|
نظرة للامام مذكرات ج15
كاظم حسن سعيد
اديب وصحفي
الحوار المتمدن-العدد: 7378 - 2022 / 9 / 21 - 11:14
المحور:
الادب والفن
سقوط الفاو حسب الفريق الخزرجي (أرض الفاو رخوة وسبخة وذات مستوى مياه جوفية عالية، تصبح عند تساقط الأمطار أشبه بالمستنقعات، وتغمر المياه الضحلة أجزاء كبيرة منها ). عملية (الفجر 8) كما أطلق عليها الإيرانيون والتي استولوا فيها على الفاو في 1986 كانت من أقسى المعارك وأشدها، حيث استغرق العراق أكثر من عامين لإستعادتها . رايتهم في الدريهمية شبان بمقتبل العمر بملابسهم المرقطة يمضون لمحرقة الفاو ولا يعودون .. فيما هندس الباسداران -الحرس الثوري مدافعهم بحيث لكل متر قذيفة تتفجر بعدما قاموا بتحصين أنفسهم بسرعة .الغالبية العظمى من سكان البصرة قررت الهجرة عنها..في اتجاه محافظات جنوبية ووسطى ...نشطت الباصات وعجلات الحمل وهي تنقل الاهالي واثاثهم على طول شوارع بغداد ...لا ادري ساعتها كم فرد تذكر اهالي المحمرة وعبادان بعد ان اقتحهما الجيش العراقي ..تبادل في الانتكاسات الانسانية وتعادلت الفاجعتان ..شعرت باسى عميق حين تجولت بقرى عبادان ورايت البقرات المبقرة .. سجادات الكاشان تغفو الحمير عليها ... رايت الناهبين , في بهجة ينقلون غنائمهم عبر نهر الكارون .. الدراجات الصغيرة مبعثرة ...الاسماك تطفو مقصوفة ..هجروا ولم يتمكنوا من نقل ارواحهم الكائنة بتلك السلع الصغيرة ...هل كنت وحدي اعيش الفاجعة... فكتبت (دفعتك البنادق نحو البنادق لا خيار بين نار ونار فتقدمت مستهزئا بالهزيمة والا نتصار )..يافعا كنت اقصد من منطقة الحكيمية لاعالي البر بقرية كردلان .. بحثا عن عشب بري يؤكل (رشاد البر) وبين النخيلات رايت مدافع وجهت شرقا باتجاه ايران ...يومها لم تكن لي قدرة فراسة لاتخيل الكارثة .. فقد سمعنا من جداتنا .ثماني سنوات ولم ترتو الارض من الدماء ولم تتحجم مهنة صنع التوابيت .. مكبرات الصوت تصدح بنغم مرقّص -يا كاع ترابج كافوري .. ع الساتر هلهل شاجوري -وازقة البصرة تتجذر شواهد مقابرها تتنقل من زقاق لزقاق ومن بيت لمجاوره ..فيما تتعملق ملحمة الدموع ...لست ممن تطربه رايات الانتصارات ودفوف الهيمنة .. ولست بسيطا لاقبل باحتلال او اعتداء .. ولكن الحروب تعكر طقس روحي .. حالما بيوم نصفي الخلافات بطريقة اخرى .... لا اعلم كيف ولكني احلم .. ربما نعود للرماح .. لقتال غير فاتك ... اما هذا التطور بآلات الحرب فيفزعني حقا .لم يشغلني ان افرز حقا عن باطل في اوكرانيا ,كنت منشغلا بصغار فزعين هناك يتشبثون بايادي امهاتهم المرتعبات .. بمسنة لا تقوى على حث الخطى هربا من زمجرة الطائرات ...باناس امنوا وهم يقطعون الان اميالا بحثا عن قطرة ماء وظل لا تطاله قذيفة .. ورغم هول الحرب كنت اقرأ اناقتهم .. يا للفاجعة ..!!. قصدت ذي قار بصحبة دليل وبعد ثلاثة ايام من البحث عثرت على بيت للايجار بلا ابواب وشبابيك .. بلوك تحتله من داخل السياج بقعة آسنة ..لم يكن لدي اتصال باي صديق... فرقتنا الطارئات .. فاستعنت بهوايتين لي متجذرتين : الصيد والرسم .. طبعا القراءة ما يشغلني من طفولة مبكرة ... لكن مطحنة الحرب لم تترك مزاجا للقراءة .. كتبت اول قصيدة في الصف الخامس الابتدائي لكن الشعر وليد التمركز وثمرة انفعال وجداني او فكري مركز .. من يستطيع كتابة شعر ومصهرة الفاو قائمة .. فوجدتني اجرب النثر فشرعت بكتابة اول رواية .. ساهملها لاحقا ...لاعود للرواية بعد ربع قرن ..اتذكر منها (عوعة الديج وايست الزعلانة فنحى فرشاته جانبا ...... ), كتبت حوالي مئتي صفحة..كنت ارسم طوال الليل .. لوحات معتمة .. وكنت ارسل تنظيراتي حول فن الرسم ومناقشة المدارس الفنية لصديق في منطقتي التي هجرتها قسرا.. كنت مفلسا واخي في قلب المعركة .. اخي الذي نجا من محرقة الحرب وحدثني يوما بانه (حين اقترب منه الموت فكرباصغر بناته .. كانت ربما بعمر سنتين ..مرحة حتى تمكن منها العضال في سن الثلاثين ومضت الحياة بدونها ..اخي الذي استخدمت مائة حيلة لاجعله متخلفا عن الالتحاق بوحدته العسكرية ابان حرب الكويت ..كنت افكر (لو عاد اخي جثمانا ملفوفا بعلم كيف ساقيم مأتما له وانا بوضع املاق ..). وكانت امي تنام على التراب وتقول . يتكلمون عن بطولات ويتجاهلون قلوب الامهات ...--اليوم كلنا جنود .. عن الحدود نذود .. ع النصر عبارة --... وماذا جنينا من النصر سوى بلد ممزق محطم .. ذات يوم رايت في مستنقع المنزل بسطالا فوضعته على كرسي ورسمته وسالت خالتي الطيبة البسيطة فاجابت (انت لم تجد احدا يستريح على الكرسي فرسمت بسطالا عليه )..الكرسي لتستقر لكنا جميعا كنا نجري في صحراء الاحتمالات .. نصغي للمذياع ونتوقع ان تتجمد الحرب ..خابت كل تنبؤاتنا ولم تبرد الحرب الا بعد ثماني سنوات ..في الازقة التي هجرناها لا شيء الا القطط الجائعة والكلاب السائبة تبحث عن الزاد وقد انهكها الجوع والغربة ... شهورا قضيتها على الشط اصطاد ولا سمكة واحدة .. ذات يوم اتى هنديان والقما الصنارة بقطع لحم فصاد احدهما سمكة تزيد على عشرين كيلو ..اما نحن الذين نصيد بعجين مفوّر من الصبح للظهر والعصر للغروب فلا سمكة ...حدثني الصياد على شط الناصرية عن بن السلوكي كان غنيا خسر ثروته لاجل بائعات الهوى ..ركب باصا واستقر قرب السائق وخاطبه هامسا ( ليس لدي اجرة ) فالتفت اليه السائق وعرفه وقال له (الست من كانت تهز لك خصرا الكاولية وهي تغني -اعدل عكالك زين يا بن السلوكي -..كان هذا الصياد موهوبا بالطرفة فكان يرمي صنارته ملتفتا لي قائلا (تخلص ... الي شبكنا يخلصنا ).ارى ان نبوءته رغم عفويته كانت صادقة .. ستنتهي الحرب بتعادل الفريقين لا غالب ولا مغلوب وستستقر معاهدة الجزائر 975 التي هي سبب وذريعة لنشوب اطول حرب نظامية معاصرة ..اخيرا تمكنا من استرجاع الفاو فانتهت اللعبة .وتوقفت الحرب .
#كاظم_حسن_سعيد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قصيدتان اغتيال قدري
-
بسوس حول طير شارد قصة
-
نظرة الى الامام مذكرات ج14
-
الباص الخشبي قصيدة
-
ثلاث قصائد الصيف
-
الخفاجية قصة
-
الجمعيات بعد السقوط قصة
-
سنلتحم قصيدة
-
الحي العشوائي قصة
-
مقهى
-
قصيدتان : طحن الارواح
-
البريكان : مجهر على الاسرار وجذور الريادة ج7
-
نظرة الى الامام مذكرات ج13
-
في انتظار الطبيب
-
قدح شاي
-
( خيمة الحركة ) قصيدة
-
نهاية فاجعة لشاشة سينما محمود البريكان
-
من شظايا الزجاج
-
3 قصائدوجوم
-
فناجين قهوة من الورق المقوى
المزيد.....
-
تمشريط تقليد معزز للتكافل يحافظ عليه الشباب في القرى الجزائر
...
-
تعقيدات الملكية الفكرية.. وريثا -تانتان- يحتجان على إتاحتها
...
-
مخرج فرنسي إيراني يُحرم من تصوير فيلم في فرنسا بسبب رفض تأشي
...
-
السعودية.. الحزن يعم الوسط الفني على رحيل الفنان القدير محم
...
-
إلغاء حفلة فنية للفنانين الراحلين الشاب عقيل والشاب حسني بال
...
-
اللغة الأم لا تضر بالاندماج، وفقا لتحقيق حكومي
-
عبد الله تايه: ما حدث في غزة أكبر من وصفه بأية لغة
-
موسكو تحتضن المهرجان الدولي الثالث للأفلام الوثائقية -RT زمن
...
-
زيادة الإقبال على تعلم اللغة العربية في أفغانستان
-
أحمد أعمدة الدراما السعودية.. وفاة الفنان السعودي محمد الطوي
...
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|