أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - شريف حتاتة - هل انطفأت الشعلة الأدبية فى مصر ؟؟















المزيد.....


هل انطفأت الشعلة الأدبية فى مصر ؟؟


شريف حتاتة

الحوار المتمدن-العدد: 7396 - 2022 / 10 / 9 - 02:32
المحور: الادب والفن
    


هل انطفأت الشمعة الأدبية في مصر؟
--------------------------------------------------
رغم كل ظواهر الردة التي أصبحنا نعيشها ، يجـب ألا نكون غافلين عن التطور الذي يحدث فـي العـالم، وفي بلادنا، عن انتشار المعرفة والعلـم فـي بعـض مجالات الحياة، عن زيادة وعـى الشـعوب بمشـاكل العصر، وأسبابها، عن تفاقم السخط ضـد الظلـم ومظاهره، وعن تحركات النضال العشوائية أو المنظمة التي أصبحت جزءا من حياتنا اليومية في مصر.
الأقلية المسيطرة علي نظام الحكم في بلادنا ، تدرك بغريزة البقاء التحديات التي تواجههـا ، لـذلك تـولي اهتماما خاصا بتدعيم وسائل القمع، لكنها تدرك أيضـا أن القمع وحده لن يوقف المقاومة المتزايدة للشـعب، أن السيطرة على عقول الرجال والنساء، وتضليلهم، أن بث الأفكار، وأنماط السلوك التي تضعف قدراتهم ، كلها مسائل جوهرية للحيلولة دون حدوث تطور ديمقراطي في المجتمع.
من هنا أهمية الدور الذي تلعبه الثقافة والتعليم. ومن هنا أيضا أهمية وسائل الإعلام وتنوع الأساليب التي تلجأ إليها في ممارسة تأثيرها على عقولنا ، ومن بينها ما يتعلـق بالإبـداع. فالقدرة على الإبداع في مختلف المجالات عنصر حيـوي فـي تقدم الشعوب. ان القدرة على التفكير المستقل، على الاكتشـاف والخلق،على تغييرماهو قائم ليحل محلها الجديد، هى أساس كل تقدم.
خطرت في بالي هذه الأفكار إزاء ما قرأته غـداة رحيـل الكاتب "نجيب محفوظ" بعد حياة حافلة بالعطاء الأدبي دام ما يزيد عن نصف قرن، وهو عطاء إبداعي ينبغي تقديره ، حتـى وإن اختلفنا في تقييم المدى والعمق اللذين وصل إليهمـا . لـم أقتنع بالنغمة التي سادت فـي الصـحف، ووسائل الإعـلام المرئية، والمنطوقة، والتي رأت في رحيله خسـارة يستحيل تعويضها ، وكأن ساحة الإبداع الأدبي في مصر صحراء جرداء لن ينبت فيها شيء. كأن مجتمعنا محكوم عليه بالعقم الأدبـي بعد رحيله. لم أقتنع بذلك الشلال من التعليقات والمقالات التي تطوع بها العشرات من الكتاب والكاتبات ، وكأن وفاتـه كـارثـة أدبية لا يمكن تداركها، أو كأنه كان عليه أن يعيش أبد الدهر حتى لا يتركنا كالأيتام ضائعين بعد غيابه. قالوا عنه مـا لـم يؤمن به هو. أهدروا نظرته للحياة والموت وأهدروا تواضعه. أضفوا عليه الصفات الفذة في جميع نواحي حياتـه ، وواصـلوا "الكورس" الصاخب من الإطراء ليكرسوا العبودية التي نعيشها في مختلف مجالات المجتمع، ولينقلوا ما يحدث في السياسـة إلى الإبداع الأدبي، والثقافة، والفكر والفن. صنعوا منه هرمـا للنظام الأدبي ، ليربض على إبداعنا ، وكأن الحفاظ على هذا الهرم ضروري للحفاظ على مواقعهم هم.
المثل الصارخ على الاتجاه الذي ساد فـي وداع "تجيـب محفوظ" هو العنوان الذي نشر على الصفحة الأولـى لإحـدى الصحف اليومية "المستقلة" التى كتبت "انطفأت الشمعة الأدبية في مصر".
إن هذا الأسلوب في الارتفاع بمرتبة بعض الشخصيات إلى مستوى الآلهة ، يؤدي إلى تصغير الآخرين، وإنكار جهـودهم،إلى إضعاف ثقتهم في أنفسهم ، تلك الثقة التي هي شـرط مـن شروط الإبداع. إنه أسلوب ابتدعه حكامنا على مـر العصـور ، يسود في ظل مجتمع أبوي طبقي ورثناه من الفراعنة، أسلوب يسعى إلى إخماد القدرات الحية للشعب، وللأجيال الشابة مـن النساء والرجال ، الذين يتمردون على ما هو سائد ، ويسعون إلى تحقيق ما هوأفضل منه. إنه تكريس متعمد لسيطرة الأقلية على حياة الناس في مصر.
أيام رأيت فيها السجن من الخارج
...................................................
يوم 6 سبتمبر ١٩٨١، كان الجو صاف. فـوق رأسـي امتدت زرقة السماء هادئة، حيادية كأن لا شيء سيحدث فـي الكون. قدت سيارتي النصر ١٢٤ على الطريق الزراعي الممتد بين الحقول عائدا من مركز "بسيون". فـي الحقيبـة الخلفيـة للسيارة جوال من الأرز، وجوال من الفول و"بيض صابح" دافئ اللون.
أتنفس بارتياح. إلى جواري علـى المقعـد رسـم أرض الدوار يبين النصيب الذي يخصني بعد أن تم قياسها وتقسيمها. الآن تخلصت من الإحساس بالتيارات الخفية التي تكمـن فـي جوهر العلاقات الأسرية ، عندما يتعلق الأمر بالمال، والميـراث، والملكية، والأرض لتكشف عن هشاشة وسطحية العواطـف، وعن انحدارها.
كنت مستريح البال. مقبل على لحظة اللقاء مع الزوجـة والأولاد، على الحكي، وعلى الحوار الذي سيدور بيننا، على كوب من الشاي وقطعة من فطيرة الذرة التـي حملهـا إلـىَ "محمود النيفياوي" المشرف على الفدادين السبع التي أصبحوا من نصيبي في الأرض الزراعية. يلفني إحساس بالسلام ولدها امتداد الحقول، وصوت المياه في الساقية، وطيبة الوجوه السمراء ارتفعت بخيالى وأفكارى . تعودت تأمل المساحات الخضراء وهي تتموج في الريح. كانت الساعة قد قاربت على الثانية بعـد الظهـر ، عنـدما أخذت المصعد حتى الطابق الخامس في العمارة. فتحت بابه وخرجت إلى العتبة فصدر عنه الصـوت الصارخ لمفاصـله العتيقة. فوجئت بجاري، رجل من سوريا مربع الجسد تلمع عيناه الخضراوين بقوة في وجهه ، كساه لون الخوف الشاحب، قـال بصوت يرتعش قليلا :
"جاءوا اليوم وأخذوا الدكتورة نوال" .
قلت وأنا أدرك ما الذي يعنيه :
"من؟" .
قال : "ضباط من الشرطة والمباحث" . ثم أضاف "رفضت أن تفتح لهم، فكسروا الباب الخلفي ودخلوا إلـى المـطـبخ". واختفـى بسرعة داخل شقته.
أدخلت المفتاح في باب الشقة وفتحته. كان قلبـي يـدق سريعا ، لكن الحياة التى عشتها ، علمتنى ألا أرتبك . المهـم هـم الأولاد. لم يكن أحد في الشقة. صمت كامل. على أرض الصالة كتب وأوراق انتزعت من المكتبة، وألقيت عليه. دخلت حجـرة المكتب، المشهد نفسه، وأدراج فتحت ولم تغلق. انتقلت إلـى غرف النوم. الأسرة مرتبة ماعدا السرير الذي نـامـت عليـه. فوق المكتب الصغير بعض أوراق الرواية التي بدأتها وقلـم جاف.
توجهت إلى المطبخ. تم "تطفيش" كالون البـاب وتـرك مواربا. وضعت طبلية جلوس بينه وبين "الثلاجة " إلى أن أجـد منْ يقوم بإصلاحه، جاءني صـوت جرس الباب ، فخرجـت وفتحته، دخلت "منى" ابنتي، وابني "عاطف". سألتني "منى" :
"جيت امتي ياشرف؟".
قلت : "بقالي ربع ساعة".
قالت :
" فين ماما ؟ ".
قلت :
"قبضوا عليها".
رأيت الشحوب الأبيض يزحف على الوجهين، وأصابعهما ترتعش .
قلت :
"عايزين نفضل هاديين. ستخرج بسرعة".
هتفت "منى" :
"هاديين.. هاديين ازای. هننزل ندور عليها".
قلت : "ندور عليها فين ؟".
قالت : "في أقسام البوليس".
"عاطف" صامت. عيناه تدوران بعيدا عني ثم تستقران على وجهي. أقرأ فيهما الحيرة، وألم الصدمة الغادرة. أما "منى" فالغضب مسيطر عليها، يحل محله بالتدريج القلـق المتـوتر، والخوف.
جلسنا في الصالة. قلت :
"سأبحث عنها. اتركا هذه المهمة لي. سأصل إليها حتمـا. قسم الجيزة قريب".
قالا في نفس واحد :
" سنأتى معك ".
قلت :
" لا... لازم تاكلوا حاجة. مهم تحافظوا على نفسـكـم عشـان ماما".
ظلا صامتين.
ذهبت إلى قسم الجيزة. قال لي المأمور "مانعرفش حاجـة عنها". عدت إليهما. ظلا ساهرين ثم غلبهمـا التعـب فنـامـا. ونمت أنا أيضا. عندي قدرة على النوم في أصعب الظـروف. نوع من القدرية تعلمتها في السجن.
قضيت أسبوعا كاملا أبحث عنها. ذهبت إلى المباحث في الجيزة، في القاهرة. إلى المحافظة. إلـى مكتـب المـدعي الاشتراكي. وقفت مع الواقفين على السلم، في الطوابير، عند الأبواب. في كل مكان الرد نفسه "ما نعرفش عنها حاجة" . ثـم فجأة تذكرت. لا يوجد في مصر سوى سجن واحد للنساء هـو سجن القناطر. أحسست بالضيق من نفسي، من غبائي. كل يوم كنت أعود إلى الأولاد لأقول "لم أعثر عليها". أقرأ القلـق فـي عيونهما ممزوجا بالضيق كأنهما يعتبرانني مقصرا في حقها.
هبطت دون أن أقول لهما شيئا. قدت السيارة إلى سـجن القناطر. وهناك بعد ساعتين من الانتظار على البوابة أدخلوني لمقابلة أحد الضباط ، فعرفت أنها موجودة مـع الأخريات ، وأن الزيارات والمراسلات ممنوعة، وأنه يمكن إدخال طعام، وملابس مرة في الأسبوع يوم الثلاثاء.
في طريق العودة تملكني قدر من الراحة. الآن أستطيع أن أطمئنهما بعض الشيء. أن أتصـل "بعـادل أمين" محامينـا وصديقنا في مثل هذه القضايا ، أن أتفنن في أنواع الطعام التى أعرف من تجربتي أنها مناسبة لحياة السجن. وأهم من كل ذلك أن أسعى إلى إقامة حملة للإفراج عنها.
كانت إحدى صديقاتنا مسافرة إلى أمريكا عن طريق لندن. فحملتها رسالة مكتوبة إلى رئيس الـدار التـي تنشـر كتبنـا المترجمة إلى الإنجليزية ، شرحت فيها ما حدث في مصر وطلبت منه الاتصال بجميع الهيئات والشخصيات النسائية، والمنظمات الديمقراطية، لعمل حملة للإفراج عن "نوال" . وفي الوقت نفسه الإشارة إلى وجود مئات من المعتقلين والمعتقلات.
بعد أن مر بعض الوقت ، بدأت الحملة العالمية وتم تجميع ما يزيد عن عشرين ألفا من التوقيعات تطالب بالإفراج عنها. كنت أهرب إليها أخبار الحملة مكتوبة على ورق رفيع داخـل محشي الكرمب، أو الكوسة، أو الباذنجان، أو الفلفل الأخضـر ملفوفة في سلوفان الحلويات حتى تشعر بوجود تضامن معها. قرأت في إحدى الصحف خبرا يقول أنها متهمة "بالتـأمر مع بلغاريا". لماذا "بلغاريا" ، بالذات لا أعرف ؟ . إحدى التخريفات التي كان يولدها عهد اقترب من نهايته.
يوم 6 أكتوبر تم اغتيال السادات ، ويوم ٢٥ نوفمبر دق جرس الباب في شقتنا ففتحته. على العتبة كانت تقف "تـوال" ، على وجهها ابتسامة مثل شمس الصباح. وحول قدميها حـذاء "كوتش" أبيض خلعته في الصالة ، لتخرج منـه أوراق رقيقـة تحولت فيما بعد إلى كتاب أسمته "مذكراتي في سجن النساء".
من كتاب " يوميات روائى رحَال " 2008



#شريف_حتاتة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أحلام الطفولة
- اللورد - كرومر - يعود الى مصر
- قرصنة فى ثوب جديد
- على مقعد الحلاّق
- - ماكياج -
- لن نفترق
- عالم بلا جدران
- تأملات غير قانونية فى القانون
- رحلة فى قلب القارة السوداء
- الطيور الملونة وهرم خوفو
- عن الطفولة الموؤدة فينا
- عن الثقافة ومؤتمر المثقفين فى مصر
- بائعة مناديل الورق
- نوال السعداوى وفتح الأبواب المغلقة
- فى القطار الى المنيا
- يا سعادة المندوب السامى !
- مدينة روائى رحّال
- يجب أن تكون أحلامنا كبيرة
- تأملات مسافر
- كنا أربعة فى قارب


المزيد.....




- -الهوية الوطنية الإماراتية: بين ثوابت الماضي ومعايير الحاضر- ...
- بعد سقوط الأسد.. نقابة الفنانين السوريين تعيد -الزملاء المفص ...
- عــرض مسلسل البراعم الحمراء الحلقة 31 مترجمة قصة عشق
- بالتزامن مع اختيار بغداد عاصمة للسياحة العربية.. العراق يقرر ...
- كيف غيّر التيك توك شكل السينما في العالم؟ ريتا تجيب
- المتحف الوطني بسلطنة عمان يستضيف فعاليات ثقافية لنشر اللغة ا ...
- الكاتب والشاعر عيسى الشيخ حسن.. الرواية لعبة انتقال ولهذا جا ...
- “تعالوا شوفوا سوسو أم المشاكل” استقبل الآن تردد قناة كراميش ...
- بإشارة قوية الأفلام الأجنبية والهندية الآن على تردد قناة برو ...
- سوريا.. فنانون ومنتجون يدعون إلى وقف العمل بقوانين نقابة الف ...


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - شريف حتاتة - هل انطفأت الشعلة الأدبية فى مصر ؟؟