|
ترويدة شمالي والملولالة من الأغاني الفلسطينية المشفرة
سحر ماهر
الحوار المتمدن-العدد: 7398 - 2022 / 10 / 11 - 22:28
المحور:
الادب والفن
هي فلسطين الحبيبة، متميزة بتراثها وحضارتها، بعادات أهلها وتقاليدهم، بزيّهم التراثي، والأغنية النسائية الفلسطينية، وهي الخزينة التي ضمّت أشكال المجتمع المتجدد منذ أنْ عرف الإنسان حضارته التراثية الموسيقية، وهي الشاهد على كينونة المجتمع بممارساته ومعتقداته وصفاته وسماته والتغييرات التي طرأت عليه من حيث النهج والشكل والمضمون. حيث تُعدُّ الأغنية الشعبية من أكثر أنواع الأدب الشعبي استجابة لتسجيل الأحداث والمواقف والموضوعات، كما تتصف ببساطتها وسرعة انتشارها وعفويتها، وتنوع أشكالها الفلكلورية وثباتها، وقدرتها على استيعاب كلمات ومصطلحات حديثة ومتنوعة، ومجموع هذه الصفات تجعل الأغنية الشعبية سجلًا للأحداث والظواهر البارزة؛ أي أنَّ أغاني النساء الشعبية ليست مرآة للتاريخ والمجتمع فحسب؛ بل تساهم في بلورة الأهداف العليا للمجتمع. ويطلق الكثير من الناس على الأغاني النسائية الخاصة بالعروس اسم التراويد ومفردها ترويدة، وهي أغنية نسائية تؤديها المرأة منفردة أثناء العمل في البيت أو في الخلاء وذلك لتشكو همومها، ويفهم ضمنًا من التراويد بأنها أغنيات حزينة ومؤثرة هدفها الأول وداع العروس وإسالة دموعها هي والحاضرات عندها، خاصة إذا كانت العروس غريبة. وأصل الترويدة من روّد يرود أي ردد لحنًا وكرره مرات عديدة متتالية، وإذا تفحصنا أغاني وألحان النساء في فلسطين نجد أن لها خاصية موحدة وهي ترديد اللحن وتكراره بالرغم من تغير الكلمات أو الموضوع داخل الأغنية نفسها، أي أن الأغنية تبدأ وتنتهي بالجملة الموسيقية الرتيبة المتكررة ذاتها، ومنها أطلق عليها مصطلح ترويدة. وقيل بأنَّ الترويدة جاءت تكني بالوِرد (يا واردات على النبع)، تعني القدوم إلى النبع والبدء بتعبئة واستخدام الماء، كانت النساء الفلسطينيات يغنين الأهازيج وهنّ على نبع الماء ويبدأن بتحدي بعضهنّ البعض بتلك الأهازيج (يا واردات على النبع والميِّ سيالة طل الحبيب من صفد والعين ميّالة). أما التهويدة أو التهليلة أو الهدهدة أو الليلوة فهي أغنيّة هادئة رقيقة تغنّيها وترددها الأمّ لتُشجِّع طفلها على النوم، وتعتمد هذه الأغنية على التكرار وعلى الإيقاع البسيط والكلام الذي يجذب خيال الأطفال، وكثيرًا ما تكون سهلة ومتكررة الكلمات وتجري على الألسنة. وسأركز في هذا المقال على الترويدة الشمالية، فعندما بدأت ثورة فلسطين الكبرى عام 1936 عمَد الانتداب البريطاني على قطع كل أساليب التواصل بين الثوار وبين القرى ومحيطها، عندئذ ابتكرت النسوة طريقةً لإيصال الأخبار إلى الثوار وهي (تشفير الغناء)، إذ اعتمدن على لغة جديدة، وهي قلب الكلمة وإبقاء آخر حرف من الكلمة سليمًا أو عكسها كلها بدون الإبقاء كمثال (أبو صالح ودي سلاح لقرية صفورية) تُصبح (بأو لاصح دوي لساح لرقية رفوصية). يقترب عالم الأغنية كثيرًا من الناحية التاريخية من فترة الثلاثينيات والأربعينيات، وهي فترة شهدت بداية النضال النسوي الفلسطيني من خلال بروز النساء اللواتي كن مع القسام واشتهرن باسم رفيقات القسام، وظهور تنظيمات سرية نسوية مسلحة مثل زهرة الأقحوان، إلا أنّ تلك الفترة ظلّت مهملة من التاريخ المدوّن، وتمّ فيها الاعتماد على صياغة تفاصيل تلك الحقبة من خلال التاريخ الشفوي والمرويات. وقد اشتهرت من بين هذه الترويدات ترويدة شمالي، وتسمى الملولالة أيضًا، حيث تحمل هذه الترويدة في مضمونها معانٍ مختلفة من الحزن والشوق والحب، فالكلمات التي بنيت عليها الأغنية تبدو وكأنها كلمات مشفرة وغير منسقة، لكن في الحقيقة هذه الكلمات غير المفهومة نسجتها أشواق الأمهات والأسرى، إذ كانت تستخدم قديمًا في الرسائل بين المقاومين والمعتقلين وأمهاتهم، فلم يرغبوا بأن يفهم المحتل الإسرائيلي رسائلهم أو يتتبع أخبارهم، خاصة لو كانت معلومات عن عملية ما أو فعل متعلق بالمقاومة، وتقول الأغنية: شمالي لالي يا هوالي لديرة شمالي لالي يا وريللوووو شمالي يا هوا الديرة شمالي ع لالي للبواب هولولم تفتح شمالي لالي يا رويللووو على اللي بوابهم تفتح شمالي وانا ليليلبعث معليلريح الشمالي لالي يا رويللووو وأنا الليلة لبعث مع الريح الشمالي ياصليلار ويدورليللي على لحبيليلابا يا رويللووو يوصل ويدور على الحباب يابا يا هللوا روح سلللملي على للهم يا رويللووووو يا هوا روح سلملي عليهم وطالالالت الغربه الليله واشتقنا ليلي للهم يا رويللوووو وطالت الغربة واشتقنا لهم يا طيرلرش روح للي للحباب واصلللهم يا رويللوووو يا طير روح للأحباب ووصل لهم واصلللهم ودورللي على ناسلللهم يا رويللوووو ووصلهم ودورلي على ناس إلي منهم وسلللملي على اللي للمحبوب ميلللهم يا رويللووو وسلملي عالمحبوب وميل عليهم وسللرب لا تخيللرب يا معللراس يا رويللووووو وسرب ولا تخرب يا عالي الراس وإن سللربيت رولولح مع السلللامي يا رويللوووو وإن سربت روح مع السلامة وإن خللربيت عللقفات صاقتللليدش يا رويللوووو وإن خربت عكفة تصقط ايدك حيث شاعت هذه الكلمات في الأغنيات الفلسطينية وتحولت العبارات المشوشة إلى جزء من الأغنية الفلسطينية التي نجحت في نقل أحداث القضية وأدق تفاصيلها محاولة تذكيرنا بما مضى. وقد كانت الملولالة وهي إضافة أحرف اللام في كل كلمة، إحدى الأنماط التشفيرية التي علقت بالذاكرة الجماعية؛ نظرًا لارتباطها بقصة أغنية يا طالعين الجبل، حيث انتشرت تلك اللغة في الأرياف ولم تكن فقط مرتبطة بسياق المقاومة، فحتى اللصوص يتخاطبون فيما بينهم عبر الشيفرات حتى لا ينتبه أحدهم إلى ما يقولونه. يا طالعين عين للل الجبل يا موللل الموقدين النار بين لللل يامان يامان عين للل هنا يا روح ما بدي منكي لللكم خلعة ولا لالالا لابدي ملبوس بين للل يامان يامان عين للل الهنا يا روح ما بدي منكي لللكم خلعة ولا لالالالا بدي زنار بين للل يامان يامان عين للل الهنا يا روح إلا غزال للللللذي جوين للللكم محبوس بين للل يامان يامان عين للل الهنا يا روح إلا غزال لللللللذي جوّين اللللللكم ما يدوم بين للل يامان يامان عين للل الهنا يا روح حيث تسرد وقائع أغنية يا طالعين الجبل كيف أنّ النسوة كنّ يغنين للأسرى حول سجون الاستعمار في محاولة تمرير رسالة مفادها أنَّ الفدائيين سيحررونهم من الأسر، وتعتمد تقنيات الملولالة على إضافة حرف اللام إلى الكلمات لتمويه السجان والمخبرين. ويعود منشأ هذه الأغنية الشمال الفلسطيني. تبقى الملولالة وترويدة شمالي وبقية الأغاني المشفّرة مؤثّرة في استحضار فصول الصراع من خلال تأجيج الجانب الرومانسي للمقاومة، حيث كانت نتاج الذكاء النسوي ودوره العظيم في تاريخ المقاومة الفلسطينية من خلال تحويل الصراع إلى مستويات مختلفة عن الصدام الميداني كانت للنساء فيه السبق والامتياز.
#سحر_ماهر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تمشريط تقليد معزز للتكافل يحافظ عليه الشباب في القرى الجزائر
...
-
تعقيدات الملكية الفكرية.. وريثا -تانتان- يحتجان على إتاحتها
...
-
مخرج فرنسي إيراني يُحرم من تصوير فيلم في فرنسا بسبب رفض تأشي
...
-
السعودية.. الحزن يعم الوسط الفني على رحيل الفنان القدير محم
...
-
إلغاء حفلة فنية للفنانين الراحلين الشاب عقيل والشاب حسني بال
...
-
اللغة الأم لا تضر بالاندماج، وفقا لتحقيق حكومي
-
عبد الله تايه: ما حدث في غزة أكبر من وصفه بأية لغة
-
موسكو تحتضن المهرجان الدولي الثالث للأفلام الوثائقية -RT زمن
...
-
زيادة الإقبال على تعلم اللغة العربية في أفغانستان
-
أحمد أعمدة الدراما السعودية.. وفاة الفنان السعودي محمد الطوي
...
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|