|
السقوط الأخلاقي للنظام الجزائري ونخبه وأبواقه
محمد إنفي
الحوار المتمدن-العدد: 7371 - 2022 / 9 / 14 - 04:33
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لا يحتاج المرء إلى مجهود ذي بال لإثبات السقوط الأخلاقي المدوي للنظام الجزائري ولنخبه وأبواقه. فلأمثلة على ذلك لا حصر لها. ويكفي استحضار ثلاثة أمثلة طرية الحدوث، يحضر فيها النظام في شخص الوقح عمار بلاني، والإعلام في شخص المنحط بن سديرة والعميل الدراجي وغيرهما؛ ويحضر النظام أيضا وأبواقه في الشحن الذي مورس على الناشئين في شخص الفريق الوطني الجزائري لكرة القدم لأقل من سبعة عشر سنة. فأن يتهجم الوقح عمار بلاني على المغرب بتصريحات مليئة بالقذارة والنذالة، وحبر بلاغ وزراء الخارجية العرب، بمن فيهم الوزير الجزائري، لم يجف بعد، فهو دليل قاطع على أن الرجل مخبول ومهبول، ساقط الأخلاق، عديم المروءة، فاقد التمييز؛ ذلك أن بلاده، بالكاد، استطاعت أن تحصل على الموافقة من طرف وزراء الخارجية العرب على تاريخ انعقاد القمة العربية التي تلهث وراءها الجزائر. ولم تحصل هذه الأخيرة على تلك الموافقة إلا بعد أن طأطأت الرأس وخضعت لشروط المغرب؛ وبدون ذلك، ما كان للدول العربية الشقيقة أن تقبل بانعقاد القمة المنتظرة في الجزائر. وبعد رفض الجامعة العربية لتصريحات عمار بلاني المسيئة للمغرب، تمت تنحية هذا الأخير من منصبه الذي أُحدث له خصيصا ليجعل منه منصة للدعاية الجزائرية ضد المغرب. فهل يمكن اعتبار إزاحة هذا البوق مؤشرا على التحول الإيجابي تجاه المغرب؟ يجب أن نكون على قدر كبير من السذاجة حتى نعتقد ذلك. فعقيدة العداء للمغرب أصبحت راسخة لدى النظام وإعلامه ونخبه وجزء لا يستهان به من الشعب الجزائري الذي وقع في فخ النظام وأبواقه الدعائية والعدائية. لذلك، أرى أن التساؤل الذي طرحه الأستاذ عبد الحميد جماهري، مدير النشر والتحرير في جريدة "الاتحاد الاشتراكي"، في عموده "كسر الخاطر" ليوم الاثنين 12 شتنبر 2022، تحت عنوان "هل الجزائر جادة فعلا في القمة؟"، يبقى واردا؛ ذلك أن الوضع الداخلي للنظام نفسه مثير للتساؤل ويستوجب الحيطة. فالبليد المعتوه عمار بلاني (وأسمح لنفسي بنعته بهذا الوصف؛ وهذا ليس سبا أو شتما وإنما هو مجرد وصف لحالة تؤكدها كل تدخلاته ضد المغرب) قد يكون ينفذ تعليمات جهة ما في النظام، تبحث عن ذريعة لتأجيل القمة مرة أخرى أو للتنصل منها، خصوصا وقد راج في بعض المنابر الإعلامية الدولية أن الملك محمد السادس عازم على حضور أشغال هذه القمة. وقد لا يتعدى الأمر كون الرجل فقد الصواب والتمييز بفعل الصفعة القوية التي تلقاها وفد بلاده في الاجتماع الوزاري الأخير لمجلس الجامعة العربية، فلم يعد يميز بين ما يمليه عليه واجب التحفظ وبين ما يدفعه إليه بركان الحقد الذي يحمله في قلبه للمغرب، فراح يهذي بكلام ساقط، مسيء ليس للمغرب فقط، بل وللدول العربية التي تقف إلى جانب المغرب في قضية وحدته الرابية. الحدث الثاني يتمثل في الحملة المسعورة القذرة التي تخوضها الأبواق الإعلامية الجزائرية ضد الناشطة السورية "ميسون برقدار". وقد وصل بهم الأمر إلى تهديدها بالتصفية الجسدية، ناهيك عن محاولة النيل منها ومن كرامتها وأخلاقها. والسبب، هو أنها كشفت عمالة المدعو حفيظ الدراجي للنظام السوري والنظام الإيراني، وفضحته أمام الرأي العام العربي والإسلامي. وقد تداعت عليها (وعلى فيصل القاسم) الأبواق الجزائرية كما تتداعى الأكلة على قصعتها؛ وذلك دفاعا عن العميل القذر حفيظ الدراجي. أما الحدث الثالث فيعطي للسقوط الأخلاقي طعما أكثر مرارة لخطورته على الناشئة وعلى المستقبل في بلاد الكابرانات؛ ويتمثل الأمر في الأحداث المؤسفة التي قام بها لاعبو الفريق الوطني الجزائري لأقل من سبعة عشر سنة ضد نظرائهم المغاربة في نهاية المباراة التي جمعتهم بالجزائر يوم الخميس 8 شتنبر 2022 برسم نهائي كأس العرب في كرة القدم للناشئين. لقد انتهت المباراة بفوز المنتخب الجزائري على نظيره المغربي بركلات الترجيح، بعد انتهاء الوقت الأصلي بالتعادل بهدف لمثله. وبعد صافرة النهاية، اعتدى لاعب جزائري على حارس المرمى المغربي، فاندلعت أحداث شغب في الملعب بعد دخول الجمهور، استهدفت الأشبال المغاربة الذين تعرضوا للركل والرفس؛ ناهيك عن السب والشتم والقذف. ولا يمكن للمرء إلا أن يتساءل: ماذا كان سيحدث لو أن الفريق الجزائري خسر الكأس؟ هذا، وقد وصفت الرسالة الاحتجاجية للجامعة الملكية المغربية إلى الاتحاد العربي لكرة القدم تلك الأحداث بالاعتداءات الوحشية، مستغربةً الغياب التام للأمن "في حضور جماهيري غفير وظروف مشحونة قبل وأثناء المباراة". وتحمل هذه الإشارة إلى الشحن رسالة قوية. أمام كل هذه القذارة والحقارة، كل هذه الخسة والدناءة التي تكشفها الأمثلة الثلاثة الواردة أعلاه، يصعب على المرء، مهما كان شديد الشكيمة وقوي العزيمة، أن يحافظ على رزانته وهدوئه وتوازنه أمام أناس غير أسوياء خُلقا وفكرا، أناس جُبلوا على الغدر والخيانة وعلى الإساءة للغير؛ لذلك، فهم غير قادرين وغير قابلين للتغيير، إلا للأسوأ؛ وهذا ما يحدث في جزائر اليوم. فالشحن الذي قام به النظام الذي يعتبر كل لقاء رياضي مع المغرب، هو بمثابة معركة وليس مجرد لعبة، لم يكن لينتج إلا ما رأيناه من وحشية وغياب الروح الرياضية. شخصيا، لم تعد تستهويني الكاتبة عن الجزائر، نظاما وإعلاما ونخبا؛ ذلك أنني لم أعد أجد لا متعة ولا فائدة في ذلك؛ ولا أكتب إلا من باب الواجب؛ إذ من الصعب ومن غير المقبول أن أمسك عن الكتابة وجيش من الأغبياء التافهين، الغارقين في جهلهم وجهالتهم، الفخورين بغبائهم وبفقرهم الفكري والثقافي...يتطاولون على بلادنا وعلى رموزها وتاريخها وتراثها. صحيح أن الكتبة عن مثل هؤلاء لا تجعلك تستمتع بما تكتب أو تشعر بالارتياح وأنت تكتب، لدرجة أنني عبرت عن ندمي على ما أضعته من وقت في صياغة رسائل مفتوحة موجهة إلى النظام الجزائري، آملا أن تصادف عقلاء يفكرون في المصير المشترك. وقد عبرت عن هذا الندم في آخر رسالة مفتوحة، أعلنت فيها عن التوقف عن استعمال هذه الوسيلة التواصلية بعد أن حصلت لي القناعة بأنني أخاطب أغبياء عقولهم مقفولة ومتحجرة. وهكذا أحجمت عن كتابة الرسائل المفتوحة. لكنني لم أكف عن الكتابة. وقد نشرت مقالات تحليلية عن غباء النظام وغباء نخبه وإعلامه. غير أن الكتابة عن الأغبياء والتافهين غالبا ما تجعلك تتقزز وتشمئز مما تكتب لأنك كثيرا ما تكون مضطرا للنزول إلى مستواهم ومسايرتهم في أسلوبهم الذي لا يفهمون غيره. وفي هذا مغامرة محفوفة بالمطبات؛ فقد تُفقدك الكتابة عن هؤلاء هويتك وتميزك، وبالتالي شخصيتك؛ إذ المقام قد يَضْطرُّك إلى إدمان الضحالة والرداءة، وإلى الإغراق في الهُزال الفكري والثقافي والأخلاقي. أليس العرب من قالوا: "لكل مقام مقال"؟ فبأي أسلوب يمكن أن تتناول ما يتناهق (من النهيق) به أمثال عمار بلاني وصالح فوجيل والدكتور محمد بن خروف وآخرون كثر في موضوع المغرب وقضيته الأولى؟ وبأي أسلوب يمكن أن تتفاعل مع حثالات الإعلام الجزائري، أمثال حفيظ الدراجي، سعيد بن سديرة، مصطفى بونيف، الشيخ النوي، وغيرهم كثر، وهم يتحاملون على "المروك" أو يتهجمون على الناشطة السورة "ميسون برقدار" وعلى الإعلامي فيصل القاسم؟ كيف يمكن أن تحافظ على مستواك وأنت تكتب تفاعلا مع أناس، تأففت قبل هذا اليوم من ذكر أحدهم بلاسم؟ فلأول مرة أضغط على نفسي لكتابة أسماء المنحطين، التافهين، السفهاء حفيظ الدراجي، سعيد بن سديرة، مصطفى بونيف، الشيخ النوي، ولا أريد أن أزيد، فأمثال هؤلاء كثر حتى من خارج الإعلام. وحتى النخبة في الجزائر مضروبة إلا من رحم الله. وأقصد بالنخبة، هنا، كل من يحمل لقب دكتور أو باحث أو خبير أو محلل سياسي واقتصادي أو غيره من الألقاب العلمية التي لا نجد لها تأثيرا في شخصيتهم؛ إذ في الجزائر، لن تجد في الذين يدورون في فلك النظام، فرقا لا بين الخبير والغفير، ولا بين الدكتور الباحث والوزير، ولا بين المغني والبرلماني...عندما يتعلق الأمر بـ"المروك". فكلهم يحقدون على المغرب وعلى كل ما هو مغربي؛ وكلهم مخدوعون بشعارات النظام ويرددون أكاذيبه؛ كلهم يعانون من مركب النقص تجاه المغرب كما يعاني منه النظام؛ كلهم يعتنقون عقيدة العداء للمغرب التي زرعها فيهم النظام العسكري منذ عهد "بوخروبة". خلاصة القول، كلهم يتقاسمون نفس العاهة التي ليست بالضرورة وراثية؛ بل في غالب الأحيان مكتسبة. وأقصد، هنا، الغباء. وقد سبق لي أن أعطيت أمثلة على ذلك في مقال بعنوان "الغباء عاهة تشل تفكير نخب النظام الجزائري" (انظر "الحوار المتمدن"، الموقع الفرعي لـمحمد إنفي). ويظهر هذا الغباء جليا في النظام وفي أبواقه، نخبا كانوا أو رعاع، في ترديدهم لكلام فارع من قبيل الجزائر قوة قاهرة، قوة ضاربة، الجزائر دولة عظمى، دولة قارة، دولة كوكب، جيشها أكبر جيش في أفريقيا... بينما العالم يشهد أن الشعب الجزائري مقهور ماديا، بحيث يعيش في الفقر المدقع رغم ما للجزائر من ثروات طبيعية؛ ومقهور معنويا لكونه محروم من عدة حقوق، بما في ذلك حرية التعبير وحرية التظاهر، الخ.
#محمد_إنفي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
رسالة مفتوحة إلى السيد الأمين العام للأمم المتحدة والسيد رئي
...
-
ماذا يعني أن تتقاطع تقارير استخباراتية فرنسية مع توصيات دراس
...
-
الجزائر تعود لديبلوماسية الشيكات وسياسة الابتزاز
-
رسالة مفتوحة من مواطن مغربي إلى السيد قيس سعيد رئيس الجمهوري
...
-
عقدة المغرب أحالت الإعلام الجزائري إلي مارستان للعاهات النفس
...
-
رسائل بنكيران حول بلاغ وزارة الخارجية المغربية، موجه لمن؟
-
الغباء عاهة تشل تفكير نخب النظام الجزائري (تتمة)
-
الغباء عاهة تشل تفكير نخب النظام الجزائري
-
ما حظ -الشيخ- عبد الإله بنكيران من الأخلاق الإسلامية؟؟
-
مكناس من فرساي المغرب إلى باريس الصغرى فالقرية الكبرى
-
إلى السيد عبد المجيد تبون، رئيس الجمهورية الجزائرية الديمقرا
...
-
رسالة مفتوحة من محمد إنفي إلى السيدة حسناء أبو زيد: -كِيفْ ج
...
-
تفاعل على تفاعل مع مقالي -لا حاجة للاتحاد الاشتراكي بغثاء ال
...
-
مأساة ريان والدروس الممكن استخلاصها من الحادث
-
المؤتمر الوطني الحادي عشر: إبداع، تحدي، ثم نجاح؛ ولا عزاء لل
...
-
الصحافي حميد المهداوي في دور النائحة المستأجَرة ومهمة حفار ا
...
-
لا حاجة للاتحاد الاشتراكي بغثاء السيل وسقط المتاع
-
دولة الجزائر ودولة المغرب بين الاسم والمسمى
-
عودة إلى المؤتمر الوطني التاسع للاتحاد الاشتراكي
-
هل أتاكم حديث الوزير الذي أحدث ضجة إعلامية بفقاعاته الكلامية
...
المزيد.....
-
-عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
-
خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
-
الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
-
71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل
...
-
20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ
...
-
الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على
...
-
الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية
...
-
روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر
...
-
هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
-
عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|