بلقيس الربيعي
الحوار المتمدن-العدد: 1690 - 2006 / 10 / 1 - 10:42
المحور:
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية
ستبقى حاضرا رغم الغياب
لا اعرف كيف أبدأ ومن أين , لكي أصف ما أحسه منذ رحيلك حتى اللحظة , إذ لن تكفي كل الكلمات الموجودة في الآرض للتعبير عما تركه غيابك العاصف في حياتي , ولا لوصف ما أحسه تجاهك , فما بيننا يا أبا ظفر ليس كما بين الناس ..ما بيننا تأريخ طويل ...زمن تكتظ وتتناغم فيه الذكريات والصور الرائعة الجمال ، عن حبنا الذي عمدته الحياة بأنفاسها الخالدة ... إن جذوة هذا الحب لازالت وستبقى تتوهج في قلبي وفي ضميري . فهو تاريخي بل أجمل ما فيه لآنك كنت رمزاً لكل شيء أعشقه وأعتز به .
لقد كنت يا ابا ظفر إنسانا بمعنى الكلمة ، وقد اتسمت حياتك بالتواضع والبساطة مما جعلك قريبا الى كل من تعرف عليك وعمل معك . لذلك ستظل وستبقى حاضرا في ذاكرة من احببتهم وأحبوك ، وها هم رفاق دربك يتحدثون عنك وكأنك بينهم .
¤¤¤¤¤¤¤¤
أبو وسن
مواقف للشهيد البطل ابو ظفر
ثلاثة مواقف تتسم بالبطولة والشجاعة وقبلها بانسانية الشهيد وحبه لرفاقه, كنت شاهدا في هذه المواقف وأنه من الواجب علي ان ادون هذه السطور .
الموقف الاول : حين التقيته في 10 آب 1981 حين وصل الينا ضمن مفرزة متوجهة الى الوطن. التقيتهم في الآراضي التركية وبقينا سوية عشرة ايام حيث وصلنا الى مقر قاطع بهدينان في 20آب 1981. في هذه الفترة تسنى لي معرفته عن قرب وفي ظروف غاية في الخطورة فكان هو المبادر للقيام بالعديد من الأعمال اثناء فترة التهيئة لانطلاق المفرزه صوب الاراضي العراقية أضافة للخدمات الطبية التي كان لايبخل بها خصوصا مع رفاق هذه المفرزة بالتحديد حيث كان عدد منهم قد انهكهم الطريق وكانوا بحاجة الى رعاية خاصه. كنت حينها قلقاً ويبدو هذا واضحا في هذه السطور التي كنت قد كتبتها في ذلك الوقت ( أن قلقاً كبيراً يجتاحني وانا اسير مع هذه المجموعه من الرفاق فان اغلبهم متعبين, ترى ماذا سيكون الموقف اذا ما تعرضت المفرزة لشي؟ سيكون من الصعب علينا الخروج دون خسائر. كم هو صعب ان تكون في مثل هذا الموقف وتواجه مثل هذه المشاكل؟ أنا أمني نفسي بان تنجز هذه المهمة بسلآم, فأني لم أذق طعم النوم منذ يومين ولآاعرف ان كنت سأنام وامامنا عدة ليال وطريق ملئ بالخطوره. الشي الذي يجب ان اذكره هنا بأن حماس الرفاق هو عامل مهم يجب الاعتماد عليه وهذا يقلل من قلقي. ) حدث ان اخبرتني مجموعة الأستطلأع بأنهم شاهدوا نيران مشتعله قرب نبع الماء التي اعتدنا ان نستريح بقربها أثناء مرورنا بقرية سناط الحدودية , وانهم يعتقدون بأنه كمين لجحوش السلطة وأنه مر للتو أثنان من المهربين وأكدوا بأنهم لم يجرأوا المرور بقرب النبع وانهم سلكوا الطريق العلوي تلأفياً الصدأم مع الجحوش. أن هذه المعلومة دفعتني الى الدعوة لأستراحة المفرزة للتأكد من صحة المعلومة وايضاح وتأكيد الأجرأءات الواجب اتخاذها في حالة حدوث تصادم مع الكمائن. كان لأبد من شرح الموقف بكل مخاطره و المحاولة بشحذ همم الرفاق ورفع معنوياتهم وتهيأتهم للموقف القادم . أما أنا فلابد لي من اتخاذ القرار الذي بخرجنا من هذا المأزق , ان نسير في الطريق العلوي معناه الدخول في حقول الألغام ونكون هدفاً سهلاً لقصف الربأيا المطله على القرية فالخسائر حينها ستكون جسيمه خصوصاً وان معنا عدد من الرفاق المتعبين وان هذا الطريق غير سالكة للبغال وأما السير في الطريق المعتاده فيضعنا امام احتمالين لاثالث لهما اما هي نار مشتعله نتيجة القصف العشوائي لمزارع القريه فتخلف مثل هذه النيران وأما هو كمين فعلأ عندها سنتعامل معه بالطرق المعتاده وفي كلأ الحالتين أتفقنا ان نكون في غاية الحذر عند اقترابنا من النيران ونستطلع بدقة, هنا كان للشهيد دوراُ في الشد من عزيمة الرفاق وخاصة المتعبين منهم و رأيته متحمساً ومتحفزاُ للاستجابه لماأقوله للمفرزة وكأنه قد أحس مافي داخلي من قلق فكانت ابتسامته وحماسه تطفىء من لهيب القلق وتزيد من فسحه الأمل بأن المفرزة ستتجاوز هذه العقبه وفعلاُ تحفز الجميع واستعدوا لما هو قادم بكل بسالة وجرأة ولم يكن هناك اي كمين. كان ذلك ليلة 17 تموز 1981.
الموقف الثاني : كان في خريف 1983 حينها كان الشهيد متوجهاُ الى سوريا مع مجموعة من الرفاق المرضى والمتعبين بعد احدأث بشتأشان وعدد من رفاق مفرزة الطريق , بقينا سوية قرابة الأسبوع لحين تدبر امكانية مغادرة المفرزة الى سوريا كانت اياماُ قاسية بكل المقاييس الامنية حيث كانت المجموعة تنتشر على التلال المحيطة بموقعنا خوفا من الجندرمة الأتراك وتصارع سوء الآحوال الجوية حيث الأمطار الغزيرة ولم يكن لنا من سبيل سوى الاحتماء ببعض القطوع الصخرية والأشجار , في هذا الظرف الصعب والخطير كان الشهيد البلسم الذي يرطب جروح التذمر والأستياء لدى البعض وكانت النكتة وسيلة لترطيب الأجواء المشحونه. غادرتنا المجموعة بعد ان هيأ طريق لعبورهم الى سوريا وفي الطريق التحقت بالمجموعة عائلة احد المتعاونين معنا من حزب بيشنك الكردي(زوجته وطفلين احدهم رضيع لأيتجاوز عمره عدة أشهر), وللظروف الجوية السيئة حال دون نجاح عبور المفرزة كما كان متفقاً علية مماجعل المجموعة تمضي الليل وكل النهار التالي مختبئين بين احراش القصب قرب مصب نهر الخابور في نهر دجلة وعلى مبعدة امتار قريبة من مراكز الجندرمة التركية وربايا الجيش العراقي. بالأضافة لهذه المخاطر أخذ الجوع مأخذه ايضاً من الأجساد المتعبه فعادوا الينا بعد ان فقدوا اثر المهرب, كان التعب والتذمر واضحاً على الوجوه والكل يتسائل ماذا سنفعل؟ الجواب هو ان نحاول مرة اخرى ان كنتم قادرين على ذلك, واستمر الجو ماطراً وبشده. فعادت المفرزة لتسلك ذات الطريق وهو السير مسافة بموازاة الشريط الحدودي العراقي التركي اي بموازاة نهر الخابور والأنتقال تارة في الأراضي العراقية واخرى في الأراضي التركية وهذا معناه انه يتوجب الخوض في النهر ولمسافة غير قليلة للتخلص من الكمائن التركية والعراقية. علو منسوب النهر في الحالة الأعتيادية يصل منتصف الجسم ولكنه في ذلك الوقت وصل مستوى اعلى من ذلك وسرعة جريان النهر كان على اشدة مما جعل الرفاق ان يمسك الواحد بالأخر كي يقاوموا شدة التيار. تحت هذه الظروف وفي هذه الأجواء كانت زوجة زيهات تحمل رضيعها ملفوفا بغطاء وتسير مع المفرزة خلف زوجها الذي كان يحمل الطفل الثاني على اكتافه وخلفهم كان الشهيد ابو ظفر, كانت امواج النهر ترطم بالأجسام قوية والسكون والظلأم سيد الموقف, وألأم تحسس وليدها بين الحين والأخر وفجأة ً صرخت الأم لتعلن فقدان الطفل ولتوقف المفرزة وتبدأ عملية البحث والتي كان للشهيد فيها دورا مشهوداً حيث غطس عدة مرات للبحث عنه وكان يحث الأخرين على البحث ولكن بأءت كل الجهود بالفشل فتيار النهر كان أقوى . أن القدرة على تحمل مثل هذه الظروف كانت صفة مميزة للشهيد.
الموقف الثالث : كان ليلة 27 أيلول 1984حيث سرنا سوية الى الوطن مرة اخرى, اختير الشهيد ضمن قوام المفرزة كونه مقاتلأ مجرباً ولكونه طبيباً وقواعد الأنصار بحاجة الى كفائته. كانت حمولة حقيبته الظهرية ثقيلة وهي عبارة عن ادوية كان قد اختارها لمعرفته بأحتياجات ألانصار اضافة الى الاعتدة المحمل بها , ساهم مثل الأخرين بكل ماكان يقوم به اعضاء المفرزة من نفخ ألأطارأت(جوب) وتهيئة الكلك وحمله الى موقع العبور. أثناء عبور نهر دجلة حدد للشهيد موقعا فوق الكلك مع الرفاق الجذافين والدليل والشهيد ابوهديل والشهيد ابو سحر وبينما نحن في عجالة ترتيب حمولة الكلك وكبفية احاطتنا به, بادرني الشهيد بالسؤال فيما اذا كنت بحاجة الى مساعدة حيث لأحظ حيرتي في كيفية ان احمل سلأحي(رشاش العفاروف) في يد وبالأخرى امسك ب(الكلك) وفعلأ ساعدني بأخذ رشاش العفاروف ووضعها في حظنه فيما أمسكت أنا قبضة السلأح والكلك فسهل علي ألأمر. وهنا أيضاً اثبت الشهيد عمق انسانيته وحبه لرفاقه. وما هي الأبضع دقائق حتى أنهمر علينا وابل من الرصاص كثيف و أنفجرت فوق روؤسنا قنابل يدوية من كمين غادر كان يتربص بنا ويستغل فرصة تجمع الرفاق حول الكلك. كانت تلك الدقائق هي الأخيرة مع الكوكبة الرائعة من الشهداء الذين فقدناهم في تلك الليلة. فارقت ألشهيد دون ان اشكره على موقفه.
بهذه المواقف اردت ان اذكر وأُذكر بالشهيد الباسل أبو ظفر. وقد تبدو بأنها مواقف بسيطة وعادية ولكن في تلك الظروف تكون ذات عمق و دلألة ستبقى ذكراك والشهداء في المفرزة المقدامه عطرة خالدة.
#بلقيس_الربيعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟