|
جِراح لا تزال تنزف .. ! ( قصة قصيرة )
جلال الاسدي
(Jalal Al_asady)
الحوار المتمدن-العدد: 7392 - 2022 / 10 / 5 - 10:18
المحور:
الادب والفن
تجلس ( سلوى ) أمام التلفزيون .. تتسقط اخبار المعارك ، والخوف والقلق يملآن قلبها ، فلا أحد يدري بما ستأتي به الأيام . يرن الهاتف .. تنتفض واقفة كمن لسعتها نار .. قلبها يدق ، واطرافها ترتعش .. ! ترفع السماعة بيد مرتبكة .. انه زوجها .. الحمد لله .. تسمع صوته الملئ القوي .. يشرق وجهها بفرحته .. يخبرها بأنه قادم لساعتين فقط ، ثم يعود الى الجبهة .. عند سماعها صوته ، لم تستطع ان تمنع قلبها من أن يدق ، ولا روحها من أن تهفو .. ! لا تدري ما الذي يمكن أن تفعله بهاتين الساعتين .. لكنها الحرب ، وفي الحرب لا يوجد فائض من وقت ، ولا مجال لأسترخاء أو لنوم محايد .. بل يقظة دائمة لا تنتهي . تبدأ بتهيئة الطعام ، واعداد الحمام .. تخطو الى غرفتها .. تمرر المشط بسرعة على شعرها ، وتضع لمسة من الزينة على وجهها .. وتتعطر .. ثم ترتدي ثوب النوم الشفاف ، والحلم باللقاء لا يفارقها .. تعلو وجهها حمرة الانفعال والإثارة ، فتكسبه فتنة من نوع نادر .. يتلوى قلبها بين الفرحة بمجيئه ، والخوف من عودته . يدق جرس الباب محدثا رنينا متصلا ، فيدق قلبها معه دقات سريعة متلاحقة .. ! تفتح الباب ، فتراه واقفا أمامها .. منتصب القامة .. مفرود الصدر .. تُضفي البدلة العسكرية عليه ظلا رجوليا ملفتاً .. يتأمل وجهها باسماً كأنه ينهل منه .. ليثمل .. تنتفض ملامحها ، وتصهل بابتسامة مشرقة كشعاع من نور .. ! يشدها اليه ، فتسقط في أحضانه .. يضمها بحرارة الى صدره ، ويلثم جبينها . يدخل الى البيت ، وهو يتطلع حوله كأنه يرى الجدران ، وقطع الاثاث لأول مرة .. فالغياب أصبح عادة ، وامتد لسنين ، وأي سنين .. كلها عذاب وقلق وخوف وفراق ! سقط على مقعد قريب كأنه يلهث .. ثم لانت ملامحه .. وأراح وجهه من قناع الصرامة العسكرية ، و وقارها المزيف .. خلع ( البسطال ) من قدميه ، ثم نزع بدلته العسكرية المعفرة بأتربة الخنادق ، وكان الحمام جاهزاً ، فدخل واستحم وارتدى البجاما . أعدت له اصناف الطعام التي يحبها .. التفوا حول المائدة .. تشاركه الأكل لكن بعقل شارد . ثم استلقى على الاريكة .. تمددت بجانبه ، والتصقت به ، والقت برأسها على صدره .. بدأت أصابعه تعبث بشعرها .. ثم أخذ يحدثها عن المآسي التي تحدث كل يوم في الحرب ، وعن احساس الفراق الذي يعذبه .. على أعزاء طحنتهم آلة الحرب الغبية ، فرحلوا قبل أوانهم مغدورين .. اغرورقت عيناها بالدموع ، وقال لها أيضاً .. بأن كل شئ في الحرب .. أي حرب .. يبدو طائشاً .. متهوراً ، ولا معنى له ، ثم انقطع حديثه فجأةً ، وبدأت حركة يده تتراخى ، وتوقف عن مداعبة شعرها ! لقد غلبه سلطان النوم .. فنام ، واستغرق في نومه .. كأنه لم ينم في حياته .. ! انسلت في هدوء من بين ذراعيه .. ثم وقفت أمامه تنظر اليه ، واحساس بالحب والحنان يعتمل في صدرها ، كأنها أم تُشفق على ابنها ، والابتسامة الطيبة على شفتيها تتسع .. ثم خطت نحو الغرفة ، وأتت ببطانية ، وغطته .. ! عادت وشغلت نفسها بغسل الصحون ، وتنظيف المطبخ ، وأعادة ترتيب مائدة الطعام كأنها تهرب من نفسها ، وعقلها لا يكف عن التفكير ، والوقت يجري مسرعا . لقد مرت عليه ساعة ، وهو نائم .. ! سمعت طرقا خفيفا على الباب .. تُلقي بالروب على جسدها .. تفتح الباب ، فترى سائق زوجها .. واقفا محبوس الأنفاس .. يرفع يده بحكم العادة بالتحية العسكرية بمجرد أن شاهدها أمامه .. فهمت أن وقت العودة قد حان .. ! وما كادت تلمس كتف زوجها حتى هب من نومه مفزوعاً ، ونظر مباشرةً الى ساعته .. احتلت وجهه علامات الضيق ، وخيبة الأمل .. زفر في نفاذ صبر ، وتسائل بصوت يمزقه الأسى والتثاؤب : — لم لم توقظيني .. ؟ اقتربت منه ، وهي تغتصب ابتسامة اعتذار حزينة ، ثم انحنت عليه ، وقبلته ، وقالت بصوت ليس فيه فرح : — صح النوم ، حبيبي .. ! ثم خطت بسرعة نحو المطبخ .. ملأت حافظة بأنواع الطعام ، وأسرعت بها الى الجندي الذي لا يزال واقفا عند الباب .. استقبلها بفرح كأنها آخر زاده .. رفع يده ثانية بالتحية العسكرية .. وانصرف ! أسرع زوجها الى الحمام ، والقى برشقة من ماء بارد على وجهه ، ثم ارتدى بدلته العسكرية ، ودس قدميه في البسطال .. عدّل من هيئته ، وصلب عوده ، ثم تمنطق بسلاحه ، ووضع الخوذة على رأسه .. تقدم منها ، واحتضنها كأنه يريد أن يحملها بين ضلوعه ، ويغلق عليها .. بقيت متعلقة به لا تريد أن تتركه .. ظلا متلاصقين كحمامتين جميلتين ، ثم أبعدها عنه بحنان ، وأخذ يتأملها باعجاب واشتهاء .. تنهد في حزن ، ثم مسح قطرات من دموعها بظهر يده ، وهو يردد : — اعتني بنفسك ، حبيبتي .. ردت عليه في صوت كالبكاء .. كأنها تتوسله : — عد أليَّ سالما .. أرجوك .. أنا بانتظارك .. ! وأجهشت في البكاء .. قال في يأس أو ما يشبه اليأس : — خليها على الله .. المقدر .. لا يمكن الهروب منه .. ! نظر الى ساعته ، ثم قبلها قبلة سريعة خاطفة كرفة جناح .. وغادر مسرعاً كأنه يعدو .. !! ( تمت )
#جلال_الاسدي (هاشتاغ)
Jalal_Al_asady#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هذيان في براغ .. الجزء الثاني .. ( قصة قصيرة )
-
هذيان في براغ … الجزء الأول ! ( قصة قصيرة )
-
عزيزتي .. لا تتوقعي من الزوج أن يكون ملاكاً .. ! ( قصة قصيرة
...
-
أم ياسين … ! ( قصة قصيرة )
-
زليخة … ! ( قصة قصيرة )
-
الخادمة .. ( ناني ) … ! ( قصة قصيرة )
-
الفروسية .. أيام زمان … ! ( قصة قصيرة )
-
الشقيقتان … ! ( قصة قصيرة )
-
يا طالع النخلة .. مهلاً … ! ( قصة قصيرة )
-
شحاذ .. رغماً عنه … ! ( قصة قصيرة )
-
المسافة بين القرية والمدينة … ! ( قصة قصيرة )
-
مثلما تُكيلون يُكال لكم … ! ( قصة قصيرة )
-
التنور … ! ( قصة قصيرة )
-
العين الحمرة … ! ( قصة قصيرة )
-
خيوط العنكبوت … ! ( قصة قصيرة )
-
حيرة زوجة … ! ( قصة قصيرة )
-
لم كل هذه الدموع … ؟! ( قصة قصيرة )
-
زوجة .. مع وقف التنفيذ ! ( قصة قصيرة )
-
أيامٌ مرَّت وراحت … ! ( قصة قصيرة )
-
وكانت أيام … ! ( قصة قصيرة )
المزيد.....
-
تلاشي الحبر وانكسار القلم.. اندثار الكتابة اليدوية يهدد قدرا
...
-
مسلسل طائر الرفراف الحلقة92 مترجمة للعربية تردد قناة star tv
...
-
الفنانة دنيا بطمة تنهي محكوميتها في قضية -حمزة مون بيبي- وتغ
...
-
دي?يد لينتش المخرج السينمائي الأميركي.. وداعاً!
-
مالية الإقليم تقول إنها تقترب من حل المشاكل الفنية مع المالي
...
-
ما حقيقة الفيديو المتداول لـ-المترجمة الغامضة- الموظفة في مك
...
-
مصر.. السلطات تتحرك بعد انتحار موظف في دار الأوبرا
-
مصر.. لجنة للتحقيق في ملابسات وفاة موظف بدار الأوبرا بعد أنب
...
-
انتحار موظف الأوبرا بمصر.. خبراء يحذرون من -التعذيب المهني-
...
-
الحكاية المطرّزة لغزو النورمان لإنجلترا.. مشروع لترميم -نسيج
...
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|