أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أكرم شلغين - بانتظار الغريبة














المزيد.....

بانتظار الغريبة


أكرم شلغين

الحوار المتمدن-العدد: 7351 - 2022 / 8 / 25 - 20:39
المحور: الادب والفن
    


في ساعات تختلط فيها صور قديمة مع نظيراتها الجديدة ينتابني العجز وألهث لأتماسك وأقول أي شيء ولكن عبثاً تبقى محاولة كهذه وفي ساعة العجز هذه تمر الصور أمام ذاكرتي بدون تعاقب منطقي وأحياناً بدون أي رابط بين هذه الصورة وتلك...
كم أحببت الخرافات والأساطير وحكايات الشعوب وأنا طفل صغير! كنت أسمع أسطورة تتردد على ألسنة البشر عن صياد سمك أعطاه البحر كنزاً، فقد ذهب الصياد يوماً إلى البحر ليصطاد وفجأة تهب عاصفة هوجاء وتتعالى الأمواج وتتهادى لتتمخض منجبة حسناء ممشوقة القد سمهرية القوام تنظر للصياد وتبتسم مقتربة منه....ولكنها لا تستطيع الكلام فلسانها يمتد منه زبد شبيه بزبد البحر الذي أنجبها...لم يتمالك الصياد نفسه حيال عدم قدرتها على الكلام فأخذ سكينه واقتطع الزبد العالق بلسانها...وبدأت الحسناء بالكلام وبلهجة ضيعة ذلك الصياد قائلة: "لو تركت ما كان على فمي ولم تقطعه لأغنيتك واغتنى معك أولادك وأولاد أولادك..." تحسر الصياد قليلا على فاته ولكنه واسى نفسه بربح الحسناء التي أحضرها لاحقاً إلى ضيعته وأحضر طبالاً وزماراً معلناً فرحه عليها. وعلقت الدبكة وبدأت صبايا الضيعة يغنون: "عيوش يام ردانا رمان صدرك بانا...عيوش يا عيوشة ياللابسة الطربوشة بدار بيك غوشة ومرساح للعزبانة..." ودبك الرجال حتى تعبت الأرض من خبط أقدامهم.... وليلتها لم يسمع صوت الكلاب تنبح في الضيعة بعد منتصف الليل لأن هدير الدبكة والأغاني والأهازيج أتعبهم ولم يستطيعوا الرقاد حتى الفجر حين سكتت الضيعة وتوقف الاحتفال بعرس الحسناء والصياد....
تزوج الصياد وحسناء البحر... وأنجبا...
في برايتون، حيث أدرس الآن، تذكرت حكاية صيادنا والحسناء حين ذهبت بالأمس إلى متحف كان قصراً للملك جورج الرابع ومن بعده للملكة فيكتوريا. تصميم القصر من الخارج يوضح التأثر بفن العمارة الهندي وأما من الداخل فالمفروشات صينية قديمة والغريب أن جميع الأسقف مليئة بتماثيل التنين متأهباً لمقارعة ما ومن يأتي من السماء وتحت كل تنين بعلو متر إلى مترين عُلّقَت أجراس متلاصقة على حواف الجدران...! وسبب وجود التنين هو لملاقاة الأشباح والأرواح الغريبة التي قد تأتي من السماء، فإن لم يتمكن التنين من مقارعتها وردّها واستطاعت أن تتسلل إلى الأسفل فستصطدم بالأجراس ويصدر رنينا ينبه أهل القصر بدخول الأشباح...!
لم يكن صيادنا ليفكر بخوف من الغرباء ومن الأشباح بطريقة أخرى عن تلك التي أثبتها باصطحابه الغريبة وزواجه منها...لا أعرف إن كان سيفكر بشكل مختلف لو أنه كان يسكن قصراً! ما أجمل صيادنا بانفتاحه وما أصعب العالم بانغلاقه، فإلى قصر الملك في بريطانيا يأتي الغريب على هيئة شبح يحاول التسلل ليلاً وأما في بلادي فيأتيها الغريب في وضح النهار حيث الناس مستيقظون ويتحركون ويذهبون إلى الصيد، يأتيها ومعه الكنوز الوفيرة ولكن الكنوز تختزل إلى كنز واحد هو الغريب نفسه. عرفت أن المرأة كانت في التاريخ البريطاني موقع شك وريبة فهي شريرة وتحتك بالأرواح الشريرة، وقرأت مرة أن أشباحهم كانت كلها إناث فخافوا الأنثى، وغريبتنا البحرية أنثى ولكننا حلمنا بها وصيادنا يمتزج حتى مع المرأة الغريبة ويتزوج منها وينجب، هل تمازجنا مع الغرباء سلبي أم يحمل كل الإيجابية؟ وهل المخلوقات الغريبة تخيفنا أم تبعث فينا روحا جميلة!؟
بعد أن عدت من المتحف إلى البيت قضيت ليلة البارحة ونظري لا ينفك عن التحديق في الجوانب العليا من الجدران متمنياً أن يأتي الشبح في هيئة امرأة... وحقي أن أفكر بذلك خاصة أن غرفتي في أعلى المنزل والسقف هرمي الشكل وهناك متسع للشبح لتتسلل عبر القرميد...كم أنا فرح لأنه لا يوجد تنين ليعارك قادمتي ولا أجراس لتخيف مؤنستي وتنبه إلى قدومها...سأستقبلها بالفرح. لدي تشوق كبير وشغف لأقابلها! لو تأتي الشبح الغريبة لأقول لها ما قاله شاعرنا:" ...إنا غريبان ههنا وكل غريب للغريب نسيب." وإن أتت الغريبة وبلسانها زبد فسأزيله برفق وأسرع في الكلام معها ـ حتى قبل أن تنطق بأي حرف وتتكلم لهجة ضيعتي ـ لأقول لها ربحت كنوز الدنيا بك...أنت وطني الضائع.
انتظرت طيلة الليل والشبح لم تظهر! ربما أتت ليلة الأمس ولم تستطع الدخول لأن جدران وسقف الغرفة محكمة كما أن النافذة كانت مغلقة! سأفتح النافذة علّها تهتدي إليّ... فتحت النافذة ومن منزل بعيد تسلل صوت موسيقا ليدخل عبر شباكي...وبحق إنه صوت جميل يؤنس وحشة الليل وعذاب البعد ومرارة الحرمان.

برايتون 1994



#أكرم_شلغين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لا يكفر من يصرخ من شدة الألم!
- أهو ذئب في ثوب حمل؟
- نموذج إنجليزي لتفادي المشاكل الاجتماعية السياسية
- إذلال
- مواجهة
- يحيى ويحيى
- حب أو حرمان
- القافلة
- الغرب لم يسرق أخلاقك
- غياب
- قد يكون الحب
- أنت موجود وغيرك موجود
- فرح وصدمة
- غش عابر للامتحانات
- -رخيصة-
- زواج
- عميل
- هبلة
- خيبات
- حقيبة


المزيد.....




- وفاة الأديب الجنوب أفريقي بريتنباخ المناهض لنظام الفصل العنص ...
- شاهد إضاءة شجرة عيد الميلاد العملاقة في لشبونة ومليونا مصباح ...
- فيينا تضيف معرض مشترك للفنانين سعدون والعزاوي
- قدّم -دقوا على الخشب- وعمل مع سيد مكاوي.. رحيل الفنان السوري ...
- افتُتح بـ-شظية-.. ليبيا تنظم أول دورة لمهرجان الفيلم الأوروب ...
- تونس.. التراث العثماني تاريخ مشترك في المغرب العربي
- حبس المخرج عمر زهران احتياطيا بتهمة سرقة مجوهرات زوجة خالد ي ...
- تيك توك تعقد ورشة عمل في العراق لتعزيز الوعي الرقمي والثقافة ...
- تونس: أيام قرطاج المسرحية تفتتح دورتها الـ25 تحت شعار -المسر ...
- سوريا.. رحيل المطرب عصمت رشيد عن عمر ناهز 76 عاما


المزيد.....

- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أكرم شلغين - بانتظار الغريبة