قبل وقوع الحرب بقليل و بعد نشوبها اثيرت قضية وضع المرأة في العراق. كل الذين شاهدوا القنوات التلفزيونية و التظاهرات و الشارع العراقي عموما عبر وسائل الاعلام، تساءلوا: اين النساء؟ لماذا لم تظهر النساء في الشارع؟ جرت مقابلات مع العديد من الناس، الا ان النساء لم يظهرن الا و هن متلفحات بالسواد يبكين ضحاياهن. فهل فرغت الساحة من النساء؟ ان كان كذلك، لماذا، و كيف السبيل الى اخراجهن من منازلهن ومطابخهن للشارع، ومن خلف أواني الغسيل الى الشارع، ليقلن ما يردن.
في الشهرين الاخيرين طرحت العديد من الناشطات النسويات في العراق ممن يعشن في الخارج افكارا و مشاريع، عقدن اجتماعات، و ناقشن قضية حقوق المرأة في العراق. و بدأت بعض المنظمات النسوية العالمية تحركات هنا و هناك تتناول نفس الموضوع. و كان مبعث حركة هذه المنظمات هو عدم تكرار تجربتي نساء افغانستان و كوسوفو، والاستفادة من التجارب التي جرت هناك، لتفادي تهميش دور المرأة عن طريق تدخل المنظمات النسوية العالمية، و الكل تقريبا يحملن وثيقة الامم المتحدة المرقمة 1325 والتي تتناول وضع النساء في اوضاع ما بعد الحرب، و مشاركتهن في صنع القرار في تلك المرحلة.
أن هذا عمل جيد، ومطلوب ان تتحرك النساء لاظهار تضامنهن النسوي العالمي، ويجب ان يبنى عليه، حيث ان النساء في العراق حرمن من كل اشكال التنظيم في العقود الثلاثة المنصرمة، و حيث ان الحركة النسوية العالمية خاضت نضالات و حققت انجازات، تستحق ان تنقل الى النساء في العراق،و ان تجسر العلاقات بين النساء في العراق مع العالم.
من اجل القاء الضوء على حقيقة اوضاع النساء في العراق، و القوى العاملة على تقدمها او تدهورها، لا بد لي من الاستهلال بالقول ان النساء في العراق عشن من جهة تحت الدكتاتورية و الحروب و الحصار، و هن اكثر الفئات تأثرا بهذه الاوضاع.
الا انه ومنذ التاسع من ابريل، لم يعد صدام موجودا على سدة الحكم، و خرج الناس الى الشارع، للاحتفال بمراسيم دينية او تظاهرات عمالية كما في الاول من ايار، الا اننا لم نجد النساء في الشارع يظهرن للمطالبة بحق او مطلب معين.
نعرف الان، الولايات المتحدة و ضمن مساعيها لاعادة " بناء العراق!" وضعت حقوق المرأة، على جدول اعمالها, و اكد مكتبها لقضايا المرأة العالمية على استنكاره لاعمال قطع رؤوس النساء بائعات الجسد، و استنكار اغتصاب النساء للضغط على اقاربهن من الرجال لانتزاع الاعترافات منهن حول ذويهن من السياسيين و كذلك التعذيب الذي يمارس لنفس الغرض، و قانون 111 الذي ينص على عدم تجريم قتل النساء اذا ارتكب لاسباب تتعلق بالدفاع عن الشرف. اي لم يرد اي شيء عن اضطهاد المرأة لكونها :امرأة" و ليس لكونها وسيلة ضغط على رجل!
وهذا ليس امر يثير الدهشة، الادارة الاميركية هي التي جلبت البلاء الذي اسمه صدام حسين على الجماهير في العراق، و هي التي مولته حين حقق لها اهدافها، و ازالته حين انتهت مهمته، و اليوم عادت من جديد، لتعيد موظفيه و ضباطه و وزراءه الى سدة الحكم. و المخطط الاميركي لاعادة بناء العراق، لا يتعلق الا بالمشروع الامريكي في الشرق الاوسط و العالم- نشرت الفايننشال تايمز يوم الاحد 6-4 الشروع قريبا بافتتاح منطقة التجارة الحرة في الشرق الاوسط تبدأ من العراق و الخليج، تمر بالاردن ومصر و تنتهي بالمغرب- أما حقوق البشر يجب ان يعاد النظر فيها بما ينسجم و هذا البرنامج. لذا فان مطالب النساء باعتبارهن ضحايا التمييز الجنسي في العراق فلا يمت بصلة لا من قريب و لا من بعيد بالادارة الامريكية.
امريكا تمول و تساند قوى عراقية و محلية لم نقرأ لهم برنامجا و لا بندا في " عراق المستقبل" يتحدث عن حقوق المرأة. حتى النساء عضوات " احزاب المعارضة التي عقدت اجتماعاتها في لندن و الناصرية و بغداد" اثار غضبهن عدم التطرق الى موضوع حقوق النساء.
هل يملك البارزاني و الطالباني ممن قتلت تحت سلطتهم 9 الاف امرأة في العقد الاخير تحت القوانين المهينة للبشرية" قوانين قتل الشرف" ام السامرائي او شيوخ العشائر. اية لوائح حقوقية يحملها هؤلاء للنساء؟ انهم جمع طوائف و عشائر باركوا الاميركان بحربهم و حصارهم على الناس، من اجل الحصول على حصة في السلطة، فاية مكانة للانسان وللمرأة على اجندتهم؟
الاحزاب الاسلامية التي تسيطر على بعض المواقع في العراق الان، و التي تحتج و تتظاهر ضد جلسات الاحزاب الستة مع جاي غارنر، غضبا لانه لم يتح لها مجالا اوسع، و لم يعين لها كراسي اكثر. تظهر مواقف واضحة شفافة، بدون تلاعب بالكلمات، و بدون ادعاءات زائفة، تعبرعن مناهضتها لحقوق ألمرأة:
محمد الطبطبائي يخطب في جامع الكاظمية قائلا" الغرب يدعو الى الحريات و التحرر، الاسلام لا يدعو لهذا. الاسلام يرفض هذه الحريات، الحريات الحقيقية هي "اطاعة الله، و التحرر من الرغبات". و "ان الشر الذي نتوجس منه هو الشر القادم من الغرب في الايام القادمة، و الذي يريد اشاعة المجلات الخلاعية و الـ" ستلايت!!!" و يوصي مستمعيه " لا يجب ان تتجول النساء في شوارع مدينة الكاظمية بدون حجاب". هكذا يريد الطبطبائي ان يوغل اكثر و يحقق تفوقا على سجل صدام حسين بمعاداته و انتهاكاته لحقوق المرأة.
اما الحوزة العلمية في النجف، فهي تريد دولة اسلامية في العراق. ماذا تعني دولة اسلامية؟ دولة اسلامية تعني انتهاك صارخ لحقوق المرأة، تعني الحجاب الاجباري، و الرجم بالحجارة، والفصل بين الجنسين، و الولاية بيد الرجل، و معاملة المرأة كانسان ناقص العقل، يحق ضربها ان لم تطع الرجل، يعني مشروعية العنف المنزلي، يعني جلب المرأة لبيت الطاعة رغم ارادتها، يعني ممارسة الجنس معها و اغتصابها رغم ارادتها حيث" ان النساء حرث للرجال" يعني تزويج الفتيات في سن التاسعة، يعني اشاعة زواج المتعة، و تحويل جسد المرأة الى سلعة قابلة للبيع لمن يشتري، ان سلسلة انتهاكات المرأة في الدولة المحكومة بالقوانين الاسلامية اكبر مما يمكن ان تسجلها مقالة قصيرة كهذه. هذا هو خطاب الاسلاميين للمرأة. و لهذا السبب اجاب احد المتظاهرين في شوارع الناصرية على سؤال، لماذا لا توجد امرأة واحدة في التظاهرة قال: ان الاسلام يأمر النساء بالبقاء في المنازل.
ونحن نقول للنساء أخرجن الى الشارع، عبرن عن مطالبكن، اذا كان "الشيعة" يريدون حصة اكبر في السلطة لانهم يشكلون نسبة 60% من المجتمع العراقي، فالنساء يشكلن اكثر من 55% من المجتمع العراقي، فاين حصتهن من السلطة ومن اقرار حقوقهن؟.
الحزب الوحيد الذي خصص بنودا خاصة و مفصلة لحقوق المرأة في برنامجه " عالم افضل" هو الحزب الشيوعي العمالي العراقي. لم يكن الحزب لينتظر سقوط صدام اولا، لـ" يبحث في قضية وحقوق المرأة". اقر الحزب في القسم المتعلق بحقوق النساء في برنامجه، ضمن ما اقر، على المساواة التامة بين الجنسين. تغيير قانون الاحوال الشخصية المستند حاليا على الشريعة الاسلامية. اقرار الحقوق المدنية للنساء، السفر، التنقل، العمل، التعليم، اختيار الملبس، اختيار الشريك، منع العنف بكافة اشكاله. حماية النساء، ايجاد ملاجيء. منع زواج الفتيات دون 16 سنة. منع تعدد الزوجات، منع زواج المتعة، و عدم تجريم العاملات بالجنس و تجريم عمل المتاجرين بمهنتهن، منع الفصل بين الجنسين. و اكد ان المسالة الاساسية لتضمين هذه الحقوق هو فصل الدين عن الدولة، ايجاد مجتمع مدني علماني يعامل النساء و الرجال على قدم المساواة.
قام الحزب بوضع أللوائح و اصدارالبيانات المدافعة عن حقوق المرأة، نظم عشرات الحملات النسوية في كردستان العراق وفي الخارج دفاعا عن مطالب النساء المنصوصة اعلاه. و كان خلف فكرة انشاء مراكز للمرأة و مجلات و الخ من المشاريع النسوية.
لذا، و من هنا، اوجه ندائي الى النساء في العراق بالانضمام الى صفوف الحزب الشيوعي العمالي العراقي، ليتحصن في قلاع حزب يدافع دون مساومة و دون ان يتزحزح امام الرجعية عن حقوق المرأة وعن التمدن و عن حريات الانسان. الحزب فتح مقراته في الناصرية و بغداد و كركوك و له نشاطاته في كردستان العراق. الانضمام الى الحزب، يمنح النساء قوة للخروج من العزلة، و التهميش، الى الوقوف في صف حزبي منظم للدفاع عن حقوقهن. و ناشطاتنا النسويات اللواتي اجبرهن النظام علىالخروج من العراق، يعدن الى المدن، و يمكن الاتصال بهن، لتنظيم انفسهن في منظمات و يضعن مطالبهن لاحقاق حقوقهن المنتهكة. من اجل توحيد صفوفنا االنسوية و المتمدنة للوقوف بوجه الرجعية و التخلف.