أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خلف علي الخلف - عن گلگامش السومري وتأثيره في حياتي















المزيد.....

عن گلگامش السومري وتأثيره في حياتي


خلف علي الخلف

الحوار المتمدن-العدد: 7416 - 2022 / 10 / 29 - 00:35
المحور: الادب والفن
    


في عام 2005 أظن أصدرت مجموعتي الثانية "التنزيل"؛ وهي نصوص متناثرة كتبت أغلبها في أثينا. كانت جماعة المقهى في حلب تهتم بما يصدر وينشره أهل حلب، من ضمن هذه الجماعة الموسيقي نوري اسكندر الذي نناديه ملفونو أي المعلم بالسريانية والذي استقر به المقام في السويد وانتهى موسيقيا على الأرجح خنقا.

قرأ ملفونو أحد النصوص، واظن عنوانه "وريث البراري". كانت رؤيتي للشعر في ذلك الحين متأثرة بقراءاتي النقدية العربية الفقيرة و المضطربة والمتناثرة والغائمة والمجتزءة من ترجمات غير دقيقة لمفهوم الشعر، ومتأثرة كذلك بألاعيب أحمد سعيد إسبر في هرائه عن الشعر واعتقاده بالشاعر الإله، وتفجير اللغة وحرقها وسحلها وتدمير المعاني ودفنها وهكذا. وبالتأكيد متأثرا بالإرث الشعري العربي، وبحكم الإرث الرافدي المشترك كان الشعر العراقي قريبا منا نحن سكان الجزيرة الفراتية، الذي استلهم الأساطير الرافديّة بشكل مستعجل وشكلي. كما أنني لم أكن مقتنعا بمسار "القصيدة الشفوية" التي ما ابتعدت عن هذا الإرث فولدت مكلسة تحت سطوته وإن بدت غير ذلك.
هذه وجهة نظري سابقا وما تزال صالحة لنتاج تلك الفترة مع استثناءات قليلة. ولأننا أنا ونوري من الجزيرة أصلا فقد استهواه النص لوجود صدى ملاحم تلك الأرض عندما كانت عامرة أو مركز الدنيا.

ذاك النص على ما أذكر ينطلق، كعنوانه، من الشاعر الرائي بتعبير رامبو والنبي بتعابير عربية، وينسج شخص أسطوري هوائي يعاند المجرات بسلاح الصواب والحكمة، لكنه مهزوم أيضا لأن الناس لم تتبعه، لا فهمت عليه ولا اتبعت طريقه.. خلطة من هذا القبيل تجدها عند عموم الشعراء العرب ممن سموا جيل الرواد ومريديهم بعدهم مع اختلافات في التفاصيل.

طرح نوري اسكندر علي انجاز عمل موسيقي مستوحى من النص موجه للغرب، وكان قبل ذلك قدم تأليفا موسيقا دار به مدن أوروبية عدة. وافقت، وجلسنا عدة جلسات، وجدت إثرها أن النص لا يحتمل تعديلات ملفونو، فنحن نكتب نصا جديدا، وهذا خارج رغباتي؛ أي كتابة نص ليستوحى منه موسيقى ضمن إطار مضامين محددة، لا أستطيع كتابة نص تحت الطلب أيا كان الهدف.

قلت لنوري بعد أن فهمت مشروعه؛ عندي فكرة أفضل، سآتي لك بملحمة گلگامش تقرأها وستجد تصورك فيها، وأنا مستعد أن أعد نصا منها يلائم النشيد الكوني الذي تحلم به؛ وحتى تسويقيا اسم العظيم گلگامش يشيل؛ من خلف وخليفان.

بالفعل اتفقنا وجلسنا عدة جلسات أنا وهو في مقهى الفندق السياحي بحلب في أوقات لا يتواجد بها أحد من جماعة المقهى كي لا يقاطعوا استغراقنا في عظيم آوروك، وبحسب جديتي في كل اعمل، استولت علي الملحمة. قراءات لكل الترجمات المتوفرة، قراءات لكل ماهو متاح مما كتب عنها، ثم في كل مرة أعيد قراءة الملحمة أو أجزاء منها، مقارنة الترجمات.. انتهى ذلك بأن أعددت النص لنوري ولم يتم المشروع، لكن گلگامش أحدث انعطافة في رؤيتي للشعر والحياة أيضا بدرجة ما.

گلگامش حكم آوروك تقريبا بين 2800- 2500 ق.م. لكن في حوالي 2350 ق.م. استولى على الحضارة السومرية سرگون الإكدي، ولم يكن سومريا بل من شعوب بدوية مستوطنة في سومر، أطلق على تلك الحقبة (الإكدية- السومرية) لأن الإكديين ما جاؤوا غزاة، كانت سومر مدن تحضر و استقرار يأتي بدو الجوار يستوطنون فيها بعد أن يتعرفوا عليها من خلال غزوها للسلب أو محاولة غزوها؛ وهذه المدن ما كانت ممالك محاربة وليس لديها مفهوم الإمبراطوريات أو أحلامها؛ فبعد هجمات البدو بنوا الأسوار العالية حول مدنهم وذلك يكفي بالنسبة لهم. قصة سرگون، كي لا أطيل، هي قصة موسى التي استعارتها النصوص المقدسة، لكنه هناك ولأن هناك "مملكة" قائمة، دون جيوش وحاشية وقادة، استولى عليها بعد أن كان يعمل ساقيا في بيت كبير القوم الذي ربي فيه، فما كان عندهم حتى تسمية ملك ولا مفهوم المملكة.

توسع الملك الإكدي الجديد وضم المدن وغزا الجوار وتشكل مفهوم الإمبراطورية والأمن القومي وحيازة الموارد. بعد نهاية الحقبة السومرية الإكدية عادت الحضارة السومرية للظهور منفردة، سميت تلك الحقبة سلالة أور الثالثة التي استمرت من آواخر الألف الثالث قبل الميلاد حتى بدايات القرن السابع عشر.

في هذه الفترة تم تعظيم گلگامش وأسطرته وأسبغت عليه صفات الإلوهة. نسخت الأسطورة ربما آلاف المرات، وكانت هذه الأسطورة [استنتاجا من كتاب ألواح سومرية لكريمر وقياسا] تدرس في المدارس السومرية لتعليم الأطفال الكتابة. كتبت الأسطورة وأعيد نسخها لفترة طويلة من الزمن لتتغنى بملك سومري عظيم يتذكره شعبه ويعيش النوستالجيا لعصره السومري الذهبي في آوروك والذي يمتد للمدن السومرية الأخرى وكذلك لترسيخ أفكارها وتعاليمها الرفيعة في المجتمع.

من خلال التصاقي بهذه الملحمة التي يجمع النقاد من أمم شتى على أنها أحد أعظم النصوص التي انتجها البشر، دارسا لا مجرد قارىء يقرأ المعاني ويمشي، بل تفحصت الرسائل المضمونية التي كنا نريد إعادة انتاجها وصياغتها، وجدت شيئا كان صادما لي في البداية "البساطة". بساطة اللغة وبساطة الصياغة وبساطة التعبير وبساطة المفردات والتشابيه وقوة الفكرة وعمقها ونفاذيتها!
بالطبع والمؤكد إن أهم ترجمة لها كانت لعلم السومريات وتلميذ صموئيل كريمر الذي يلقب بأبو السومريات، طه باقر، وهو رجل لا أعتقد أنه سيتكرر، وهذه الإحاطة بسومر جاءت لاحقا من خلال كتاب "الحرانيون السومريون".

لايوجد في تلك الملحمة تعابير من قبيل "الهواء الذي يقف على ساق متسقة واحدة ويعض ذيله المسنون بأفكار مسروقة" و لا "من بحر على بحر اخترعنا الاسم، ومن بر على بر جمعنا الصبر، نزرع فرخة الليمون في يافا ونسقي سماء الملوحة باللازورد".

التأثير الفكري لملحمة گلگامش كان أسرع، إذ متأثرا بهذه الملحمة وسخرية من ثيمة الخلود التي حركت گلگامش بعد موت صديقه إنكيدو، و متبنيا رأي صاحبة الحانة الذي قالته لگلگامش حول مفهوم الخلود ملخصا ب "عش يومك"؛ كتبت نص المونودراما "گلگامش بحذاء رياضي" التي حصلت عبره على الجائزة الدولية لنصوص الموندراما. يرصد النص عذابات گلگامش وسخافة حياته بعد أن نال عشبة الخلود ووصل عصرنا.
ومتأثرا بهذه البساطة التي في ملحمة گلگامش بدأت انقلب على مفهومي للشعر؛ وحدثت القطيعة النهائية لذاك المفهوم مع اكتمال مجموعتي الشعرية "قصائد بفردة حذاء واحدة" التي كتبتها عبر عدة سنوات، وقامت بشكل أساسي على السخرية من شكل قصيدة النثر الحديثة بالعربية وتراكيبها اللغوية وتعابيرها التي بلا معنى، وتحررت بشكل شبه تام من الجملة الذهنية التي لا يمكن أن تعيش إلا في المتخيل؛ لا تبتكر دلالة ولا تحيل لدلالة مستقرة. ظهر هذا بشكل واضح في مجموعتي "يوميات الحرب القائمة" و "العبرة في الحواس".

وأرى أن بساطة ملحمة گلگامش جاءت في سياق طبيعي فقد خلقها الناس، وكتبها المتعلمون، لم تكن منفصلة عن سياقها الإجتماعي الشعبي ولا عن لغته ولا عن مقولاته الفكرية الرفيعة والناضجة التي تعكس خبرات الحياة المتراكمة؛ وبهذه البساطة العميقة ستظل خالدة.



#خلف_علي_الخلف (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تغريبة القافر لزهران القاسمي أو عندما تبدو الحياة كحكاية
- سيرة العشائر الزراعية في رواية -خربة الشيخ أحمد- ل عيسى الشي ...
- هل يحب برهان غليون السمك مع الخاثر؟
- في نقد الإستجابة الإقليمية لمنظمة الهجرة الدولية للأزمة السو ...
- حازم صاغية في فخ الذاكرة الثقافية السورية المزورة
- حان وقت رفع راية استقلال إقليم الجزيرة الفراتية عن سوريا
- عن انقلاب الرفيق رياض الترك على قيادة الشباب للثورة السورية
- الضربة الأميركية والمعارضة الموالية للنظام
- هل اقتربت نهاية حكم حيوان الغاز القاتل
- حين لا تجد الأمم الكلمات لوصف المذبحة السورية
- هل كان سعدالله ونوس صنيعة نظام الأسد
- فضائح المنظمات الإغاثية الدولية
- عن العنصرية الخفيّة واتنزاع الأطفال من ذويهم في السويد
- فنون الوحشية عند تنظيم الدولة الإسلامية
- أين أخطأ البارزاني في مشروع استقلال كردستان
- قضية الأهواز كمدخل عربي لمواجهة إيران
- الصراع الديني في الشرق الأوسط من منظور غربي
- الإرهاب من منظور نظريات العلاقات الدولية
- الخلف: ضعف كفاءة المعارضين جعلهم يحسبون العملية السياسية مجر ...
- خلف علي الخلف: سوريا التي نعرفها لن تعود


المزيد.....




- مصر.. عرض قطع أثرية تعود لـ700 ألف سنة بالمتحف الكبير (صور) ...
- إعلان الفائزين بجائزة كتارا للرواية العربية في دورتها العاشر ...
- روسيا.. العثور على آثار كنائس كاثوليكية في القرم تعود إلى ال ...
- زيمبابوي.. قصة روائيي الواتساب وقرائهم الكثر
- -الأخ-.. يدخل الممثل المغربي يونس بواب عالم الإخراج السينمائ ...
- عودة كاميرون دياز إلى السينما بعد 11 عاما من الاعتزال -لاستع ...
- تهديد الفنانة هالة صدقي بفيديوهات غير لائقة.. والنيابة تصدر ...
- المغني الروسي شامان بصدد تسجيل العلامة التجارية -أنا روسي-
- عن تنابز السّاحات واستنزاف الذّات.. معاركنا التي يحبها العدو ...
- الشارقة تختار أحلام مستغانمي شخصية العام الثقافية


المزيد.....

- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / أحمد محمود أحمد سعيد
- إيقاعات متفردة على هامش روايات الكاتب السيد حافظ / منى عارف
- الخلاص - يا زمن الكلمة... الخوف الكلمة... الموت يا زمن ال ... / السيد حافظ
- والله زمان يامصر من المسرح السياسي تأليف السيد حافظ / السيد حافظ
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل مسرحية "سندريلا و ال ... / مفيدةبودهوس - ريما بلفريطس
- المهاجـــر إلــى الــغــد السيد حافظ خمسون عاما من التجر ... / أحمد محمد الشريف
- مختارات أنخيل غونزاليس مونييز الشعرية / أكد الجبوري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خلف علي الخلف - عن گلگامش السومري وتأثيره في حياتي