|
الفلسفة و الحرب و السلم
علي فضيل العربي
الحوار المتمدن-العدد: 7363 - 2022 / 9 / 6 - 17:35
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
هل فشلت الفلسفة المعاصرة في حماية الإنسانيّة من الحروب المدمّرة ؟ ماذا جرى لفلاسفة عصرنا ؟ هل تخلّوا عن رسالتهم الإنسانيّة الساميّة ؟ أم إن الفلسفة قد تحوّلت إلى أداة إيديولوجيّة منحرفة ؟ غريب - حقا - ما يحدث في عصرنا ، خاصة في القرنين الأخيرين . لقد خاض الإنسان فتوحات علميّة جبّارة ، و خطا خطوات عملاقة في عالم التكنولوجيا و الرقمنة ، حتى أصبح كوكبنا الأرضي شبيها بقرية صغيرة في ظلّ العولمة . لكن بالمقابل ، خسر الكثير من المباديء الأخلاقية ، و تجرّد من الروح الإنسانيّة ، و من الرحمة و الرأفة بنفسها . طغى على عقله التفكير الفلسفي المادي ، المجرّد من الروحانيات المهذّبة ، و تسيّدت مشاهد العنف الدموي . ما يحدث من حروب داميّة و قذرة ، كالحرب الدائرة بين روسيا و أوكرانيا ، و الحروب الأهليّة في سوريا و اليمن و ليبيا و مناطق الساحل الإفريقي ، و غيرها ، دليل دامغ على فشل الفلسفة المعاصرة في كبح جماح الشرّ في الإنسان المعاصر . و هاهو الإنسان المعاصر( المتحضّر ) في الغرب و الشرق ، ينفق المال و الجهد و الوقت ، و يسرف في استهلاك ثروات الأرض ، من أجل إنتاج السلاح التقليدي و النووي و البيولوجي و الكيماوي ، دونما تعقّل و بصيرة . و كأنّ هذا الإنسان المعاصر ، لم بتعلّم من حوادث التاريخ القديم و الحديث ما يغنيه عن صنع وسائل الدمار . و لم يستوعب الدروس القاسيّة ، و لم يتعظ من الكوارث الماضية التي أصابت البشريّة في مقتل ، رعونة الإنسان و تهوّره . و لو قرأ الإنسان المعاصر تاريخ البشريّة ، بتمعن و تأمّل ، لأدرك حجم الخطر الذي يتهدّده جرّاء هذه الفلسفة المعاصرة المبشّرة بعصر حضاريّ مرقمن ، على حدّ زعم العلماء و الباحثين في مخابر الموت . و كان من واجب الفكر الفلسفي المعاصر ، أن يعيد للإنسان فطرته و إنسانيّته و رسالته . و يخرجه من دوائر الصراع الدموي ، و مربعات الكراهيّة و التنابز السياسي و الثقافي المفضي إلى الدمار النفسي و المادي . و كان لا بد من التطهّر من الأفكار المميتة ، التي حملتها لنا فلسفة القرون الوسطى ، و القرون النهضة الصناعيّة اللاحقة . ما هو الهدف من كل هذه الأسلحة التقليدية و النووية المدمّرة للبشر و الطبيعة ؟ أهناك عدو خارجيّ يهدّد كوكبنا . كلا ، إنّ العدو الحقيقي هو الإنسان نفسه . هو عدو ذاته ، هو المعتدي و الضحيّة معا . لقد أهدر الإنسان المعاصر آلاف الساعات من عمر البشريّة ، و هو يبحث عن وسائل القتل و الدمار، و خوض الحروب تلو الحروب . و فشلت المنظمات الدوليّة ، السياسيّة و الحقوقيّة في منع اندلاع الاقتتال بين الإنسان و أخيه الإنسان . و من نتائج تلك الفلسفة الساديّة ، وقع الإنسان في المحظور .
فقد قتلت قنابل النابالم الحارقة ، و قنابل الغازات السامة ، و قنبلتا هيروشيما و ناكازاكي ملايين المدنيين الأبرياء ؛ من أطفال و نساء و شيوخ ، دونما ذنب اقترفوه ، و دمّرت الحجر و الشجر ، و شوّهت الطبيعة ، و أجهضت التطوّر الحياة الآمنة في أحضانها . لماذا فشلت الفلسفة المعاصرة في زرع الأفكار السلميّة الهادئة ، و ترشيد عقل الإنسان المعاصر و تهذيب سلوكه تجاه أخيه الإنسان ، و تربيّته على المباديء الأخلاقيّة الساميّة ، التي تحرّم العنف و القتل و السلب و النهب ، و تجرّم العبوديّة و الغزو و الإرهاب ، مهما كانت الدوافع و الغايات . و أنتجت المدارس الفلسفية الغربيّة و الشرقيّة ، الماديّة و المثاليّة ، على حدّ سواء ، إنسانا إيديولوجيّ التفكير و السلوك و الغاية . استولت عليه التصرّفات البراغماتيّة الضيّقة . و أمسى السلم العالمي في دوامة الخطر المحدق بالإنسان من كل الجهات . و ها هو الإنسان المعاصر ، في الشرق و الغرب و الشمال و الجنوب ، يعيش في كوابيس القلق و الهلع ، و تحت مسطرة التهديد و الوعيد . و لعل أخطر ما يهدّد السلم العالمي ، و الوجود البشري و الحيواني ، هو التسابق لانتاج السلاح النووي و البيولوجي و الكيماوي امتلاكه ، و اتخاذه كوسيلة للتهديد و الردع و الوعيد . و الأغرب ، بل و الأبشع ، هو سعي بعض الدول المصنّفة في خانة دول العالم الثالث أو الرابع إلى اقتحام المجال النووي ، على حساب شعوبها المضطهدة ، سياسيا و اقتصاديا و ثقافيا . إنّه لأمر عجيب ، أن نجد بعض الأنظمة السياسية المفلسة فلسفيّا و إيديولوجيا ، تنفق أموالا طائلة في شراء الأسلحة المتنوّعة ، و تكديسها ، بينا أغلب مواطنيها يعيشون تحت خط الفقر ، و يعانون من نقص حاد في المدارس ، و تخلّف صارخ في النظام التعليمي ، و غياب ملحوظ في المرافق الصحيّة العامة و الخاصة ، و يعانون ، أيضا ، من أزمات خانقة ، كالبطالة و السكن و العنوسة و الأمن الغذائي و تدهور الطرقات و المسالك و غيرها . إنّه لمن واجبنا التذكير ، أنّ المواطن العادي ، في دول الجنوب ، يفتقد يعاني من سوء التغذية ، و يفتقد الدواء عند الحاجة ، و هو معرّض للكوارث الطبيعيّة دون إعذار أو إنذار ، مثل الفيضانات و الحرائق . بينا المسؤول السياسي ، قد استحوذ على الامتيازات كلّها ، فقد يمارس سلوكا رأسماليا متوحشا ؛ فهو يعالج في أحسن المستشفيات في أوروبا ، و يقتني أشهى المأكولات و أغلاها ، و صاحب أجرة عالية و امتيازات اجتماعيّة ، كما يقترف جرائم النهب و السلب و السرقة و الاختلاس و الرشوة ، و لا يخشى من سلطة القانون ، و سيف العدالة ، لأنّ هذه الأخيرة مغمضة العينين عنه . و لم ينج من الهوس الإيديولوجي الرأسماليّون الجدد ، و لا الشيوعيّون الذي ورثوا الفكر الماركسي ، و انتحلوا ثورة البلاشفة بقيادة الزعيم البلشفي لينين ، و من بعده قائد الثورة الصينيّة ماو سي تونغ ، و لا زعيم كوبا فيدال كاسترو ، و زعيم يوغسلافيا الاشتراكية ، تيتو ، و غيرها من الأنظمة المولعة بالفكر الشيوعي ، و بالنموذج الاشتراكي في إفريقيا و أسيا و أمريكا اللاتينيّة ، و المنضويّة تحت تكتّلات سياسيّة و اقتصاديّة و عسكريّة ، مثل دول عدم الانحياز و حلف وارسو . لقد كانت أهداف الفلسفة الاشتراكيّة ذات طابع اجتماعيّ بحت ، و من أجل كبح جماح تغوّل الرأسماليين و تحقيق العدالة الاجتماعية و إعادة توزيع الأراضي الزراعية على من يخدمها ، رغم الانهيار الذي حدث على يد ميخائيل غورباتشوف ، آخر بلشفي عنيد ، كما وصفه رئيس الولايات المتحدة الأمريكيّة ، و سقوط جدار برلين عام 1989 م ، ثم انقسام الاتحاد السوفييتي إلى جمهوريات مستقلّة ، ثم تفكّك المعسكر الاشتراكي . أمّا المعسكر الغربي الرأسمالي ، الذي شُيّد مستندا على أفكار زعماء الفكر الرأسمالي ، كجون لوك و تورغو وآدم سميث و دافيد هيوم و دافيد ريكاردو و غيرهم ، فقد قادته الفلسفة الغربيّة ، و أغرقته في التوحّش السياسي و الاقتصادي و العسكري من خلال تطبيق نظامي الكارتل و الترست . و نتج عن ذلك التطرّف الرأسمالي صراع طبقي مؤلم ، و حروب دموية ، لا تكاد تنتهي ، أهلكت النسل و الحرث . و عرضت أمما و شعوبا إلى الفناء . أمّا آخر الحيّل الرأسماليّة المبتدعة – من أجل الاستيلاء على ثروات شعوب الجنوب - فهي ظهور الفكر العولمي ، و التبشير بنظام تقوده قاطرة العولمة السياسيّة و الثقافيّة و الاقتصادية بفكر غربيّ أحاديّ متوحّش . إذن ، لنتفق أو لا نتفق ، فإنّ الفلسفة المعاصرة ، لم تبن للإنسان المعاصر مجتمعا آمنا ، تسوده الأخوة و العدالة و الحريّة ، و لم تحقّق له السلم الاجتماعي و الاقتصادي المتّفق عليه في العقد الاجتماعي . و من هذا المنطلق ، لا بد من إعادة النظر في النظام العالمي الجديد ، و إصلاح المنظّمات الحاليّة ، بدءا بمنظمة الأمم المتّحدة ، و جميع فروعها الأمنيّة و الحقوقيّة .
#علي_فضيل_العربي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قوارب بلا تأشيرة
-
على هامش الصيف
-
ماذا بعد الحرب الروسية الأوكرانيّة ؟
-
وجهة العالم المعاصر . إلى أين ؟
-
لماذا الحرب أيّها العقلاء ؟
المزيد.....
-
إلهام شاهين تعيش الطفولة مع -آخر العنقود- في عائلتها
-
الشرع يوضح موعد أول انتخابات رئاسية في سوريا ورده على من طال
...
-
فرنسا تستعد لمحاكمة طبيب متهم بالاعتداء جنسياً على أطفال تحت
...
-
الحكم على جندي بريطاني سابق بالسجن 14 عامًا بتهمة تسريب معلو
...
-
بوتين يقيل نائب وزير العدل من منصبه
-
سموتريتش: لا يمكن إنهاء المعركة قبل تدمير حماس بالكامل واتفا
...
-
حاكم المصرف المركزي: هكذا تبخر 21 مليار دولار في سوريا!
-
ترامب: حققنا تقدما كبيرا في مسألة حل الصراع بين روسيا وأوكرا
...
-
القضاء المصري يقضي بسجن بريطاني 3 سنوات
-
روسيا.. تطهير أكثر من 350 كيلومترا من سواحل البحر الأسود بعد
...
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|