أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الله خطوري - رَجُلٌ يَنَامُ















المزيد.....

رَجُلٌ يَنَامُ


عبد الله خطوري

الحوار المتمدن-العدد: 7318 - 2022 / 7 / 23 - 16:26
المحور: الادب والفن
    


في النهاية أو في البداية أو فيما بينهما طيف شفاف غير مرئي جزء منا يعيش فينا ينفصل عنا يتوغل يتغلغل نُحِسّه لا نفهمه، جمرة هو من هسيسنا تسكننا علينا في لحظة ما نرويها قبل أن ترمينا كما تَرْمي رِئتُنا رِئتَها نفثةً من زفرات حياتنا هوووف نلقيها وتنتهي الحكاية...
تعرفتُ على كتابات(جورج بيرك)أيام سُعار القراءة نهاية ثمانينيات القرن الخالي في رحاب مكتبات الإعارة الخارجية بمدينة الفتوة والشباب،يمكن القول إني تجرعتُ غصص الكتابة لديه جرعة واحدة،خصوصا وأن إيقاع السرد كان سريعا لاسعا حارقا يُناسب خطواتي اللاهثة من مكتبة لمكتبة من فَصل لمُدرج لقسم لساحة واسعة لدرب ضيق لشارع مديد لمنزل ينتظرني في المساء أتكوم في غرفة منعزلة أعانق همهمات تداعيات مكلومة تصدمك منذ الوهلة الأولى تضعك تحت وقع مقصلة حادرة آسمها ضمير آليَقظة المخاطَب"أنتَ"في شبه محاكمة حادة كافكاوية كابوسية تبدأ بسؤال مُلْغز تنتهي بنهاية ملتبسة، مطرودًا تغدو كفأر أجرب يُلقَى ببقاياك في مطارح نفايات أشباه الحياة...
ثم تَجَدَّدَتْ بعد ذلك علاقتي بكتابة الكاتب في أواسط تسعينيات القرن الماضي عبر قناة فرنسية ألمانية تُدْعَى arte في أمسية من أمسيات آحادها كانت تخصصها للثقافة والكتابة والكُتاب، وكم كانت فرحتي شديدة وأنا أتابع قصة(رجل ينام)مقروءة بصوت شجي، مُصورةً مشاهَدةً عبر إخراج سينيمائي رصين تذكرك لقطاته بأفلام تاركوفسكي الروسي وبونويل الإسباني وأكيرا كوروزاوا اليباني وبريغمان السويدي ورونوار الفرنسي وفيلم "السراب"و"حلاق درب الفقراء"بعينيْ"البوعناني"و"الركاب"المغربييْن؛ويمكن الزعم إن سينما مثقف الستينيات والسبعينيات نجحت أيما نجاح في تعالقها وعوالم الكتابة حتى لتغدوَ المشاهدةُ متعةً بصرية تُضارع نظيرتها القرائية توازيها كَنُوتة في نغمة موسيقية موحدة تعزفها آلات متنوعة..لقد استعدتُ بذلك قراءتي النافقة وكتابي الذي أحببته ولم أعثر عليه بعد ذلك الا عبر ما جادت وتجود به عوالم تكنولوجيا البيدئيف السخية...
يرمي السارد بشخصيته في"رجل ينام"في براثن سعير السؤال..ما نفْعُ آلعقل إذن ما نفْعُ آلقلب ما نفْعُ السعي وراء المدعو"رزقا"ما نفع الولادات المتجددة لِمَ نذرفها دموعا حَرَّى عند الفقد، ما نفع الفقد ما نفع آلنفعِ ما نفْعُ آلشيبِ ما نفع حِكمة آلهَرَمِ إنْ لم تستطعْ يا إنسيُّ يومًا إفلاتَ ذا آللسان من عقاله آلقميئٍ يبوح بالأشياء كما تُعاش كما هي كما تجول بآلخاطر تُنهي آلمعادلة وتنتهي عتمات سمادير التفاصيل..كذلك تكلم أكثر من مُتكلم قُبَيْلَ كتابتهم رسائلهم للجحيم.. منذ الوهلة الاولى يلقي بنا(جورج بيرك)في عقل في قلب في نفس شخصيته الوحيدة في هواجسها المتشظية في لظى حريقها المتقد الصاخب على طريقة ضمير الغائب لدى(هونري باريوس)في جحيم أتونه الذي يصف فيه حرب آلانسان القذرة:"تركتْني صاحبة الفندق، مدام لومرسييه،وحدي في غرفتي بعد أن ذكرتني في كلمات قصيرة بكل المزايا المادية والمعنوية التي يتمتع بها"بنسيون عائله لومرسييه".توقفتُ منتصبا في مواجهة المَرأة وسط هذه الحجرة التي سأسكنها لفترة قصيرة أنظرُ إلى الغرفة وأنظر إلى نفسي..."
في مثل هذه الغرفة التي تشبه غرف مُسوخات كافكا تدور أحداثُ(باريوس)قصصٍ وروايات تَرصد حركات لا جدوى لشخوص محاصَرة في مساحة ضيقة مطوقة بتفاصيل تعاش في الخارج بِروتين يومي مشبع بالبرم أمسِ يُشبه اليوم يشبه البارحة لا جديد في الجديد.. شخصية جحيم باريوس، تطل من فجوة في حائط من حيطانها المشلوحة بأحد البنايات المتداعية، كما تطل من أعماق ذاتها على باقي شخوص الغرف المجاورة المتغيرين المتنوعين وما يمور في الأزقة والدروب، تتابع بشغف ما يجري من أحداث لا معنى في عالم يتحول بطريقة مشوهة، لتنقل بأمانه صورا من تفاصيل كائنات تتحرك برتابة ميكانيكية لا رواء في لحظاتها المتتالية..
يصف السارد في قصة"رجل ينام"بضمير مخاطب قاس وبدقة مشاعر هشاشة فرد يحتضر ببطء رغم فتوة الشباب البادية للعيان والتي سرعان ما تفضحها مرآة مهشمة يتشظى عبرها آنعكاس تتكسر فيه ظلال مصلومة في الفراغ.هو هنا كما يمكن أن يكون هناك في مكان آخر في أي مكان يتحرك يمضي بتلكؤ في وجود ثقيل بالكاد يتنفس شهيقا يتلوه زفير في دوامة بدايتها هي نهايتها وعلى نفسها تدور الدوائر..ضمير"أنتَ"سوط حارق يجلد الذات دون رحمة يعريها أمام نفسها، فلا تكاد تبين أو تُعَبر عما يعتمل داخلها، الاشياء مضطربة غير واضحة، وحده الانعزال يتيح فرصة لالتقاط ما يمكن من أنفاس لذات مشروخة تأمل شفرة مقصلة قادمة باترة للأعمار؛إذْ، لا أملَ في الاستمرار في لعب لعبة سخيفة تربط بين بشر تجمعهم صُدف المكان يتناسلون يحلمون بِغد مُغاير تلقيهم الدقائق إلى هاوية جارفة يشيدون أماني لا حدود لغباوتها الى أن تحين لحظة يجمد فيها كل شيء..وكم تمنيتَ يا أنتَ أن تغدوَ مثل ذاك الأعمى البصير القابع على أريكة في حديقة جامدا لا يتحرك ترنو إليه بشغف بإعجاب، أتراه ساكن في جلسته هادئ مستريح أتراه قد عثر على حل للخروج من متاهة المتاه، وحده الصمت يتكلم وحده الفراغ يجيب..متخبطا ظللتَ يا أنتَ تحاول تناور عترات الدرجات صعودًا آنحدارًا لا تلوي على شيء تهفو الى تجاوز تفاصيل الجزئيات إلى كليات مستعصية، تُغَذِي بْيولوجيتَك الناقصةَ دون حماس تستقبل المسماة"حياة"كما آتفق تعيشها والسلام..أنتَ هنا لأنك هنا عبثا تحاول تجاوز الوجود إلى العدم، مستعينا بالعلم بالأدب بالفلسفة بالتأمل بالوحدة بالفكر بالإيمان باليقين، عبثا تجادل تناور تَروم تستثمر الفطرة والفطنة والبديهة، مستشفا الإحساس والحدس، بحثا عن الحقيقة، حقيقة الحياة حقيقة الكون، نشداناً لراحة وخلاص، راحة الضمير وخلاص النفس، تماما كما حاول قبلك الكثيرون غطسوا في غرفهم مثلك يجترون أيام طفولتهم وفتوتهم المهروقة على قارعة طرق مترعة بقوارع لا تنتهي، مبتعدين آختاروا كما آخترتَ أنتَ أن تَنُوؤُوا عن كل ما يقع في الخارج من فوضى ودمار ويباب وعنف وفوران يَمور فيه الفرد والمجموع المغلوب على أمره الساكن في هباء مهاوي قطيع الفراغ..تلك محصلة إحدى فلتات إبداع الانسان في إتقان فن قتل أخيه الانسان في كينونة بلا سعادة.. أو على حد تعبير مُنيفنا عبدالرحمن:
"في لحظات معينة وبعض اﻷحيان بشكل مفاجئ وخلال زمن أسرع من البرق يتعلم اﻹنسان يكتشف يرى ما لا يُتاح له عبر أزمان طويلة فجأة يتبين يتأكد أنه كان نائما أو ساهيا أو ربما كان طيبا إلى درجة الغفلة.."غفلته عن ما يحاك ضده أو لصالحه في الخفاء..من يدري..لا أحد...
في البدء كان الاشتعال في النهاية كان طاعون الوباء وما بينهما خيال أشباح الأحياء يكابدون رغم أنوفهم وَهْمَ مَسْغَبَة حياة تُعاش وكفى في آنتظار إطلاق سراح نُمورنا غير المروضة من أقفاصها المتقدة بالجحيم على حد تعبير مجموعة الروك(بينك فلويد)...
في رواية(هنري باربوس)يُعَري السارد الحضارة الغربية التي تنظر بعين واحدة للأمور..في ألبوم"الجدار" السبعيني تُعَري مجموعة(روجي واترس/دافيد غيلمور/ نيك ماسون/ريشار رايت)هذا النموذج الجديد المتجدد المحترف في صناعة الموت بطريقة مستحدثة، تنتقد إنتاج ماركا ماسخة غَرْبِية مُشَيِئة لإنسانية الانسان غير قابلة للتعديل أو المناورة في آنتظار فجر قادم تنبعث فيه قيامة أخرى لا تبقي ولا تذر...
في قصة"رجل لا ينام"التي يمكن معاينتها فيلما قصيرا بإشراف الكاتب نفسه وإخراج:(bernard queysanne)تُعَادُ الكَرّة من جديد، بقساوة سيزيفية مضاعفة تعيد عجلة السؤال الى بدايتها، ماذا يفعل الانسان هنا عن ماذا يبحث ما تراه سيجد في آنتقاله من أمنية لرجاء من مكان لمكان من لحظة لأخرى مادامت الأمور قد حُسِمت سلفا لِمَ التخبط..عشرون ويزيد مَرَرْنَ عِشْتَها يا أنتَ في بسيطتك المركبة بأشيائك الصغيرة بكتبك التي على المنضدة وعلى الرف هناك تنتظر بلا جدوى مقارعة ما لا يُقْرَعُ..لِمَ آلمعاندة إذن..؟!..

Tu as vingt-cinq ans et vingt-neuf dents, trois chemises et huit chaussettes, quelques livres que tu ne lis plus, quelques disques que tu n écoutes plus. Tu n as pas envie de te souvenir d autre chose, ni de ta famille, ni de tes études, ni de tes amours, ni de tes amis, ni de tes vacances, ni de tes projets. Tu as voyagé et tu n as rien rapporté de tes voyages. Tu es assis et tu ne veux qu attendre, attendre seulement jusqu à ce qu il n y ait plus rien à attendre : que vienne la nuit, que sonnent les heures, que les jours s en aillent, que les souvenirs s estompent.»

ماذا بعد هذا الطوفان من جلبة حروف كلمات لا تجدي، قل لي بالله عليك، أيها القارئ المتوهَم بفتح الهاء غير الموجود إلا آحتمالا القابع في فوضى العدم، ألَمْ تعتريك سِنة غفوة أو نوم وأنت في بداية تهجيك السطر الاول من هذه الخربشات ثم الثاني ورديفه الثالث وبقليل من الحظ والجهد تكون قد تخطيت الفقرة الأولى، لِمَ المغالبة إذن، قبل أن تمسح أصبعُك الوسطى هذه الصفحة المفترَضَة لتنتقل الى صفحة أخرى أكثر إشراقا، دَعْ عينيك تسدلان الحجاب على الحجاب، اغْفُ قليلا، جَرِبْ، لن تخسر شيئا، بل ستربح ربما الكثير في غيبوبتك الظرفية المختارة المرتقبة..بكل بساطة، لا سِر هنا، فقط ستناااام..وإذا تمكنتَ من ذلك، أكون أو تكون مناورتي الأورفيوسية المخبولة لرجل ينام قد نجحتْ..وربما قد تُخَلّصُكَ من يقظتك الصفيقة، ستجعلكَ بدورك تناااام.. أحلام هنية إذن يا صاحبي بُونْ غِيفْ مُونْ آمِي سأنام الآن..سلاااام...



#عبد_الله_خطوري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حُلْمٌ بَارِد
- عِيدٌ لَا يشبه باقي آلأعياد
- زُرْقَةٌ لَا تُطَاقُ ...
- الجبل السحري المازيغي
- مقام الخوف
- عنبر كورونا
- عطسة
- ثيران في شاطئ ماريم...


المزيد.....




- الرياض.. دعم المسرح والفنون الأدائية
- فيلم -رحلة 404- يمثل مصر في أوسكار 2024
- -رحلة 404- يمثّل مصر في -أوسكار- أفضل فيلم دولي
- فيلم -رحلة 404- ممثلاً لمصر في المنافسة على جوائز الأوسكار
- فنانون من روسيا والصين يفوزون في مهرجان -خارج الحدود- لفن ال ...
- اضبط الآنــ أحدث تردد قناة MBC 3 الجديد بجودة عالية لمتابعة ...
- كيف تمكنت -آبل- من تحويل -آيفون 16 برو- إلى آلة سينمائية متك ...
- الجزائر: ترشيح فيلم -196 متر/الجزائر- للمخرج شكيب طالب بن دي ...
- وفاة النجم الأمريكي الشهير تيتو جاكسون
- مصر.. استعدادات لعرض فيلم -إيلات- الوثائقي في ذكرى نصر أكتوب ...


المزيد.....

- توظيف التراث في مسرحيات السيد حافظ / وحيدة بلقفصي - إيمان عبد لاوي
- مذكرات السيد حافظ الجزء الرابع بين عبقرية الإبداع وتهمي ... / د. ياسر جابر الجمال
- الحبكة الفنية و الدرامية في المسرحية العربية " الخادمة وال ... / إيـــمـــان جــبــــــارى
- ظروف استثنائية / عبد الباقي يوسف
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- سيمياء بناء الشخصية في رواية ليالي دبي "شاي بالياسمين" لل ... / رانيا سحنون - بسمة زريق
- البنية الدراميــة في مســرح الطفل مسرحية الأميرة حب الرمان ... / زوليخة بساعد - هاجر عبدي
- التحليل السردي في رواية " شط الإسكندرية يا شط الهوى / نسرين بوشناقة - آمنة خناش
- تعال معي نطور فن الكره رواية كاملة / كاظم حسن سعيد
- خصوصية الكتابة الروائية لدى السيد حافظ مسافرون بلا هوي ... / أمينة بوسيف - سعاد بن حميدة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الله خطوري - رَجُلٌ يَنَامُ