاجمة اي بلدة او مدينة. ولكن هؤلاء الخونة والعملاء ــ اعداء الشعب الاوكراني ــ واسيادهم الاميركيين والناتويين والاسرائيليين، ارتكبوا خطأ ستراتيجيا كبيرا وهو انهم، حينما نصبوا ما اعتقدوا انه فخ للقوات الروسية، فإنهم هم الذين وقعوا في الفخ الذي كانت تريد ايقاعهم فيه القيادة الروسية. فهدف القيادة الروسية بموجب "الخطة ب" (plan B) ليس اقتحام كييف او غيرها من المدن الاوكرانية، بل: اولا ــ الدفاع الفعال والمتحرك عن القرم والمناطق الاربع التي انضمت حديثا الى الدولة الام روسيا، واستدراج القوات المعادية الى الخط الحدودي لتلك المناطق وتحويل الجبهة المتحركة في هذا الخط الى مقبرة للقوات المعادية، كعناصر بشرية اولا، وكتكنولوجيا ومعدات حربية اميركية وناتوية ثانيا. وثانيا ــ "الاستفادة" من انتشار القوات المعادية في المواقع المدنية في المدن والبلدات الاوكرانية، "للتسلية" بضرب تلك المواقع يوما بعد يوم بعدد محدود من الصواريخ، وما لذلك من تأثير نفسي اكبر بكثير من النتائج العسكرية المباشرة للقصف؛ ومن ثم تعطيل المرافق العامة جميعا، فلا مطارات، ولا كهرباء، ولا تلفونات، ولا انترنت، ولا سكك حديدية، ولا مواصلات عامة فيما بين المدن وداخل كل مدينة، ولا نظام صحي، ولا نظام تعليمي، ولا اسواق، ولا مولات وسوبرماركات، ولا مصانع تعمل، ولا مؤسسات حكومية وبلدية واجتماعية، وغير ذلك من اوجه الحياة المدنية التي ستتعرض للتعطيل. وبالنتيجة فإن جميع الاراضي الاوكرانية "غير المحررة" والتي يقوم الجيش الاوكراني الشوفيني والفاشست والصهاينة الاوكرانيون "بحمايتها"، سيجري تحويلها "بهدوء" وشيئا فشيئا الى "بلد ميت" او "دولة ميتة". وامام القيادات السياسية والعسكرية الروسية الكثير من الوقت للتفكير لاحقا بكل هدوء ماذا ستفعل بجثة هذه "الدولة الميتة" على حدودها، تبعا للسلوك السياسي والعسكري الذي ستنتهجه القيادات الاميركية والناتوية والاوروبية والاسرائيلية، ناهيك عن القيادات الاوكرانية العميلة. ــ4ــ ان روسيا استقبلت في مرحلة الصدام الحالية مئات الوف اللاجئين من المناطق الروسية الجديدة والاوكرانية غير المحررة. وقد منحتهم على الفور الجنسية الروسية بكل ما فيها من حقوق المواطنية، وقدمت لهم المساعدات المالية والانسانية لكي يستطيعوا الاستقرار والعودة الى الحياة الطبيعية هم واطفالهمم وعائلاتهم. ومن جهة ثانية يجري في المناطق المحررة "الروسية الجديدة" اصدار القوانين والانظمة الضرورية، بشكل حثيث، لاجل الدمج الاجتماعي والاقتصادي والصحي والتعليمي والخدماتي لتلك المناطق، بالدورة الحياتية للدولة والشعب الروسيين. وروسيا واسعة جدا وقليلة الكثافة السكانية وبحاجة الى ملايين اضافية من اليد العاملة ذات الكفاءات العالية، وهي قادرة بسهولة وترحاب على استيعاب عشرات ملايين الاوكرانيين خصوصا انهم لا يغيرون شيئا في جوهر الهوية الوطنية للشعب الروسي وقادرين على الاندماج الفوري، لان الروس والاوكرانيين هم شعب واحد في دولتين احداهما هي الدولة الام والثانية هي دولة مصطنعة بلا تاريخ خاص وبلا هوية قومية وثقافية خاصة. ولكن في هذا الوقت فإن ما بين 5 ــ 7 ملايين اوكراني (حسب مختلف التقديرات)، مخدوعين بالبروباغندا الغربية حول "الجنة الرأسمالية" في اوروبا الغربية واميركا، قد أخلوا بيوتهم ورموا بأنفسهم في موجة عارمة من اللاجئين الاوكرانيين الى اوروبا الغربية. ودول اوروبا الغربية، وفوقها الولايات المتحدة الاميركية، التي ورطت الشعب الاوكراني في هذه الحرب والتراجيديا الانسانية الناجمة عنها، هي ملزمة ان تستقبل هؤلاء اللاجئين (الاوروبيين، ذوي الشعر الاشقر والبشرة البيضاء الناعمة والعيون الزرقاء) بغير ما "تستقبل" به اللاجئين الافارقة والشرق اوسطيين او الشرق اقصويين. وهذا علما ان الشبان الاوكرانيين هم جميعا متعلمون حاصلون على الاقل على الشهادة الثانوية وحوالى نصفهمم هم خريجو جامعات وعلماء ومهندسون واطباء وتقنيون ومهنيون ومزارعون مهرة، اي انهم يشكلون عنصر مزاحمة شديدة لليد العاملة "الوطنية" في جميع البلدان الاوروبية. والشيء ذاته يقال عن البنات الاوكرانيات المتعلمات والجميلات جدا، اللواتي يتفوقن على نظيراتهن في اوروبا الغربية في اي قطاع عمل يدخلنه، ولا سيما قطاع الصناعات الخفيفة والادارات والخدمات، وبالاخص الخدمات الترفيهية. وهذا كله يعني انه منذ هذه الموجة الاولى من اللاجئين الاوكرانيين الى اوروبا، فإنه ــ بالاضافة الى العوامل الاخرى ــ ستقع زلزلة حقيقية في سوق العمل في اوروبا، بكل ما ينتج عنها من ازمات اقتصادية واجتماعية وسياسية. وفيما بعد، ومع التحول الحتمي لاوكرانيا الى معسكر كبير للاجئين، الذين يعيشون على المساعدات الخارجية، ستندفع موجات متتالية من اللاجئين الاوكرانيين نحو اوروبا. فكم ستتحمل الدول الاوروبية ومجتمعاتها واقتصاداتها المأزومة تبعات هذه الموجات من اللاجئين؟ وهذا ناهيك عن المساعدات العسكرية والمالية و"الانسانية"، التي تقدم الى اوكرانيا، وبالاضافة الى النفقات الباهظة جدا لاعالة الجيش الاوكراني الذي يعملون على رفع تعداده الى مليون جندي، والعدّاد هو في ازدياد. ان المنطق التاريخي يقول انه سيحدث شرخ اجتماعي ــ اقتصادي ــ سياسي ــ قومي ــ عنصري في جميع البلدان الاوروبية، وزعزعة تامة للاستقرار السياسي والامني فيها، وبالتالي سيبدأ تفكيك الاتحاد الاوروبي وحلف الناتو من الداخل، وسيبدأ الشقاق بين اوروبا واميركا. ــ5ــ ان روسيا هي بلد كبير تبلغ مساحته 17.074.000 كلم مربع، من اصل 150.202.000 كلم مربع مساحة اليابسة في الكرة الارضية. اي ان المساحة الروسية تبلغ نسبة 11.367% من مساحة العالم. وعدد سكان روسيا هو 143 مليون نسمة (احصاء 2021)، وارتفع الى حوالى 153 مليون نسمة (بعد انضمام القرم والمناطق الاوكرانية الاربع). وهذا يمثل نسبة 1.913% فقط من سكان الارض البالغ عددهم 7،837 مليار نسمة (احصاء 2021). والكثافة السكانية في روسيا تبلغ 8.4 نسمة لكل كيلومتر مربع. في حين يبلغ معدل الكثافة السكانية في أوروبا (بما فيها القسم الاوروبي من روسيا الذي يشكل 40% من اوروبا) 67 نسمة تقريبًا لكل كلم مربع. اما في الاتحاد الاوروبي فتبلغ الكثافة السكانية 114 نسمة في الكلم المربع. وتوجد في روسيا كل ما يسمى علميا "لائحة مندلييف" للعناصر الكيميائية والذرية والمعدنية، بما فيها من معادن نادرة لا توجد الا في روسيا. ويوجد في روسيا مخزون لا ينضب من الطاقة الاحفورية واليورانيوم والمناجم لجميع انواع المعادن وحوالى 25% من المياه العذبة في العالم. وتمتلك روسيا قاعدة صناعية وعلمية شاملة وضخمة ومتقدمة جدا، وصناعات مدنية وعسكرية متنوعة في جميع القطاعات، وشبكة مواصلات هائلة (طرقات برية وبحرية ومرافئ ومطارات ومحطات سكك حديدية وباصات)، واراض زراعية تطعم العالم كله وتفيض. والاقتصاد الروسي هو اقتصاد انتاجي واقعي، وليس اقتصادا ريعيا، افتراضيا، وهميا، بورصويا وفقاقيعيا كالاقتصادات الغربية. والرأسمال الاحتكاري الكبير في روسيا يخضع بإذعان للدولة، بعكس الاقتصادات الغربية، التي تخضع فيها الدولة للرساميل الاحتكارية الكبرى (للمثال: كان "الآرشي ملياردير" اليهودي ميخائيل خودوركوفسكي يملك شركة يوكوس برأسمال معلن 900 مليار دولار، ويسيطر على قطاع النفط والغاز والالومنيوم وغيرها، وحينما اراد ان يتلاعب على الدولة، ذهب شرطي وسلمه ورقة استدعاء الى المدعي العام، فذهب كـ"التلميذ الشاطر" الى الاستنطاق، فأصدر المحقق امره بالقبض عليه، فمد يديه الناعمتين لرجل الشرطة الشاب الذي كان ينتظره على الباب فوضع له "الكلابجات" واقتيد الى المحكمة، وحكم عليه بالسجن 8 سنوات، وقبل نهاية مدة الحكم احيل للمحاكمة بتهمة جديدة فحكم عليه بالسجن 20 سنة اضافية، وصادرت الدولة شركته واملاكه بكل هدوء. وبعد ان تدخلت المانيا للافراج عنه، تم تسفيره الى المانيا مقابل التعهد بأن لا يطالب بأي شيء، ولا يدلي بأي تصريح او كلمة ضد روسيا. وهذا ما كان. وهو اليوم يعمل سمسارا لتسويق الغاز الروسي في المانيا وعبرها. اما حينما حاد الرئيس الاميركي الاسبق جون كيندي ميلليمتر واحد عن مقررات الاحتكارات الاميركية بخصوص السياسة المتبعة حيال كوبا، فقد اغتيل في تكساس في وضح النهار وامام عدسات جميع تلفزيونات العالم وعلى مرأى من ملايين الاميركيين وجيش كامل من الشرطة ورجال الامن. وحتى اليوم، بعد اكثر من 60 سنة لم يكتشف لا القاتل ولا الطرف المخطط لقتل الرئيس جون كيندي. وهذا طبعا يسمى "دمقراطية" و"قضاء" من الطراز الاميركي). وحاجة الدولة الروسية للعملات الاجنبية الصعبة لا تتعدى ضرورات جزء محدود من التجارة الخارجية، التي تمثل بدورها جزءا محدودا من الاقتصاد الروسي. وكل العقوبات التي فرضتها اميركا والدول الغربية على روسيا منذ 2008 الى اليوم اعطت نتائج عكسية تماما. فالبنك المركزي الروسي الذي تديره إلفيرا نابيولينا، كانت احتياطياته من العملات الاجنبية تقدر بـ300 مليار دولار في 2008، فبلغت 500 مليار دولار في 2014 (تاريخ انضمام القرم الى روسيا). ثم ارتفعت الى 700 مليار دولار في 2022 (تاريخ انضمام المناطق الاوكرانية الشرقية الى روسيا). وذلك "بفضل" العقوبات الاميركية والغربية ضد روسيا. وعشية بداية الحرب الاوكرانية الحالية كان سعر صرف الدولار الاميركي حوالى 124 ــ 125 روبلا روسيا. اما الان، وبعد هذه الشهور من الحرب، فهو لم ينهر امام الدولار، كما بدأ اليورو في الانهيار، بل اصبح سعر صرف الدولار الان يتراوح بين 57 ــ 62 روبلا روسيا، وهو يتجه نحو الهبوط اكثر. بهذه المعطيات، فإن الدولة الروسية تخوض الحرب الاوكرانية، بجانبها الاقتصادي ــ الاجتماعي، كمعركة "جزئية"، "هامشية" و"خارجية" تماما، ليس لها اي تأثير سلبي على الاقتصاد الروسي، بل بالعكس. وتستطيع روسيا مواصلة هذه الحرب عشرات السنين دون ان يهتز لها جفن. ــ6ــ اما بالنسبة الى اوروبا فإن الامر هو معكوس تماما. فأوروبا (وتحديدا اوروبا الغربية) هي "قارة" او جزء رئيسي من قارة "طفيلية" تعيش، ومنذ ايام روما القديمة، على استعباد واستعمار ونهب واستغلال الشعوب الاخرى المظلومة، من شواطئ الاطلسي القريبة في افريقيا، الى اعالي جبال هملايا في الشرق الاقصى. ولسوء حظ هذه "الاوروبا" التي سبق لها ان "اكتشفت" اميركا، وهي التي "انتجت" وصنعت الوحش الامبريالي المسمى "الولايات المتحدة الاميركية"، فإن هذا "الوحش" اصبح هو صاحب الهيمنة على النظام الامبريالي العالمي، واصبحت اوروبا ذاتها خاضعة وتابعة له. والان فإن اوروبا هي مضطرة ان تتحمل نفقات تسليح الجيش الاوكراني العميل، وإعالة 45 مليون اوكراني واكثر، إن كعاطلين عن العمل ولاجئين في داخل بلدهم، او كموجات لاجئين اوكرانيين الى مختلف البلدان الاوروبية. ولم تعد اوروبا تستطيع الان، كما كان الامر في السابق، ان تنهب افريقيا والشرق الاوسط والعالم الهندي والعالم الصيني. ومع استمرار الحرب في اوكرانيا، وحتى اذا لم تتوسع الرقعة الجغرافية لهذه الحرب، مما هو مرجح اكثر، فإن الحاجة الى الطاقة والى المواد الخام والى المواد الغذائية والى الاسواق، ستدفع جميع الاقتصادات الاوروبية الى الانهيار بشكل كارثي، وستبدأ المجاعة تضرب اكثر البلدان الاوروبية تطورا خلال الاشهر والسنوات التالية، بكل ما سينتج عن ذلك من تداعيات اجتماعية وصحية واقتصادية وسياسية وامنية وعسكرية وحروب داخلية وبينية. ــ7ــ لقد اعلنت القيادة الروسية، بلسان الرئيس بوتين شخصيا، الاستنفار الكامل والشامل لخوض الحرب النووية في اي لحظة؛ وما دون الحرب النووية، فإن روسيا تخوض الحرب الكلاسيكية التي بدأت في اوكرانيا، بشكل تصعيدي مسيطر عليه. زفي تقديري المتواضع ان هذه الحرب لن تنتهي الا في واشنطن. وستصعّد روسيا الحرب وتوسعها تدريجيا، لاستدراج حلف الناتو لكشف كل خططه وكل اسلحته، والتفوق عليها وتحطيمها، واجبار اميركا للنزول مباشرة الى الميدان، وتطوير صناعة خشب التوابيت في اميركا، وتزويد الوحدات العسكرية الاميركية بهذا الخشب، وانشاء فرق متخصصة في صناعة التوابيت في كل فرقة عسكرية اميركية في اوروبا وغيرها، للقيام بواجبات "تبويت" القتلى من الجنود والضباط الاميركيين الذين لن يحصدوا الا الموت بمواجهة الجيش والشعب الروسيين. ــ8ــ ان استدراج اميركا لخوض المعركة بطريقة مباشرة وغير مباشرة في اوكرانيا وما بعدها، سيساعد في كسر هيبة اميركا والاسراع في عملية طردها من الشرق الاوسط، واجبارها على تخفيف قبضتها عن الشرق الاقصى بمواجهة الصين وكوريا الشمالية، وتسهيل تقدم الصين لاسترجاع تايوان، وتقدم كوريا الشمالية لاسترجاع كوريا الجنوبية، وطرد الوجود الاميركي تماما من الشرق الاقصى، وبنتيجة ذلك محاصرة اليابان وخنقها اقتصاديا واجبارها على التحول من قاعدة للامبريالية الاميركية والغربية في الشرق الاقصى، الى دولة شرقية محايدة ومسالمة خاضعة للصين وكوريا اللتين كانت تستعمرهما في السابق. ــ9ــ ان الرأسمال الاحتكاري هو غبي وقصير النظر تاريخيا. وهذا ينطبق ايضا على الرأسمال الاحتكاري الاميركي حتى ولو، او بالاخص، لانه يسيطر عليه اليهود، الذين ارتكبوا حماقتهم التاريخية الاكبر بالقيام بغزو فلسطين العربية بدعم من الامبريالية العالمية، وهو ما سيدفعون ثمنه غاليا عاجلا قبله آجلا. واليوم تفرك الاحتكارات الاميركية ــ اليهودية اياديها بفرح، لان ازمات ومصائب اوروبا ستعود بالفائدة والارباح الوفيرة على الاحتكارات الاميركية ــ اليهودية. ويرى العالم الان كيف ان هذه الاحتكارات تستغل حاجة اوروبا الى النفط والغاز لاجل اجبار البلدان الاوروبية على شراء الغاز الصخري الاميركي باسعار تفوق كثيرا جدا اسعار الغاز الروسي وغير الروسي. وقد قامت المخابرات البريطانية بايعاز وتخطيط وتعاون من قبل المخابرات الاميركية بنسف انبوبي الغاز الروسي (السيل الشمالي 1 و 2) في بحر البلطيق، لتشديد الخناق على اوروبا. كما اوعزت الدوائر الاميركية لمحمد بن سلمان بالمشاركة والموافقة على قرار منظمة "اوبك بلاس" القاضي بتخفيض انتاج النفط 2 مليوني برميل يوميا، لمساعدة اميركا على اخراج مخزوناتها الاحتياطية من النفط وبيعها باسعار عالية، وبعد ذلك العودة لشراء النفط من قبلها بعد تخفيض الاسعار الدولية. وهذه بعض امثلة عن استفادة اميركا من مصائب اوروبا، بسبب الحرب الاوكرانية، مباشرة او غير مباشرة. ولكن هذا يحدث اليوم. اما غدا، وحينما تضرب زلازل التضخم والغلاء وارتفاع كلفة المعيشة والبطالة والبرد والجوع والتشرد والامراض، والاضطرابات الاجتماعية والنزاعات السياسية والحروب الداخلية والبينية، القارة الاوروبية العجوز، فإن عشرات ملايين الاوروبيين سيوضبون حقائبهم ويفرون باتجاه الولايات المتحدة الاميركية، التي "اكتشفها" و"اسسها" اجدادهم من اللصوص وقطاعي الطرق والقتلة، السفلة، وستمتلئ المطارات والمرافئ الاميركية باللاجئين الاوروبيين الذين يمكنهم السفر الى اميركا وكندا بدون "فيزا" تأشيرة سفر. واميركا ستكون مضطرة لاستقبال اللاجئين الاوروبيين؛ والا ستقع حرب مدمرة اوروبية ــ اميركية، وستضطر مختلف البلدان الاوروبية للانضمام الى روسيا ضد اميركا ومن يبقى معها. واذا أجبرت اميركا على استقبال 50 او 100 مليون لاجئ اوروبي اليها، فسينفجر الاقتصاد والمجتمع الاميركيان من الداخل بشكل لا احد يعود يعرف ماذا سيكون عليه مصير اميركا. ــ10ــ ومتى بدأت الاضطرابات الاجتماعية والمذابح العنصرية والدينية في شوارع واشنطن ونيويورك وغيرهما من المدن الاميركية الكبيرة، التي بدأت منذ الان تعج بجيوش المشردين، من سينسى انه خلف الجدار العازل الذي بناه ترامب على الحدود الاميركية ــ المكسيكية، يوجد (في اميركا الجنوبية) مئات ملايين الهنود الحمر، الذين بقوا احياء لانهم "عملوا كاثوليك" كما كانت تريد بابوية روما، ولكنهم في الوقت نفسه هم احفاد وابناء جلدة سكان اميركا الاصليين، الذين اباد الغزاة الاوروبيون البيض، اليهود والانغلو-ساكسون، 112 مليونا منهم في اميركا الشمالية التي سيطر عليها اليهود والبروتستانت والانغليكانيين، وبنوا فوق جماجم وعظام ضحاياهم ما يسمى "الولايات المتحدة الاميركية"؟ واذا كان اليهود الصهاينة غزاة فلسطين المظلومة، يتاجرون بالهولوكوست الهتلري لتبرير غزو فلسطين، فمن هو الاحمق، او الحقير والسافل المتحامق، الذي يعتقد للحظة انه يوجد هندي احمر واحد في كل القارة الاميركية ينسى الجريمة الاكبر في التاريخ وهي اغتصاب ارض الهنود الحمر وبلادهم (التي سموها "اميركا") وسلخ جلود وابادة اكثر من 112 مليونا منهم، ظلما وعدوانا؟ ومن الذي سيمنع مئات ملايين الهنود الحمر المجوّعين اليوم في اميركا الجنوبية من الزحف المقدس لاستعادة اراضيهم وبلادهم في كل اميركا الشمالية وصولا الى اخر نقطة في الاسكا؟ كيف ستتحمل اميركا الموجة القادمة من اللاجئين (الاوروبيين هذه المرة)؟ وكيف ستكون علاقات الهنود الحمر بعد استرداد ارضهم وبلادهم، مع احفاد الاوروبيين الذين كان اجدادهم قد اغتصبوها؟ هذا ما على الحاخامين اليهود الكبار وكل حكماء صهيون ان يسألوا عنه "يهواهم" وكليمه "موساهم"! ــــــــــــــــــــــــــــــ *كاتب لبناني مستقل
#جورج_حداد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المحور الشرقي الجديد يصوّب المسار التاريخي العالمي
-
صراع الوجود بين لبنان واسرائيل
-
الكسندر دوغين: روسيا الاوراسية بمواجهة الامبريالية الاطلسية
-
روسيا: الصديق التاريخي الاساسي للشعوب العربية والاسلامية
-
صلاح الدين الايوبي: عدو لدود للعرب ومؤسس للاستيطان والاستعما
...
-
خطر قيام حلف عدواني جديد: اميركي ــ ناتوي ــ اسرائيلي ــ عرب
...
-
كازاخستان تختار الخط الاوراسي الحليف لروسيا والصين وايران
-
الخلفية الايديولوجية الجيوبوليتيكية للتدخل الروسي في اوكران
...
-
اميركا والسعودية تخسران مشروعهما لحرب اهلية لبنانية جديدة قب
...
-
الانفصالية الكردية وحق تقرير المصير للشعوب
-
الكيانية اللبنانية الطائفية العميلة تتفسخ وتنقلب الى نقيضها
-
صلاة الرئيس الايراني في الكرملين والمفاوضات الصعبة في فيينا
-
التفوق الاقتصادي الصيني سيدخل تحولا جذريا في الجيوستراتيجيا
...
-
لبنان الكرامة والشعب العنيد لن يكون مزرعة دواجن بشرية خاضعة
...
-
قتلوا فرج الله الحلو وساروا في الجنازة
-
الصين الشعبية تتقدم لاستعادة القيادة الشرقية للنظام العالمي
-
في البعد الطائفي لازمة النظام اللبناني
-
الى حكام السعودية: لا تستهينوا بلبنان المقاوم الذي انتصر على
...
-
لبنان: حرب التحرير الوطنية ضد الحرب الاهلية الطائفية
-
التفوق العسكري لروسيا وحلفائها على الامبريالية الاميركية وات
...
المزيد.....
-
الأنشطة الموازية للخطة التعليمية.. أي مهارات يكتسبها التلامي
...
-
-من سيناديني ماما الآن؟-.. أم فلسطينية تودّع أطفالها الثلاثة
...
-
اختبار سمع عن بُعد للمقيمين في الأراضي الفلسطينية
-
تجدد الغارات على الضاحية الجنوبية لبيروت، ومقتل إسرائيلي بعد
...
-
صواريخ بعيدة المدى.. تصعيد جديد في الحرب الروسية الأوكرانية
...
-
الدفاع المدني بغزة: 412 من عناصرنا بين قتيل ومصاب ومعتقل وتد
...
-
هجوم إسرائيلي على مصر بسبب الحوثيين
-
الدفاع الصينية: على واشنطن الإسراع في تصحيح أخطائها
-
إدارة بايدن -تشطب- ديونا مستحقة على كييف.. وترسل لها ألغاما
...
-
كيف تعرف ما إذا كنت مراقبًا من خلال كاميرا هاتفك؟
المزيد.....
-
لمحات من تاريخ اتفاقات السلام
/ المنصور جعفر
-
كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين)
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل
/ رشيد غويلب
-
الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه
...
/ عباس عبود سالم
-
البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت
...
/ عبد الحسين شعبان
-
المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية
/ خالد الخالدي
-
إشكالية العلاقة بين الدين والعنف
/ محمد عمارة تقي الدين
-
سيناء حيث أنا . سنوات التيه
/ أشرف العناني
-
الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل
...
/ محمد عبد الشفيع عيسى
-
الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير
...
/ محمد الحنفي
المزيد.....
|