|
الأسلوب Style
سعد سوسه
الحوار المتمدن-العدد: 7350 - 2022 / 8 / 24 - 10:30
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
يتخذ مفهوم الأسلوب في مجال علم النفس والاجتماع والخدمة الاجتماعية والتربية ، معاني متقاربة ومتداخلة ، لا سيما عندما يتم تناوله في البحوث والدراسات التي تهتم بأساليب الرعاية والتربية والتقويم والتنشئة ، فبعض الباحثين يقرنه بـ مفهوم الاتجاه Attitude وآخر يقرنه بمفهوم النمط pattern . وفي بحثنا سيرد هذا المفهوم مقارباً لهذه المعاني العامة . حيث ان اساليب الرعاية هي " المواقف أو الاتجاهات " الوالدية في التنشئة ، وهي تنظيمات نفسية يكتسبها الابناء من خلال خبراتهم بعمليات proless تتوسط بين المثير والاستجابة وتحدد سلوك الأم أو الأب بصورة منتظمة نحو الابناء في مختلف المواقف اليومية ( 1 ) . ومن خلال أساليب التنشئة تتشكل شخصية الطفل واسلوب حياته وفكرته عن نفسه وعن معنى الصواب والخطأ واتجاهاته نحو الاخرين التي تتأثر بصورة كبيرة بأساليب التفاعل والتعامل معه في البيت منذ الطفولة ثم تستمر معه الى ان تشمل مجالات واسعة من حياته مستقبلاً في المدرسة والمجتمع ( 2 ) . ويرى عالم النفس ادلر Adler ان كل طفل في اسرته يعامل بطريقة " خاصة ومتفردة " تبعاً لتسلسله الولادي ووفقاً لهذه الطريقة الخاصة يكتسب "أسلوب " حياته الذي يعتمده فيما بعد ( 3 ) . فالطفل الذي يتعرض الى رعاية زائدة على اساس انه غير قادر على رعاية نفسه ستزداد لديه مشاعر النقص ، وطفل من هذا النوع لا تعطى له الفرصة ليحاول ان يقوم بالأشياء بنفسه وان يخبر نجاحاته واخفاقاته وبذلك يعاق نمو عمليات التوجه الذاتي والاستقلالية والشعور بالضبط الذاتي ( 4 ) . وفي هذا المجال هناك نوعان من الأساليب :- الأسلوب المعرفي والأسلوب الادائي العملي الأسلوب المعرفي :- cognitive style ومن خلال هذا الأسلوب يمكن التنبؤ بأسلوب الافراد وكيفية ادائهم للعمليات المعرفية والفروق بينهم في استجاباتهم لمثيرات البيئة من حولهم ، أو في حل المشكلات . وان الاهتمام بالجانب المعرفي والجانب السلوكي لاسيما في مجالات وعمليات التربية والرعاية للوالدين يسهم في خلق نمط أسلوبي محدد للتعامل مع الابناء ، وحصراً في سنوات الطفولة المبكرة . ولا بد من التأكيد بأن هناك علاقة وشيجة الصلة بين الجانب العقلي ممثلاً " بالأسلوب المعرفي " " التجريدي – العياني" والجانب الانفعالي ممثلاً بالضغوط النفسية ، او نوعية الجو الاسري السائد في مجتمع ما ( 5 ) . فأسلوب الام والاب في التفكير هو الذي يحدد صيغ التعامل مع الطفل . وكما يشير الباحثون في مجال علم النفس ( ان الشخصية personality تتضمن ثلاثة مجالات ، وهما المجال المعرفي الذي يمثل العمليات ( العقلية والمعرفية ) والمجال النفسي والمجال الوجداني ( 6 ) . فالاساليب المعرفية يعتمد عليها في التنبؤ بدرجة معقولة بنوع السلوك الذي يمكن ان يأتي به الافراد اثناء تعاملهم مع المواقف الحياتية المختلفة سواء أكانت هذه المواقف تعليمية ام علاقات مع الافراد ، وهنا يهمنا في الموضوع علاقة الوالدين مع اطفالهم لاسيما في مواقف التنشئة المتنوعة على وفق عمر وعقلية وصحة وحاجات الطفل . فالاسلوب الذي يتبعانه لابد وان يتحدد بنوع أسلوبهما المعرفي من ناحية استجابتهما لمواقف وسلوك وتصرفات الطفل . وقد اكد الاستاذ رويس Royce ان الاساليب المعرفية هي : سمات تظهر تأثيرات متناسقة من خلال النهج " الاسلوب " الذي تحدث به العملية الادراكية او الوجدانية فتعد او تهيء مستوى عالياً من السمات تؤثر على القدرات الادراكية والسمات الوجدانية ذات العلاقة بسلوك الشخص . وتسأل الباحثة " هل تملك الأسرة العراقية " " لاسيما الام " في تعاملها مع طفلها ذلك الوعي والمعرفة الذي من خلاله يمكنها ان تميز بين مواقف الطفل وحاجاته المختلفة ، ما يجعلها تتصرف او تسلك معه على وفق كل حالة او سلوك يقوم به طفلها ؟ ان الأساليب المعرفية تشير الى طريقة الفرد في التعامل مع المعلومات من حيث أسلوبه في التفكير وطريقته في الفهم والتذكر وترتبط بالحكم على الأشياء وحل المشكلات وتعتمد على صيغ عديدة منها :- تصنيف المعلومات وتركيبها وتحليلها وتخزينها واستدعائها عند الضرورة( 7 ) . ويمكن القول ، ان سلوك الوالدين في عمليات التنشئة يكون محكوماً او هو نتيجة للاسلوب المعرفي الذي من خلاله يقيم كل من الام والاب مواقف الاطفال ويتصرفون بموجبها وقد بين علماء النفس صنفين من الاساليب هما :- اسلوب "التجريد – المعقد " abstract- complex مقابل اسلوب " العياني – البسيط" simple- concrete حيث يتعامل العيانيون مع المحسوسات بدرجة افضل مما يتعاملون مع المجردات ولديهم قدرة اقل على ادراك ما حولهم بصورة تحليلية ويغلب عليهم الادراك الشمولي للمدركات وخلافاً للتجريديين منهم اكثر قدرة على التعامل بصورة تحليلية مع الابعاد متعددة المواقف ويستطيعون التعامل بشكل افضل مع المدركات بنسق متكامل ( 8 ) . لهذا تعبر "الأساليب المعرفية " عن الطريقة المفضلة لدى الفرد ( الاب او الام) في تعامله مع المواقف الحياتية او في تنظيم ما يمارسه من نشاط معرفي في ابعاد مختلفة .. كما انها الطريقة التي يتناول فيها الفرد المشكلات التي يتعرض لها ( 9 ) . فالاساليب :- هي المسؤولة عن ظهور الفروق الفردية بين الافراد في الادراك والتذكر والفهم والتفكير والتصرف . وما له صلة بالرسالة ، من هذا العرض ، نشير الى انه يمكن ان نطبق هذه الفكرة بابعادها السلوكية على الام ذات المستوى الثقافي والمعرفي المتدني او الامي وعكس ما يقابلها تلك الام الواعية او المتعلمه وذات المعرفة العالية . فالامهات اللواتي يتسمن بالتفكير التجريدي يتعاملن بشكل جيد مع الضغوط النفسية من خلال ايجاد بدائل لمشكلات الاطفال ولا يجدن صعوبة من الناحية الانفعالية ويمتلكن القدر على ادراك الموقف وتفسيره وبالتالي اعطاء الاستجابة الصحيحة التي تتناسب مع تعقد سلوكيات اطفالهن ، خلافاً لصاحبات التفكير " العياني اللواتي يتميزن بعدم قدرتهن على تفسير ابعاد سلوك الاطفال وحاجاتهم النفسية المختلفة بالتالي يعجزن عن رؤية الحلول البديلة للمشكلات ويفقدن المرونة وتكون افعالهن فورية على شاكلة الفعل ورد الفعل ، لأنهن يتعاملن مع المثيرات بصورة مباشرة . ويرى عالم النفس ( برنشنين Bernste in ) أن الامهات من الطبقة الغنية يستعملن الأسلوب المعرفي اكثر من الامهات الفقيرات اللاتي يستعملن الأسلوب الادائي العملي لأنهن يعتمدن على المنبه والاستجابة دون فهم وادراك سلوك الطفل وتصرفه وتكون استجابتهن لأطفالهن نابعة من ( العواطف والانفعالات) ولا يتأثرن بالخبرات التربوية فمثلاً ( تقول احدى الأمهات ) الغنيات لطفلها عندما يحدث ضوضاء ، اريدك بالاحرى ان تقلل من الضوضاء ياعزيزي ، لكي يفهم من خلال جملتها هذه ما تريده منه فيتعلم ان يفسر( كلمة الأحرى ، والتقليل ) كأوامر لأستجابته في حين ان طفل الطبقة الفقيرة لا يتاح له هذا النوع من تركيب الجمل ، وان عليه ان يترجم الجملة السابقة بشكل يعرفه في خبرته السابقة عندما تقول له امه ( اخرس ) ( 10 ) ومن هذا العرض العام نفهم ان الاسلوب هو مجموعة من السلوكيات التي تحدد صفات أداء او اجراءات الافراد في تحقيق اهداف معينة . اما المبحث الحالي فيعرف الاسلوب style : بأنه مجموعة من السلوكيات المترابطة التي تؤشر نشاطاً معيناً لما يتبعه او يعتمده او يتصرف بموجبه الوالدان لاسيما "الام " في عمليات التنشئة الاجتماعية الخاصة بنقل وايصال الخبرات الانسانية للطفل . وهذه الانشطة او الاجراءات هي :- مجموعة الأنماط التقليدية الخاصة بأفراد الأسرة العراقية في تعاملها مع الطفل اثناء تربيته ورعايته . وباختصار شديد ان أساليب التنشئة هي طريقة الوالدين في تعاملهما مع الطفل لاشباع حاجاته وما يقومان به من افعال أثناء المواقف الاجتماعية والإنسانية المختلفة معه .
المصادر
1 . محمد خالد الطحان ، مقياس الاتجاهات الوالدية في التنشئة كما يدركها الابناء ، المجلة العربية للبحوث التربوية ، المجلد الثالث ، العدد الاول تونس ، 1983 ، ص 67. 2 . عبد الخضر ناصر السواد ، مقارنة مشكلات طلبة المدارس الاعدادية في مدينة بغداد " رسالة ماجستير " جامعة بغداد / كلية التربية /1960 ص 23. 3 . داون شلتز / نظريات الشخصية ، ترجمة حمدولي الكربولي وعبدالرحمن القيسي ، مطبعة جامعة بغداد / بغداد 1983 /ص 82. 4 . محمد محروس الشناوي / نظريات الارشاد والعلاج النفسي ، دار غريب ، القاهرة 1994،ص 454. 5 . ناديه محمود شريف ، بحث ، الانماط الادراكية المعرفية وعلاقتها بمواقف التعلم الذاتي والتقليدي – مجلة العلوم الانسانية ، عدد 3، السنة التاسعة ، جامعة الكويت ، 1981، ،ص56. 6 . وهيب مجيد الكبيسي ، الاسلوب المعرفي ( التصلب – المرونة ) وعلاقته بحل المشكلات، جامعة بغداد ، كلية التربية ابن رشد 1989 رسالة دكتوراه 7 . نادية محمود شريف وقاسم الصراف ، الاسلوب المعرفي وتأثيره على الاداء في بعض المواقف الاختبارية ، مجلة التربية ، جامعة الكويت 1987، المجلد الرابع ، العدد 13، ص 156. 8 . المصدر نفسه . 9 . انور محمد الشرقاوي " الاساليب المعرفية " مجلة علم النفس ، العدد الاول ، السنة 13، 1998 ، الهيئة المصرية للكتاب ، ص 98 . 10 . فردريك الكين ، جيرالد هاندل ، الطفل والمجتمع ، عملية التنشئة الاجتماعية ، ترجمة د. محمد سمير حسنين الطبعة الاولى ، 1976 ، ص 92.
#سعد_سوسه (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المحاضرة LEATRE :
-
صور تطبيق الديمقراطية 1 - 5
-
صور تطبيق الديمقراطية 1 – 4
-
صور تطبيق الديمقراطية 1 – 3
-
صور تطبيق الديمقراطية 1 – 2
-
صور تطبيق الديمقراطية 1 - 1
-
صور تطبيق الديمقراطية
-
مفهوم الديمقراطية
-
صور الولاء في المجتمع العراقي . 1 3
-
صور الولاء في المجتمع العراقي 1 _ 2
-
صور الولاء في المجتمع العراقي 1 - 1
-
صور الولاء في المجتمع العراقي 1
-
صور الولاء في المجتمع العراقي
-
مفهوم الولاء
-
وجهة نظر علم النفس بالتنجيم
-
ماذا يعتقد الناس عن سر الحسد
-
السحر Magic
-
التنبؤ الخرافي
-
الإيمان بالقدر والتفكير ب (لو)
-
كيف تتكون الخرافات
المزيد.....
-
إغلاق المخابز يفاقم الأزمة الإنسانية في غزة، ومقتل وإصابة أل
...
-
هل يهدد التعاون العسكري التركي مع سوريا أمن إسرائيل؟
-
مسؤول إسرائيلي: مصر توسع أرصفة الموانئ ومدارج المطارات بسينا
...
-
وزارة الطاقة السورية: انقطاع الكهرباء عن كافة أنحاء سوريا
-
زاخاروفا تذكر كيشيناو بواجبات الدبلوماسيين الروس في كيشيناو
...
-
إعلام: الولايات المتحدة تدرس فرض عقوبات صارمة على السفن التي
...
-
الولايات المتحدة.. والدة زعيم عصابة خطيرة تنفجر غضبا على الص
...
-
وفاة مدير سابق في شركة -بلومبرغ- وأفراد من أسرته الثرية في ج
...
-
لافروف يبحث آفاق التسوية الأوكرانية مع وانغ يي
-
البيت الأبيض: ترامب يشارك شخصيا في عملية حل النزاع الأوكراني
...
المزيد.....
-
سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي
/ محمود محمد رياض عبدالعال
-
-تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو
...
/ ياسين احمادون وفاطمة البكاري
-
المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة
/ حسنين آل دايخ
-
حوار مع صديقي الشات (ج ب ت)
/ أحمد التاوتي
-
قتل الأب عند دوستويفسكي
/ محمود الصباغ
-
العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا
...
/ محمد احمد الغريب عبدربه
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
المزيد.....
|