أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ثامر عباس - مجتمع الاصطناع .. وفقدان الأمثولة المعيارية















المزيد.....


مجتمع الاصطناع .. وفقدان الأمثولة المعيارية


ثامر عباس

الحوار المتمدن-العدد: 7445 - 2022 / 11 / 27 - 08:32
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


(( ينفتح عصر الاصطناع على تصفية كل النظم المرجعية – جان بودريار))
ثامرعباس

بادئ ذي بدء ، لا ننكر إن استعمالنا لتعبير (الاصطناع) لوصف حالة المجتمع العراقي ، يعود الفضل فيه إلى الفيلسوف وعالم الاجتماع والمحلل السياسي الفرنسي المعروف (جان بودريار) ، الذي كان قد وضع كتابه القيم الموسوم (المصطنع والاصطناع) ، ليشير فيه ومن خلاله إلى ظاهرة استشرت في المجتمعات الغربية المعاصرة مؤداها ؛ غياب المعنى الواضح وانعدام الدلالة الملموسة لكل ما يجري في رحم الواقع الاجتماعي من تفاعلات وعلاقات وتصورات ، بعد أن تمكنت وسائل الميديا الحديثة (الإعلام) من إحالة الوقائع والأشياء والكيانات إلى مجرد صور رقمية تتناسل بمتوالية هندسية غير منضبطة ، تأخذ عبر تراقصها المستمر وانثيالها المتواصل بألباب الفاعلين الاجتماعين ، محيلة إياهم إلى أشبه ما يكونوا بالقطيع المسلوب الإرادة والمخدر الوعي والمنتهك الخصوصية . بحيث يبدو إن الأفراد والجماعات المستهدفة لا تتعامل مع حقائق قائمة ووقائع معاشة ، بقدر ما تتعاطى مع أكاذيب مفبركة ومزاعم منمطة ، الأمر الذي يسهل تدجينها واحتوائها وتوجيهها بما يخدم مصالح الدولة ويعظم فوائد النظام . ولهذا فان (( ما يقدمه الإعلام – بحسب بودريار- ليس الواقع كما هو ، ولا هو صورة عنه ، بل هو صورة ولدها الإعلام عن صورة أخرى هي بدورها مولدة منه )) .
ومن الواضح إن مسعى (بودريار) في هذا العمل القيم ، يتمحور حول تعرية المنظومات الإيديولوجية والرمزية التي تتحصن خلفها مؤسسات الدولة المهيمنة ، وإسقاط الأقنعة المزركشة التي تخفي الوجه الحقيقي للوياثان السلطة السياسية المسيطرة ، دون أن يستتبع ذلك محاولة زج المجتمع في قفص الاتهام ، وتحاشي اعتباره شريكا"للدولة ومتواطئا"مع النظام في مضمار التحنيط للوعي والتنميط للشخصية . ومن منطلق إن الأمثولات المعيارية التي تسترشد بها المكونات الاجتماعية وتستهدي برموزها ، يتم العبث بها والتزييف لها من قبل الدولة ونظامها السياسي ، لا من قبل المجتمع الذي وان وقع أسير التلاعب بعقله وضحية التحكم بعواطفه ، إلاّ أن ثوابت تلك الأمثولات المعيارية لا تلبث أن تعاود نشاطها لضبط علاقاته وعقلنة نزعاته وأنسنة تطلعاته ، حالما تزول مؤثرات (الاصطناع) التي مورست ضده وعليه ولو بعد حين . بمعنى آخر إن الدولة ونظامها السياسي هما من يتحمل مسؤولية وضع المجتمع في حالة من (الاستتباع) الإرادي والذهني لاواليات السوق الليبرالية وإيديولوجيته المعولمة ، وإخضاعه من ثم لعمليات غسيل مخ متواصلة تحدد خياراته وتقنن تصوراته وتنمذج سلوكياته ، وبالتالي فان هذا الأخير (المجتمع) إذا ما استطاع أن يتخلص من خيوط تلك الشبكة العنكبوتية الدبقة ، سرعان ما يستعيد عافيته الثقافية ويستأنف مسيرته الحضارية .
وإذا كان عمل (بودريار) قد استهدف تبرئة المجتمع عبر إدانة الدولة ، بخصوص استشراء ظاهرة (الاصطناع) التي غزت بنى الوعي الاجتماعي الغربي وتمكنت من اختراق حدود ممانعاته القيمية والرمزية ، للحد الذي جعلت من عناصره الإنسانية بمثابة مادة صلصالية تتشكل وفقا"لأواليات السوق الرأسمالي المعولم ، وبناء على رغبات الشركات التي تديم زخمه . فان غرض موضوعنا هنا لا يقف فقط عند حدود تعرية وإدانة ما يسمى (بالدولة) العراقية التي لا وجود لها ككيان ولا سلطة لديها كمؤسسة ، بل وكذلك الذهاب بالاتجاه المعاكس لرؤية مؤلف (المصطنع والاصطناع) .لاسيما حيال الموقف من المجتمع العراقي بكل مكوناته السوسيولوجية وتنوعاته الانثروبولوجية ، الذي لا يقل – من وجهة نظرنا - مقصرية عن الدولة ولا يعفى من المسؤولية جراء ما حدث ويحدث في العراق اليوم . بحيث يكون بمقدورنا وضعه جنبا"إلى جنب مع الدولة التي تحكمه وتتحكم فيه ، ضمن قفص اتهام واحد وموضع إدانة مشتركة . من واقع انه (أي المجتمع العراقي) لم يعدم وسيلة باطلة دون أن يثبت من خلالها أنه يخوض غمار منافسة مفتوحة مع الدولة ، لتقويض كل ما يشكل مكسبا" وطنيا" ومطلبا" أخلاقيا" ورصيدا" إنسانيا".
وهكذا فان الدولة العراقية – خصوصا"خلال مرحلة ما بعد السقوط – لم تكن بها حاجة أو تصبح مضطرة - مثلما كانت نظيرتها الغربية - لممارسة عمليات التخريب لوعي المجتمع العراقي والتغييب لإرادة مكوناته ، لكي يتسنى لها هدم منظوماته الأخلاقية والرمزية وردم مصادر تطلعاته الوطنية الإنسانية . من حيث إن إنسان هذا المجتمع سبق له وان جرّد من أية أمثولة معيارية ، يمكن أن تشكل له عاصما"من الانحراف باتجاه مظاهر ؛ التبربر الحضاري ، والتخدر الأخلاقي ، والتذرر الاجتماعي ، والتصحر الثقافي ، والتأسطر الديني ، والتعهر السياسي . ومن هذا المنطلق يمكننا – وبلا تردد – عدّ المجتمع العراقي من أكثر مجتمعات المعمورة اجتيافا" لمظاهر (الاصطناع) وأسرعه استجابة لقيمها ، سواء على مستوى الذهنيات والرمزيات أم على صعيد العلاقات والسلوكيات . ليس فقط لأنه بات واقعا"تحت تأثير مؤسسات الدولة الإعلامية المتطيفة والإيديولوجية المتحزبة والتربوية المتريفة ، التي أضحت مجرد أعشاش لتفريخ الخرافات الدينية ، وحاضنات لتناسل الأساطير التاريخية ، وبيئات لتكاثر الأوهام الطائفية فحسب ، وإنما لكونه طلق بالثلاثة كل ما يذكّره بالوطن ويشدّه بالمواطن ، بعدما أصبح كائنا"هلاميا"بلا ملامح ؛ مقتلع الجذور وعديم الانتماء وفاقد الهوية .
والغريب انه بقدر ما تحاول (الدولة) العراقية تبرأت ذاتها من تهمة ممارسة (الاصطناع) ضد المجتمع ، ومن ثم النأي بنفسها عن كل ما ينجم عنها من عواقب سياسية ومثالب اجتماعية ، بقدر ما يمعن المجتمع (العراقي) في الانغماس بهذا الضرب من السلوك الشاذ والتصرف المنحرف ، كما لو أنه يحاول الإساءة إلى نفسه الانتقام من ذاته بصورة مقصودة ومتعمدة . باعتبار أن ظاهرة (الاصطناع) هي من نتاج فعل الدولة التي تمارس سلطتها وتفرض سلطانها بغير أساليب (الإقناع) المعتادة ، التي عادة ما تشكل الركيزة الأساسية لقاعدة الشرعية الوطنية لكل دولة . لا أن يضطلع المجتمع المنتهك الحقوق والمستباح المصير بارتكاب مثل تلك القباحات الأخلاقية والحماقات السياسية ، ليس فقط ضد بقايا دولة وشظايا سلطة وزوايا قانون فحسب ، بل وكذلك ضد تاريخه ماضيا"، وضد مصيره حاضرا"، وضد أجياله مستقبلا".
ولعل هذه الوضعية المأزقية هي ما شجع على إطلاق العنان لقوى الشر وفلول الإرهاب من جميع الأصقاع ، لكي تتجه بأنظارها صوب كيان هذا المجتمع ؛ المتصدع في رمزياته ، والمتضعضع في علاقاته ، والمتخلع في ولاءاته ، لتنفث في جسده الهزيل سمومها ، وتطلق في وعيه العليل خرافاتها ، وتشيع في مخياله السقيم رذائلها . بحيث بات من الصعب – إن لم يكن من شبه المستحيل – حمل أفراده وجماعاته على كبح جماح نوازعها التعصبية ، وكبت غلواء دوافعها الانتقامية ، ولجم شراسة غرائزها العدوانية . والأنكى من كل ذلك إن الرموز السياسية والدينية لتلك الجماعات المتقاطعة في كل شيء ، ضربت بالنسبة لأتباعها وأنصارها المثال السيء والقدوة الرديئة ، لا في صدق وطنيتها ولا في نزاهة سريرتها فحسب ، وإنما في عمق تورطها بالتبعية والاستتباع لدول وحكومات خارجية ، لا تضمر لهذه البلاد وشعبها سوى العداء التاريخي والكراهية الحضارية . وهو الأمر الذي أعطى لمكونات المجتمع العراقي المنقسمة على ذاتها والمتصارعة على مصيرها ، المسوغات الأخلاقية والمبررات النفسية لكي تتصرف على هذا النحو من الرجم الديني للمعتقدات والهدم الوطني للمشتركات .
من هنا فان صفة (الاصطناع) التي تناولنا بعض مظاهرها ، ليست طارئة أو دخلية على مكونات المجتمع العراقي الضعيفة الإيمان بوطنها والقليلة الإحسان لعراقيتها ، إنما هي رابضة في ذهنها وأصيلة في سلوكها ، وان الأمر لا يحتاج – لكي تسفر عن وجهها الحقيقي – سوى أن تمر الدولة بأزمة أو تقع السلطة في مأزق ، وعند ذاك سرعان ما تظهر علائم الاصطناع كما لو أنها من خاصية من خصائص طبيعة هذا المجتمع الملغز ، وشيفرة أساسية من شيفرات جبلته المطلسمة !! .



#ثامر_عباس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مناقب الجمهور ومثالب النخبة !
- هل الى صحة العقل من سبيل ؟!
- العامل الاقتصادي وبندول الشعور الوطني
- السؤال الموارب : هل حقا-أنا مثقف ؟!
- مصطلح (البدوقراطية) بين حق التأسيس وحق الاقتباس
- مزالق الايديولوجيا ومآزق الايديولوجيين !
- الايديولوجيا ضد الايديولوجيين !!
- خراب العقلية العراقية وطراز المثقف النيتشوي !
- صراع العقيدة والمعتقد : بين الفتاوى الدينية والتعاويذ الطائف ...
- الثقافة والديمقراطية .. تزامن أم تعاقب ؟
- صلاحية الديمقراطية في المجتمعات المتخلفة !
- العقد الاجتماعي بين اهمال الدولة وتجاهل المجتمع
- الصراع على السلطة : مقاربة في سوسيولوجيا التداول السياسي
- تتريث العقل وتوريث الجهل
- اللغة السياسية والكتابة الصحفية
- ثقافة البراكسيس : الضرورة التاريخية والاضطرار السياسي (الحلق ...
- الميتودولوجيا الماركسية وثقافة البراكسيس ( الحلقة الأولى )
- الزعيم الدكتاتوري ونزوع عسكرة المجتمع
- علي الوردي ومقدمات عصر البدوقراطية
- مفهوم العنف الاجتماعي : دلالاته وأشكال تجليه (الحلقة الخامسة ...


المزيد.....




- لأول مرة منذ 9 أشهر.. شاهد إجلاء مرضى فلسطينيين عبر معبر رفح ...
- السيسي لترمب.. لا لتهجير الفلسطينيين
- نتنياهو يتوجه إلى الولايات المتحدة ليكون أول رئيس يلتقي ترام ...
- -د ب أ-: منظمة الشباب التابعة لحزب -البديل من أجل ألمانيا- ت ...
- صربيا.. المحتجون يغلقون الجسور عبر نهر الدانوب في مدينة نوفي ...
- اكتمال تثبيت قلب مفاعل الوحدة الثالثة في محطة -أكويو- النووي ...
- بعد سحب منتجات كوكاكولا مؤخرا.. إليكم تأثيراتها على الجسم!
- هل تعاني من حرقة المعدة أو الارتجاع بعد شرب القهوة؟.. إليك ا ...
- مشاهد للقاء الأسير الإسرائيلي الأمريكي كيث سيغال مع بناته
- ظاهرة غامضة تتسبب في سقوط شعر جماعي لسكان إحدى ولايات الهند ...


المزيد.....

- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ثامر عباس - مجتمع الاصطناع .. وفقدان الأمثولة المعيارية