|
من دروس الحرب في أوكرانيا (2)
خليل قانصوه
طبيب متقاعد
(Khalil Kansou)
الحوار المتمدن-العدد: 7394 - 2022 / 10 / 7 - 23:46
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ـ و من هذه الدروس أيضا أن هذه الحرب نفسها تحاكي أساسا و لكن بدرجة أشد حدة ، الحرب في سورية . فمن المعروف أن المجمتع في أوكرانيا مركب من عدة قوميات تبعا للنهج البلشفي في المسألة القومية ، بحيث كان في الجزء الغربي من البلاد مزيج من سكان الأمبراطورية النمساوية المجرية أصلا ، بينما كان الروس غالبية في المناطق الشرقية . و من المعلوم أن ميول الناس في الجزئين كانت متعارضة أثناء الحرب العالمية الثانية ، فكان الذين ناصروا ألمانيا في تلك الحرب من سكان الجزء الغربي في حين أن موقف سكان الجزء الشرقي كان مطابقا لمواقف شعوب الإتحاد السوفياتي . و لكننا لسنا هنا بصدد البحث في هذا الموضوع ، لذا نقتضب فنقول أن المعسكر الغربي تحت زعامة الولايات المتحدة أرتأى أن الظروف ملائمة لتوجية ضربة عسكرية عاجلة لروسيا في أوكرانيا ، عن طريق استفزازها بواسطة إخضاع السكان الروس لقوانين تعسفية و قمعية كما لوكانوا مواطنيين من درجة دنيا أو أجانب ، مما حدا بالأخيرين إلى المطالبة بالحكم الذاتي ، نجم عنه اشتعال الحرب بين الجانبين في سنة 2014 و ما تزال رحاها تدور الآن ، ثم تحولت في مطلع العام 2022 إلى حرب غير مباشرة بين المعسكر الغربي من جهة وروسيا من جهة ثانية . من المعلوم في هذا السياق أن هذه الأخيرة تواجه في هذه الحرب غير المعلنة بحسب القانون الدولي ،تحالفا دوليا يضم الولايات المتحدة والدول الدائرة في فلكها ، التي تنكر انها طرف فيها ، فمشاركتها تقتصر على حد زعمها ،على تقديم العتاد لدولة أوكرانيا (روسيا تقول أن قواتها تقوم بعملية عسكرية خاصة ، بينما أوكرانيا تقول أن جيشها يتصدى للإنفصاليين في شرق البلاد ) . لا نجازف في القول أن روسيا بما هي دولة كبيرة ، أوروبية و آسيوية ، قابلة لأن تكون أكبر ، بل طامحة لأن تستعيد قوتها كدولة عظمى قطبية ، كما كانت في عهد الإتحاد السوفياتي ، تعترض جديا إلى جانب الصين و غيرها ، اكتمال الهيمنة الأميركية على العالم و ادعائها بأحقية حوكمته على أساس وحدانيتها في القطبية . فليس مستبعدا استنادا إليه ، أن تحاول الولايات المتحدة تحجيم روسيا أو تقسيمها أوإشعال ثورة فيها " مثل ثورة الميدان " في أوكرانيا ، لفتح الطريق مرة ثانية ، إلى السلطة أمام عملائها . يحسن التذكير هنا أنه تحقق لها ذلك في المرة الأولى في سنوات 1990 ، في عهد الرئيس الروسي الأسبق بوريس يلتسن ، حيث كانت أبواب المؤسسات الروسية الرسمية مفتوحة أمام الخبراء والمستشارين الأميركيين . و من البديهي أن الإشكال الروسي لا يقتصر ، على زعزعة نظام الأحادية القطبية فقط و أنما هو أيضا ذو أبعاد وجودية ، حضارية و أمنية و اقتصادية . نشير هنا باختصار إلى موضوع الهوية القومية الروسية و تماهيها مع المعتقدات الدينية خصوصا الأرثوذوكسية المسيحية ، و إلى مسألة الامن القومي ، حيث من المعروف في هذا المضمار أن روسيا قلقة جدا لجهة حدودها الغربية ، من التبعية المتنامية التي تربط الإتحاد الأوروبي يالولايات المتحدة ، كما أنها تراقب من كثب ما يجري خلف حدودها الجنوبية بالإضافة إلى المضائق المؤدية إلى البحر المتوسط . مجمل القول أنها على الأرجح أضطرت بعد غياب و بعد امتناع الأوروبيين عن " تطبيع " علاقتهم معها ، إلى منازلة الولايات المتحدة و اتباعها من جديد ، في لعبة الشطرنج على المسرح الدولي ، و الدليل الأبرز على ذلك يتمثل في الحرب الحالية في أوكرانيا و ضم جزيرة القرم بالإضافة إلى تدخلها في سورية ضد الجيوش و التنظيمات التي نهضت لاسقاط الدولة في سورية تحت رعاية المعسكر الغربي و عملائه . أما في المجال الإقتصاي فقد اتضح لنا بالملموس من خلال متابعة تطورات الحرب أن روسيا الغنية بالثروات الطبيعية خائفة على أمنها ، و أن الدول الأوروبية لا تمتلك مثل هذه الثروات وبالتالي هي مضطرة إلى استجلابها بكل الوسائل المتاحة من روسيا ومن بلدان شرق البحر المتوسط و غيرها ، و أن الولايات المتحدة بحاجة إلى هذه الدول الأوروبية و تخشى تشابك المصالح بين الأخيرة و بين روسيا ، مثل حاجتها إلى الدول الخليجية ( السعودية و أخواتها ) . أي بكلام أكثر وضوحا و صراحة إننا حيال معاودة منازعات قديمة ، يدأت مع حملة نابليون على روسيا في بداية الفرن التاسع عشر ، أعقبها بعد قرن من الزمن ، تدخل الدول الغربية أثناء الحرب الأهلية على خلفية إنتصار الثورة البلشفية ، و لم يشذ الزعيم الألماني هتلر سنة1941 عن القاعدة حيث قام بدوره بغزو الإتحاد السوفياتي ، من أجل الإستيلاء على شرق أوكرانيا وتفكيك روسيا ، و اسقاط دولة السوفيات . و في الختام بالعودة إلى المسألة السورية في سياق المقارنة بين الحرب التي شنت عليها من ناحية و تلك التي تدور رحاها في شرق أوكرانيا من ناحية ثانية ، لا أظن أنه يوجد اختلاف فيما بينهما لجهة الأهداف التي يبتغي كل فريق بلوغها . كان المطلوب أن يمر خط إمداد بالغاز الخليجي عبر سورية إلى البحر المتوسط ، في المقابل كانت الولايات المتحدة الأميركية غير راضية عن خط إمداد ألمانيا بالغاز الروسي عبر بحر البلطيق . وفي مجال آخر ، أعتقد أن الروس يعتبرون أن شرق أوكرانيا مثل شمال سوري هما جزءان من أمنهم القومي .
#خليل_قانصوه (هاشتاغ)
Khalil_Kansou#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
من دروس الحرب في أوكرانيا
-
قادة خطاؤون
-
الشيعةُغيرالشيعةِ
-
الدين السياسي و المؤامرة الدينية .
-
العودة دائما إلى نفس النقطة !
-
الوطنية -1-
-
صدق أو لا تصدق ، زابوريجيا و إيضاحات الوزير الأميركي
-
الدولة و الوطن
-
الهلال الناري بين أوكرانيا و قطاع غزة
-
مقابر و منازل (2)
-
مقابر و منازل -1-
-
الوقت المقتطع
-
التطبع و التطبيع -7-
-
عن الفكر و الموقف في السياسة في حكم العراق و بلاد الشام .
-
كيف أخْتلقَ - الشعب الإسلامي - فرنسا نموذجا
-
فرقعة في أوكرانيا و أرق و جوع و عطش وظلام في الشرق الأوسط
-
الحائط المسدود ، الدولة اللاوطنية (2)
-
الإعصار
-
نكران الوطن
-
الولايات المتحدة و سياسة السّلب والتسليح و التدمير و التعمير
المزيد.....
-
لوبان لا تستبعد استقالة ماكرون
-
ترامب يوقع أول قانون بعد عودته إلى المنصب
-
10 شهداء في مجزرة ارتكبها الاحتلال الإسرائيلي ببلدة طمون بال
...
-
إسرائيل تعترف باستهداف فلسطينيين في غزة رغم اتفاق وقف إطلاق
...
-
تحول تاريخي في سوريا.. تشكيل إدارة جديدة وإنهاء ستة عقود من
...
-
كيف يستعد الجنود من المتحولين جنسيًا لمواجهة ترامب بإعادة تش
...
-
الصين تحتفل ببداية عام الأفعى وسط طقوس تقليدية وأجواء احتفال
...
-
توجيه إسرائيلي لمعلمي التاريخ بشأن حرب أكتوبر مع مصر
-
الجزائر تسلم الرباط 29 شابا مغربيا كانوا محتجزين لديها
-
تنصيب أحمد الشرع رئيسا انتقاليا لسـوريا
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|