أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - مصطفى الحسناوي - أطروحة المنفى














المزيد.....

أطروحة المنفى


مصطفى الحسناوي

الحوار المتمدن-العدد: 7420 - 2022 / 11 / 2 - 17:51
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


قد نقضي العمر كله في بلاد،تمر سنوات الشتاء ونكتشف في النهاية بأننا عشنا لاداخل منفى واحد،بل منافي كثيرة تسيجنا من كل الجهات،تطلق على نفسها كل الأسماء،حتى تصير المسميات جديرة بها.المنفى/المنافي هنا ليست أبدا ترفا وجوديا بل شرطا شارطا لنمط/ وجود معين يتصف بحدة الغربة بغياب الانتماء،باستحالة اقتسام أية صفة أو خاصية مع هؤلاء،مع الأشباه الذين نتقاسم معهم الخريطة وتلح الكليشيهات الجاهزة بأننا نشبههم.تكتشف في مرحلة متأخرة من العمر بأنك عشت داخل نفقك الخاص،وأن الآخرين عاشوا أيضا،كل واحد على حدة،داخل أنفاقهم الخاصة، وبين الأنفاق تنتصب جدران قد تكون من الزجاج أو الآجر الأحمر.داخل مجتمع آهل بالعشائر والقبائل وما يمكن تسميته افتراضيا أفرادا نتوهم العيش،أحيانا نستسلم لخيالات الكليشيهات الرخوة التي تعفينا من طرح الأسئلة ومن أن يكون لنا وعي/فكر نقدي،لكننا نكتشف بأننا نعيش داخل اللاجدوى،اللامعنى ،داخل التفاهة المتناسلة والشراسة والعدوانية الرخيصة والمريضة، وداخل الفرجة المعممة والمتفاقمة مثل داء عضال.تغوص العشائر والقبائل وجحافل الأفراد المفترضين في وحل المجتمع ،في بركه الآسنة ،وفي مرجاته التي تتناسل فيها البكثيريات، معتقدة أن هذا بالذات هو المجتمع الوحيد الممكن. علما أن الأمر في نهاية المطاف يتعلق بكارثة/كوارث اجتماعية،أكثر مما يتعلق بصيغة ممكنة وعقلانية للعيش المشترك.لن نكرر مع سارتر بأن الآخر هو الجحيم،المقولة السارترية غارقة في النوستالجيا كأنها تتخيل بأن هناك فردوسا بلا آخر،فردوس الذات الملمومة على ذاتيتها المفترضة أيضا.لاتتوفر الذات على فردوس خاص به يمكنها العودة إليه،يمكن أن تلجه.العودة للانغلاق على الذات،على تلك الفردانية المفترضة ليست أمرا جيدا.هذا بالذات هو المغزى من حكاية العودة المفترضة للذات.هنا تمكن ربما دلالة اصطلاح"نوستالجيا"الكلمة ذات النبرة اليونانية القوية بالرغم من أن الباحثة في الثقافة اليونانية باربارا كاسان، تذكرنا بأن كلمة "نوستالجيا"اصطلاح تركيبي سويسري-ألماني أكثر مما هو يوناني نوستوس nostos للعودة وalgos ألغوس للألم.ألم العودة لايعني بأننا نتألم لأننا غير قادرين على العودة،بل أن العودة تسبب ألما بكل بساطة.أوليس نفسه الذي اضطلع بمحك الأوديسة، ملحمة العودة إلى إيثاكا لايشعر بالنوستالجيا لذلك لم يعد.أول من أخبرنا بذلك هو تيرزياس العراف الأعمى في النشيد الحادي عشر من (الأوديسة) (ستعود،ولكنك سترحل وستموت بعيدا).لا مسقط رأس نعود إليه،نلوذ به،نحتمي به من المنفى/المنافي التي تتهددنا،تقترفنا وتصير نمط وجودنا.المنفى ليس سقفا ميتافيزيقيا.المنفى أفق مادي ملموس،عبر الاضطلاع به نكتشف/نعي المسافات التي تفصلنا عن واقع شبيه بحرب أهلية دائمة ،عن صحراء الحياة اليومية حيث يجوس الزومبي ،تلك الأجساد المعطوبة التي تتوهم الحياة ،لكنها لاتحيا بالفعل.نضطلع بالمنفى فنكتشف بأننا أقلية،بل أقلية الأقليات وسط الهذيان الجماعي المتفاقم،وسط الشيزوفرينا التي صارت بمثابة عقيدة وطنية وسط النفاق الاجتماعي الزاحف على الأجساد/الحيوات الموبوءة كخلايا سرطانية .نسميه المنفى الذي نضطلع (قد نضطلع)به، ولكنه الحياة الأخرى التي نأت بنفسها عن النزوعات الفاشية الجماعية،عن سلطة الدوكسا القاتلة،وعن هوس الأغلبية التي تسن القانون وتفرضه وتحول كل اختلاف إلى حالة استثناء.المنفى بالنسبة لمن ينتمي لأقلية الأقليات هو نمط-وجود- في –العالم،إنه شكل انتماء لعدم الانتماء،أرض ،مفازات ،جغرافيا مفتوحة ،رحالة .تبني منفاك الخاص،تشيد معنى لمنفى يليق بعزلتك الواهبة،التأكيدية،الاختلافية داخل حشود المنافي التي تنبت كنباتات ضارة في الفراغات الآسنة.تبني معنى المنفى حتى لاتسقط في هاوية اللامعنى،اللاجدوى ،في الفراغ اللجي الذي لارجعة منه.نبني لمنفانا معنى بانيا حتى نفلت من هذيان منافي الآخرين،ومن سيرورة انبنائها للمجهول.نبني للمنفى معنى المقاومة،نفكر في الأزمة،في الموقف الراديكالي سياسيا،وجوديا،فكريا الذي يمكن أن نتبناه،نرفض الهيمنة.نعيش عمرا بأكمله داخل خريطة قاسية يشبه العيش فيها/فوقها حروبا أهلية دائمة،ونكتشف في السنوات المتأخرة من هذا العمر المستمر نفسه، بأننا عشنا داخل منفى فرض علينا في البداية،لكننا بعد ذلك اخترناه حتى نفلت من هذيانات الكائنات المتوحشة،من الفامبيرات،والزومبي ومن سطوة الخطابات القاتلة التي تحلم بأعراس الدم.المنفى ليس مسقط الرأس، الذي يمكن أن نلجأ إليه/نلوذ به/ننام في حماه/نأوي إلى رحمه .لأن مسقط الرأس مرتبط بالأنساب والعصبيات العائلية القبلية والعشائرية بالانتماء للدم الذي ينتظم الدوكسا.نعود إلى مسقط الرأس لنعود إلى التواريخ السرية لدمنا للأعراف والتقاليد الموروثة للأفكار المعتقدات، السرود التي نتوهم أنها مؤسسة لذواتنا/لوجودنا. أما المنفى فلا ينتظمه غير التحالف والصيرورات المفتوحة على تجارب أفكار كينونات لامسماة ولا مدركة.داخل المنفى لانرتبط بالأخ بل نتحالف مع الرفيق،مع الصديق،لانرتبط بالشبيه بل ننسكن بنداء/وجود المختلف.هكذا نسمي زمننا الآتي،نسمي التمرد الآتي،يصير الوجود بالنسبة لنا سياسة حميمية تحول حياتنا في أدق تفاصيلها إلى مصير نرفض الهيمنة،الخضوع للدوكسا الانوجاد داخل الأطر الذهنية الجاهزة والمتوارثة،لأننا نوجد داخل المنفى،منفانا الخاص،أو منفانا كأقلية الأقليات داخل مجتمع منتظم صلب بارانوي إسمنتي.المنفى أفقنا لاسقفنا المطلق،المنتهي.داخل هذا المنفى الخلاق التأكيدي،الفعال المسكون بالأفراح المادية للصيرورة، نرفض أن نعيش مسنودي الظهر إلى جدار ،لأن العيش أسفل جدار هي حياة الكلاب،ننأى عن أرتال السلوكات المواقف الفاشية التي تمخر الحياة اليومية.لانغادر الحرب ولكننا نؤجل معركة/معارك،المنفي ليس اختيارا إرادويا سعيدا ولكنه قد يصير حظنا في البقاء قيد الحياة حظنا في ممارسة نوع من المقاومة التأكيدية الفعالة،بعيدا عن منطق القتلة وهيمنتهم.



#مصطفى_الحسناوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أطروحة البحر
- أطروحات في العلاقة بين الدهماء والسياسة
- أطروحة في السياسة الممكنة
- حول بيوغرافيا ديريدا
- السلطة عند فوكو
- هوامش حول -عين الاختلاف- لمحمد الهلالي
- سقراط في زنزانته
- بصدد دولوز وكاتاري أو نحو خرائطية فلسفية رحالة
- هلْ الحَياة الكريمَة مُمْكِنَة ؟
- سبينوزا: في أن الإنسان الحر هو الإنسان العقلاني
- كارل شميث أو تصورٌ للسياسة قائم على الصراع
- مع ماركس
- الشعب يريد...


المزيد.....




- -عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
- خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
- الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
- 71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل ...
- 20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ ...
- الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على ...
- الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية ...
- روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر ...
- هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
- عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز ...


المزيد.....

- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - مصطفى الحسناوي - أطروحة المنفى