أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - أحمد رباص - لودفيغ فتجنشتاين الفيلسوف الأكثر تميزا في القرن العشرين (3/3)















المزيد.....

لودفيغ فتجنشتاين الفيلسوف الأكثر تميزا في القرن العشرين (3/3)


أحمد رباص
كاتب

(Ahmed Rabass)


الحوار المتمدن-العدد: 7375 - 2022 / 9 / 18 - 12:03
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


بستاني، مهندس معماري

بعد هذا الإنجاز المذهل، يمكن لنا أن نتخيل الشاب المعجزة وهو يتذوق مجده، ويستقر مع أقرانه ويجعل اكتشافه يؤتي ثماره. وفي الحقيقة، فتجنشتاين مقيم بالفعل في مكان آخر، غير راض، قلق، مكتئب.
إن أعظم غرائبه موجودة هناك بلا شك: فهو يعيش فقط من أجل الفكر والتفكير النظري والعلم، ولكن من خلال ضربات رأس ومسارات الحافة والهاوية.
سوف يمشي على هذا النحو، عشر سنوات بين البحث المنطقي والاكتئاب، في عزلة عن العالم وأزمة صوفية روحية. تستحضر هذه التعرجات مجددا فصولا روائية جديدة بدلا من دروس في المنطق.
عند وفاة والده، ورث منه فتجنشتاين ثروة هائلة، معتبرا أنه كان من الضروري التخلص منها في أسرع وقت ممكن. لمن يعطي الكثير من المال؟ للفقراء؟ سيحدث لهم الكثير من الاضطرابات. قرر أن المال يذهب إلى المعتادين عليه ووزع نصيبه على إخوته وأخواته. أصبح بستانيا في دير هوتلدورف Hütteldorf، بالنمسا السفلى، يزرع الخضار والورود. ولكن لا يزال هناك الكثير من الناس المتوافقين مع ذوقه.
لذلك عاد إلى الكوخ في النرويج، على حافة المضيق البحري، ثم قفل عائدا إلى النمسا، حيث تم تعيينه مدرسا في القرى الجبلية، كتب معجما ليستعمله القرويون الصغار.
كان راسل قلقا، أصيب كينز، الذي أعجب بفيتجنشتاين في كامبريدج، باليأس. أخيرا، تفتحت عينا فتجنشتاين. عاد إلى فيينا، وأصبح مهندسا معماريا، صمم وبنى منزلا لأخته مارغريت، رسم له التصميم، الأبواب، الأقفال وجهاز التدفئة...
يعود الفضل في عودة فتجنشتاين إلى كامبريدج سنة 1929 إلى كينز. الخبير الاقتصادي الشهير الذي لطالما كان يحترم الفيلسوف بعمق، تأسف لرؤيته يضيع وقته وقوته، بينما كان لا يزال يعتبره قادرا على الإنتاج الرائع.
على مر السنين، أصبح Tractatus كتابا مقدسا لدى علماء الرياضيات والمنطق في ذلك الوقت. كانت إعادة فتجنشتاين إلى الجامعة في نظر كينز "إعادة الله إلى المنزل" وإحضاره على متن قطار الخامسة والربع.

الاستماع بطريقة مختلفة

في كامبريدج، وهو معروف بالفعل عالميا لدى أهل الاختصاص، واصل فتجنشتاين القيام بما يريد. مسألة تقديم الدروس غير قابلة للنقاش. جمع بعض الطلبة في شقته، اقترح عليهم ألعابا لغوية غريبة، وقرأ عليهم مقتطفات من كتابه الأزرق Cahier bleu، ثم من كتابه البني Cahier brun، وملاحظاته الشخصية، التي بدأت نسخ قليلة منها تتداول. لم ينشر أي شيء انتهى من كتابته خلال الثلاثينيات من القرن الماضي، والمقصود به "البحوث الفلسفية" و"النحو الفلسفي"، اللذان يعتبران اليوم من الأعمال الرئيسية.
ماذا يفعل؟ من الصعب شرح ذلك، وأبسط مما نعتقد - هذا النوع من التناقض لا يرضيه. إذا كان من الصعب للغاية الخوض في تفاصيل الأسئلة النظرية، ودقة الحجج وآليات المفاهيم، فمن السهل من ناحية أخرى الإشارة إلى نوع الطفرة التي قام بها فتجنشتاين في الفكر. ذلك أنه لا يقترح، يجب أن نقولها مرارا ، أي معرفة. فلسفته الثانية، التي تختلف بشكل ملحوظ عن أهداف الرسالة (Tractatus)، لا تنوي بناء أي شيء. وظيفته هي التراجع، واحدة تلو الأخرى، عن "التشنجات الذهنية"، على حد تعبيره، التي تنشأ من الأوهام التي ننتشبث بها عن الكلمات، عن استخدامها ، وعن معناها.
الشرط الأول هو الاستماع بشكل مختلف لما يقوله الناس. الفيلسوف، يشرح فتجنشتاين، يشبه المتوحش الذي يستخلص استنتاجات غير متوقعة من جمل عادية. إنه يدرك أن الكلمات ليست على الإطلاق ما نفكر فيه. إنها ليست خزانات للمعنى. ليس لها قبو أو علية. من المستحيل محاولة رفع الستار عن الكلمات لمعرفة ما وراءها. من غير المجدي أخذ مصطلحات لغة مثل الركاز الذي يجب أن يُستخرج منه معدن ثمين.
كل هذه الجهود عبثية، خادعة، مفخخة. ومع ذلك، فإن هذه الجهود هي ما حاولت، على مر آلاف السنين، الميتافيزيقيا والفلسفة القيام به، بألف طريقة.
تمثل الهدف النهائي لفيتجنشتاين دائما في تفنيذ تلك الأسئلة ووضع حد لها. ليس بالقطيعة فجأة ينم توجيه رأسك نحو وجهة أخرى، لكن بالسعي، شيئا فشيئا، لتفكيك كل شيء يجعلنا نعتقد أنه يحتوي على قضايا لا وجود لها فيه.

لخبطة بداهة عادية

طريقته الجديدة غير العادية تضمنت ألعابا. اخترع فتجنشتاين، بالمئات، اسكتشات، مواقف غير محتملة. يبدأ كل منها تقريبا بعبارة "دعونا نتخيل ذلك ..." ، "ماذا سيحدث لو ..." في كل مرة، يكون لاختراع عالم ذي قواعد غريبة وظيفة لخبطة البداهة المعتادة، لجعلنا ندرك أداءها. مثلا: أضع تفاحتين على طاولة، ثم تفاحتين أخريين ، وأبدأ في عدها. في النتيجة، وجدت "3" في محاولتي الأولى، "5" في المحاولة الثانية. ماذا استنتج من ذلك؟ أستنتج أنها مزورة، تفاحات سحرية، أن شخصا ما رتب لي مقلبا سيئا... لكنني لن أستنتج أبدا أن اثنين واثنين لا يعطيان دائما أربعة، أن ذلك يعتمد على الظروف، أو على طبيعة التفاحات. .. ولكن من أين تأتي إلي هذه القناعة؟ ما الذي يجعلني متأكدا من أن 2002 و 2002 هي 4004 (سواء كانت تفاحا أو فيلة أو أي شيء آخر)، على الرغم من أنني لم أقم بالعد وحدة بوحدة؟
إذا كان الأمر يتعلق فقط بفلسفة الرياضيات، فإن قراءة فتغنشتاين تظل من عمل الخبراء، أو لن تكون كذلك.
إن مسألة اليقين، التي تهمنا جميعا، تقع في صميم أعماله الأخيرة، التي يبدو من الأحسن أن نبدأ بها القراءة. اللعبة الأكثر بساطة تمسرح سكان المريخ. يسألون كم أصابع لدينا في القدمين. نجيب بالرقم "10" دون عدها. يستنتج سكان المريخ أن قاطني الأرض كائنات تعرف عدد أصابع قدمها دون أن يعدوها. يتعلق مغزى هذه المسرحية باليقين. هناك عدد من الأشياء التي لسنا متأكدين منها أو متأكدين منها دون أن نسعى إلى معرفتها أو التحقق منها.
والمفارقة هي أن هذا اليقين العملي، الجسدي، الفوري ليس مسبوقا بالتحقيق العقلاني فحسب، بل منسوف به أيضا.
لا أحد يتساءل عن عدد أصابع قدمه. ولا إن كانت يده فعلاً يده. ولا إذا كان العالم حقيقيا بالفعل. فقط الفلاسفة يسألون مثل هذه الأسئلة. فمن الأفضل أن يصمتوا. الهدف من حياة هذا المنظف العبقري صاغه على هذا النحو: أن يصير "روحا أكثر عُريا من أخرى".
عن: les échos



#أحمد_رباص (هاشتاغ)       Ahmed_Rabass#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قمة منظمة شنغهاي للتعاون تنعقد وسط اضطرابات جيوسياسية
- لودفيغ فتجنشتاين المفكر الأكثر تميزا في القرن العشرين (3/2)
- أطروحة كولا دوفلو حول الرواية الفلسفية من خلال كتابه -مغامرا ...
- في حوار مع إدغار موران: يرون معاداة السامية في كل نقد موجه ل ...
- لودفيغ فتجنشتاين المفكر الأكثر تميزا في القرن العشرين (3/1)
- بول ريكور يدعو إلى التفكير في التاريخ
- أبراهيم غالي يحل بكينيا لتنصيب وليام روتو رئيسا جديدا للبلاد
- مبدأ العلة الكافية في مونادولوجيا لايبنتز
- الحرية العلمية والحرية السياسية في البيولوجيا الاجتماعية: نق ...
- الحرب في أوكرانيا: من أجل موقف طبقي أممي (4/4)
- المغرب يتراجع إلى الرتبة 123 برسم 2022 مسبوقا ببلدان تعاني م ...
- الحرب في أوكرانيا: من أجل موقف طبقي أممي (4/3)
- الحرب في أوكرانيا: من أجل موقف طبقي أممي (4/2)
- الحرب في أوكرانيا: من أجل موقف طبقي أممي (4/1)
- النموذج التنموي الجديد: هناك حاجة إلى إصلاح شبه كامل للتعليم ...
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر (الجزء الثامن عشر)
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر (الجزء السابع عشر)
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر (الجزء السادس عشر)
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر (الجزء الخامس عشر)
- وجهات نظر اشتراكية حول الحرب الروسية على أوكرانيا


المزيد.....




- ماذا يعني إصدار مذكرات توقيف من الجنائية الدولية بحق نتانياه ...
- هولندا: سنعتقل نتنياهو وغالانت
- مصدر: مرتزقة فرنسيون أطلقوا النار على المدنيين في مدينة سيلي ...
- مكتب نتنياهو يعلق على مذكرتي اعتقاله وغالانت
- متى يكون الصداع علامة على مشكلة صحية خطيرة؟
- الأسباب الأكثر شيوعا لعقم الرجال
- -القسام- تعلن الإجهاز على 15 جنديا إسرائيليا في بيت لاهيا من ...
- كأس -بيلي جين كينغ- للتنس: سيدات إيطاليا يحرزن اللقب
- شاهد.. متهم يحطم جدار غرفة التحقيق ويحاول الهرب من الشرطة
- -أصبح من التاريخ-.. مغردون يتفاعلون مع مقتل مؤرخ إسرائيلي بج ...


المزيد.....

- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - أحمد رباص - لودفيغ فتجنشتاين الفيلسوف الأكثر تميزا في القرن العشرين (3/3)