|
رواية للفتيان مملكة أعالي الجبال المتجلدة
طلال حسن عبد الرحمن
الحوار المتمدن-العدد: 7332 - 2022 / 8 / 6 - 20:48
المحور:
الادب والفن
رواية للفتيان
مملكة أعالي الجبال المتجلدة
طلال حسن شخصيات الرواية ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ الملك
2 ـ الأميرة اينا
3 ـ المربية
4 ـ قائد الحرس
5 ـ كوزانو
6 ـ ملك الأعالي ليبلوت
7 ـ الطائر زو
8 ـ الوصيفات الثلاث
" 1 " ــــــــــــــــــــــ خفق قلب ليبلوت ، ملك مملكة أعالي الجبال المتجلدة ، والشمس تختفي شيئاً فشيئاً ، وراء أعلى قمة من قمم تلك الجبال ، بعد رحلة نهار طويل متعب ، ورفع عينيه الغاضبتين .. سيأتي زو . ومع الإشعاعات الأخيرة ، لقرص الشمس الغاربة ، لاح زو في الأفق ، عصفوراً عملاقاً أكبر من أي نسر من نسور الجبال المتجلدة ، لقد غاب طول النهار ، ونظر ليبلوت إليه ، وقال في نفسه ، سيدفع الثمن . وسرعان ما حطّ زو أمامه ، عصفوراً صغيراً من عصافير الغابات ، التي لا يزورها الثلج إلا في أشهر الشتاء فقط ، فخاطبه ليبلوت بغضب مكتوم : مهما تصاغرت ، فلن تنجو من العقاب . فرفع زو عينيه الضارعتين إليه ، وقال : مولاي ، رأيتها . ونسي ليبلوت غضبه ، ونظر إليه متسائلاً ، دون أن يتفوه بكلمة ، فقال زو : فتاة الحلم . وتمتم ليبلوت بصوت خافت : فتاة الحلم ! فردّ زو قائلاً : كما رأيتها في المنام ، يا مولاي . ولاذ ليبلوت بالصمت لحظة ، ثم هزّ رأسه ، وقال : رأيت حلمي في خيالك . فقال زو : بل رأيتها في حديقة قصر أبيها ، مولاي لقد غبت النهار بطوله . وصمت لحظة ، ثم قال بصوت حالم : لقد رأيتها ، كما رأيتها في المنام ، يا مولاي ، رأيتها تحضن وردة ، بكفين كالثلج ، وتنظر إليها بعينين كأنهما سماء صيفية خالية من الغيوم ، وتظللها بخصلات ذهبية ، تتلامع كأنها أشعة الشمس . وأبتعد ليبلوت بعينيه عنه ، وقال : أنت تردد ما رأيته في منامي ، كما رويته لك . فقال زو : ما قلتهُ ، يا مولاي ، هو ما رأيته حقيقة بعيني هاتين ، في حديقة قصر أبيها . ولاذ ليبلوت بالصمت ، فاقترب زو منه ، وقال : مولاي ، مرني ، وسآتيك بها . وتمتم لبلوت قائلاً ، كأنه يخاطب نفسه : لا ، مهما كان ، فهي إنسانة . وصمت لحظة ، ثم التفت إلى زو ، وقال : إن نصفي إنسان ، يا زو ، فجدي الأعظم هو اتونابشتم ، الذي أنقذ البشرية من الموت في الطوفان ، فخلدته الآلهة ، وهو يعيش الآن مع زوجته عند فم الأنهار .
وقال زو : مولاي ، لقد خطفت الشرائع من الإله انليل نفسه ، فدعني أخطفها لكَ . فرد لبلوت بحزم قائلاً : كلا . أطرق زو رأسه ، وقال : أردت أن أخدمك ، يا مولاي ، فهذا الحلم يستحق أن تعيشه . ورد ليبلوت قائلاً : سأعيشه ، يا زو . وقال زو ، وهو يرفع رأسه : مولاي .. فقاطعه ليبلوت قائلاً : خذني غدا إلى القصر الملكي ، سأخطبها من أبيها .
" 2 " ـــــــــــــــــــــ فوجىء الملك الشيخ ، حوالي منتصف النهار ، بقائد الحرس يدخل عليه ، في قاعة العرش ، ممتقع الوجه ، ويقول بصوت مضطرب : مولاي .. ونهض الملك ، متوكئاً على شيخوخته ، وتساءل قائلاً : ما الأمر ، أيها القائد ؟ فأجاب قائد الحرس متلعثماً : مولاي ، شخص غريب الهيئة ، أبيض كأنه الثلج ، ظهر فجأة في حديقة القصر ، لا يدري أحد من أين أتى ، فأحاط به الحرس المدججون بالسلاح ، لكن أحداً منهم لم يجرؤ على الاقتراب منه . وانطلق الملك بأقصى ما تسمح به شيخوخته من سرعة ، خارج قاعة العرش ، وهو يقول : خذني إليه . وتقدم قائد الحرس الملك الشيخ ، في ممرات القصر الملكي ، يحيط بهما عدد من الحرس ، حتى خرجوا جميعاً إلى الحديقة . ومن بعيد ، وقعت عينا الملك الشيخ الكابيتان ، على ما وصفه قائد الحرس ، وإذا هو فعلاً رجل في منتصف العمر ، أبيض كالثلج ، في ملابسه وكذلك في وجهه ، وما ظهر من جسمه . وتقدم الملك وقائد الحرس والحرس من الرجل ، الذي التفت وراح ينظر إليهم ، منتظراً ما قد يحدث ، وأشار الملك للحراس ، الذين يحيطون بالرجل ، وقال بصوت هادىء : تراجعوا ، وقفوا بعيداً . وتراجع الحراس ، ووقفوا بعيداً بعض الشيء ، ينتظرون إشارة من الملك ، وتقدم الملك من الرجل الأبيض ، وقال : أهلاً ومرحباً بك في قصري . ابتسم الرجل الأبيض بلطف ، وقال : عفواً لمجيئي إليكم ، دون إخطار مسبق . ونظر الملك الشيخ إليه متسائلاً ، ثم قال : لم أتشرف بمعرفتك . فقال الرجل بصوت هادىء رصين : أنا ملك مملكة أعالي الجبال المتجلدة . اتسعت عينا الملك الشيخ دهشة ، لكنه قال : أهلاً ومرحباً ، تفضل إلى داخل القصر . وسار الملك الشيخ بخطواته البطيئة ، وإلى جانبه سار الرجل الأبيض ، يتبعهما قائد الحرس ، وعدد من الحرس المدججين بالسلاح . ودخلوا القصر ، متجهين إلى قاعة العرش ، وفي أحد الممرات ، أقبلت فتاة شابة ، راكضة كأنه فراشة ملونة ترفرف ، وهي تهتف بصوت كزقزقة العصافير : بابا .. بابا . وتوقف الجميع ، يتطلعون إليها ، حتى وصلت إليهم ، وقالت : صباح الخير . وحدق الرجل الأبيض فيها ، وقال في نفسه ، حقاً إنها كما وصفها طائري اللعوب زو . وابتسم الملك الشيخ للرجل الأبيض ، وقال : هذه ابنتي ، الأميرة اينا . وانحنى الرجل الأبيض للأميرة الشابة ، وقال : صباح النور ، يا أميرتي . وتوقفت الأميرة اينا مبهورة أمام الرجل الأبيض ، دون أن تتفوه بكلمة ، ثم التفتت إلى أبيها الملك ، وقالت : بابا ، أريد أن أذهب مع رفيقاتي إلى الغابة . فقال الملك الشيخ : اذهبي ، لكن لا تتأخري ، فلدينا اليوم وليمة غداء لضيفنا العزيز ، ملك مملكة أعالي الجبال المتجلدة . وتراجعت الأميرة اينا ، وعينا الرجل الأبيض لا تفارقانها ، ثم استدارت ، ومضت مسرعة ، وهي تقول : لن أتأخر ، يا بابا . وفي القاعة ، جلس الملك على العرش ، وعلى مقربة منه جلس الرجل الأبيض ، ونظر الملك إليه ، وقال بصوت ودود : أهلاً بك في مملكتنا ، يا سيدي . فرد الرجل الأبيض قائلاً : أشكرك . وقال الملك الشيخ مبتسماً : لو كنتُ شاباً ، لزرتك في مملكتك ، رغم جوها المتجلد . وقال الرجل الأبيض : آمل أن تزورني ابنتك الشابة ، الأميرة اينا . وتطلع الملك الشيخ إليه ، دون أن يرد بكلمة واحدة ، فتابع الرجل الأبيض قائلاً : يُشرفني أن أطلب منك يد الأميرة ، لتكون زوجتي ، وملكة معززة في مملكتي ، مملكة أعالي الجبال المتجلدة . ولاذ الملك الشيخ بالصمت ، فنهض الرجل الأبيض ، وقال : أنا حفيد اتونابشتم . ونظر الملك الشيخ إليه ، وقال : ابنتي اينا فتاة شابة ، وأنا متعلق بها جداً ، ولا يمكن أن أدعها تعيش بعيداً عني ، في مملكة أعالي الجبال المتجلدة . وامتقع وجه الرجل الأبيض ، حتى لم يعد لونه بلون الثلج ، كما كان ، ومضى إلى الخارج ، بخطوات سريعة ، وهو يقول غاضباً : ستندم .
" 3 " ـــــــــــــــــــــــ عاد زو بالملك الأبيض ، إلى قصره في مملكة أعالي الجبال المتجلدة ، وطوال الطريق ، وهو يطير به ، فوق التلال والغابات والجبال ، لم يجرؤ على سؤاله عما جرى ، لكنه خمن من تجهمه ، وسرعة خروجه من القصر ، بأن الملك الشيخ رفض أن يزوجه من ابنته الأميرة الجميلة اينا . وبعد منتصف النهار بقليل ، عادت الأميرة اينا إلى القصر ، دون أن تهنأ هذه المرة باللهو مع رفيقاتها في الغابة ، وأسرعت إلى أبيها الملك الشيخ ، فأخذها بين ذراعيه ، وطبع قبلة حارة على شعرها الذهبيّ ، فرفعت عينيها السماويتين إليه ، وقالت : بابا ، ذلك الرجل الأبيض الغريب أقلقني ، وشغل فكري . فردّ الملك الشيخ قائلاً : وسيقلقني ويشغل فكري أكثر ، يا بنيتي الحبيبة . وتساءلت الأميرة اينا : ما الأمر ، يا بابا ؟ فقال الملك الشيخ : جاء يخطبك .. وبدا الهمّ والتفكير على ملامح الأميرة ، وقالت حائرة : إنني لا أعرفه . فردّ الملك الشيخ قائلاً : إنه ملك مملكة أعالي الجبال المتجلدة . وانسحبت الأميرة اينا من بين ذراعي أبيها الملك الشيخ ، وقالت : أعالي الجبال المتجلدة ! فقال الملك الشيخ يطمئنها : لقد رفضته . وتنهدت الأميرة بشيء من الارتياح ، وقالت : انتهى الأمر إذن ، يا بابا . فقال الملك الشيخ مهموماً : هذا ما أتمناه ، يا بنيتي ، لكن .. ونظرت الأميرة اينا إليه متسائلة ، فتابع الملك الشيخ قائلاً بصوت يشي بقلقه : قبل أن يخرج من قاعة العرش غاضباً ، قال لي .. ستندم . لم يغب عن زو ما أصاب الملك الأبيض ، وخمن ما حدث ، لقد رفض الملك الشيخ ، أن يزوجه من ابنته الجميلة الأميرة اينا . في اليوم التالي ، ظلّ زو في هيئة عصفور صغير ، يرفرف حول الملك الأبيض ، أو يقف على كتفه ، أو يجلس قبالته ، دون أن يتفوه بكلمة . وقبيل المغرب ، التفت الملك الأبيض إليه ، وحدق فيه ملياً ، ثم قال : قلت لي ، قبل أن أذهب إلى القصر ، أنك تستطيع أن تأتيني بالأميرة متى أردت . فقال زو ، وهو يتحول إلى نسر كبير : سآتيك بها الآن ، إذا أردت ، يا مولاي . ونظر الملك الأبيض إلى الآفاق البعيدة ، التي بدأت الشمس تغيب عنها ، وقال : أريدها هنا ، يا زو ، لكن ليس الآن ، بل غداً . فقال زو ، وهو يعود إلى هيئة عصفور صغير : غداً يا مولاي ، ستكون الأميرة هنا . ومدّ الملك الأبيض يده إلى زو ، وقال : تعال . ووثب زو مرفرفاً بجناحيه الصغيرين ، وحطّ فوق يد الملك الأبيض ، وقال : ستفرح غداً ، يا مولاي . وربت الملك الأبيض على رأس زو ، بأنامل رفيقة حانية ، وقال : أنا نصف إنسان ، فلا تنسَ ، يا زو ، إن الأميرة فتاة رقيقة .. إنها إنسان . فقال زو : لن أنسى ذلك ، يا مولاي . وقبل شروق الشمس ، في اليوم التالي ، انطلق زو على هيئة نسر ضخم ، متوجها نحو قصر الملك الشيخ ، وطوال ساعات ، راح يحوم حول القصر والحديقة الواسعة ، على هيئة عصفور صغير ، لكن دون جدوى ، فلا أثر للأميرة اينا في أي مكان . وقبيل المغرب ، فتح أحد أبواب القصر ، وأطلت الأميرة مع مربيتها وعدد من الوصيفات ، يحيط بهن حراس مدججون بالسلاح . وحط زو على هيئة عصفور صغير ، فوق غصن شجرة قريبة ، وراح يراقب الأميرة ، وهي تسير ببطء وتوجس ، في سور محكم من مربيتها ووصيفاتها والحرس المدجج بالسلاح . ورأى زو المربية تميل على الأميرة ، وسمعها تقول لها : مولاتي ، لن نتأخر في الحديقة . فردت الأميرة قائلة : لقد وعدتُ بابا ، لن أتأخر . ونزلت الأميرة إلى الحديقة ، وراحت تسير ببطء بين أحواض الأزهار ، كأنها فراشة رقيقة ملونة ، تطير من زهرة إلى زهرة . وتململ زو فوق الغصن ، وعيناه الحادتان تتابعان الأميرة ، وفجأة ، ووسط ذهول المربية والوصيفات والحرس المدجج بالسلاح ، انقض نسر ضخم ، واختطف الأميرة من بينهم ، وانطلق بها بسرعة البرق ، وغاب في السماء ، وتمتمت المربية باكية : يا ويلي ، سيموت الملك الشيخ .
" 4 " ــــــــــــــــــــــ لم يصدق الملك الأبيض ليبلوت ما يراه بعينيه ، كما لم يصدق الملك الشيخ ما يسمعه بأذنيه من المربية وقائد الحرس . ابنته ، الأميرة الشابة اينا ، التي لا يتصور الحياة بعيداً عنها ، يختطفها نسر ، وهي في حديقة القصر ، وسط مربيتها ووصيفاتها وعدد من الحرس المدججين بالسلاح ، أهذا أمر ممكن ! نعم ، لقد اختطفها زو فعلاً ، وها هو الملك الأبيض ليبلوت ، يراها أمامه ، كما وصفها زو ، بيضاء كالثلج ، وعيناها بلون سماء الصيف الخالية من الغيوم ، وشعرها ذهبيّ كأشعة الشمس . وعلى عجل ، وبكل ما تسمح به شيخوخته من سرعة ، خرج الملك الشيخ من قاعة العرش ، وهو يصيح بصوت مذبوح : اينا . لم تجبه الأميرة اينا ، وكيف تجيبه ، وهي تقف مبهورة أمام نفس الشخص الأبيض ، الذي رأته في ممر القصر مع أبيها الملك الشيخ ؟ وفي حديقة القصر ، لم يرَ الملك الشيخ غير الحرس المدججين بالسلاح ، وقد طأطأوا رؤوسهم ، دون أن يكون لابنته الأميرة اينا ، أي أثر . واقترب الملك الشيخ من الحرس ، وقال : أحقاً ما سمعته ؟ نسر ! وردّ أحد الحرس متردداً : نعم ، يا مولاي ، نسر . وقال آخر : لا ندري من أين أتى . وقال الملك الشيخ مذهولاً : وطار بها ؟ فقال قائد الحرس : في لمح البصر ، يا مولاي . وأطرق الملك الشيخ رأسه ، ثم رفع عينيه الغارقتين بالدموع ، ونظر حوله ، وسرعان ما سار بخطى بطيئة متثاقلة ، عائداً إلى القصر ، وهو يتمتم : أيعقل هذا ؟ نسر ! واقترب الملك الأبيض ليبلوت من الأميرة ، وقال : طاب مساؤكِ . وحدقت الأميرة اينا فيه ، دون أن ترد حتى على تحيته ، فقال الملك الأبيض : رأيتكِ في منامي ، ولم أصدق ما رأيت ، حتى جاءني طائري زو بالحقيقة . وأشار الملك الأبيض إلى زو ، وكان يقف قريباً منهما على هيئة عصفور صغير ، فانحنى زو لها ، وقال : عفواً إذا كنت قد أخفتكِ . لم تنبس الأميرة بكلمة ، فقال الملك الأبيض : لابد أنك متعبة الآن ، تفضلي إلى جناحك . ودخل الملك الشيخ إلى القصر ، وبدل أن يذهب إلى قاعة العرش ، ذهب إلى غرفة نومه ، واستلقى منهاراً على فراشه ، وأسرعت إليه المربية ، ودثرته قائلة : أنت متعب ، يا مولاي ، ارتح قليلاً . وأقبلت ثلاث وصيفات بلون الثلج على الملك الأبيض ، وانحنين له ، وقلن : مولاي . فنظر الملك الأبيض إليهنّ ، وقال : خذن الأميرة اينا إلى الجناح المخصص لها ، وابقين على خدمتها . فانحنت الوصيفات الثلاث ، وقلن : أمر مولانا الملك . وهبّ الملك الشيخ من نومه ، والليل يخيم على القصر ، وصاح : عرفته . وأسرعت إليه المربية ، وقالت : مولاي ، ليتك تعود إلى النوم ، نحن في منتصف الليل . وقال الملك الشيخ : عرفتُ النسر . ونظرت المربية إليه مذهولة ، فتابع قائلاً : لابد أنه تابع ملك مملك أعالي الجبال المتجلدة . وصمت لحظة ، ثم قال : خطبها فلم أعطها له ، فأرسل هذا النسر ، واختطفها من الحديقة ، وطار بها إليه في مملكته المتجلدة . ولاذت المربية بالصمت حائرة ، لا تدري ما يمكن أن تقول ، فصاح الملك الشيخ : اذهبي ، واتني بقائد الحرس . وأسرعت المربية تتعثر في خطواتها ، وهي تقول : أمر مولاي . وجاءت إحدى الوصيفات الثلاث إلى الملك الأبيض ، وقالت : مولاي ، الأميرة في جناحها . فقال الملك الأبيض : وفرن لها كلّ ما تحتاجه ، ولتبقَ واحدة منكن معها على مدار الساعة . فقالت الوصيفة : أمر مولاي . ومثل قائد الجند ، مغالباً نعاسه ، بين يدي الملك الشيخ ، وقال : مولاي . فقال الملك الشيخ : اذهب إلى الفتى كوزانو ، وأتني به في الحال . واتسعت عينا قائد الجند ، وقال متردداً : مولاي ، نحن في منتصف الليل ، ليتك .. فقاطعه الملك قائلاً : ليكن ، اذهب وأتني به . فانحنى قائد الحرس ، وقال : أمر مولاي .
" 5 " ــــــــــــــــــــــ عند منتصف الليل ، طرق الباب ، فاعتدل كوزانو في فراشه ، وأنصت جيداً إلى ما يدور في الخارج ، وسمع حارساه ، اللذين لا يفارقانه ليلاً أو نهاراً ، يفتحان الباب الخارجي ، ثم تناهت إليه أحاديث بينهما وبين شخص في الخارج ، لم يعرف من هو حقيقة . وسرعان ما أقبل عليه أحد حارسيه ، وقال له : ارتدِ ملابسك ، يا كوزانو ، وتعال بسرعة . ونهض كوزانو على عجل متسائلاً : ماذا يجري ؟ فردّ الحارس قائلاً : قائد الحرس يريدك . اتسعت عينا كوزانو دهشة ، وقال : قائد الحرس ! فقال الحارس ، وهو يخرج من الغرفة : إنه في الفناء ينتظرك ، أسرع . وعلى الفور ، بدّل كوزانو ملابسه ، وخرج إلى الفناء ، وإذا قائد الحرس نفسه وسط الفناء ، وحوله ثلة من الحرس المدججين بالسلاح ، وقبل أن يتفوه بكلمة ، قال قائد الحرس : تعال معي بسرعة ، يا كوزانو ، جلالة الملك يريدك الآن . وبصورة لا إرادية ، قال كوزانو : نحن في منتصف الليل ، يا سيدي . فقال قائد الحرس ، وهو يتجه مسرعاً إلى الخارج : إن جلالته ينتظرك ، هيا أسرع . وما إن وصلوا القصر ، حتى دخل قائد الحرس على الملك ، وقال : مولاي ، كوزانو بالباب . فاعتدل الملك الشيخ ، تساعده المربية ، وقال : فليدخل ، فليدخل حالاً . ودخل كوزانو متردداً ، ووقف عند الباب ، وقال : طاب مساؤك ، يا مولاي . وأشار الملك للمربية وقائد الحرس ، وقال : اتركانا وحدنا ، وأغلقا الباب . وخرجت المربية وقائد الحرس ، وأغلقا الباب وراءهما ، فأشار الملك لكوزانو أن اقترب ، واقترب كوزانو متردداً ، وقال : مولاي . وتطلع الملك إليه ، وقال : ربما تساءلت ، لماذا حكمتُ عليك بهذه الإقامة الجبرية . فقال كوزانو : إنني واحد من حراسك ، يا مولاي ، وكلّ ظني أنني كنتُ مخلصاً على الدوام . فقال الملك : لمحتك مرة تنظر إلى الأميرة .. ولاذ كوزانو بالصمت ، فتابع الملك قائلاً : وبعدها لمحت الأميرة نفسها تنظر إليك .. فقال كوزانو : عفو مولاي .. إنني حارس .. فقاطعه الملك قائلاً : من تجربتي أعرف ، أن القلب لا يفرق بين أميرة وغير أميرة . ومرة أخرى ، لاذ كوزانو بالصمت ، فقال الملك الشيخ : أعرف أنك شهم ، وشجاع ، ومحب ، ولهذا أرسلتُ إليك أنتَ بالذات . وتابع كوزانو حديث الملك الشيخ ، دون أن يتفوه بكلمة ، لعله يفهم ما يريده الملك ، لكن دون جدوى ، وصمت الملك الشيخ لحظة ، ثم قال : الأميرة في محنة ، ولن ينقذها غيرك . واتسعت عينا كوزانو ، وقال : مولاي .. فقال الملك : لقد أختطفت الأميرة اينا . وشهق كوزانو قائلاً : يا للآلهة . وتابع الملك الشيخ قائلاً : اختطفها ملك مملكة أعالي الجبال المتجلدة . وفغر كوزانو فاه مذهولاً ، دون أن يحير بكلمة ، فقال الملك الشيخ : الأمر لكَ ، يا بنيّ . ومال كوزانو على الملك الشيخ ، وقال : مولاي ، سأبذل قصارى جهدي ، لعلي أنجح في إنقاذها . وقال الملك الشيخ بصوت مؤثر : يجب أن تنجح ، يا كوزانو . ولاذ كوزانو بالصمت ، فقال الملك الشيخ : ستكون الأميرة لك ، إذا اختارتك . فقال كوزانو : سأفديها بحياتي ، إذا اختارتني ، أو لم تخترني . ومدّ الملك يده الشائخة ، وشدّ على يد الفتى ، وقال له : بنيّ ، اذهب الآن ، رافقتك السلامة .
" 6 " ـــــــــــــــــــــ منذ الفجر امتطى كوزانو حصانه ، الذي قدمه له قائد الحرس ، ومضى إلى أمه ، التي تعيش مع الجد العجوز ، في كوخ صغير بطرف الغابة . لقد مرت حوالي السنتين ، منذ أن حجزه الملك الشيخ ، في ذلك البيت المنعزل ، تحت حراسة اثنين من الحراس ، وخلال هذه المدة لم يرَ أمه ، ولا جده العجوز ، مرة واحدة . إنه لا يريد أن يبدأ رحلته الخطرة ، إلى مملكة أعالي الجبال المتجلدة ، التي لا يعرف نتائجها ، دون أن يودع أمه وجده العجوز . وفوجئت الأم بابنها كوزانو ، يدخل عليها الكوخ ، عند الضحى ، وكانت تعيد ترتيب الأثاث المتواضعة ، وشهقت فرحة ، وصاحت من بين دموعها ، التي سالت فوق خديها المتغضنين : بنيّ كوزانو . وكما تمنت الأم طويلاً ، ضمها كوزانو بين ذراعية الفتيين المحبين ، وراح يمطر وجهها المتعب ، الذي بللته دموع الفرح ، بالقبل المشتاقة الحارة ، وقال ما لم تتوقعه : جئتُ أودعكِ ، يا أمي . ونظرت إليه الأم مصدومة ، دون أن تتفوه بكلمة ، فقال كوزانو : لابد أن أرحل إلى الجبال المتجلدة . وضمته الأم إلى صدرها الدافىء ، وقالت بصوت تغرقه الدموع : بنيّ ، لم أكد أراك بعد . فقال كوزانو مغالباً تأثره : ستريني ، وستشبعين مني ، إذا نجحتُ في مهمتي ، ادعي لي . ونظرت إليه الأم من خلال دموعها ، وقالت : لابد أنها مهمة خطرة . فقال كوزانو : ملك مملكة أعالي الجبال المتجلدة ، اختطف الأميرة ، وقد اختارني الملك الشيخ ، من بين جميع الفرسان ، لأتصدى للملك المختطف ، وأنقذ الأميرة ، وأعيدها إلى أبيها الملك الشيخ . وخلال حديثه الأخير إلى أمه ، أقبل الجد العجوز ، وتوقف يصغي متأثراً عند الباب ، ولمحته الأم فهمست لكوزانو من بين دموعها : جدك . والتفت كوزانو ، ورأى جده عند الباب ، فقال بنبرة مرتعشة : جدي . وحاول الجد أن يبتسم له ، وهو يقول : أهلاً بنيّ . وابتسم كوزانو ، وقال : مازلتَ كالعادة شاباً . فردّ الجد ، وهو يفتح ذراعيه على سعتهما : شاب تجاوز الخامسة والسبعين . واقترب الجد منه ، وأضاف قائلاً : سمعت ما قلته عن الملك الشيخ ، وما اختارك له ، دعك من أمك ، هذا شرف كبير ، وأنت جدير به . وهزت الأم رأسها ، فقال كوزانو : سأكون عند حسن ظنك ، يا جدي . وأشار الجد بيده القوية رغم شيخوخته ، وقال : ذلك الحصان ، لا يصلح للرحلة ، التي ستقوم بها . وابتسم كوزانو ، وقال : لن أجادلك ، أنت خبير بالخيول ، لكنه الحصان الذي قدمه لي قائد حرس الملك . وقال الجد ، وكأنه لم يصغ ِ إلى ما قاله كوزانو : فرس أبيك الراحل ، وهي فرس أصيلة ، أنجبت مهراً لا مثيل له ، وهو من سيأخذك إلى هدفك . فقال كوزانو : أشكرك ، يا جدي ، سآخذ المهر ، أبقي حصان قائد الحرس عندك ، وسأعيده له ، إذا عدتُ من مهمتي .. منتصراً . ومدت الأم ذراعيها ، واحتضنت كوزانو ، وقالت : لن أدعك ترحل اليوم ، ابقَ معنا حتى نشبع منك أنا وجدك ، وارحل غداً . وفي الغد ، وقبل شروق الشمس ، ودع كوزانو أمه وجده ، وامتطى المهر الفتيّ ، وانطلق يه نحو .. مملكة أعالي الجبال المتجلدة .
" 7 " ـــــــــــــــــــــــ ذات يوم ، حوالي منتصف النهار ، أقبلت على الأميرة اينا ، وهي تذرع الصالة في جناحها ، إحدى الوصيفات الثلاث ، اللاتي أوكلهن الملك الأبيض لخدمة الأميرة ، وتلبية حاجياتها . وانحنت الوصيفة للأميرة اينا ، وقالت : مولاتي ، سيزورك مولاي هنا ، بعد قليل . وتوقفت الأميرة ، ورمقتها بنظرة سريعة ، لكنها لم تتفوه بكلمة ، فانحنت الوصيفة ، ثم استدارت ، ومضت إلى الخارج . واقتربت الوصيفة الثانية من الأميرة ، التي تكاد لا تفارقها طول اليوم ، وقالت لها بصوت هادىء : الملك يحبكِ ، يا مولاتي ، وهذا شرف كبير قلما تحظى به امرأة في المملكة . ومرة ثانية ، رمقت الأميرة بسرعة هذه الجارية ، كما رمقت الجارية الأولى ، ومرة ثانية لم تتفوه بكلمة ، وأنصتت الجارية لحظة ، ثم تراجعت مبتعدة ، وهي تقول : جاء مولاي الملك ، يا مولاتي . وعلى الفور ، فتح الباب ، وأقبل الملك الأبيض ، بهيئته البيضاء كالثلج ، فأسرعت الوصيفة بمغادرة الصالة ، وأغلقت الباب . وتقدم الملك الأبيض من الأميرة ، وقال بصوت هادىء : طاب يومكِ ، يا أميرتي . وككل مرة ، خاطبها فيها الملك الأبيض ، لم تلتفت الأميرة إليه ، ولم تردّ على تحيته ، فقال الملك الأبيض : غداً سأقيم حفلاً كبيراً في القصر ، وستكونين أنت نجمة هذا الحفل . ورفعت الأميرة عينيها السماويتين ، ونظرت إلى الملك الأبيض ، لكنها لم تتفوه بكلمة ، فقال الملك الأبيض ، وكأنه يردّ على نظرتها : في هذا الحفل ، سأعلن أمام الجميع ، بأنك ستكونين زوجتي . والتفتت الأميرة إليه هذه المرة ، وقالت بحدة : كلا . وحدق الملك الأبيض فيها ، وقال : أنا الملك هنا ، ولا أحد يقول لي .. كلا . فردت الأميرة قائلة : لقد اختطفتني بالقوة ، من قصر أبي ، فهل ستسمح لنفسك أن تتزوجني بالقوة ؟ ولبث الملك الأبيض ، يحدق فيها لحظات ، دون أن يردّ بكلمة ، ثم استدار ، ومضى إلى الخارج . لم يذهب الملك الأبيض إلى أي مكان ، بعد أن غادر جناح الأميرة اينا ، بل لجأ إلى جناحه ، ووقف ينظر عبر إحدى النوافذ الكبيرة ، إلى القمم العالية الموحشة المتجلدة . هذه الأميرة اينا من تظن نفسها ، إنه ملك مملكة أعالي الجبال المتجلدة ، والكل هنا طوع إشارته ، ولن تكون لا هي ولا غيرها استثناء . وأبعد عينيه عن القمة ، التي كان ينظر إليها ، وكأنه يهرب من أفكاره السابقة ، إنها أيضاً أميرة ، ابنة ملك عظيم ، ثم إنها .. إنسانة . وهنا أفاق على عصفوره زو ، يحط فجأة على كتفه ، كأنه يريد أن يصرفه عن همومه ، فنظر إليه ، وقال : لم أرك منذ صباح اليوم . ورفرف زو بجناحيه الصغيرين ، وحطّ أمام الملك الأبيض ، وقال : مولاي ، رأيت رؤيا .. لم يبتسم الملك الأبيض ، وقال : كالرؤيا التي رأيتها أنا منذ فترة ؟ وقال زو : وكما تحقق ما رأيته ، يا مولاي ، تحقق ما رأيته أنا أيضاً . ونظر الملك الأبيض إليه ، فقال زو : من بعيد ، ربما من مملكة الأميرة ، أقبل على مهر سريع كالريح ، فارس شاب كله حيوية وتصميم . وقال الملك متوجساً : لا أحد يجرؤ على الاقتراب من مملكتنا المتجلدة . فقال زو : إلا إذا كان له هدف ، قد يسترخص من أجله كلّ شيء ، حتى حياته . فقال الملك الأبيض : حسن ، راقبه ، راقبه جيداً ، ووافني بما تراه منه . وهبّ زو ، ومضى كالسهم إلى الخارج ، مرفرفاً بجناحيه الصغيرين ، وتطلع الملك الأبيض إلى القمم البعيدة المتجلدة ، وقال : من جهتي ، وبصفتي نصف إله ، سأراقبه من هنا ، وأعرف حقيقته .
" 8 " ــــــــــــــــــــــ في اليوم التالي ، وقبيل منتصف النهار ، أقبل زو على الملك الأبيض ، وحط ّ على مقربة منه لاهثاً ، وقال : مولاي .. والتفت إليه الملك الأبيض ، وقاطعه قائلاً : ذلك الفارس الشاب ، الذي رأيته في منامك ، لم يصل سفوح مملكتنا المتجلدة بعد . وحاول زو جهده أن يلتقط أنفاسه المتقطعة ، وهو يقول متحمساً : سيصل إن عاجلاً أو آجلاً ، يا مولاي ، إنه على مقربة من النبع . فقال الملك الأبيض : لا عليك ، يا زو ، إذا حاول هذا الشاب ، الصعود إلى أعالي الجبال ، سيموت عند السفوح الأولى . وقال زو وقد ازداد تحمساً : لا داعي لامهاله ، ولا حتى لحظة واحدة ، دعني أقتله ، يا مولاي . وبهدوء لم يتوقعه زو ، قال الملك الأبيض : لا . ونظر زو إليه مندهشاً ، ثمّ قال : ما الأمر ، يا مولاي الملك ؟ لقد قتلنا في السابق ، كلّ من حاول الصعود إلى الأعالي . ولاذ الملك الأبيض بالصمت ملياً ، ثم قال كأنه يحدث نفسه : لم يكن أيّاً منهم ، مثل هذا الشاب . ولزم زو الصمت مندهشاً ، حائراً ، فتابع الملك الأبيض قائلاً : الأمر مختلف ، يا زو ، هذا الشاب ، الذي جاء من بعيد ، يحب الأميرة . واتسعت عينا زو دهشة وغضباً ، وقال : هذا أدعى إلى قتله ، يا مولاي . ورمقه الملك الأبيض بنظرة سريعة ، فصمت زو لحظة ، ثم قال متراجعاً : مولاي ، هذا الشاب ، على ما يبدو ، من عامة الناس . ونظر الملك الأبيض بعيداً ، ربما أبعد من قمم مملكته المتجلدة ، وقال بصوت هادىء عميق : قلب الإنسان لا يفرق بين أمير وغير أمير . ونظر زو إليه صامتاً ، فالتفت إليه الملك الأبيض وخاطبه بصوت هادىء : لا تنسَ ، يا زو ، أنّ نصفي إنسان . وقال زو معترضاً ، بصوت خافت متردد ، : نصف إنسان ، يا مولاي ، لكن النصف الآخر إله ، وأنت تعرف أنّ الإله ... فقاطعه الملك الأبيض قائلاً : ما يتحدث إليك الآن ، يا زو ، هو الإنسان . وأمام أنظار زو المذهولة ، التفت الملك الأبيض ، وصاح : أيتها الوصيفة . وعلى الفور ، أقبلت وصيفة شابة مسرعة ، وانحنت للملك الأبيض ، وقالت : مولاي . فقال الملك الأبيض : أبلغي الأميرة ، بأني سأزورها بعد قليل . وانحنت الوصيفة الشابة للملك الأبيض ، وقالت : أمر مولاي . ثم تراجعت إلى الوراء ، ومضت مسرعة إلى الخارج ، فنظر الملك الأبيض إلى زو ، وقال : ما سمعته الآن ، وستسمعه قريباً مني ، هو الإنسان فيّ ، وليس الإله .
" 9 " ـــــــــــــــــــــــ هبّ كوزانو من مكانه ، تحت الشجرة الضخمة ، المطلة على النبع ، حين سمع مهره ، الذي كان يرعى على مقربة منه ، يحمحم قلقاً . واستل سيفه ، الذي أعطاه إياه قائد الحرس ، ليواجه به الأخطار ، التي سيواجهها ، وهو في طريقه إلى مملكة أعالي الجبال المتجلدة . واستدار مذهولاً ، إذ سمع صوتاً رقيقاً ، لم يتوقع أن يسمعه في هذا المكان المنقطع ، يخاطبه قائلاً : أيها الفارس ، لستُ لبؤة ، أعد سيفك إلى غمده . وإذا به يرى ، ويا للعجب ، الأميرة اينا نفسها ، التي قطع كلّ هذه المسافة للوصول إليها وإنقاذها ، وإعادتها إلى أبيها الملك الشيخ ، تقف أمامه . وعلى الفور ، أرخى كوزانو يده بالسيف ، وقال معتذراً : أستميحك العذر ، يا مولاتي . وحدقت الأميرة فيه ملياً ، وقالت : أظن أنني رأيتك ، في مكان ما ، من قبل . وأعاد كوزانو السيف إلى غمده ، وهو يقول : ربما ، ربما رأيتني ، يا مولاتي . واقتربت الأميرة منه ، وهي مازالت تحدق فيه ، وقالت : نعم رأيتك أكثر من مرة ، في قصرنا الملكي ، ثم اختفيت فجأة . وقال كوزانو متلعثماً : نعم اختفيت ، والأحرى يا مولاتي ، إنني أخفيت ، منذ حوالي سنتين . وتساءلت الأميرة مندهشة : أخفيت ! فردّ كوزانو قائلاً : أخفاني مخفوراً ، في بيت منعزل ، والدك جلالة الملك . وبدت الدهشة واضحة على ملامح الأميرة ، وقالت : ما فهمته من الملك الأبيض ، الذي أطلق سراحي ، أن أبي هو من أرسلك لإنقاذي . فردّ كوزانو قائلاً : نعم أرسلني لنفس الأمر ، الذي أخفاني بسببه ، في ذلك البيت المنعزل . ونظرت الأميرة إليه متسائلة ، فقال كوزانو : قال لي جلالة الملك ، أنه أخفاني مخفوراً ، لأنه لمحني مرة ، وأنا حارس بين حراس القصر ، أنظر إليكِ . وابتسمت الأميرة ، وقالت : ولكن أنا أيضاً ، على ما أذكر ، نظرتُ إليك . وخفق قلب كوزانو فرحاً ، وقال بصورة لا إرادية : إذن ما قاله جلالة الملك حقيقة . وراحت الأميرة تتطلع إليه صامتة ، فقال كوزانو : مولاتي .. وتساءلت الأميرة : ما اسمك ؟ فردّ كوزانو : اسمي .. كوزانو . فقالت الأميرة : كوزانو ، هذا بالضبط ما قاله لي الملك الأبيض ، ملك مملكة أعالي الجبال المتجلدة . وقال كوزانو متعجباً : لا أدري كيف عرف اسمي . فردت الأميرة قائلة : يقول إنه نصف إله . وتطلع كوزانو إلى الأميرة ملياً ، وقال : وما لا أدريه أيضاً ، يا مولاتي ، ما الذي دعاه إلى إطلاق سراحك ، مادام قد اختطفك ؟ فردت الأميرة : إنه نصف إنسان . ولاذ كوزانو بالصمت حائراً ، فقالت الأميرة : مهما يكن ، فلنسرع في العودة ، فوالدي الملك ، لابد أنه ينتظرني على أحرّ من الجمر . وتلفت كوزانو حوله ، وهو يقول : أنتِ محقة ، يا مولاتي ، فلنبدأ رحلة العودة الآن . وأسرع إلى المهر ، الذي كان يرعى على مقربة منه ، وقاده إلى الأميرة ، وقال : مولاتي ، اركبي أنت هذا المهر ، وسأقوده إذا شئت من لجامه . وتراجعت الأميرة خائفة ، وقالت : لا ، أنا أخاف ركوب الخيل ، اركب أنت وأردفني وراءك . وركب كوزانو المهر ، ثم مدّ يده ، وساعد الأميرة على الركوب وراءه ، فقالت الأميرة خائفة : يا إلهي ، سأقع من فوق المهر . فقال كوزانو : مولاتي تمسكي بي جيداً ، ولا تخافي ، لن تقعي . ومدت الأميرة يديها المرتعشتين ، وتشبثت بكوزانو ، وهي تقول : لا تدع هذا المهر يسرع ، امش ِ به ببطء وألا وقعت . وأمسك كوزانو بزمام المهر ، وأرخاه قليلاً ، وقال : سنمشي الآن ، وببطء كما أردت . وسار المهر ببطء ، وكلما حاول أن يسرع شدّ كوزانو زمامه وهدأه ، واطمأنت الأميرة بعض الشيء ، فقالت لكوزانو : أشكرك لأنك جئت لإنقاذي . فقال كوزانو : عفواً ، يا مولاتي ، لكني لم أفعل شيئاً يذكر في سبيل إنقاذكِ . وتشبثت الأميرة به مطمئنة ، وقالت : لابدّ أن أبي الملك ، وعدك بجائزة إذا أرجعتني إليه . وابتسم كوزانو ، وقال : وأي جائزة . فقالت الأميرة : ذهباً ؟ فرد كوزانو : أغلى من الذهب . وتساءلت الأميرة : أغلى من الذهب ! ولاذ كوزانو بالصمت ، فقالت الأميرة : مهما تكن الجائزة ، فأبي يفي دائماً بما يعد . وتساءل كوزانو : حتى لو كانت الجائزة .. أنتِ ؟ وصاحت الأميرة : ماذا ؟ فقال كوزانو : قال لي الملك ، ستكون الأميرة اينا لك ، إذا أرادتك . وردت الأميرة اينا قائلة : سأريدك ، يا كوزانو ، إذا أردتني أنتَ . وأرخى كوزانو زمام المهر ، وحثه على الإسراع ، فانطلق يسبق الريح ، ومع ضحكات الأميرة الفرحة ، راح كوزانو يصيح : لنسرع ، يا أميرتي ، سيفرح جلالة الملك بهذه الأمر .
30 / 4 / 2015
#طلال_حسن_عبد_الرحمن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مسرحية من ثلاثة فصول الطريق إلى دلمون
-
مسرحية من فصل واحد الثلوج
-
مسرحية من فصل واحد السعفة
-
مسرحية من فصل واحد
...
-
مسرحية من فصل واحد البروفة
-
مسرحية مونودراما الرعب والمطر
-
مسرحية من فصل واحد الصحراء
-
مسرحية من فصل واحد الشجرة
-
الانتظار مسرحية من ثلاثة فصول
-
مسرحية عقارب الساعة
-
قصص للأطفال إلى الكلمة الشهيدة شيرين التي أطفأها الصهاينة ال
...
-
مسرحية من ثلاثة فصول إنسان دلمون
-
مسرحية الجدار
-
القطار
-
رجل من زمن الحصار
-
قصص قصيرة جدا
-
ثورة الإله كنكو
-
لقاء مع الشاعرة العراقية بشرى البستاني
-
آخر أيام اور
-
الثعلب وأنثى التمساح
المزيد.....
-
رسميًا إلغاء مواد بالثانوية العامة النظام الجديد 2024-2025 .
...
-
مسرح -ماريينسكي- في بطرسبورغ يستضيف -أصداء بلاد فارس-
-
“الجامعات العراقية” معدلات القبول 2024 في العراق العلمي والأ
...
-
175 مدرس لتدريس اللغة الصينية في المدارس السعودية
-
عبر استهداف 6 آلاف موقع أثري.. هكذا تخطط إسرائيل لسلب الفلسط
...
-
-المُلحد-.. إبراهيم عيسى: الفيلم هو الدولة المدنية التي نداف
...
-
ساويرس يرد على سؤال بشأن فيلم -الملحد-.. وهذا ما قاله عن -من
...
-
-رأس الخس- يلاحق تراس من جديد ويخرجها من المسرح (فيديو)
-
هيفاء وهبي تعلق على قرار منعها من التمثيل والغناء بمصر بآية
...
-
بعد أزمة فيلم -الملحد-.. هل تأجل العرض بمصر أم مُنع العمل؟
المزيد.....
-
في شعاب المصهرات شعر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
(مجوهرات روحية ) قصائد كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
كتاب نظرة للامام مذكرات ج1
/ كاظم حسن سعيد
-
البصرة: رحلة استكشاف ج1 كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
صليب باخوس العاشق
/ ياسر يونس
-
الكل يصفق للسلطان
/ ياسر يونس
-
ليالي شهرزاد
/ ياسر يونس
-
ترجمة مختارات من ديوان أزهار الشر للشاعر الفرنسي بودلير
/ ياسر يونس
-
زهور من بساتين الشِّعر الفرنسي
/ ياسر يونس
-
رسالةإ لى امرأة
/ ياسر يونس
المزيد.....
|