|
( 2 ) József Attila : الشاعر الشيوعي ، يوسف أتيلا
سهر العامري
الحوار المتمدن-العدد: 1687 - 2006 / 9 / 28 - 10:18
المحور:
الادب والفن
كانت سنوات المدرسة الابتدائية ، التي أمضها الشاعر يوسف أتيلا خلال الحرب العالمية الأولى في مدينة بودابست ، سنوات قحط ، وقلق عاشتها أسرته المعدمة عيشة كفاف وحرمان ، هذا في وقت كانت فيه أمه تغالب مرض السرطان الذي غيبها عن يوسف بعد ذلك ، ووارها الثرى سنة 1919م ، وهو مازال بحاجة ماسة لرعايتها وحنوها ، لكن ما حدث كان على العكس من ذلك ، فقد كان يوسف على صغر سنه هو من يمد لها يد العون والمساعدة ، ما استطاع الى ذلك سبيلا . لقد كان يبيع الماء على رواد سينما ( Világ ) ، ومثلما يكتب هو نفسه ، فقد كان يسرق الحطب ، والفحم من محطة قطارات ( Ferencváros ) ، وذلك من أجل أن يحصل على مصدر لتدفئة دارهم في تلك الأيام السود ، هذا في وقت كان يصنع فيه هو الدوارات الورقية الملونة ليبيعها هو على الأطفال الأكثر رخاء منه ، لكنه بعد هذا تحول حمال ينقل السلال والصناديق للمتسوقة من الناس ، وحين اشتد المرض بأمه عاد من جديد الى لجنة حماية الأطفال الهنغارية ، ليمضي فترة قصيرة تحت رعايتها في مدينة أخرى هي ( Monor ) . عاد هو بعدها الى بودابست ، العاصمة ، من جديد ، ليبيع الجرائد والطوابع في شوارعها ، مثلما يعمل كذلك نادلا في مقهى من مقاهي تلك المدينة تدعى ( Emke ) ، ومع ذلك فقد كان هو في هذا الوقت بالذات حريصا على مواصلة دراسته في مدارس من العاصمة ، بودابست . بعد موت أمه عن عمر ناهز الثالثة والأربعين سنة صار زوج أخته الكبرى:Jolán ، الدكتور : Ödön Makai وصيا عليه ، ولكنه واصل هو العمل في هذه الفترة في ثلاثة قوارب بخارية ، تابعة لشركة أطلانتك للرحلات البحرية المحدودة ، وفي فصلي الربيع والصيف من السنة فقط ، وفي هذا الفترة بالذات أرسله الوصي عليه ، الدكتور : Ödön Makai ودكتور آخر يدعى : Sándor Giesswien الى أحدى المدارس الدينية التي رفضته بعد إسبوعين من الدراسة بها بسبب من أن مذهبه كان كاثوليكيا أغريقيا ، وليس روميا ، بعد ذلك انتقل الى مدرسة داخلية في مدينة ( Makó ) من جنوب شرق هنغاريا ، حيث حصل فيها على مقعد دراسي مجانا ، لكنه كان خلال فصل الصيف يلقي دروسا خصوصية في مدينة أخرى هي (Mezöhegyes ) ، تلك المدينة التي اشتهرت بتربية الخيول المنحدرة من الرس العربي ، وذلك بعد أن قامت فيها مؤسسة لتربيتها سنة 815م . لقد كان عمل الشاعر في التدريس بما يسد به جوعه من أكل ، وما يوفر له قسطا من راحة في نوم ، ورغم ذلك فقد استطاع هو خلال هذه الفترة من اجتياز الصف السادس الثانوي ، وبدرجات نجاح عالية في كل المواد الدراسية ، ولكنه في نفس الوقت ، ونتيجة لنضوجه في السن ، وإحساسه بما يلاقيه من جشوبة العيش ، ومن تعب الكدح ، حاول الانتحار غير ما مرة . في هذا الظرف العصيب ، وفي هذه المأساة المتواصلة ، ومن قلب المعاناة الثقيلة ، واشتداد البلوى ولدت القصيدة الأولى ، وكان الشاعر ساعتها قد بلغ سن السابعة عشرة من العمر ، وقد ظهرت تلك القصيدة ، التي أعلنت عن ولادة شاعر تقاتله ساعات من زمان جائر ، على صفحات جريدة ( Nyugat ) الصادر في العاصمة بودابست . ( لقد أُعتبرتُ الطفل المعجزة ، وما أنا إلا طفل فاقد الأبوين لا غير. ) هكذا كتب الشاعر عن نفسه بعد أن فاجأ الجميع بولادة قصيدة المعاناة تلك . غادر يوسف أتيلا المدرسة الداخلية في مدينة (Mezöhegyes ) بعد أن أنهى الدراسة في الصف السادس منها ، ليعمل في مدينة أخرى هي ( Kiszombor ) فلاحا أجيرا ، وحارسا في مزارع الذرة ، ومعلما خاصا ، ثم قرر ، بعد ذلك ، أن يواصل دراسته في الصف السابع والثامن ، وفي وقت واحد ، وقد استطاع أن ينجز الدراسة فيهما بفارق سنة عن أقرانه السابقين من الطلاب ، وفي هذا الوقت بالذات حُوكم بسبب من قصيدة قالها ، وبزعم من أنه جذف فيها على الرب ، لكنه بُرئ أخيرا من تلك التهمة ، وبأمر من السلطات العليا . بعد ذلك صار الشاعر بائعا للكتب في العاصمة بودابست ، ثم موظفا في أحد المصارف الخاصة الذي عانى فيه من نقص في حماسته للعمل بسبب من أن الموظفين الأكبر منه في السن كانوا يجبرونه على إنجاز جزء من أعمالهم هم ، وفي نفس الوقت الذي يؤدي فيه عمله هو ، كما كانوا لا يتركون فرصة تمر من دون أن يحطوا من شخصيته لما تنشره الجرائد من قصائد له ، كان يكتبها في هذا الوقت ، فالعديد من أولئك الموظفين كان يردد : ( إن الإفلاس سينزل بالمصرف سريعا ) ولهذه الأسباب قرر هو ترك العمل في هذا المصرف ، مثلما قرر أن ينصرف الى الكتابة ، وأن يجد في البحث عن مهنة ترتبطه بالأدب ، فلطالما كانت أمنيته هي أن يصبح مدرسا ، ومن أجل ذلك فقد سجل نفسه في قسم الإنسانيات من جامعة (Szeged) ، ليدرس الأدب الفرنسي والهنغاري بالإضافة الى الفلسفة . لقد درس الشاعر اثنتين وخمسين ساعة في الأسبوع الواحد في تلك الجامعة ، وقد استطاع أن يجتاز امتحان تلك السنة بدرجة امتياز رغم أنه كان يأكل حين تكون لديه مقدرة على شراء الطعام ، بينما كان يدفع أجرة منامه من مردود بيع قصائده الى الصحف والمجلات . ( كنت فخورا جدا حين أوضح البروفسور : Lajos Dézsi من أنني أستطيع أن أزاول البحث مستقلا بنفسي ) هكذا كتب الشاعر عن تقدير استاذ له في السنة الأولى من الجامعة . لكنه فقد الرغبة في الدراسة حينما استدعاه استاذ فقه اللغة الهنغارية في الجامعة نفسها ، البروفسور : Antal Horger ، وذلك بعد أن نشرت مجلة تصدر باسم تلك الجامعة قصيدته : مع قلب نظيف ، وفي حضور شاهدين صارا فيما بعد مدرسين ، ليقول له : على مدى وجوده كإستاذ في تلك الجامعة فإنه لن يسمح له أن يكون مدرسا ، قال ذلك وقد رفع عددا من مجلة ( Szeged ) بيده ، فإنسان يكتب مثل هذه القصيدة لا يمكن أن يؤتمن على تربية جيل قادم . ( يمكن للمرء أن يقول أن ذاك كان من سخرية القدر ، أفي مثل هذا المكان حقا يُقال مثل هذا الكلام ؟ فقصيدتي : مع قلب نظيف ، ذاع صيتها بين الناس ، وقد صارت في الوقت ذاته مادة لسبع مقالات نقدية ، ومرات عديدة وصفها البروفسور Lajos Hatvany : من أنها وثيقة لجيل ما بعد الحرب ، وعنها كتب Ignotus في جريد ( Nyugat ) : بروحه هز ، وداعب ، وناغم ، وغنى تلك القصيدة الرائعة والجميلة . ) هذا بعض مما رد به الشاعر على حرمانه من مواصلة دراسته الجامعية بعد أن حطمت حملة رايات الفكر الرجعي آماله في أن يصبح مدرسا يوما ما ، وبسبب من قصيدة اعتبرها الكثيرون أنها طلائع الشعر الهنغاري الحديث ، ومع كل هذا الشقاء والآم واصل الشاعر الفقير كفاحه بعد أن حل الآن السنة العشرين من عمره ، وبعد أن عقد العزم على هجر المجر ميمما وجهه صوب العاصمة النمساوية ، فينا ، ليدخل في إحدى جامعاتها ، معتاشا على ما يبيع من جرائد يومية خارج مطعم : Rathhaus Keller ، أو على عمله في تنظيف بعض المحلات .
#سهر_العامري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المظلوم الذي صار ظالما !
-
هكذا تحدثت كيهان !
-
الشاعر الشيوعي ، يوسف أتيلأ ( Attila József ) - 1 -
-
هدية إيران للمالكي !
-
تبلور الصراع الطبقي في العراق !
-
للنشر والتوزيع ( Visionmedia ) فيشون ميديا
-
إيران تدق عطر منشم بين شيعة العراق *
-
إرهاصات الانتفاضة الشعبية القادمة في العراق !
-
وما أدرى العجم بالعرب !
-
الصفويون يهددون شيعة عرب البصرة بالرحيل عنها !
-
هاتوا الانقلاب العسكري !
-
المقهى والجدل باللغة السويدية
-
المالكي : القصيدة الرومانسية وصولاغ !
-
رحلة ابن فضلان
-
قتل شيوخ العشائر العربية في جنوب العراق !
-
التابوت*
-
مرأة كان اسمها ميسون *
-
قراءة في رسالة إزاحة الجعفري !
-
نحو حكومة إنقاذ وطني !
-
ما بعد الجعفري !
المزيد.....
-
مداخيل السينما بالمغرب تحقق 12.7 مليون دولار في 2024
-
مكتب نتنياهو يُعلن إرسال وفد إلى الدوحة نهاية الأسبوع لمناقش
...
-
أم كلثوم.. هل كانت من أقوى الأصوات في تاريخ الغناء؟
-
بعد نصف قرن على رحيلها.. سحر أم كلثوم لايزال حيا!
-
-دوغ مان- يهيمن على شباك التذاكر وفيلم ميل غيبسون يتراجع
-
وسط مزاعم بالعنصرية وانتقادها للثقافة الإسلامية.. كارلا صوفي
...
-
الملك تشارلز يخرج عن التقاليد بفيلم وثائقي جديد ينقل رسالته
...
-
شائعات عن طرد كاني ويست وبيانكا سينسوري من حفل غرامي!
-
آداب المجالس.. كيف استقبل الخلفاء العباسيون ضيوفهم؟
-
هل أجبرها على التعري كما ولدتها أمها أمام الكاميرات؟.. أوامر
...
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|