نبيل حاجي نائف
الحوار المتمدن-العدد: 1683 - 2006 / 9 / 24 - 12:02
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
ما هي الكائنات الفكرية وما هي صفاتها وخصائصها ؟
كيف تشكلت وكيف تنمو وتتطور ؟
كيف خرجت من العقول وتوضعت خارجها ؟
ما هي قدرات هذه الكائنات وإلى أين سوف تتطور وما هي تأثيراتها علينا ؟
إن كورزويل في كتابه حين يتسامى البشر
يشير إلى اقتراب حدوث إنكسار تاريخي جذري بالغ العمق من شأنه تفيير كل ما يؤلف طبيعة الكائن البشري .
فهو يتوقع نتيجة التطور السريع لقدرات الكومبيوتر والذكاء الصناعي المترافق مع التقدم هائل في مجال التحكم في المورثات , أن يؤثر ذلك على عملية التطور البيولوجية , وأن يصبح التحكم في التطور البيولوجي بيد البنيات الفكرية
وكذلك كان فون نويمان قد تنبأ بأن الجنس البشري سوف يتطور بشكل سريع وغير متوقع نتيجة نمو التكنلوجيا وتطور الكومبيوتر .
وكذلك قال ستيفن هوكنج ما معناه .
أدى نقل المعلومات عن طريق غير بيولوجي إلى أن يسيطر الجنس البشري على العالم , فقد حدث منذ حوالي سبعة آلاف سنة أن أنشأ الإنسان اللغة المكتوبة وهذا يعني انتقال المعلومات دون الاتصال المباشر أو الشفاهية , فقد توضعت المعلومات خارج عقل الإنسان وصارت هذه المعلومات تسير عبر الزمن وتنتقل إلى الآخرين بدقة وبعد موت منتجها بزمن طويل .
لذلك نحن الآن على مشارف عصر جديد سوف نتمكن فيه من زيادة تعقيد سجلنا الداخلي أي " دنا" من دون أن نحتاج إلى انتظار عمليات التطور البيولوجي البطيئة والتي تحتاج إلى عشرات الآلاف من السنين , وإن من المرجح أننا سنتمكن من إعادة تصميم الإنسان بالكامل في الف العام القادمة .
فالسوبرمان قادم ونحن أجدادة إن لم نكن أباؤه , وهو على الأغلب لن يكون بيولوجي فهو سوف يكون إلكتروني .
وهذا سوف يحدث نتيجة معرفة أسس تشكل الوعي البشري , وبالتالي إنتاج هذا الوعي إلكترونياٌ , و لن يعود هناك حاجة لإنتاج هذا الوعي بطرق بيولوجية معقدة ومقيدة .
إن الكائنات الفكرية أو البنيات الفكرية
هي بنيات غير مادية , والأفكار هي شكل متطور من أشكال الكائنات الفكرية .
مثلما نشأت الكائنات الحية من العناصر والمركبات الكيميائية بعد أن تفاعلت حسب القوى والآليات الموجودة , كذلك نشأت الكائنات افكرية في الأجهزة العصبية لدى الكائنات الحية . وكان نشوؤها متسلسل , إلى أن وصلت إلى ماهي عليه لدينا في الوق الحاضر
فالكائنات الفكرية تتكون في أول الأمر - أوفي شكلها الخام - في الجهاز العصبي من السيالات العصبية الكهربائية الواردة من المستقبلات الحسية . فالمتقبلات الحسية بكافة أشكالها تحول - أو ترمز - بعض أنواع التأثيرات الفيزيائية - ضوئية , صوتية , حرارية , ميكانيكية , كيميائية , . - إلى نبضات عصبية كهربائية على شكل سيالات كهربائية عصبية , ترسل إلى الدماغ الذي يقوم بتقييمها وتصنيفها بناءً على نتائج تأثيراتها على الجسم , إن كانت مفيدة أو ضارة أو محايدة , ثم يقوم بالاستجابة بناءً على ذلك .
لقد كانت هذه البنيات بمثابة وسيلة إعلامية , وكذلك وسيلة تنفيذية تقوم بالاستجابات أن كانت استجابات كيميائية فزيولوجية , أو حركية , وتطورت ليصبح جزء منها حسي واعي .
ولدى الإنسان الذي يعيش في مجتمع تطورت هذه البنيات الفكرية العصبية , فترابطت سلاسل لتشكل بنية فكرية متطورة .
وقد حدثت قفزة كبيرة عندما مثلت بعض البنيات الفكرية بإشارات - أصوات وتعبيرات وحركات تدل عليها , وهذا أدى لنشوء البنيات اللغوية .
فهذه الدلالات - أو البنيات اللغوية الفيزيائية - عادت ودخلت إلى الدماغ كمدخلات حسية , و تحولت من جديد لبنيات فكرية خام وأصبحت بنيات فكرية دلالية أو لغوية , فهي ترمز أفكار تم إرسالها من إنسان أخر .
وبذلك نشأت وسيلة تستطيع بها البنيات الفكرية الانتقال من عقل إلى آخر .
أي نشأت وسيلة – للغة - للتواصل بين الناس . فهذا يتم بعد أن تتحول البنيات الفكرية اللغوية إلى بنيات فيزيائية لغوية دلالية - مؤثرات فيزيائية إشارات وأصوات - فإذا تلقتها حواس إنسان آخر يمكن أن تصل إلى دماغه وتتحول إلى بنيات فكرية لغوية ثم إلى بنيات فكرية , هذا إذا تم فك رموزها .
وبهذ استطاعت البنيات الفكرية أن تنتقل من دماغ إنسان إلى أخر , وتصبح مهيئة لكي تتوضع فيه .
أي يمكن أن تتحول البنيات الفيزيائية الدلالية أواللغوية , إلى بنيات فكرية عصبية , وتتوضع في دماغ المتلقي .
وهذا لا يحدث إلا إذا وجدت بيئة مناسبة لها , فيجب أن تنسجم وتتوافق مع البنيات الموجودة , ولا تناقضها . هذا إذا تم فهمها - أي تم تمثيلها ببنيات فكرية مناسبة - , وليس ضرورياً أن تكون البنية الفكرية المتكونة مطابقة للأصل الذي كانت عليه في دماغ المرسل , أي يعاد تشكيلها حسب قدرات وخصائص الدماغ المتلقي , لذلك هي غالباً ما تتعرض للتعديل والتغير عندما تنسخ في عقل المتلقي .
انتقال البنيات الفكرية من دماغ إلى آخر, وانتشارها في العقول
إن الأفكار تنتقل من عقل إلى آخر , فيتم نسخها وانتشارها في أدمغة الكائنات الحية المتطورة , وهذا يشبه توالد وانتشار البنيات الحية التي تنسخ وتنتشر بالتوالد . وكذلك تتطور الافكار وتنشأ أفكار جديدة مثلما تتطور وتنشأ البنيات الحية .
والأفكار تولد وتموت مثل الكائنات الحية , والأفكار تدافع عن نفسها وتحافظ عليها . ويمكن تشبيه الأفكار أيضاً بالجينات أوالفيروسات , فهي تنتقل من عقل لآخر ( كما تنتقل الفيروسات من جسم لآخر ) وبذلك تنتشر في العقول , وهي تحمي وتدافع عن نفسها , وتتنافس و تتصارع مع الأفكار الأخرى .
ولكي تنتقل وتنسخ وتنتشر في العقول لابد من توفر عوامل وظروف معينة لكي يتم ذلك , وأهم هذه العوامل هي :
أولاً : الاتصال بين العقول , لكي يتم انتقال الأفكار, وذلك بحدوث النقل والتلقي , وبالتالي التبني , التوضع أو التخزين . وذلك بوجود أي نوع من اللغة - إشارات شمية , أو أشارات بصرية , أو إشارات صوتية . ., بالاضافة إلى جاهزية الحواس والعقل , للتواصل والتلقي المناسب .
ثانياً : عدم وجود ما يمنع من تبني الأفكار, فوجود أفكار سابقة يؤثر على الانتقال والتبني للأفكار. وكذلك عدم جدوى هذه الأفكار .
ثالثاً : المحاكاة والتقليد التي يملكها الكائن الحي , تؤثر بشكل كبير على انتشار الأفكار .
قوى الكائنات الفكرية
إن الكائنات الفكرية تستخدم عقل الإنسان لحمايتها , فبعد أن تتوضع في دماغه , تدفعه للدفاع عنها والسعي لنشرها في العقول الأخرى , وهي تقاوم الكائنات الفكرية الأخرى , وتسعى لمنعها من الدخول إلى الدماغ الموجودة هي فيه .
فالفكرة متى دخلت العقل وتوضعت فيه , تمنع الأفكار الأخرى من الدخول والتوضع , إذا لم تكن متسقة معها أوتناقضها . فهي تقبل دخول الأفكار التي تؤيدها أو التي تنسجم معها ولا تخالفها .
إن كافة الأفكار والمعارف هي بمثابة كائنات فكرية , فهي تتفاعل مع بعضها ضمن الدماغ , فتتطور وتتشكل أفكار جديدة , وهذه الكائنات تسعى للخروج من الدماغ الذي تكونت فيه والدخول إلى الأدمغة الأخرى .
وكما قلنا تتصارع هذه الكائنات الفكرية مع بعضها , وهي تشكل مجموعات - أحزاب - متعاونة مع بعضها , وتتصارع مع الأحزاب الأخرى . فيهزم بعضها , ويتراجع انتشار بعضها , ويزداد انتشار المنتصر . ويمكن أن تقضي على منافسها أوتوقف انتشاره . وتموت مع موت الدماغ الحامل لها , ولكن يمكن أن يبقى نسخ منها في عقول أخرى . وهذا يشبه ما يحصل للغات عندما تنتشر أو تنحسر أو تموت , لأن اللغات هي في أساسها صورة أو ممثل للبنيات الفكرية .
توريث البنيات الفكرية , نتيجة الحياة الاجتماعية
إن الأفكار والعقائد والأحاسيس والانفعالات البشرية , تنتقل نتيجة العلاقات الاجتماعية , وبشكل خاص عن طريق العلاقات الأسرية , وبالذات عن طريق الأم , فللأم الدور الأكبر( بالاضافة للأب) في نقل البنيات الفكرية . وتنقل أيضاً التقيمات الأساسية التي تحدد المفيد أو الضار. فهي التي تعلم طفلها كيفية اختيار طعامه , وكيفية تعامله مع الأوضاع التي تصادفه . بتعليمه أسس تقييم هذه الأوضاع من ناحية فائدتها أو ضررها له . فهي بالإضافة لأفراد أسرته والمتعاملين معه , يزرعون في عقله , أو يبرمجون عقله . فهم ينقلون له الأفكار والمعارف والعقائد والمشاعر ..., التي هم توارثوها أيضا من أسرهم و مجتمعهم .
صحيح أنه الآن يوجد الإعلام , الممثل بالمدارس وباقي طرق التعليم , بالإضافة إلى الراديو والتلفزيون وكافة وسائل الإعلام . وهي غالباً ما تساعد على توحيد ما يتم نشره في أغلب العقول . ولكن يبقى الكثير من الاختلافات التي ينشرها هذا الإعلام الموجه , مع ما يكتسب من الأسرة والمحيط القريب الموجود فيه الفرد.
إن هذه الظاهرة هي من أهم أسباب الاختلافات والتناقضات الفكرية والعقائدية بين البشر , وذلك نتيجة توسع العلاقات البشرية لتشمل مجال واسع , من الجماعات مختلفة بالأفكار والعقائد والقيم, وهي التي تولد الآن أكثر الصراعات بين البشر.
صراع البنيات الفكرية
إن البنيات الفكرية تتصارع مع بعضها , فكل بنية فكرية تسعى لكي تتوالد وتنتشر في العقول , وتسعى إلى منع غيرها من البنيات الفكرية من الانتشار في العقول , وهي تدافع عن بقائها وانتشارها تجاه الأفكار الأخرى . وهي تستخدم في صراعها هذا كافة قدرات الإنسان الفكرية والمادية والاجتماعية والقتصادية ... , والملاحظ أن انتصار الأفكار وانتشارها في العقول , مرتبطة بالقدارات التي يملكها الذين يتبنوها ويدافعون عنها , وعددهم في المجتمع . وذلك بغض النظر عن صحة أو دقة أو فائدة هذه الأفكار .
فإذا حدث جدال فكري ( أو صراع بين البنيات الفكرية) بين شخصين أو فريقين , فالنصر سوف يكون للذي يملك قدرات أكثر ويستخدمها في هذا الصراع , وسوف يكون لعدد أفراد الفريق تأثير كبير في تحقيق النصر . وذلك بغض النظر عن دقة أو فائدة الأفكار المنتصرة .
وهذا ينطبق على كافة أشكال البنيات الفكرية , إن كانت عملية , أو عقائدية , أو علمية .....
فالذي يقرر بقاء البنيات الفكرية , وانتشارها في أكبر كمية من عقول أفراد المجتمع , هو ما يلي :
1 – عدد الذين يتبنوها في المجتمع . فمهما كانت الأفكار دقيقة أو مفيدة , ولكن الذين يتبنوها قلائل جداً , فهي لن تنتشر .
2 – ارتباطها مع بعضها ومع المنتشر في المجتمع , فكل الأفكار التي تناقض أو لا تنسجم مع ما هو موجود سوف تقاوم وتمنع من الانتشار , وبغض النظر عن دقتها أو فائدتها .
3 – كمية القدرات الفكرية والمادية والاجتماعية . . , التي يملكها من يدافع عنها ويسعى لاتشارها .
4 – توافقها مع الأوضاع والظروف المادية والجتماعية والاقتصادية . . . , الموجودة في المجتمع . لذلك عندما تتغير الأوضاع والظروف , يصبح احتمال انتشار أفكار جديدة أكثر , لأن الأوضاع الجديدة تؤدي إلى ظهور ضعف وعدم جدوى الأفكار غير المفيدة المنتشرة في العقول . وهذا يساعد في نمو وانتشار الأفكار الأصح والأفضل , للأفراد وللمجتمع ككل .
إن هذه الكائنات بيننا منذ زمن وهم يقودوننا ويفرضون علينا خياراتهم في كافة مجالات حيلتنا , صحصح إنهم لن يظلموننا بشكل كامل ولن يقضوا علينا , ويمكنهم أن يساعدوننا في كافة المجالات , و يستطيعوا أن يساعدوننا في حل أهم مشكلة بالنسبة لنا وهي الموت ويستطيعوا أن يفتحون لنا الكثير من مجالات الوعي والإحساس .
وكذلك ممكن أن يحدث العكس .
#نبيل_حاجي_نائف (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟