أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعيد هادف - في معنى الشعبوية: هل قيس سعيد شعبوي؟














المزيد.....

في معنى الشعبوية: هل قيس سعيد شعبوي؟


سعيد هادف
(Said Hadef)


الحوار المتمدن-العدد: 7334 - 2022 / 8 / 8 - 18:19
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


كتب زميلنا الكاتب أحمد نظيف: "أعتقد أن قيس سعيد، وإن عبّر عن نزوع محافظ، قومي وديني، إلا أنه لا يمكن أن يكون قوميًا أو إسلاميًا بالمعنى الأيديولوجي، وليس من الصواب تصنيفه أيديولوجيًا، وإنما يمكن وصفه على أنه شعبويّ (انظر قسم ملفات في العدد الحالي)". وفي تقديرنا، فإن خطاب قيس سعيد لا يمكن وصفه بالشعبوي لأسباب سنأتي على بعضها بشكل خاطف.
ولدت الشعبوية في روسيا وأمريكا أواخر القرن التاسع عشر، وهي حركة مطلبية تدافع عن جماهير الأرياف التي كانت تمثل أغلبية الشعوب في تلك الفترة. كانت حركة فلاحية ذات خلفية اشتراكية، شعارها تحرير الفلاحين الروس حوالي العام 1870. وفي الفترة ذاتها، انطلقت حركة احتجاجات في الريف الأمريكي موجهة ضد البنوك وشركات القطارات.
وفقا لنظرية النخبة، يمكن القول أن الشعبوية تتوسل البراهين اللفظية (preuves verbales): وفي هذا النوع من التبرير يستعمل البشر جميع أساليب القدرة البلاغية والتعبيرات التي لها قوة الإقناع، والتلاعب بالألفاظ والمعاني من أجل إثبات أن البراهين العقلية والمنطقية تقف إلى جانبهم فحين يوصف، على سبيل المثال، نسق بعينه بأنه ديمقراطي كونه يحقق مصالح الجماهير، فالأمر في الغالب مجرد كلام غامض وفضفاض من وجهة نظر باريتو، والمطلوب هو تحديد ماذا نقصد بمصطلح الديمقراطيا؟ وماذا تعني مصالح الجماهير؟ وكيف تحقق الديمقراطيا مثل هذه المصالح؟ يقول رايموند آرون (R.Aron): إن نظرية باريتو من هذه الزاوية بالذات، إنما تعد إسهاماً في مجال سيكولوجيا العلاقات الجماعية المتبادلة، لاسيما في ميدان السياسة.
الشعبوية بمعناها القدحي هي خطاب يمتلك صاحبه المهارة السحرية في استغلال سيكولوجية الجماهير وحشدهم إلى صفه. ومن وجهة نظرنا، فإن قيس سعيد لا يتوفر على هذه المهارة البلاغية، وإلا كان نجح في إقناع أغلبية الشعب على التصويت بنعم. الأغلبية كفرت بالنهضة وحلفائها التي جاءت بهم مخرجات الثورة، ولكنها امتنعت عن التصويت، وهذا إن دل فعلى أن هذه الأغلبية لم تصدّق قيس ولم تكذّبه، وكأن لسان حالها يقول: لن نقف ضدك ولكن لن نقف معك إلا في سياق ما ستنجزه على أرض الواقع، وعندئذ ستجدنا من الداعمين. ومعنى ذلك، أن هذه الأغلبية التي عزفت عن التصويت، فهي تفكر وتبحث، وقد تخرج من رحمها نخبة جديدة لها فهمها الخاص.
واستنادا على نظرية النخبة لدى باريتو الذي أدخل مفهومين جديدين إلى حقل السوسيولوجيا: التسربات (dérivations) والرواسب(résidus)، فحالما تنتفي بعض (الرواسب) التي كانت معدن قوة هذه النخبة، حينها تتراجع، طوعا أو كرها، لتخلي المكان للنخبة الأجدر. وهكذا فإن ما يطرأ على النُّخبة ليس فقط تغيراً في الأفراد بل تغيراً على مستوى النوع(انظر هامش 1).
وعندما تجف منابع التأمل والإبداع، تهيمن نزعة الاستبداد الناجمة عن رواسب إدمان التكديس والمداومة عليه، فتلجأ النُّخبة إلى القمع والتسلط والترهيب، وهذا ما حدث، بشكل من الأشكال، للنخبة السياسية التي أدارت الحكم قبل قيس سعيد.
والشعبوية، في مجال الصراع على السلطة، هي الأيديولوجيا ذاتها، ودرجة خطورتها تتعاظم كلما افتقر البلد إلى المهارة السياسية (Le savoir-faire politique)، أي أن الشعبوي يستمد قوته من ضعف الطبقة السياسية، لأن الشعبوي يسود كلما جفت منابع السياسة في الوسط الذي ينشط فيه.
وتوصيف ريجيم قيس سعيد بالاستبداد (despotisme) لا يقلل من حظوظ تونس في التغير الإيجابي من حيث أن قيس سعيد يشتغل في إطار توافقي مع عدد من الأحزاب والتنظيمات الكوربوراتية. فالاستبداد من صميم الممارسة السياسية على عكس الطغيان (Tyrannie). وما دام هناك توافق، إذن هناك سياسة، أما إذا غاب هذا الشرط خرج الوضع من السياسة إلى الطغيان؛ ولهذا نجد في التاريخ من يوصف بـ"المستبد المستنير" (انظر هامش 2)، كما يختلف قيس من حيث خطابه التواصلي عن غيره (انظر هامش 2) ولكن سيكون من المبالغة وصفه بالشعبوي كونه لم يقدم وعودا خرافية مشبعة بالأيديولوجيا.
يجد قيس سعيد صعوبة في التعبير عن أفكاره، لكنه في ذات الوقت شديد الحذر في اختيار كلماته، وهذه الصعوبة تجلت أيضا في صياغة الدستور الجديد بحثا عن "معجم" يليق بروح التغيير. ولأن كل تغيير يحتاج إلى مفرداته الخاصة به، فإن هذه المهمة ليست مسؤولية قيس سعيد وحده، بل هي مسؤولية كل النخب التي ناصرته أو التي عارضته بشكل موضوعي أو حتى التي وقفت محايدة، وتتمثل مسؤوليتها في التصدي للمعارضة وللموالاة الشعبويتين. فما جاء به قيس سعيد وما سيجيء به هو نتاج ما يعتمل في العمق التونسي، وإذا لم تستوعب النخب التونسية هذه المعادلة، فسيظل الشعب التونسي عرضة للتلاعب، وستظل تونس، ككل البلدان المغاربية، تعيد إنتاج فشلها أو كما سبق وأن قلت في مقال سابق ستبقى رهينة "البث التجريبي".

ــــــــــــــــ هوامش
1- النخبة المغاربية: ملف خاص (الجزء الثاني)
https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=744268
2- في معنى الاستبداد المستنير
https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=759342
3- قيس سعيد وطريقته في التواصل السياسي
https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=763467



#سعيد_هادف (هاشتاغ)       Said_Hadef#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عندما تتشبع السياسة بروح الصداقة
- تونس 25 يوليو: الرهانات والتحديات
- الفضاء المغاربي في ضوء نظرية الألعاب
- -فيتش-: دول في طريقها إلى الإفلاس
- جدل سياسي: دولة مدنية؟ أم أمة مدنية؟
- مجتمع الطغيان: المثقف الصرصور والمثقف العبرة
- المستبد المستنير والمثقف الفيلسوف
- في معنى الاستبداد المستنير
- ملف النخبة المغاربية (الجزء التاسع): تونس ومسار التحرر: من ب ...
- ملف خاص:النخبة المغاربية (الجزء الثامن): الحركة القومية التو ...
- بين الذكاء والغباء
- ملفات مغاربية: بعد ستة أشهر من عام 2022
- مايو: أحداث وأسماء جزائرية
- الجزائر: سؤال الهوية بين حقيقة العقل وحقيقة الواقع
- اليوم العالمي -العيش معا في سلام-
- الفرنسيون ذوو الأصل المغاربي والشأن السياسي
- الصحافة المغاربية: بين الحصار وسوء التعبير
- بعد أسبوع على فوزه بالرئاسة: هل سينجح ماكرون في الوفاء بوعود ...
- على هامش رحيل إيدير: كيف نبني خطابا خلاقا خاليا من الجهل وال ...
- تأشيرة شنغن: كيف ينظر الاتحاد الأوروبي إلى البلدان المغاربية ...


المزيد.....




- بعد لقاء السوداني والشرع، ما دلالات ذلك بالنسبة للعراق وسوري ...
- هجمات الحوثيين في البحر الأحمر تُكبد قناة السويس خسائر بـ6 م ...
- اليمن.. الحوثيون يعلنون ارتفاع حصيلة قتلى الغارات الأمريكية ...
- قاضية أمريكية تعلق العمل بخطط إدارة ترامب لتنفيذ عمليات التس ...
- الأمين العام لحزب الله: نزع سلاحنا بالقوة خدمة للعدو الإسرائ ...
- دعاوى جنائية ضد المتورطين في تزوير ملفات الجنسية الليبية
- -واشنطن بوست-: روبيو ووالتز يؤيدان تدمير القدرات النووية الإ ...
- ترامب لا يستبعد وقف المساعدات العسكرية لأوكرانيا
- انكشف أمرها بعد 16 عاما.. إسبانية تدعي فقدان القدرة على الكل ...
- -تشرنوبيل الصامتة-.. كارثة جيولوجية نادرة في بحر آرال!


المزيد.....

- فهم حضارة العالم المعاصر / د. لبيب سلطان
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3 / عبد الرحمان النوضة
- سلطة غير شرعية مواجهة تحديات عصرنا- / نعوم تشومسكي
- العولمة المتوحشة / فلاح أمين الرهيمي
- أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا ... / جيلاني الهمامي
- قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام / شريف عبد الرزاق
- الفاشية الجديدة وصعود اليمين المتطرف / هاشم نعمة
- كتاب: هل الربيع العربي ثورة؟ / محمد علي مقلد
- أحزاب اللّه - بحث في إيديولوجيات الأحزاب الشمولية / محمد علي مقلد
- النص الكامل لمقابلة سيرغي لافروف مع ثلاثة مدونين أمريكان / زياد الزبيدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعيد هادف - في معنى الشعبوية: هل قيس سعيد شعبوي؟