|
مراجعات التاريخ وفق نتائجه، وليس كما نقله لنا المدلسين
خالد عبد الغني الفرا
الحوار المتمدن-العدد: 7349 - 2022 / 8 / 23 - 10:42
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
تأملات في التاريخ النضالي الفلسطيني
لم تتمكن الثورة الفلسطينية من تقديم مقاربات دقيقة للعديد من القضايا من خلال تنوع أساليبها لاستمرار العملية السلمية وفق مرجعيتها القانونية ولا حتى القدرة على إشعار الناس بتحسن أحوالهم المعيشية مقابل هذا الكم الهائل من التنازلات، إلا أنها نجحت في التحول المطلوب الذي يتناسب مع متطلبات مرحلة التحرير عبر آليات تفاوضية تستبعد تماما الرجوع الى دوائر العنف، هذا المفهوم الذي تبنته مؤسسات السلطة بمجرد تدشينها كان له اثر كبير ومغاير بدأ و كأنه يستهدف حرمة الكيان الفلسطيني وكرامته، خصوصا مع تقاطعه مع مسألتين شائكتين قام على اساسها اتفاق أوسلو "الاقتصاد والامن"، هذه المفردات اللغوية خضعت للبحث و القراءة من قبل المفاوض الإسرائيلي ومكنته من زراعة ألغام تنفجر في وجه أي مسؤول فلسطيني يحاول الاقتراب منها بغرض تعديل نصوصها بعد ان تكشفت أمامه ان قبول تطبيقها بهذا الشكل يعني التخلي تماما عن حلم الاستقلال وإبقاء الوصاية الإسرائيلية عليه،
هنا بدأت الدوائر السياسية و معها الأمنية الفلسطينية منشغلة في بناء كيانها لخلق نوع من التوازن مستخدمة استعراض قوتها و تحديد المعلومات التي يجب على الناس معرفتها، إلا أن ذلك يكاد من المحال الاستمرار فيه نظرا لان عدوك يقف على الجانب الاخر و همه الأكبر افشالك ، لتبدأ حملة التشوية تدور رحالها في اسقاطات هزيلة تعمل على خلق صورة للوجه الاخر للثائر الفلسطيني وهو يمارس المزاح والضحك مع جنرالات إسرائيل الملطخة أيديهم بدمائنا، حملة كبير لتغييب الذاكرة من الوجود وكتابة نهاية لصراع دموي انتهى بالتراضي وعزز الشكوك حول ارتباط عناصر الحكم بعلاقة عمالة وعرفان بالجميل.
لماذا فلسطين تتعثر وبدت كأنها جثة هامدة
الباعث لهذا السؤال له مسبباته فما يدور داخل أروقة القرار الفلسطيني اقل ما يمكن وصفه بأنه مصاب بالشلل و يتمسك بموقف المفاوضات و كأنه لا يملك أي خيارات، هذه المفاوضات التي أثبتت التجربة اننا لا نجيد قوانينها ولا نفهم خباياها، فلعل أقرب تصور يمكن فهمه انه تم استخدامنا لنتحول الى تدرج مدروس بتنازلات مقدمة مسبقا، فلم تعد صيغة تحرير الأرض الفلسطينية المغتصبة ضمن أدبياتنا، لقد تمت المفاوضات من بوابة التفاوض على أقل من عشرين في المائة، تلاها تحول الخطاب من إزالة الكيان إلى إزالة آثار العدوان، وصولا الى جملة سخيفة اسمها الشرعية الدولية، لتكون البوابة الأكبر لعبور خطابات التطبيع و الطمس و تشوية العقول.
كل ذلك يتم بهدوء ودون إثارة، فلقد استكانت القوى الحاكمة إلى مشاكسة خصومها وعمدت الى تصفيتهم أو طردهم من البلاد، وتم تكوين جيش من الملحنين والمنافقين للتغني بالانكسارات وكأنها بطولات والهزائم على أنها أمجاد وبدأ المشهد في تجلياته كأنه نكتة سمجة وفي منتهى السخافة ومطلوب منا ان نجريها بالضحكات والتصفيق الحاد.
هذا الفشل ليس وليد مرحلة معينة بل نتيجة تراكمات متعددة، تم تدشينها منذ اللحظة الأولى لميلاد الحركة الوطنية جلها، فلقد استساغ من يقبع على السقف ان يتحكم بكل شيء دون منازعة من احد، فهو يملك مفاتيح الخزائن بأموالها، ونسج العلاقات السياسية وفق ما يناسب منطقة دون ذلك لا مانع من قطعها او ابقاءها دون تحفيز او انخراط ، وبدأ وكأنه امتداد للذات الإلهية التي لا تقبل معارضة أو طرح أفكار متجددة ليحصن نفسه من النقد و كأنه ملاك يعيش في السماء، هذا التفكير الهابط أوقف تقدم المسير ودفع الكثير من المستأجرين إلى تسخير انفسهم سرد قصص ملفقة و حكايات وهمية عن بطولات الزعيم والقلة التي تشاركه الرأي فأصبح لدينا عناوين فضفاضة وواسعة، وأصبح التعامل مع الموجود والموروث على أنه كتاب مقدس كتبته رموز اسطورية مدعومة من بعض الغوغاء الجهلة الذين يحاولون في مناسبة إعادة قراءة المشهد بصورة تتعارض مع موجود على ارض الواقع، يكاد يصل الأمر إلى نفي صفة انهم بشر اخطئوا و يخطئون مثلنا.
كيف يمكن إعادة المسار إلى طريقه الصحيح
الكثير من المرويات مصابة بالتشوهات ورسخت في اذهان الناس مفاهيم مشوهة، وخلقت دائرة واسعة من المنافقين وطالبي الرضا لهم أصوات صاخبة تتمكن من تحييد أي صوت يرفض حالة الخنوع، لذا فان افضل وسيلة للعلاج تبدأ من استحضار التاريخ الفلسطيني برمته وإعادة تشريحه و قراءته بعيدا عما اخترقه من أكاذيب، وتبدأ المرحلة من بداية النشأة الأولى وكيف صمدت وتمكنت من الاستمرار برغم انها تنقلت في ساحات متعددة، لا حد بعيد عن الانتقاد ولا أنبياء الذي انهمكوا في العمل الثوري كي نمنحهم العصمة، فكل ما حدث يتطلب اجراء مسح شامل لمنظومة العمل الوطني برمته، ومراجعة حقيقية دون رفع مكانة البشر لجعلهم قديسين، واستنتاج الأسباب والدوافع التي أدت الى خسارة دورها الريادي لصالح منظومات متحجرة و جامدة و استسلام ورايات بيضاء امام الكيان الصهيوني ليزفر له البقاء، المراجعة الذاتية و التجديد المنطقي يتطلب اشراك جيل اخر و ليس إعادة استخدام جيل انتهي مارس الاحتيال ليبقي، بدون هذا التصور وهذا الفهم لحركة التجديد تصبح حركة التجديد حركة انتقائية وعمل المفكرين عملا تلفيقي و خط متصل مع خطيئة مزورين الأوائل، فقدوا قدرتهم على النطق ولم يسألوا أسئلة بديهية، كيف لهؤلاء الثوار ان يقبل ضميرهم الأهوج ابتعاث ابناءهم الى أمريكا و كندا و أوروبا للتعليم، في ظل انهم يروجون العداء لأمريكا، كيف قبل معسكر الغرب ابناءهم و لم يكتفي بتعليمهم بل منحهم جنسيته، انها مفارقة غريبة، ليبقى لنا سؤال هل تم ذلك مصادفة ام ادعاء ؟
هل نحن أصحاب قضية عادلة تستحق كل هذا العذاب
من وجهة نظرنا نحن أصحاب الحق الأصيل في أرض فلسطين، إلا أن هناك العديد من القضايا العادلة لكنها أصبحت في ذاكرة التاريخ وتغطت بالغبار بعد أن مارس أهلها صمت القبور، فتاهت في زحمة الأحداث واستبدلت الحقيقة الراسخة بأكاذيب، فالمهم ليس أن تمتلك قضية عادلة لكن الأهم ان تعرف كيف تدافع عنها، وإلا أصبحت في ذمة التاريخ، لنتساءل، ماذا نحتاج،
لعل المتابع يكتشف أن خطوط الالتقاء بين فصائل العمل الوطني غير موصولة ولا تتبادل الاعجاب مع بعضها، وهذا يعني اننا نمارس التشتت والمناكفة ضد بعضها، لذا فلعل أفضل شيء يمكن فعله هو التقاط خيط واحد يمكنه ان يتصل مع المكون السياسي الكبير بشمولية وتواضع بين كافة الأطراف ونبني جسدا فلسطينا واحدا بعيدا عن ادعاء لا يمكن أن تبقى تشكل حياتنا ومستقبلنا، والداعي الى ذلك ان فلسطين هوت وانزلقت وتفتت ولم يعد يبقى منها شبابها الذين قد نجدهم هربوا بأنفسهم واستوطنوا بلاد غير بلادهم.
هل هناك امل في يستجيب طرف لآخر ويقدم تنازلات لأجل هويته،
الأحداث الكبيرة تتشكل بمدي قدرة أصحابها على التضحية الحقيقية و ليس هفوات كلامية، فالهوية الفلسطينية برمتها تواجه تحديات و لا يمكنها أن تسترجع مكانتها في مناكفات تشكل من تاريخ يهتم بالشكل لا بالمضمون ، ولعل هذا ما دفع العديد من الشخصيات و الفصائل الابتعاد عن مناصرة الرئيس عباس حين وقع في محظور اختلاط المسميات والألفاظ ما بين ما حدث لليهود من محارق و ما اصابنا نحن الفلسطيني كنتيجة لذلك، هنا تبدو طريق الحزبية و الرغبة في تسجيل النقاط على حساب المشروع الوطني أكبر بكثير من خسارة حزبية محدودة، لذا فإن المنظومة السياسية المتحكمة سواء في الضفة او غزة قد تهالكت و تصدعت جدرانها و ان بقاءها ينذر بانهيار كبير لن يسلم من شره احد و استباقا لذلك كلا الطرفين متهم في إهدار الكرامة الوطنية ، وعلينا ان نستفيد من تجارب سبقتنا و نزيل كل صفات القداسة و نتعامل معه كبشر.
#خالد_عبد_الغني_الفرا (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
-كأنه منطقة حرب-.. فيديو شاهد يظهر عمليات الإنقاذ بحادث اصطد
...
-
فيديو يُظهر ما يبدو لحظة اصطدام طائرة الركاب وهليكوبتر وسقوط
...
-
عربات طعام بنكهات أصيلة واستوديو متنقل..كيف جذب هذا الحي في
...
-
السعودية.. فيديو مخالف للآداب العامة يثير تفاعلا والداخلية ت
...
-
ترامب يعلق على الحادث الجوي المروع في واشنطن (فيديو)
-
زيلينسكي يحيي ذكرى الجنود الذين تصدوا للهجوم البلشفي في يناي
...
-
إدانة عضو مجلس الشيوخ الأمريكي السابق بوب مينينديز بـ16 تهمة
...
-
لحظة اصطدام مروحية عسكرية أمريكية بطائرة ركاب قرب مطار رونال
...
-
-واتساب- يواجه في روسيا غرامة قدرها 18 مليون روبل
-
-ولادة عذرية- نادرة لسمكة قرش تثير حيرة العلماء
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|