أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد الدرقاوي - أنفاسها ترعف طيبا















المزيد.....

أنفاسها ترعف طيبا


محمد الدرقاوي
كاتب وباحث

(Derkaoui Mohamed)


الحوار المتمدن-العدد: 7375 - 2022 / 9 / 18 - 01:26
المحور: الادب والفن
    


وصلته رسالة من ناديا تقول:
سأكون في البيت بدءا من الثانية بعد الزوال ، أترقب زيارتك ..
بعد قيلولة قصيرة خرج من بيته ، كانت الساعة تشير الى الثالثة .. فتح باب شقة ناديا بمفتاح لديه ودخل ، تناهى اليه صوت رشاش الحمام فادرك أن ناديا تستحم كعادتها بعد العمل ، دلف الى المطبخ ليعد قهوة ، ويقمع جوعا داهم بطنه ..
وصلته دندنات ناديا بأغنية أمازيغية كانت يطولا تتوقف عن ترديدها ..
إوا ميمي ،إوا ليللي هذا مكتوب الله.. آيمنو ..
حرك راسه مبتسما ، ناديا حين تدخل تحت رشاش الماء تنسى نفسها ، كما تنسى غيرها، يحملها الماء الى عوالم أخرى ، كم أعاب عليها هذا السلوك فيأتي ردها :
ـ رشاش الماء يقطع علاقتي بالعالم ، أنسى نفسي ، أنسى الآخر ، رشاش الماء البارد متعة حرية ، لاقيود ولا التزامات ، طهر لايدركه الا طاهر لا يقرأ حقيقة الناس الا حين ينسى نفسه تحت رشاش الماء ..
اكتفى بقطعة جبن وإجاصة من الثلاجة ، ثم شرب قهوته.. استحوذت عليه شهوة المزيد فطمع في بقية قهوة تركها في القطارة، وهو يصبها في الفنجان، طوقته يدان من خلفه ، شفاه حطت على عنقه بلثم وتنهيدة حارة، وكأن أنفاسها ترعف طيبا ، تلتها قضمة خفيفة حركت دبيبا في جسده ..قال قبل أن يستديروقد خدرته أنسام الطيب : بالصحة الحمام ، حمام العرس ان شاء الله.
كان متيقنا أنها ناديا وقد استغرب سلوكها . انذهل حين استدار ، فزع وارتعب ، شهقة من صدره أسقطت الفنجان من يده ،هوى الى الأرض، لم يفتح عيونه الا في عيادة ، ممددا على سرير كأنه في حفرة قبر يكاد لا يرى ما حوله ..ماذا وقع ؟..
كل ما حوله باهت من وراء ضباب ترابي لا يكاد يبين ، هل فقد بصره ؟ صوت ناديا يخترق مسمعه ، كلماتها تصله عن قرب ولا يرى منها غير طيف خيال ممتقع، يده تمتد ليلمسها ، قطرات من دمع تحط على يده ،راحتة تتحسس وجهها المبلول، تدنو ناديا منه ، بذراعيها تطوق كتفيه ، تقبل بلهفة يده وخده، تتلمس جبهته ..
تدريجيا شرع يستعيد بصره، كل ماحوله يتوضح ،فاجأته صفرة كالورس على وجه ناديا، وابيضت من خوفها عليه شفاهها بشحوب .. عانقته :
مالك الحبيب شنو وقع ؟ هل أكلت شيئا افقدك وعيك ؟ ماذا تغديت ؟ حرام عليك الحاجة في سفر وأنت وحدك ، هل تحتاج لدعوة ؟ لو كنت في البيت لاستدركت الامر قبل أن تفقد وعيك وتظل مرميا على الأرض .. لن أسامح نفسي ، إصرار النقابة على الغذاء بعد الندوة هو ما أخرني ،كان يلزم ان أخبرك بغيابي ..
استغرب ، وفي دوامة من الأسئلة غرق !! .. من ارسل رسالة الوات ساب اذن ؟ وهل من عانقته من خلف ثم قابلته بوجه باهت ، ولثمت عنقه ثم عضته هي نفسها من سمعها تغني تحت رشاش الماء ؟
اخرج هاتفه يراجع رسائل ناديا ، لارسالة منها هذا اليوم .. اين دعوتها التي وصلته صباحا ؟ اخفى على ناديا حقيقة ما وقع فقد يصيبها الفزع في بيت تقيم فيه وحيدة ،حتى خادمتها سافرت لتحضر ولادة بنتها ..
سألها عن الساعة؟ قالت : السابعة مساء ، ألحت عليه أن يبادر بمهاتفة الحاجة زوجته لانها طلبته مرتين .. أخبرتها ناديا أن وكعة قد أصابته لكن وضعه لا يدعو للقلق..
حمد الله ان ابنه كان هنا من يومين وسافرت معه الحاجة للقيام بفحوصات ، "ستتوهم أني قد بالغت في تناول السكريات فارتفع السكرفي دمي .."
هاتفُ ابنِه لم يتوقف ، كان قلقا ، متهما أن الحاج ربما بالغ في أكل الفواكه أو المقليات ، فهو يعرف عشقه للفواكه واقباله عليها بنهم دون مراعاة لصحته .. كان يتقبل اتهاماته بالصمت بعد ان لم يقتنع أنه لم يتناول فاكهة ولا سكرا ولا مقليا ، بل لم يتذوق أكلا طيلة النهار ..
تصر ناديا ألا يعود الا معها ولبيتها ،رضخ خوفا على نفسه من المبيت وحده وعليها من أن تظل بمفردها بلا أنيس ، صرة الغيم من عيونها لم تتوقف عن فتق بين حين وآخر، كانت تلح بسؤال بعد آخر في معرفة ما وقع بالضبط.. اقتصر عشاءه على قطعة جبن ونصف موزة رغم بطنه الذي يغرغر من جوع ..
ألحت أن تنام بجانبه ،وأن تشاركه السرير حتى ترعاه وهي مطمئنة عليه طيلة الليل ؛ كانت لا تتوقف عن تقبيل يده ، كلما سرقته غمضة وصحا وجدها متكومة بجانبه، يدها على ذراعه ترتعش كعاشقة متيمة تغرز عيونها في وجهه .. كان يتمعن فيها ، هل هي حقا ناديا أم غيرها ..
بعد انقشاع غبش الفجر فتح عينيه بعد نومة عميقة وجدها تنحني عليه ، هي نفسها ، بنفس لباسها الأبيض المطرز بالذهبي ونفس مساحيقها الباهتة ، لكن هذه المرة تركت شعرها الكستنائي المخضب بالشيب ينسدل على وجهه ، اهتز جسمه، وفيه سرت قشعريرة جمدت أطرافه ، جف حلقه وصار كبئرمعطلة يهم بالصياح فلا يستطيع .. تضع يمناها علي فمه وبيسراها تضغط على صدره ، يغمض عينيه ، فالنظر لعينيها استلاب لوجوده،على مسامعه لا يتردد غير همسها ووجيب صدره بدقات تكاد تكسر اضلعه :
ـ اهدأ، لماذا تهتز هكذا ؟ ألا تريد أن أزورك ؟ قلبي معك كما كنت دوما معك ، من أجلك أنا هنا ، شوقي لك حارق ، وأنت ؟ من عني قد غيرك ؟ أعلم أن ناديا تحبك ، كم أغارمن حبها لك!! .. فلايملأ دنياها غيرك ..قد تتنازل عن العالم أجمع وتبقى منها قريبا ، هل تعلم أني سعدت بلم الشتات بينها وبين ابنائك، أنت قدمت لها البرهان على ما كنت احكيه عنك من نبل ووفاء ، وقلب يسع الكون ..صرت لها قدوة رجولة ياحبيبي ..ناديا عازمة على فك خطبتها مع الدكتور ؟ بدأت تتدمر من تدخلاته في شؤونها المادية، يريد أن يقتح عيادة في فاس ويغريها ببيع عيادتها والانتقال معه ، يحرضها على بيع عمارة أغادير والقيام بمشروع في فاس مع مساعدته على فتح عيادته وتجهيزها ، ناديا تكره أن تترك أغادير وتحط الرحال في مدينة لست فيها ، وقد ساءها جدا أن يسمح لنفسه باقتراح صديق له لشراء العمارة ..
يحس أنه يتضاءل فيغمض عينيه ،شفاهها على خده تقضم نفس العضة بتلذذ غريب.. ما عاد يسمع لها صوتا ، فقد طوته غيبوبة أفاق منها ونورالشمس يخترق الستائر،
على صوت ناديا يغمرها الحبور فتح عينيه وهي تمسد شعر رأسه ثم تهوي على جبهته بقبلة وتداعب وجهه بقرصة خفيفة :
ـ لا تقلق نفسك ارتح ،صورك وصلت الى كل إخوتي والكل عليك مطمئن ، حتى شخيرك قد سمعوه مسجلا، متى أحببت الفطور فأنا بجنبك ، لقد جلبت لك كعكعات محشوة ساخنة مما تحب وتفضل ..
سألها : هل خرجت ؟
ـ طبعا خرجت ، اعرف حبك للكعكة الصباحية الطرية المحشوة بلوز ..
أغمض عينيه ، يستعيد مارأى ، لم يسمع من يطو الا ما يستشعره من تعلق ناديا به ، وما حفر في صدره جراء هواجس غربتها التي شغلته بتفكير ، أما فك خطبتها فهو الأثر الذي تلمسه حين سال ناديا عن خطيبها فقالت : أولاد عبد الواحد كلهم واحد وقفلت الحديث ..حز في قلبه أن تعاود فشلها ؛هل يكون حظها كحظ جدتها بلا رفيق عمر يحميها بلا طمع ولا يد فوقية ؟ إذا كانت جدتها قد اختارت وحدتها وعليها صممت وفاء بحب وعهد ، فاختيار ناديا ناتج عن تعسف رجل أفهموه الدين سلطة فوقية يمارس بقواعدها الضرب والاستحواذ واملاء ميزة الذكورة .. تذكر نصيحة ابنه عن أخ زوجته بعد الخطبة :
الدكتور ابن عائلة، مجد وماهر لكن تخالط نفسه أنانية و بعض من كبر، وحب للسلطة عليها تربى، حاول أن توصي ناديا الا تتعجل في كتب كتاباها حتى تكون على يقين من احساساتها نحوه ..
فتح عينيه يتابع ناديا وهي جذلى تقول :
ـ ابشر أيها الشيخ العجوز اليوم لك ،اقضيه بطوله معك ،هدية لأحب وأعز رجل في عمري، لن افتح عيادتي اليوم ،عطلة يوم من أجلك ..
ينتظرك بعد الفطور حمام ساخن تطرد به برد ركبتيك ، وعطرهو غيرما كانت تختاره لك يطو، أقل حدة مما تعودته، هادئ ومنعش، ثم غذاء في الزمردة الزرقاء، استعدادا لرقصة شايب وشابة في حفلة أنت مدعو لها بليل ويبدو انك نسيتها ..أظنك تحب الرقص ، أم الشيخوخة أنستك شبابك ..
ـ حفلة أية حفلة ؟
ـ ألم أقل لك نسيتها ؟ حفلة زواج مساعدتي ..
ـ صحيح والله غابت عن بالي ، يلزم أن أشتري لها هدية ..
ـ قمت بالواجب ،والهدية جاهزة ..
أريد أن تستعيد عافيتك ، وتعيش حياتك .. اليوم ستبدأ مهمتي معك، فلسفة جديدة تجبر دواخلك ، وتشعل قناديل سراديبك مخك ، أريد أن تضيء باطنك بالحقيقة ، وتقلع عنك غلالات الخيال التي تراخيت أمامها بتسليم وضعف و تركتها تتلبسك ، عرفتك دوحة خضراء قوية ويلزم أن تعود .. انا والحاجة واخوتي جميعا لك سقيا ، فأنت بنا محصن من الانتهاك ولن يستطيع أي كان تمزيق صلابة صارت حجبا من هشاشة تطويك وما كنت تعرفها ..هيا الحقني على المائدة ياطفلي العجوز ..
أدرك أن ناديا شمس ثقبت الهواجس التي في رأسه، بعد قراءة دقيقة متأنية أسالت عصارة خيالاته ، وعقدت العزم على أن تخرجه من جلباب يضيق به خناقه يوما بعد يوم ...



#محمد_الدرقاوي (هاشتاغ)       Derkaoui_Mohamed#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لحمة الشتات
- جمع الشتات : المقطع ماقبل الأخير من انغماس
- لحمة : المقطع الثالث من انغماس
- مرايا بيتنا
- مضيف قريب
- قناديل الوجع (التمفصل الثاني من قصة انغماس)
- موزونة ديال الجاوي تبخر المدينة
- هل حقا ماتت ضحى ؟
- يد رفضت أن تكون سفلى
- أمر سلطوي
- انغماس
- من تكون سناء؟
- جمرات تحت الرماد
- شوق
- لو نلتقي
- من سجني سميتك أنثى
- من قطر فيك فاسد العسل ؟
- فيك جمعت عشقين
- -درب جا ونزل-
- جمرة ملتهبة


المزيد.....




- كبير مخرجي RT العربية يقدم دورة تدريبية لطلاب يدرسون اللغة ا ...
- -المواسم الروسية- إلى ريو دي جانيرو
- تامر حسني.. -سوبرمان- خلال حفله في عيد الأضحى
- أديل بفستان لمصمم الزي العسكري الروسي
- في المغرب.. فنان يوثق بقايا استعمارية -منسية- بين الأراضي ال ...
- تركي آل الشيخ يعلن عن مفاجأة بين عمرو دياب ونانسي عجرم
- أدب النهايات العبري.. إسرائيل وهاجس الزوال العنيد
- -مصافحة وأحضان-.. تركي آل الشيخ يستقبل عمرو دياب في الرياض و ...
- -بيكاسو السعودية-..فنان يلفت الأنظار برسومات ذات طابع ثقافي ...
- كتبت الشاعرة العراقية (مسار الياسري) . : - حكايتُنا كأحزان ا ...


المزيد.....

- الكتابة المسرحية للأطفال بين الواقع والتجريب أعمال السيد ... / الويزة جبابلية
- تمثلات التجريب في المسرح العربي : السيد حافظ أنموذجاً / عبدالستار عبد ثابت البيضاني
- الصراع الدرامى فى مسرح السيد حافظ التجريبى مسرحية بوابة الم ... / محمد السيد عبدالعاطي دحريجة
- سأُحاولُكِ مرَّة أُخرى/ ديوان / ريتا عودة
- أنا جنونُكَ--- مجموعة قصصيّة / ريتا عودة
- صحيفة -روسيا الأدبية- تنشر بحث: -بوشكين العربي- باللغة الروس ... / شاهر أحمد نصر
- حكايات أحفادي- قصص قصيرة جدا / السيد حافظ
- غرائبية العتبات النصية في مسرواية "حتى يطمئن قلبي": السيد حا ... / مروة محمد أبواليزيد
- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد الدرقاوي - أنفاسها ترعف طيبا