ثامر عباس
الحوار المتمدن-العدد: 7397 - 2022 / 10 / 10 - 10:01
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
(الحلقة السابعة عشرة) ما هو التطرف ؟!
لاحظنا فيما تقدم إن هذا المفهوم (التطرف) ملازم ومحايث لنظيره مفهوم (التعصب) ، بحيث لا يذكر اسم الأول حتى يتداعى تلقائيا"إلى الذهن أسم الثاني كما لو كانا توأم سيامي . ذلك لأنه يتعذر على الشخص المتعصب إبداء أي ضرب من ضروب السلوك المتطرف ، دون أن يكون مسبوق باعتقاد ما ، أو مبني على تصور معين ، أو قائم على فكرة مسبقة ، غالبا"ما تكون معبئة بالبغض للآخر ومشحونة بالكراهية للمختلف .
ولما كان ارتباط مفهوم (التطرف) مقترن بالممارسة / السلوك أكثر مما هو مرتبط بالفكرة أو المثال ، فهو عادة ما يكون أقرب إلى العنف منه إلى العدوانية التي تحدثنا عنها سابقا"، ولذلك فقد لجأ بعض الكتاب والباحثين إلى حصر مفهوم (التطرف) ضمن أطر العامل الديني دون بقية العوامل الاجتماعية الأخرى ، باعتبار إن مسائل الدين تنتمي في أصلها إلى الميتافيزيقا (الغيب) وليس إلى السوسيولوجيا (الشهادة) ، حيث يصعب معها قبول الاختلاف في العقيدة أو الجنوح للتسامح في الإيمان . بينما ينبغي التعامل مع حقيقة إن مظاهر التطرف يمكن أن تغزو كل مجال من مجالات المجتمع المتعددة ، مثلما يمكنها اخترق كل قطاع من قطاعاته المتنوعة .
والحقيقة أن السلوك (المتطرف) قد يلاحظ لدى بعض العامة من الناس ، ممن لا يظهرون - في الأوضاع الاعتيادية - أية بوادر تنم عن ميلهم لمثل هذا الضرب من السلوك الشائن في إطار علاقاتهم الاجتماعية ، ولعل حصول هذا الأمر متعلق بتغير الظروف الاقتصادية المحيطة بهم ، وتفاقم الضغوط النفسية المسلطة عليهم . بحيث يجنحون – في بعض الحالات – للتنفيس عن مكبوت معاناتهم والتقليل من مخزون مكابداتهم بهذه الطريقة الفجة والبدائية .
ولكن مع ذلك ، ينبغي التعاطي مع حقيقة أن دوافع السلوك (المتطرف) تتناسب طرديا"مع طبيعة المثير الذي يستدعي اللجوء لمثل ردة الفعل (المتطرفة) هذه . إذ كلما كانت المثيرات والمحفزات الخارجية تتقاطع مع متطلبات الغرائز الأساسية والاحتياجات الضرورية التي تجعل حياة الكائن البشري ممكنة ضمن حدود المعقول والمقبول ، كلما كانت ردة الفعل أكثر (تطرفا") وأشد (عدوانية) ضد مصادر الإثارة والتحفيز ، والعكس بالعكس . بينما نجد أن سلوك ذات الكائن يبدو أكثر ميلا"إلى مظاهر (التعقل) و(التسامح) ، في الحالات التي يتقاطع فيها المثير / المحفز مع المتطلبات والاحتياجات ذات الصفات الثانوية والكمالية .
وعلى هذا الأساس تحتل قضايا الغرائز الحيوية (البقاء والغذاء والجنس) قمة هرم أساسيات حياة الإنسان ، التي تستدعيه المقاومة بأشدّ حالات السلوك (تطرفا") حالما يستشعر أنها باتت مهددة أو معرضة للخطر . هذا في حين تتدرج تنازليا"مستويات السلوك (المتطرف) كلما تدنى مستوى الحاجة أو المطلب ضمن تسلسل الأنواع (الثانوية) والأشكال (الكمالية) التي لا يشكل نقصها أو غيابها تهديدا"لحياة الإنسان ومستقبل أجياله من بعده .
#ثامر_عباس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟