|
الليبرالية والفاشية: شركاء في الجريمة
دلير زنكنة
الحوار المتمدن-العدد: 7405 - 2022 / 10 / 18 - 20:32
المحور:
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
غابريل روكهيل
ألقى المثقفون حجابًا على الطابع الديكتاتوري للديمقراطية البرجوازية ، ليس أقله من خلال تقديم الديمقراطية على أنها النقيض المطلق للفاشية ، وليس مجرد مرحلة طبيعية أخرى منها تظهر فيها الديكتاتورية البرجوازية في شكل أكثر وضوحا ". - بيرتولت بريخت
نسمع مرارًا وتكرارًا أن الليبرالية هي الحصن الأخير ضد الفاشية. إنها تمثل دفاعًا عن سيادة القانون والديمقراطية في مواجهة الديماغوجيين المنحرفين الحاقدين الذين ينوون تدمير نظام جيد تمامًا لتحقيق مكاسبهم الخاصة. اسطورة العداء الظاهري متجذر بعمق في التاريخ الوهمي المشترك لما تسمى حاليا بالديمقراطيات الغربية الليبرالية . و كما يتعلم كل طفل في المدرسة في الولايات المتحدة مثلًا،فقد هزمت الليبرالية الفاشية في الحرب العالمية الثانية الوحش النازي من أجل إنشاء نظام عالمي جديد - مع كل عيوبه وآثامه المحتملة - مبني على مبادئ ديمقراطية أساسية متناقضة مع الفاشية.
إن هذا التصوير للعلاقة بين الليبرالية والفاشية لا يقدمهما فقط على أنهما متضادتان بشكل كامل، ولكنه يحدد أيضًا جوهر النضال ضد الفاشية باعتباره نضالاً من أجل الليبرالية. وبذلك ، فإنه يقوم بصياغة عداء أيديولوجي زائف. لأن الفاشية والليبرالية تشتركان في إخلاصهما الدائم للنظام الرأسمالي العالمي.
على الرغم من أن المرء يفضل القفاز الناعم لحكم التراضي و الهيمنة، على الآخر المستعد لاستخدام القبضة الحديدية للعنف القمعي ، إلا أن الإثنين عازمين على الحفاظ على العلاقات الاجتماعية الرأسمالية و تنميتها ، وقد عملا معًا طوال التاريخ الحديث من أجل القيام بذلك. لذا ما يخفيه هذا الصراع الظاهري - وهذه هي قوته الأيديولوجية الحقيقية - هو الخط الفاصل الحقيقي والأساسي، ليس بين نمطين مختلفين من الحكم الرأسمالي ، ولكن بين الرأسماليين والمناهضين للرأسمالية.
إن حملة الحرب النفسية الطويلة التي شنت تحت راية "الشمولية" الخادعة قد فعلت الكثير لإخفاء هذا الخط الفاصل من خلال تقديم الشيوعية بصورة مزيفة كشكل من أشكال الفاشية. وكما أوضح دومينيكو لوسوردو واخرون بدقة تاريخية عظيمة و بتفصيل، فإن هذا مجرد هراء أيديولوجي محض.
بالنظر الى تحديد اطار النقاش العام الحالي حول الفاشية في اطار المقاومة المزعومة لليبرالية ، نادرًا ما تكون هناك مهمة أكثر توقيتًا من مهمة إعادة الفحص الدقيق للسجل التاريخي للتجربة الليبرالية والفاشية الموجودة بالفعل. كما سنرى في هذه النظرة العامة الموجزة ، بعيدًا عن كونهما أعداء ، فقد كانوا - أحيانًا بشكل خفي ، وأحيانًا بكل صراحة - شركاء في الجريمة الرأسمالية.
من باب النقاش و من اجل الإيجاز ، سأركز هنا بشكل أساسي على سرد ظرفي للحالات غير الخلافية في إيطاليا وألمانيا. ومع ذلك ، و جدير بالذكر منذ البداية أن الدولة البوليسية العنصرية النازية و السعار الاستعماري الايطالي - الذي تجاوز بكثير قدرات ايطاليا - تم تأسيسهما بتقليد نموذج الولايات المتحدة الاميركية.(1)
التعاون الليبرالي في صعود الفاشية الأوروبية
مهم جدًا أن نعرف ان فاشية أوروبا الغربية قد خرجت من داخل الديمقراطيات البرلمانية بدلاً من قهرها من الخارج. صعدت الفاشية إلى السلطة في إيطاليا في لحظة أزمة سياسية واقتصادية حادة في أعقاب الحرب العالمية الأولى ، ثم الكساد العظيم لاحقًا. كان هذا أيضًا وقتًا شهد فيه العالم لتوه أول ثورة ناجحة مناهضة للرأسمالية في الاتحاد السوفيتي ، حيث تلقى موسوليني ، الذي بدأ حياته السياسية بالعمل لدى المخابرات البريطانية MI5 لتفكيك حركة السلام الإيطالية (2)خلال الحرب العالمية الأولى ، دعمًا من كبار الرأسماليين الصناعيين والمصرفيين. بسبب توجهه السياسي المناهض للعمال والمؤيد للرأسمالية. كان تكتيكه هو العمل داخل النظام البرلماني ، من خلال حشد المؤيدين الماليين الأقوياء لتمويل حملته الدعائية الموسعة بينما كانت عصاباته من القمصان السوداء تستعمل القسوة ضد صفوف المضربين ومنظمات الطبقة العاملة. في أكتوبر من عام 1922 ، قدم له أقطاب اتحاد الصناعة وكبار اصحاب البنوك الملايين اللازمة للمسيرة الى روما كعرض مذهل للقوة.
وبدلاً من ذلك ، كما أوضح دانيال غيران في دراسته البارعة "الفاشية و الشركات الكبرى"(3)استدعى الملك في 29 أكتوبر موسوليني و كلفه ، وفقًا للمعايير البرلمانية ، بتشكيل مجلس الوزراء. سلمت الدولة الرأسمالية نفسها دون قتال ، لكن موسوليني كان عازمًا على تشكيل أغلبية مطلقة في البرلمان بمساعدة الليبراليين. لقد أيدوا قانونه الانتخابي الجديد في يوليو 1923 ثم وضعوا قائمة مشتركة مع الفاشيين لانتخابات 6 أبريل 1924. حصل الفاشيون ، الذين لم يكن لديهم سوى 35 مقعدًا في البرلمان ، على 286 مقعدًا بمساعدة الليبراليين.
وصل النازيون إلى السلطة بنفس الطريقة تقريبًا ، من خلال العمل داخل النظام البرلماني ومغازلة كبار رجالات الصناعة و البنوك. قدم هؤلاء الدعم المالي اللازم لتقوية الحزب النازي وفي النهاية تأمين النصر الانتخابي في سبتمبر 1930. سيتذكر هتلر لاحقًا ، في خطاب ألقاه في 19 أكتوبر 1935 ، كيف ساعده الحصول على الموارد المادية اللازمة لدعم 1000 خطيب نازي يسافرون بسياراتهم الخاصة ، الذين يمكنهم عقد حوالي 100000 اجتماع عام في غضون سنة واحدة.
في انتخابات ديسمبر 1932 ، رفض قادة الاشتراكيون الديمقراطيون، الذين كانوا يساريين اكثر بكثير من الليبراليين المعاصرين لكنهم يشاركونهم أجندتهم الإصلاحية ، تشكيل تحالف لمدة 11 ساعة مع الشيوعيين ضد النازية. كتب مايكل بارينتي (4) : "كما هو الحال في العديد من البلدان الأخرى في الماضي والحاضر ، كذلك في ألمانيا ، فإن الديمقراطيين الاشتراكيين سيتحالفون قريبًا مع اليمين الرجعي بدلاً من إتفاق مشترك مع الحمر". قبل الانتخابات ، جادل مرشح الحزب الشيوعي إرنست ثيلمان بأن التصويت {للرئيس اليميني} المحافظ المارشال فون هيندنبورغ يرقى إلى التصويت لهتلر وللحرب. بعد أسابيع فقط من انتخاب هيندنبورغ ، دعا هتلر ليصبح مستشارًا.
وصلت الفاشية إلى السلطة في كلتا الحالتين من خلال الديمقراطية البرلمانية البرجوازية ، حيث قام رأس المال الكبير بتمويل المرشحين الذين سيعملون بمشيئته مع خلق مشهد شعبوي - ثورة كاذبة - عن حشد أو جاذبية جماهيرية مزعومة. تم استيلائها على السلطة ضمن هذا الإطار القانوني والدستوري ، الذي ضمن شرعيتها الظاهرية على الجبهة الداخلية ، وكذلك داخل المجتمع الدولي للديمقراطيات البرجوازية. لقد فهم ليون تروتسكي هذا تمامًا وشخص ما كان يحدث في ذلك الوقت ببصيرة رائعة:
النتائج قد ظهرت : الديموقراطية البرجوازية تحول نفسها بشكل قانوني وسلمي إلى ديكتاتورية فاشية. السر بسيط: الديموقراطية البرجوازية والديكتاتورية الفاشية هما أداتان لنفس الطبقة ، اي المستغِلين. من المستحيل منع استبدال أداة بأخرى عن طريق اللجوء إلى الدستور والمحكمة العليا في لايبزيغ و الانتخابات الجديدة وما إلى ذلك. ما هو ضروري هو تعبئة القوى الثورية للبروليتاريا. الصنمية الدستورية تجلب أفضل مساعدة للفاشية.
ومع ذلك ، بمجرد تأمين قوتها ، كشفت الفاشية عن وجهها الاستبدادي ، وحولت نفسها إلى ما أشار إليه تروتسكي على إنها دكتاتورية عسكرية بيروقراطية من النوع البونابارتي. لقد شرعت بلا هوادة - بوتيرة مختلفة في إيطاليا عن ألمانيا - في إكمال المهمة التي كلفت بها لإنجازها من خلال سحق نقابات العمال، والقضاء على أحزاب المعارضة ، وتدمير الاعلام المستقل ، ووقف الانتخابات ، و جعل الاقليات القومية و الدينية من الطبقات الفقيرة كبش فداء و القضاء عليهم، و خصخصة الأصول العامة ، وإطلاق مشاريع التوسع الاستعماري والاستثمار بكثافة في اقتصاد حرب يعود بالنفع على الداعمين الصناعيين. من خلال تأسيس الدكتاتورية المباشرة لرأس المال الكبير ، فقد دمرت حتى بعض العناصر الشعبية والشعبوية في صفوفها، و تم سحق العديد من الليبراليين المرتبكين في ظل طغيان الحرب الطبقية القمعية.
لم تكن إيطاليا وألمانيا الوحيدتان التي سمحت فيهما الديمقراطية البرجوازية بظهور الفاشية داخليا . كان هذا صحيحًا أيضًا على المستوى الدولي. رفضت الدول الرأسمالية تشكيل تحالف مناهض للفاشية مع الاتحاد السوفيتي ، البلد الذي تعرض الى غزو أربع عشرة دولة واحتلته من 1918 إلى 1920 في محاولة فاشلة لتدمير أول جمهورية عمالية في العالم. خلال الحرب الأهلية الإسبانية ، التي وصفها مؤرخون مثل إريك هوبسباوم بأنها نسخة مصغرة من حرب منتصف القرن الكبرى بين الفاشية والشيوعية ، لم تدعم الديمقراطيات الليبرالية الغربية رسميًا الحكومة ذات الميول اليسارية التي تم انتخابها. وبدلاً من ذلك ، وقفوا مكتوفي الأيدي بينما قدمت قوى المحور دعماً هائلاً للجنرال فرانسيسكو فرانكو أثناء ادارته للانقلاب العسكري.
من الواضح للغاية أن فرانكو ، الفاشي المعلن عن نفسه (5)والذي غالبًا ما يتم تهميشه في المناقشات حول الفاشية الأوروبية ، يفهم بوضوح ملحوظ (6)سبب اختلاف الخصائص الظاهرية للفاشية إلى حد كبير بناءً على الظروف الملموسة : "الفاشية ، حيث أن هذه هي الكلمة المستعملة، تقدم ، أينما تتجلى ، خصائص متنوعة إلى الحد الذي تختلف فيه البلدان والمزاجات الوطنية ". كان الاتحاد السوفيتي هو الذي جاء لمساعدة الجمهوريين الذين يحاربون الفاشية في إسبانيا ، حيث أرسلوا الجنود و المعدات. رد فرانكو الجميل لاحقا ، إذا جاز التعبير ، من خلال إرسال قوة عسكرية متطوعة إلى جانب النازيين لمحاربة الشيوعية الملحدة. سيصبح فرانكو أيضًا ، بالطبع ، أحد أكبر حلفاء الولايات المتحدة في فترة ما بعد الحرب في حربها ضد الخطر الأحمر.
في عام 1934 ، وقعت المملكة المتحدة وفرنسا وإيطاليا ، اتفاقية ميونيخ ، التي سمحت بموجبها لهتلر بغزو واستعمار سوديتنلاند التشيكوسلوفاكية. التردد المطلق للحكومات الغربية في المفاوضة مع الاتحاد السوفياتي " كتب اريك هوبسباوم (7) "حتى في 1938-1939 عندما لم يعد أحد ينفي الحاجة الملحة لتحالف مناهض لهتلر ، جلي جدًا ".
في الواقع ، كان الخوف من أن يُترك لمواجهة هتلر وحده هو الذي دفع ستالين في النهاية ، و هو الذي سعى منذ عام 1934 ، الى التحالف مع الغرب الرافض ، إلى ميثاق ستالين-ريبنتروب في أغسطس 1939 ، والذي كان يأمل من خلاله الحفاظ على الاتحاد السوفيتي خارج الحرب ". تم تقديم ميثاق عدم الاعتداء هذا بعد ذلك بشكل مخادع في وسائل الإعلام الغربية على أنه مؤشر لا يمكن إنكاره على أن النازيين والشيوعيين كانوا حلفاء بطريقة ما.
الرأسمالية العالمية والفاشية
لم يكن فقط كبار الصناعيين والمصرفيين ، وكذلك ملاك الأراضي ، داخل إيطاليا وألمانيا فقط هم الذين دعموا واستفادوا من صعود الفاشية إلى السلطة. هذا كان صحيحًا أيضا مع العديد من الشركات والبنوك الكبرى التي كانت مقراتها الرئيسية في الديمقراطيات البرجوازية الغربية. ربما كان هنري فورد المثال الأكثر شهرة حيث حصل في عام 1938 على وسام الصليب الأكبر للنسر الألماني ، والذي كان أعلى وسام يمكن منحه لأي شخص غير ألماني (حصل موسوليني على واحد في وقت سابق من نفس العام)
لم يكتف فورد بتوجيه تمويل كبير إلى الحزب النازي فحسب ، بل زوده بالكثير من أيديولوجيته المعادية للسامية والمعادية للبلشفية. كان هتلر يشاطر اقتناع فورد بأن "الشيوعية بالكامل كانت من صنع اليهود " على حد تعبير جيمس وسوزان بول (8)، واقترح البعض أن هتلر كان قريبًا جدًا من الناحية الإيديولوجية من فورد لدرجة أن بعض المقاطع من كتاب كفاحي تم نسخها مباشرة من مطبوعة فورد المعادية للسامية "اليهودي العالمي The International Jew"
كانت شركة فورد واحدة فقط من الشركات الأمريكية المستثمرة في ألمانيا ، وقد استفادت العديد من البنوك والشركات والمستثمرين الأمريكيين بشكل كبير من عمليات التحول الى الارية Aryanizations (طرد اليهود من الحياة التجارية والنقل القسري لممتلكاتهم إلى أيدي "الآريين") ، وكذلك من برنامج إعادة التسلح الألماني. وفقًا لدراسة كريستوفر سيمبسون (9)البارعة ، فإن "نصف دزينة من الشركات الأمريكية الرئيسية - انترناشيونال هارفستر International Harvester ، و فورد Ford ، و جنرال موتورز General Motors ، و ستاندرد أويل أوف نيوجرسي Standard Oil of New Jersey ، و دوبونت du Pont - قد شاركت بكثافة في إنتاج الأسلحة الألمانية."
في الواقع ، ازدادت الاستثمارات الامريكية بقوة في المانيا بعد مجيء هتلر الى الحكم. كتب سيمبسون: "تُظهر تقارير وزارة التجارة الأمريكية ان الاستثمار الأمريكي في المانيا قد زاد بنسبة 48.5 في المائة بين 1929 و 1940 ، بينما انخفض بشكل حاد في كل مكان آخر في القارة الأوروبية". الشركات التابعة لفورد و جنرال موتورز ، بالإضافة إلى عدد من شركات النفط ، استعملت على نطاق واسع العمل الاجباري في معسكرات الاعتقال. على سبيل المثال ، قدمت بوخنفالد عمالة معسكرات الاعتقال لمصنع روسلسهايم الضخم التابع لشركة جنرال موتورز ، وكذلك لمعمل شاحنات فورد الموجود في كولونيا ، واستخدم مديرو فورد الألمان على نطاق واسع أسرى الحرب الروس في أعمال الإنتاج الحربي (جريمة حرب حسب اتفاقية جنيف حول اسرى الحروب ).
قام جون فوستر دالس وألين دالاس ، اللذان أصبحا فيما بعد وزير الخارجية ورئيس وكالة المخابرات المركزية ، بإدارة شركة سوليفان وكرومويل ، التي يعتبرها البعض أكبر شركة محاماة في وول ستريت في ذلك الوقت. لقد لعبوا دورًا مهمًا للغاية في الإشراف وتقديم المشورة وإدارة الاستثمار العالمي في ألمانيا ، والتي أصبحت واحدة من أهم الأسواق الدولية - خاصة بالنسبة للمستثمرين الأمريكيين - خلال النصف الثاني من عشرينيات القرن الماضي. عمل سوليفان وكرومويل مع جميع البنوك الأمريكية الكبرى تقريبًا ، وأشرفوا على استثمارات في ألمانيا تجاوزت مليار دولار. لقد عملوا أيضًا مع عشرات الشركات والحكومات في جميع أنحاء العالم ، لكن جون فوستر دالاس ، وفقًا لسيمبسون ، "أكد بوضوح على مشاريع لألمانيا ، والحكومة العسكرية في بولندا ، ودولة موسوليني الفاشية في إيطاليا." في حقبة ما بعد الحرب ، عمل ألين دالاس بلا كلل لحماية شركائه في العمل ، وكان ناجحًا بشكل ملحوظ في تأمين أصولهم ومساعدتهم في تجنب الملاحقة القضائية.
في حين تركز معظم التفسيرات الليبرالية للفاشية على مسرحها السياسي وغرابة الأطوار العابرة ، وبالتالي تتجنب التحليل النُظمي والراديكالي ، من الضروري إدراك أنه إذا سمحت الليبرالية بنمو الفاشية الأوروبية ، فإن الرأسمالية هي التي دفعت هذا النمو.
من هزم الفاشية؟
ليس من المستغرب أن الديمقراطيات البرجوازية في الغرب كانت بطيئة للغاية في فتح الجبهة الغربية ، مما سمح لعدوها السابق ، الاتحاد السوفيتي ، بالنزف من آلة الحرب النازية الموالية للرأسمالية (التي تلقت تمويلًا وافرًا من الروس البيض)(8). في الواقع ، في اليوم التالي لغزو ألمانيا النازية للاتحاد السوفيتي ، أعلن هاري ترومان بشكل قاطع: "إذا رأينا أن ألمانيا تفوز ، فيجب علينا مساعدة روسيا ، وإذا كانت روسيا تفوز ، فيجب علينا مساعدة ألمانيا ، وبهذه الطريقة نسمح لهم بقتل أكبر عدد ممكن ، على الرغم من أنني لا أريد أن أرى هتلر منتصرًا في أي ظرف من الظروف ". بعد دخول الولايات المتحدة الحرب ، عمل المسؤولون الأقوياء مثل ألين دالاس خلف الكواليس لمحاولة التوسط في اتفاق سلام مع ألمانيا من شأنه أن يسمح للنازيين بتركيز كل اهتمامهم على القضاء على الاتحاد السوفيتي.
إن الفكرة الشائعة ، على الأقل داخل الولايات المتحدة ، بأن الفاشية في الحرب العالمية الثانية قد هُزمت من قبل الليبرالية ، و هذا راجع الى مشاركة الولايات المتحدة ، هي فكرة كاذبة لا أساس لها من الصحة. كما ذكر بيتر كوزنيك و ماكس بلومنثال و بن نورتن في مناقشة مشتركة (10) ، 80 ٪ من النازيين الذين قتلوا في الحرب قُتلوا في الجبهة الشرقية مع الاتحاد السوفيتي ، حيث دفعت ألمانيا 200 فرقة (مقابل 10 فقط في الغرب). ضحى 27 مليون سوفييتي بأرواحهم في محاربة الفاشية ، بينما مات 400.000 جندي أمريكي في الحرب (وهو ما يعادل 1.5 ٪ من القتلى السوفيت). كان الجيش الحمر هو الذي هزم الفاشية في الحرب العالمية الثانية ، والشيوعية - وليست الليبرالية - هي التي شكلت الحصن الأخير ضد الفاشية. يجب أن يكون الدرس التاريخي واضحًا: لا يمكن للمرء أن يكون مناهضًا للفاشية حقًا دون أن يكون مناهضًا للرأسمالية.
إيديولوجية التناقضات الكاذبة
يخدم البناء الأيديولوجي للعداء الزائف بين الليبرالية والفاشية ، أغراضًا متعددة:
+ يؤسس لجبهة رئيسية للصراع بين مواقف متنافسة داخل المعسكر الرأسمالي. + يوجه طاقات الناس إلى النضال حول أفضل الطرق لإدارة النظام الرأسمالي بدلاً من إلغائه. + يقضي على خطوط الفصل الحقيقية بين قوى الصراع الطبقي العالمي. + يحاول ببساطة إلغاء البديل الشيوعي من الطاولة (بإزالته بالكامل من ميدان الصراع، أو تقديمه بشكل مخادع باعتباره شكلاً من أشكال "الشمولية").
ليس على عكس الأحداث الرياضية ، وهي طقوس أيديولوجية مهمة للغاية في العالم المعاصر ، فإن منطق العداوات الزائفة يضاعف ويضخم كل الاختلافات والتنافسات الشخصية بين فريقين متعارضين لدرجة أن المشجعين المتحمسين ينسون إنهم في النهاية يلعبون نفس اللعبة.
في الثقافة السياسية الرجعية للولايات المتحدة ، التي حاولت إعادة تعريف اليسار على أنه ليبرالي ، من الأهمية بمكان أن ندرك أن المعارضة الأساسية التي شكلت ولا تزال تنظم العالم الحديث هي بين الرأسمالية - التي يتم فرضها والحفاظ عليها من خلال الأيديولوجية والمؤسسات الليبرالية ، بالاضافة الى القمع الفاشي ، اعتمادًا على الوقت والمكان والسكان المعنيين - والاشتراكية. من خلال استبدال هذه المعارضة باخرى بين الليبرالية والفاشية ، تهدف أيديولوجية العداوة الزائفة إلى تحويل معركة القرن إلى مشهد رأسمالي بدلاً من ثورة شيوعية.
غابرييل روكهيل
فيلسوف وناقد ثقافي وناشط فرنسي أمريكي. المدير المؤسس لورشة عمل النظرية النقدية وأستاذ الفلسفة في جامعة فيلانوفا. تشمل مؤلفاته كتاب التاريخ المضاد للحاضر: الاستجوابات المفاجئة في العولمة والتكنولوجيا والديمقراطية (2017) والتدخلات في الفكر المعاصر: التاريخ والسياسة والجماليات (2016) والتاريخ الراديكالي وسياسة الفن (2014) و بالإضافة إلى عمله العلمي ، شارك بنشاط في أنشطة خارج الأكاديمية في عالم الفن وعالم النشطاء ، بالإضافة إلى مساهمات منتظمة في النقاش الفكري العام.
ترجمة دلير زنگنة المصدر https://www.counterpunch.org/2020/10/14/liberalism-and-fascism-partners-in-crime/
ملاحظات:
(1) https://www.amazon.com/Hitlers-American-Model-United-States/dp/0691183066/ref=sr_1_1?dchild=1&keywords=the+nazi%27s+american+model&qid=1602191574&sr=8-1
(2) https://www.theguardian.com/world/2009/oct/13/benito-mussolini-recruited-mi5-italy
(3) https://www.amazon.com/exec/obidos/ASIN/0873488784/counterpunchmaga
(4) https://valleysunderground.files.wordpress.com/2020/04/blackshirts-and-reds-by-michael-parenti.pdf
(5) https://monthlyreviewarchives.org/index.php/mr/article/view/MR-047-08-1996-01_2
(6) https://www.amazon.fr/CHEFS-DICTATURES-ENTRETIENS-HITLERIENNE-RELIGIEUSE/dp/B008JYAQRQ/ref=sr_1_1?__mk_fr_FR=ÅMÅŽÕÑ&dchild=1&keywords=Henri+Massis%2C+Chefs&qid=1597161339&sr=8-1
(7) https://www.amazon.com/exec/obidos/ASIN/0679730052/counterpunchmaga
(8) https://www.amazon.com/Who-financed-Hitler-funding-1919-1933/dp/0803790392/ref=sr_1_1?dchild=1&keywords=who+financed+hitler&qid=1593023626&sr=8-1
(9) https://www.amazon.com/Splendid-Blond-Beast-Twentieth-Christopher/dp/B00DT68PZY/ref=sxts_sxwds-bia-wc-p13n1_0?cv_ct_cx=the+splendid+blond+beast&dchild=1&keywords=the+splendid+blond+beast&pd_rd_i=B00DT68PZY&pd_rd_r=73e0284d-23e4-4e96-8051-02389ad72aea&pd_rd_w=fkHk1&pd_rd_wg=87MyM&pf_rd_p=13bf9bc7-d68d-44c3-9d2e-647020f56802&pf_rd_r=CJYXTB4CFS7MQGP65AGE&psc=1&qid=1596818688&sr=1-1-791c2399-d602-4248-afbb-8a79de2d236f
(10) https://moderaterebels.com/wwii-history-ussr-nazi-germany-peter-kuznick/
#دلير_زنكنة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
رقْص الديالكتيك. خطوات في منهج ماركس .
-
البرازيل: هل الاشتراكية الديمقراطية هي الحل؟
-
نهاية الطبقة العاملة؟
-
تذكر السياسة الراديكالية لمارلين مونرو
-
عودة الفاشية
-
بيان مجلس تعاون قوى اليسار والشيوعية في إيران : تطورات ثورية
...
-
تاريخ بيئي جديد للدول الاشتراكية
-
عملية البناء الاشتراكي والوطني في كازاخستان وآسيا الوسطى. ال
...
-
تمت خيانة الاشتراكية !
-
ما هو المشترك بين زيوغانوف وتروتسكي؟ -اشتراكية السوق- بين ال
...
-
كيف كانت الحياة اليومية في الاتحاد السوفياتي
-
المادية الديالكتيكية وبناء نظرية جديدة للكم
-
أرباح رائعة في أوكرانيا : أسرار البنك الدولي
-
الكسندر زينوفييف عن حل الاتحاد السوفياتي
-
أهمية التقييم النقدي للبناء الاشتراكي في القرن العشرين
-
2 تريليون دولار للحرب مقابل 100 مليار دولار لإنقاذ الكوكب
-
الأزمة الاقتصادية و السياسية في الاتحاد السوفياتي
-
السبعون سنة من عمري وجمهورية ألمانيا الديموقراطية السابقة
-
ما هي الماركسية. نظرة عامة
-
أرخبيل الغولاغ .فضح افتراءات سولجينتسين المناهضة للشيوعية
المزيد.....
-
الحزب الحاكم في كوريا الجنوبية: إعلان الأحكام العرفية وحالة
...
-
عقوبات أميركية على 35 كيانا لمساعدة إيران في نقل -النفط غير
...
-
كيف أدت الحروب في المنطقة العربية إلى زيادة أعداد ذوي الإعاق
...
-
لماذا تمثل سيطرة المعارضة على حلب -نكسة كبيرة- للأسد وإيران؟
...
-
مام شليمون رابما (قائد المئة)
-
مؤتمــر، وحفـل، عراقيان، في العاصمة التشيكية
-
مصادر ميدانية: استقرار الوضع في دير الزور بعد اشتباكات عنيفة
...
-
إعلام: الولايات المتحدة وألمانيا تخشيان دعوة أوكرانيا إلى -ا
...
-
نتنياهو: نحن في وقف لاطلاق النار وليس وقف للحرب في لبنان ونن
...
-
وزير لبناني يحدد هدف إسرائيل من خروقاتها لاتفاق وقف النار وي
...
المزيد.....
-
قراءة ماركس لنمط الإنتاج الآسيوي وأشكال الملكية في الهند
/ زهير الخويلدي
-
مشاركة الأحزاب الشيوعية في الحكومة: طريقة لخروج الرأسمالية م
...
/ دلير زنكنة
-
عشتار الفصول:14000 قراءات في اللغة العربية والمسيحيون العرب
...
/ اسحق قومي
-
الديمقراطية الغربية من الداخل
/ دلير زنكنة
-
يسار 2023 .. مواجهة اليمين المتطرف والتضامن مع نضال الشعب ال
...
/ رشيد غويلب
-
من الأوروشيوعية إلى المشاركة في الحكومات البرجوازية
/ دلير زنكنة
-
تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت
...
/ دلير زنكنة
-
تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت
...
/ دلير زنكنة
-
عَمَّا يسمى -المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية- و تموضعها
...
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
الازمة المتعددة والتحديات التي تواجه اليسار *
/ رشيد غويلب
المزيد.....
|