أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حسام الدين فياض - سوسيولوجيا المجتمع الجديد ( رؤية نقدية )















المزيد.....


سوسيولوجيا المجتمع الجديد ( رؤية نقدية )


حسام الدين فياض
أكاديمي وباحث

(Hossam Aldin Fayad)


الحوار المتمدن-العدد: 7347 - 2022 / 8 / 21 - 10:46
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


" سعت مختلف المذاهب الفكرية والفلسفية ذات الطابع النقدي المشبع بالنزعة الإنسانية إلى تصور أسس المجتمع الإنساني الجديد، الذي ينتفي فيه ظلم الإنسان لأخيه الإنسان بالقضاء على جميع مظاهر الاستغلال، وتستند فكرة المجتمع الجديد على فكرة إيديولوجية تقوم بالأساس على تصور شكل مثالي للجوانب الاجتماعية والاقتصادية والسياسية لمجتمع ما ".
احتلت فكرة المجتمع الجديد مكاناً مركزياً في المنظومة الفكرية والفلسفية لمعظم فلاسفة ورواد الفكر الاجتماعي، الذين سعوا إلى تقديم تصورات جديدة لمجتمع مثالي تكون بديلة عن تصورات المجتمع القائم، مجتمع تنتفي فيه كافة أشكال استغلال الإنسان لأخيه الإنسان، وتختفي منه شرور الواقع، ويتحرر الإنسان فيه من مختلف أشكال القلق، من الشكل الميتافيزيقي إلى الشكل الاجتماعي، ويتم فيه أيضاً وضع حد نهائي للبواعث والقوى اللاعقلانية التي تسيطر عليه والتي يعجز عن ضبطها أو حتى إدراكها، وبذلك تتحقق أحلام الإنسانية بالسعادة والكفاية والعدل.
وبما أن فكرة المجتمع الجديد التي تحمل الخلاص النهائي للإنسان فكرة قديمة قدم بدايتها، نجد أن هذه الفكرة قد راودت خيال الإنسان من قديم الزمان، " واتخذت صوراً مختلفة ذات طابع ديني أحياناً أو طابع فلسفي - اجتماعي أحياناً أخرى، ابتداءً من كتاب " الجمهورية " لأفلاطون، التي يمكن النظر إليها من خلال الجانبين التاليين: الأول على أنها شكل من أشكال النقد السياسي، من حيث إنها جاءت كرد فعل معاكس ومناهض للظروف الاجتماعية والسياسية السيئة التي عاصرها أفلاطون. أما الثاني فإن الجمهورية لها هدف مثالي وتجاوزي، من حيث إنها توضح ما سوف تكون عليه الأمور السياسية إذا ما تشكلت وتطورت بحسب المبدأ الأعلى للعدل، وتحاول أن تكشف أيضاً ما يمكن أن يكون عليه وضع دولة تجسد فيها مثال الخير على أكمل وجه. والجمهورية من هذا الجانب الأخير هي مثل أعلى على البشر أن يقتربوا منه قدر استطاعتهم، بالإضافة إلى كتاب " السياسة " لأرسطو، ومروراً " بآراء أهل المدينة الفاضلة " للفارابي، و" مدينة الشمس " لكامبانيلا "، وانتهاءً بكتاب " العقد الاجتماعي " لجان جاك روسو الذي اهتدى فيه إلى أن الخلاص من لعنة الحضارة ومن خطايا الطبقة يأتي عن طريق " العقد الاجتماعي "، والعقد الاجتماعي هو " ميثاق أساسي يضمن المساواة السياسية والشرعية بين الناس ويغدو به المتفاوتون في القدرة والفطنة متساوين باعتبار العرف والحق الشرعي ".
أما عن بداية هذه الفكرة في إيديولوجيات العصر الحديث الثورية فنجد أنها ابتدأت من الإيديولوجية أو الثورة الليبرالية التي امتدت من القرن السابع عشر حتى القرن التاسع عشر وانتهاءً بإيديولوجية اليسار الجديد ابتداءً من ستينيات القرن الماضي، وفي المذاهب الإنسية العلمانية ابتداءً من فلسفة التنوير وانتهاءً في الفلسفة الوضعية الحالية.
تستند فكرة المجتمع الجديد على فكرة إيديولوجية " تقوم بالأساس على تصور شكل مثالي للجوانب الاجتماعية والاقتصادية والسياسية لمجتمع ما "، وهي فكرة ملازمة للفكر الثوري أو الانقلابي الذي يسعى إلى تفجير الأوضاع القائمة، ويمكن لهذه الفكرة أن تتجسد على أرض الواقع الاجتماعي إذا توافر لها عاملين أساسيين:
الأول: أن تستطيع تجاوز الواقع الاجتماعي الراهن وأن تتفوق عليه.
الثاني: أن تنتقل من حيز الفكر إلى حيز الممارسة، لتعمل على تحطيم الواقع تحطيماً جزئياً أو كلياً، " من خلال الربط بين الوسيلة والغاية ولكن بشكل مادي، فمن أبرز نماذجها المجتمع الشيوعي الذي بشرت به الإيديولوجية الماركسية، بمعنى الاشتراكية والشيوعية التي تدور حول المساواة في توزيع السلع، وغالباً على التساوي في المال مع المواطنين الذين يعملون للصالح العام، ليكون هو جوهرها الأساسي، ولتترك الوقت الثاني لرصد الفنون والعلوم، ويقابلها المجتمع الرأسمالي الذي بشرت به الإيديولوجيا الليبرالية "، التي ظهرت نتيجة النزاع الناشب ضد النظام القائم آنذاك، فهي تمثل مفهوماً عقلانياً مسخراً ضد الواقع المؤلم المليء بالشرور.
تشكل ممارسة النقد الاجتماعي البوابة الأولية لتحليل التركيبات الاجتماعية التي ينظر إليها على أنها معيبة بهدف اقتراح حلول عملية لتقويم ما يعتري الواقع الاجتماعي من نقائض، من خلال التعديل والإصلاح الجزئي لبعض مكونات البناء الاجتماعي أو التغيير الجذري الشامل للنظام الاجتماعي القائم برمته.
بذلك يتبنى الاتجاه النقدي (الراديكالي) في علم الاجتماع المعاصر من خلال جهده التنظيري النقدي تجسيد هذه الممارسة عبر ترجمته لمقولاته النظرية على أرض الواقع الاجتماعي بهدف إرساء قواعد أساسية لبناء مجتمع تتحقق فيه العدالة الاجتماعية والخلاص الإنساني بتجسيد إنسانية الإنسان، للوصول إلى مجتمع لا يعرف، الاستبداد، التناقضات، الصراعات، الاضطرابات، التنافر، القهر الإنساني والحضاري.
لذلك كان من الضروري على النظرية الاجتماعية النقدية التي ترمي إلى تحقيق هذه الغايات، التي تصب في مصلحة الإنسانية، أن تزيل هذه العناصر من البنية الاجتماعية لمجتمعاتها حسب تصورها لمداخلها المنهجية ومنطلقاتها النظرية، وأن تسعى إلى تحقيق التطابق بين المصالح المختلفة. فالاتجاهات النقدية في علم الاجتماع كما هو معروف " لا تختلف من حيث تصورها للمتغيرات التي يتشكل منها بناء المجتمع أو واقعه... بل إنها تختلف في تحديد المتغيرات المحورية لطبيعة التفاعل الاجتماعي"، أي أنها لا خلاف فيما بينها على بناء مجتمع جديد - ينتفي فيه البؤس الإنساني، بتحرره من كافة أشكال الاستغلال والاضطهاد البشري، وتخلصه من كل أنواع القهر الحضاري الذي يمارسه المجتمع على الإنسان بحجة التقدم - بل يكمن الخلاف في آلية تطبيق هذه الفكرة، كما نجد عند بعض الاتجاهات الاشتراكية ( الماركسية والماركسية المحدثة )، واليسار الجديد ( مدرسة فرانكفورت النقدية )، ونضال حركات التحرر الوطني ضد الاستعمار في مجتمعات العالم الثالث (فرانز فانون).
وهكذا يظهر النقد الاجتماعي على السطح عندما يعيش المجتمع أزمة عميقة، فيقوم (النقد) بممارسة وظيفته حتى يتمكن المجتمع من تجاوز الأزمة، فيكون له دوره المؤثر في تشخيص الواقع الاجتماعي في مختلف أبنيته حتى يتسنى للقائمين في المجتمع من معرفة معوقات تقدمه، بهدف تغيير الواقع الاجتماعي إلى ما هو أفضل. فالفكر بطبيعته فكر حر حتى في أشد الظروف الاجتماعية والسياسية قهراً وتسلطاً. والعقل بطبيعته يسأل قبل أن يجيب، ويتساءل قبل أن يستلهم، ويتشكك قبل أن يحكم. فالنقد هو مفتاح الفكر والمجتمع، وشرط حركة التاريخ. يحمل لواء المعارضة، والتشكك في الوضع القائم في المعرفة والسلوك.
إن النقد البنّاء هو النقد الذي يفترض مسبقاً وجود معايير تكون حاضرة في الواقع الاجتماعي ذاته، أي معايير تحكم من خلالها على الواقع الاجتماعي ذاته، وتتساءل إذا ما كانت تلبي سبب وجودها وتفي به، وبذلك يكون هدف النقد أن يشد الواقع الاجتماعي نحو ما ينبغي أن يكون عليه.
خلاصة القول، سعت المذاهب الفكرية والفلسفية ذات الطابع النقدي المشبع بالنزعة الإنسانية إلى تصور أسس المجتمع الإنساني الجديد، الذي ينتفي فيه ظلم الإنسان لأخيه الإنسان بالقضاء على جميع مظاهر الاستغلال والاغتراب الإنساني التي تعتري المجتمعات الإنسانية المعاصرة، مما يؤدي إلى الإعلاء من شأن الإنسان كفرد والإنسانية كمفهوم سامي تحقيقاً للأهداف والغايات، التي قامت من أجلها الاتجاهات النقدية (الكلاسيكية، والحديثة، والمعاصرة) في الدفاع عن حقوق الإنسان في العيش الكريم، الذي يحفظ كرامته وكينونته بغض النظر عن انتماءاته، الإيديولوجية، والمذهبية، والطبقية، والطائفية، لأن مفهوم الإنسانية مفهوم لا يتجزأ. فهل ستتحقق فكرة المجتمع الجديد يوماً ما على أرض الواقع الاجتماعي " الفردوس الأرضي المنتظر " ؟



#حسام_الدين_فياض (هاشتاغ)       Hossam_Aldin_Fayad#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- مكتب نتنياهو يتهم -حماس- بممارسة -الحرب النفسية- بشأن الرهائ ...
- بيت لاهيا.. صناعة الخبز فوق الأنقاض
- لبنان.. مطالب بالضغط على إسرائيل
- تركيا وروسيا.. توسيع التعاون في الطاقة
- الجزائر.. أزمة تبذير الخبز بالشهر الكريم
- تونس.. عادات أصيلة في رمضان المبارك
- ترامب: المحتال جو بايدن أدخلنا في فوضى كبيرة مع روسيا
- روته: انضمام أوكرانيا إلى حلف -الناتو- لم يعد قيد الدراسة
- لوكاشينكو: بوتين تلقى اتصالا من أوكرانيا
- مصر.. اكتشاف مقبرة ملكية من عصر الانتقال الثاني


المزيد.....

- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حسام الدين فياض - سوسيولوجيا المجتمع الجديد ( رؤية نقدية )