أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ربيع نعيم مهدي - مجرد مدينتين














المزيد.....

مجرد مدينتين


ربيع نعيم مهدي

الحوار المتمدن-العدد: 7316 - 2022 / 7 / 21 - 20:46
المحور: الادب والفن
    


"1"
بغداد.. مجرد مدينة نشأتُ فيها، مدينة أتخمت ذاكرتي بأحداث وصور وأحاديث جمعتني بعابري السبيل، بعض الأحاديث لم تكن تخلو من غايةٍ أو معنى، خصوصاً إذا كنت تدور في شوارعها، التي لا زالت تروي حكايات الحمقى والأعاجم.
كان لي فيها في كل يومٍ رحلة، تبدأ من باب الدار وتنتهي عنده، وما بين البداية والنهاية عشرات الوجوه، بعضها مثقل بالحزن، وبعضها غابت ملامحه في فوضى الزحمة.
في كل الأحوال لم تكن تلك الرحلات بلا متعة، فالمدينة تتمتع بسحر الغواني، ترتدي مبانيها في الليالي أثواب السهر، والشوارع على عكس الحال، تسير بالسالكين الى حيث تريد، كأنها تتلاعب بهم كيفما شاءت.. إن اختنقت بهم غنت بضجيجها، وإن رحبت ساد السكون على الصخب.
مدينة فضولية بطبعها، تراقب الخطى في الأزقة، وتسترق السمع على همس المحبين، ترصد كل نظرة خاطفة خائفة، وإن أرادت كتمت أسرارهم وحملت على وجه جدرانها رسائل عاشق مجهول كتب كلماته دون أن يعلم ان الكلمات زينة الجدران، تحفظها بأي لغةٍ كانت وبأي لون، ولا فرق إن كانت تلك الكلمات رسالة عشق، أو دعوة ثورة أو قولٍ للقائد الضرورة.
"2"
أكتب هذه السطور وانا في بلادٍ بعيدة، لم تستطع ان تمحو صور المدينة من ذاكرتي، بعض الصور تشدني بشوق الى شمسها الحارقة وترابها الذي يعانق الوجوه، وبعض الصور لها نكهة من المُرّ، لا يستسيغ طعمه إلا من تآلف مع الغربة.
أحدى الصور التي استذكرتها كانت لرجل استوقفني في الطريق طالباً استعارة نضارتي، وبالرغم من غرابة الطلب استجبت له وأعطيته النضارة، فسارع الى ارتدائها والنظر الى إحدى المباني الحكومية، ثم أعادها قائلاً:
- يبدو ان المشكلة ليست في النضارة
تساءلتُ عن ماهيّة المشكلة، فأشار الى العلم المرفوع على المبنى، ثم أردف بالقول:
- لا أدري إن كانت المشكلة عندي أم أنها في العَلَم.. فمنذ زمن وأنا أقرأ ما يتوسط العلم "خُدا أكبر"..!!
وهنا أدركت المقصد من قوله واستأذنته مكملاً طريقي باتجاه المبنى الذي أشار اليه، إذ كنت أقصده لإجراء مقابلة مع أحد المسؤولين لإتمام إجراءات القبول والحصول على فرصة للعمل في وزارة الأمن الوطني في حينها، تلك الإجراءات لم تكن سوى مقابلات خاوية مع أشخاص منحتهم الصدفة صفة المسؤولية.
"3"
في الطريق الى المبنى تفحصت العلم لأكثر من مرّة، وبقيت كلمات الرجل تتردد على مسمعي.. حتى في مقابلتي للسيد "ف" والذي خرجت من لقائه وأنا أفكر في أمرين، الأول: قول لابن حوقل عن أهل قم، وصفهم فيه بأن الغالب عليهم عرب ولسانهم الفارسية، والذي ربما لو رافقني في تلك المقابلة لقال بأن الغالب على القوم فرس ولسانهم عربي، والثاني: هو الشمر.. ولا أقصد هنا شخص الشمر بن ذي الجوشن، بل الشخص الذي يؤدي دور الشمر في ما يُسمى بالتشابيه في عاشوراء، فالسيد "ف" كان كثير الشبه بممثل دور الشمر، الرجل الذي كانت لي معه حكاية .
ففي يوم من أيام عاشوراء خرجت مبكراً للذهاب الى دار أحد الأصدقاء القدامى حاملاً معي أكبر الأواني المتوفرة للحصول على سهمي من "التمن والقيمة"، والتي توزع بعد إقامة التشابيه، والتي بالرغم من كونها عمل مسرحي إلا إنها تتسم بالعفوية والبساطة لتمثيل واقعة كربلاء واستشهاد الإمام الحسين.
وعندما وصلت في الوقت المناسب تفاجأت بطلب ورجاءٍ من صاحبي بإنقاذ الشمر والهروب به بعد انتهاء مشهد الذبح، فوافقت على أداء المهمة ما دامت حصتي من "التمن والقيمة" مضمونة، ودار بيني وبين الرجل الذي يؤدي دور الشمر حديث طويل اشتكى فيه من الأذى الذي يتعرض له في كل عام من بعض الحضور، فتساءلت عن الدوافع لأدائه الدور، فأجابني وعلى وجهه ابتسامة " إن لم أقتل الحسين عليه السلام فمن سيقتله".. ضحكنا على المفارقة ووعدته خيراً.
اتخذت مكاني بين الحضور للمشاهدة والاستعداد لتنفيذ الهروب، لكني وجدت نفسي مشدوداً لصوت قارئ المقتل لألتحق بالباكين على مصاب الحسين، وفجأة أمسك بذراعي أحد رجال الشرطة المكلفين بحماية الموقع لتذكيري بأن الوقت قد حان لتهريب الشمر.
ركبت سيارتي منتظراً الهارب، الذي جاء ومعه شخص آخر كان يؤدي در عمر بن سعد، ركبا سريعاً وأدركا ما تضمره نظراتي المحملة برغبة في الانتقام، لكنني انطلقت بهما وسط حشد من الناس، انشغل بعضه باللطم والبعض الآخر يتربص للانقضاض على رفاقي.. والحمد لله وصلت بهما الى مكان آمن وانتهت مهمتي.
"4"
هذه المواقف لم تكن سوى بعض الصور التي شغلت ذاكرتي وأنا أتجول في دروب القاهرة، المدينة التي تحولت الى دار كرم وضيافة، كرم في المواقف وضيافة متخمة بالطيبة، مدينة جميلة تشبه بغداد ولا تشبهها، الناس فيها خليط مختلف متجانس متباين الأهواء لكنه في ذات الوقت خاضع للقانون، الشعب فيها يتمتع بمساحة واسعة من الحرية في إبداء الرأي، عند المقارنة بباقي شعوب العرب.
تجولي في المدينة فتح لي أبواب للحديث مع أهلها، أحاديث بمواضيع شتى، منها ما يكون محوره التاريخ، ومنها ما يكون محوره السياسة، ومنها ما يكون وسيلة للمقارنة بين نظامين حاكمين.
فكرت كثيراً في هذه المقارنات، وفكرت فيما لو أُتيح لمصر موارد كالتي يتمتع بها العراق، كيف ستكون النتيجة؟، أو ماذا لو أُتيح للعراق قيادة كقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي؟، كيف ستكون النتيجة؟..
هذه التساؤلات والتفكير في نتائجها، ولّد عندي أمنية قد يكون التصريح بها بوابة للاتهام بالتطبيل، لكنني سأقولها فهي مجرد أمنية، مفادها " أتمنى ان يُستبدل كل سياسيي الصدفة في بلادي برجل كعبد الفتاح السيسي، وإن كانت الأمنية مستحيلة التحقيق؟!.. سأرضى بالنصف"



#ربيع_نعيم_مهدي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أمالي عبد الحميد مصطفى - 3-
- جناية العمامة
- أمالي عبد الحميد مصطفى - 2-
- أمالي عبد الحميد مصطفى
- أسماء الرئيس الحسنى
- الجريمة المنظمة في صدر الاسلام – 2 -
- الجريمة المنظمة في صدر الاسلام - 1 -
- دكانة الشطري - شيخ الوراقين
- تشرين
- اقتصاديات الجنس
- رسالة في أخبار الجنّ عند العرب
- من غرائب الأخبار في تاريخ العرب
- دكانة الشطري – 6 -
- شامٌ بلا بعضِ الشام
- البغاء الرقمي
- بتكوين لله
- يجب ان يرحل!!
- بين العجم والروم..
- خطوة تبحث عن ثقة
- أزمة الشعارات


المزيد.....




- عن عمر ناهز 64 عاما.. الموت يغيب الفنان المصري سليمان عيد
- صحفي إيطالي يربك -المترجمة- ويحرج ميلوني أمام ترامب
- رجل ميت.. آخر ظهور سينمائي لـ -سليمان عيد-
- صورة شقيق الرئيس السوري ووزير الثقافة بضيافة شخصية بارزة في ...
- ألوان وأصوات ونكهات.. رحلة ساحرة إلى قلب الثقافة العربية في ...
- تحدث عنها كيسنجر وكارتر في مذكراتهما.. لوحة هزت حافظ الأسد و ...
- السرد الاصطناعي يهدد مستقبل البشر الرواة في قطاع الكتب الصوت ...
- “تشكيليات فصول أصيلة 2024” معرض في أصيلة ضمن الدورة الربيعية ...
- -مسألة وقت-.. فيلم وثائقي عن سعي إيدي فيدر للمساعدة بعلاج مر ...
- رايان غوسلينغ ينضم لبطولة فيلم -حرب النجوم- الجديد المقرر عر ...


المزيد.....

- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ربيع نعيم مهدي - مجرد مدينتين