|
بنية الاحزاب الشيعية أم النظام النيابي وراء العنف في العراق ؟؟ الجزء الثاني
اسماعيل شاكر الرفاعي
الحوار المتمدن-العدد: 7402 - 2022 / 10 / 15 - 23:46
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الجزء الثاني 5 - مبدأ الثقة المتبادلة بين الناخب والمرشح النيابي هو القاعدة الفلسفية التي تزود آليات النظام النيابي بالوقود وتدفعها الى الاشتغال : فاختيار الناس لممثليهم ، ومنحهم صلاحية تقرير مصيرهم نيابة عنهم لأربع او لخمس سنوات : نابعة من مبدأ ثقة المواطن بان مرشحه لن يستغل موقعه للإثراء الشخصي ، ولن يتخذ القرارات التي تعود بالنفع على شخصه وعلى عائلته وحزبه ، وانما سيتخذ القرارات التي تعود بالنفع على الصالح العام . في النظرية النيابية : الثقة عميقة ومتبادلة بين المواطن ومرشحه ، لكن لا تزكية لهذا العناق التاريخي على ارض واقع العراق : اذ ان شكوك المواطن لا بد وان تتصاعد : لان مرشحه سيبدأ بالاختفاء مع وعوده عن الواجهة : ما ان تنتهي الانتخابات . وهذا ما لا يحسه المرشح الذي تبدأ مكاسبه الكثيرة بتبليد احساسه ، وبأفقاره من حرارة التواصل مع الواقع ، فهو ما ان اصبح وزيراً او رئيساً لمجلس الوزراء حتى كانت أمور اخرى قد أبعدته عن ذكريات اللقاءات الحميمية بمرشحيه ، وعن وعوده الخلابة لهم ، فيظل يحمل شعور تلك اللقاءات ، مطمئناً - الى ان ولاء المواطن ثابت له ، حتى لو اتخذ أسوأ القرارات الاقتصادية ، وأقدم على تغليب الحرب على الحلول الدبلوماسية في علاقات الدولة الخارجية . وهذه واحدة من اوهام ساسة البلدان المتخلفة ، الذين لا يجري الاعلام في بلدانهم : استفتاءات لسبر أغوار الرأي العام ، ولا يشجعون صناعة رأي عام عن طريق الحوار الجاد لخوفهم من المعارضة . فيحصل التداخل في الوعي السياسي لدى النواب : بين مفهوم الدولة وبين مفهوم السلطة السياسية : فطول ممارستهم لاتخاذ القرار مع تغييب واضح لحضور المواطن ، ومنعه من مراقبتهم : يمنحهم الشعور بانهم : هم السلطة والدولة في آن واحد . وهذه واحدة من اشكاليات النظام النيابي في الدول المتخلفة وعلى رأسها العراق ... 6 - ترسخَ مبدأ الثقة المتبادلة بين الحاكم والمحكوم في القرن التاسع عشر ، وبلغ الذروة في منتصف القرن العشرين الذي تكامل فيه نموذج الدولة الليبرالية : دولة الرفاه بعد الحرب العالمية الثانية . لقد كانت الثقة معدومة بين الحاكم والمحكوم في جميع الانظمة السياسية للحضارات الزراعية ، وهي في الغالب انظمة دينية قامت على مبدأ الشك بتصرفات الانسان ، وليس على مبدأ الثقة به . الانسان في عرف الانظمة الدينية قاصر عقلياً وعرضة لوسوسات الشيطان . فمراقبة المواطن ورصد تصرفاته اولوية اولى بالنسبة لاجهزة الحكم الدينية عبر جماعات " الامر بالمعروف والنهي عن المنكر " ، وليس بالعمل معه على تحسين شروط معيشته ، وتربية ضميره على احترام المختلف دينياً واثنياً . تقوم مؤسسات الدول الدينية وسط هالة من القداسة ، وهي تقرر كل شيء نيابة عن الانسان وتأمره الالتزام بما قررته ، وتراقبه كي تنقذه من طبيعته الهشّة وعدم تركه يختار ما يشاء ويقرر ما يشاء . وانطلاقاً من نظرة القصور هذه للانسان بشكل عام ، تقوم الانظمة السياسية للحضارات الزراعية بتثبيت آلية عمل مؤسساتها على حقيقة كون الانسان ؛ دائم التعرض لوسوسات الشيطان ، التي تحثه على التمرد على شرع الله ، وتدفعه الى التآمر على نظام الله السياسي المقدس ، فكانت مؤسساتها بالغة القسوة : في ما اتخذته من عقوبات القتل وبتر اعضاء الجسد والحرق ... 7 - لم تبلغ الشعوب الاوربية مبدأ الثقة المتبادلة بين حكامها ومحكوميها فجأة . استغرق انتقال وعيها بقدرة الانسان على العيش باستقلال عن الكنيسة : قروناً . حدث ذلك بعد بداية تفكك النظام الاقطاعي ، وولادة طبقات اجتماعية جديدة في المدن ، بالتزامن مع الاستمرار بالاكتشافات الجغرافية التي ساعدت على ولادة الثورة الصناعية ، فتجذرت حركة التنوير العقلية وتحول فلاسفتها ومفكريها الى كتاب شعبيين ومقروئين على مستوى واسع . وبهذه الجهود والحوادث المشتركة لم تعد النظرة الى الانسان ككيان هش ، سريع الاختراق من قبل القوى الشيطانية الشريرة التي حثته في السابق - حسب التفسير الديني - على مخالفة تعليمات الرب بعدم الاقتراب من شجرة المعرفة في الجنة ، فطرده الرب من جنته حين اكل منها . وهبطت هذه اللعنة معه وظلت تطارده من سلطات الارض ، ومن رموزها السياسية والدينية الى وقت منأخر من نهاية القرن / 19 . لقد استغرق عبور الوعي الاوربي الى عصر الثقة بالانسان قروناً من الزمان طويلة ، تخطّت فيها اوربا عصور النهضة والاصلاح الديني وعصر الاستنارة والثورات السياسية اضافة الى الثورة الصناعية . وفي جميع هذه العصور كان تنويريو اوربا يرسمون لها طريقاً للخروج من قلب ظلام العصور الوسطى ، والتخلص من نظرية هشاشة الانسان واستعداده الفطري لتقبل وسوسات الشيطان . رفضت الكنيسة نظريات الثقة بالانسان : بدعوى ان مصدرها الاله نفسه : وانها لذلك مقدسة ، ولا يجوز المساس بها والتمرد عليها . لكن التنويريين امعنوا في نقد البنية المؤسساتية والكهنوتية للكنيسة ، وفي خضم هذا النقد المتواصل : تغيرت رؤية اوربا للانسان : من الشك بقدرته على العيش باستقلال عن توجيهات الكنيسة الكاثوليكية ، الى الثقة بقدرته على العيش في الحياة من غير ان يتلقى تدريباً على ذلك من كنيست او كنيسة او جامع . وفكرة الثقة بالانسان هذه : هي التي انتجت النظام النيابي الذي يحث المواطن على الثقة بمرشحه ، وعلى الايمان بميله الفطري الى محاربة الفساد والرذيلة ، وأقدامه على اصلاح البيئة التي نشأَ المواطن في أحضانها ، وهكذا بدأَ المفكر التنويري او الليبرالي الديمقراطي : يربط بين وجود الشيطان وبين وجود الظروف السيئة التي تحيط بالانسان ، فانصب اهتمامه على تخليص الانسان من هذه الظروف السيئة التي اصبحت هي الشيطان بعينه ... 8 - في الرؤية الاوربية الجديدة : لم يعد الشيطان القوّة الخفية القادرة على الوصول الى أهدافها البشرية بسهولة ويسر : وتحرك فيهم نوازعهم الغريزية واللاعاقلة ، والظلامية العنيفة : بل اصبح الشيطان هو الظروف السيئة المحيطة بالانسان التي يمكن دراستها ووضع الحلول الناجحة لها . في الرؤية الجديدة التي نحتتها اوربا العَلمانية للانسان ضداً على رؤيتها الكهنوتية القديمة : اصبحت الحركة وليس الثبات هو مقياس التقدم والرقي ، ومن هذه الحركة ولد مفهوم التغيير كضرورة نستدعيها كلما واجهت الإنسانية : تحديات ضخمة . وبايحاء من ضرورة التغيير : بدأت الغالبية تتحرك وتنزع امتيازات الاقلية : والغالبية هنا هم : الشعب الذي خلق مجالس عمومه التشريعية في معظم البلدان الاوربية ، فارتبطت ولادة النظام النيابي بشكليه : البرلماني والرئاسي ببروز الشعب كمصدر وحيد للتشريع بعد ان انتزع حقوق التشريع من الملك والكنيسة . وقامت مجالس العموم هذه او البرلمانات بنزع صلاحيات وامتيازات الملوك والكنائس : تدريجياً كما حصل في بريطانيا العظمى ، او بالعنف الثوري كما حدث اثناء الثورة الفرنسية 1789 ... 9 - لقد ارتبط مفهوم النظام النيابي بالتغيير الذي اصبح هو المحور الذي تدور من حوله جميع المفاهيم السياسية والفكرية والعلمية الحديثة ، بحيث لا يمكن الحديث عن اي جانب من جوانب الثقافة الاوربية الحديثة بمعزل عن الحركة والتغيير . وفي عصر الحداثة لم تعد الفكرة السائدة هي فكرة الجواهر الثابتة التي اوحت بها التوراة : وفيها تبدّى العالم مشطوراً الى عالمين : عالم الشهادة الذي هو عالم الحياة المرئية ، المسموعة ، الملموسة التي نولد وننمو فيها ونتعلم لغتها وعموم ثقافتها ، الّا اننا وفق رؤية التوراة بلا حول ولا قوة ، وعلينا ان شئنا إنقاذ أنفسنا والنجاة في الآخرة : طاعة خالقنا والالتزام بكل ما أمرتنا به شريعته ، والايمان باننا من صناعة : عالم الغيب . وهنا تكمن عقدة ضعفنا ونقصنا : تكمن في تابعيتنا ، وكل مخلوق هو بالضرورة تابع لخالقه الذي منحه القوة والنشاط والحركة ، وبرمجه على الفعل وعلى رد الفعل ، ووضع له سقفاً زمنياً محدداً لمعيشته في الحياة ، ويوماً معلوماً لمغادرتها الى : عالم ما بعد الموت . تدامجت فكرة وجود عالم غيب بيده كل شيء : وما نحن الا تابعون وظلال له : تدامجت هذه الفكرة ، فكرة الغيب اللامرئي -عبر تاريخ الفكر الفلسفي ، بنظرية " المُثُل " الأفلاطونية " في كتابات القديس اوغسطين في " مدينة الله " او توما الاكويني في : " نظام الحكم " او سواهما من الحالمين المسيحيين : وسادت ثقافياً طوال العصور الوسطى وتحكمت بالوعي السياسي الذي حثّ كل شيء في عالم " الشهادة " على ان يشرئب بعنقه الى " عالم الغيب " ويحاول النسج على منوال مفرداته ( مفاهيمه الكلية ) . لكن مع انبلاج صبح الحركة والتغيير : تم امتحان نظرية المُثُل الأفلاطونية ، ونظرية عالم الغيب التوراتية : فلم يصمدا امام اشتغال قوانين المختبرات العلمية ... يتبع
#اسماعيل_شاكر_الرفاعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
النظام النيابي ام البنية الطلئفية وراء عنف الحوار في العراق
...
-
ثورة المرأة الايرانية : الجزء الثالث
-
ثورة المرأة الايرانية : الجزء الثاني
-
ثورة المرأة الايرانية
-
نقيضان لا يلتقيان : الحشد والدولة
-
- ناسا - زيارة الى وكالة الفضاء الامريكية
-
عن : سامي مهدي
-
القاتل والمقتول في النار
-
استمرار اللامعقول
-
خضراء العراق وخضراء الدمن
-
يوميات عاشوراء (4) - ليلة الوحشة
-
يوميات عاشوراء ( 3 ) نهار قطع يد العباس
-
حين تجردت من غيومي
-
يوميات عاشوراء ( 2 ) في ليلة الحجة
-
يوميات عاشوراء ( 1 )
-
الى صديق فيسبوكي : المالكي والصدر
-
عن لحظة الصراع السياسي في العراق
-
انا حر
-
زعامات شيعية تصرخ : هل من مزيد؟
-
دنيويان لا دينيان ، وماديان لا روحانيان
المزيد.....
-
شهقات.. تسجيل آخر محادثة قبل لحظات من اصطدام طائرة الركاب با
...
-
متسلق جبال يستكشف -جزيرة الكنز- في السعودية من منظور فريد من
...
-
المهاتما غاندي: قصة الرجل الذي قال -إن العين بالعين لن تؤدي
...
-
الهند وكارثة الغطس المقدس: 30 قتيلا على الأقل في دافع في مهر
...
-
اتصالات اللحظات الأخيرة تكشف مكمن الخطأ في حادث اصطدام مروحي
...
-
وزير الدفاع الإسرائيلي يشكر نظيره الأمريكي على رفع الحظر عن
...
-
-روستيخ- الروسية تطلق جهازا محمولا للتنفس الاصطناعي
-
الملك الذي فقد رأسه: -أنتم جلادون ولستم قضاة-!
-
زلزال بقوة 5.8 درجة يضرب ألاسكا
-
سماعات الواقع الافتراضي في مترو الأنفاق تفتح أفقا جديدا في ع
...
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|