طاليس وإختراع الفلسفة

سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي
(Saoud Salem)

الحوار المتمدن-العدد: 7312 - 2022 / 7 / 17 - 14:52
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    

أركيولوجيا العدم
العودة المحزنة لبلاد اليونان
٩ - طاليس

عبد الرحمن بدوي، في ربيع الفكر اليوناني يرى، إستنادا على تحليل إشبنجلر بأن جذور الفلسفة اليونانية ترتبط إلى حد كبير بالتفكير الديني عند هوميروس وهزيود، وذلك لأن الفلسفة تأخذ رموزها الأولى من الدين، وتولد في أحضان المعتقدات الدينية، من أجل أن تكون ضد الدين في نهاية الأمر. فالفلسفة اليونانية تأسست في أحضان الدين والتصوف والأخلاق، ولكن يجب إضافة المؤثرات الخارجية، أي النابعة من ثقافات أخرى غير الثقافة اليونانية مثل المصرية والبابلية وديانات الشرق عموما..
يعد طاليس إذا أول فيلسوف يوناني مارس التأمل الفلسفي، وهو يصنف مع ما يسمى بالحكماء السبعة، ومن رواد المدرسة الأيونية والمسماة بالملتية l école milésienne نسبة إلى مدينة ميليتوس Μίλητος -Mílêtos أو ملطية كما سماها العرب تحريفا لـ Milet اللاتينية وهي تقع في تركيا الحالية، وهذا حسب التاريخ الرسمي المتفق عليه من قبل أغلبية مؤرخي الفلسفة اليونانية، رغم قلة المعلومات التاريخية المتعلقة بسيرته، حيث لا نعرف بالتاكيد حتى تاريخ ميلاده، ٦٢٥، ٦٣٠ أم ٦٤٠ قبل الميلاد حسب مصادر متناقضة. أما ما تبقى من أعماله فهي شذرات قليلة لا تكفي لتكوين فكرة واضحة وأكيدة عن برنامجه الفلسفي. أغلب المعلومات عن فكره وكتاباته جاءت عن طريق فلاسفة ومؤرخين عدة قرون بعد إختفائه مثل وبالذات أرسطو والمؤرخ ديوجين اللائرسي الذي عاش في القرن الثالث الميلادي. يقول أنتوني جوتليب في كتابه "حلم العقل" : طوال ما يقرب من ألفي عام، ظل الباجثون يبحثون في فقرات لا تتجاوز بضع عبارات، ويقفون على بعض الكلمات هنا وهناك، معولين في ذلك تعويلا شديدا على مصادر ثانوية لا يجدون غيرها.
. نستطيع أن نقول بأن طاليس ولد في النصف الأخير من القرن السادس قبل الميلاد، تقريبيا بين٦٤٠و ٦٣٠ في مدينة ميليتيه والتي كانت من أقوى المستعمرات اليونانية وأكثرها إزدهارا في آسيا الصغرى في ذلك الوقت ويقال بأنه من عائلة مهاجرة ومن أبوين فينيقيين، وتلقى معظم تعليمه في مصر والشرق الأدنى. وفيه يتمثل انتقال الثقافة والفكر من الشرق إلى الغرب ويلقي الشك على الفكرة القائلة بأن الفلسفة هي معجزة يونانية لا يمكن أن تحدث إلا في هذا الجزء من أوروبا الغربية. ويقال بأنه جمع بين النظر العلمي والرؤية الفلسفية، ووضع طريقة لقياس الزمن وتبنى دراسة الأشكال في الهندسة وخاصة دراسته للمثلثات المتشابهة، واكتشف البرهان الرياضي في التعامل مع الظواهر الهندسية والجبرية أو مايسمى بالكم المتصل والكم المنفصل. وإذا كان هناك من ينسب ظهور الرياضيات إلى فيتاغوراس، فإن كانط في كتابه " نقد العقل النظري" يعد طاليس من أول الرياضيين.
طاليس، لم يترك أي أثر مكتوب وكل أفكاره ونظرياته الفلسفية منقولة شفهيا من جيل إلى جيل حتى أرسطو الذي عالج أفكاره وأنتقذها في العديد من كتاباته. وهو يرجع أصل العالم إلى الماء باعتباره العلة المادية الأولى التي كانت وراء تكون العالم. ويؤكد أن " الماء هو قوام الكائنات بأسرها، فلا فرق بين هذا الإنسان وتلك الشجرة وذلك الحجر إلا الإختلاف في كمية الماء الذي يتركب منها هذا الشيء أو ذاك". وحاول أرسطو أن يفسر سبب إختيار طاليس لعنصر الماء كمبدأ أولي قائلا بأن طاليس رأى أن الكائنات الحية تتغذىمن الأشياء الرطبة، فاستنتج بأن الماء هو أصل الحياة. غير أن هذا التفسير لا يكفي لمعرفة ميكانيكية التفكير عند طاليس ولا ما جعله يختار عنصر الماء. ويبدو بعيدا عن الإحتمال أن يصل فعليا عن تفسيرات تقوم على عنصر الماء في تلك الفترة البعيدة، ولكنه في بحثه عن مادة طبيعية يمكنها توحيد ظواهر العالم وتبسيطها، لم أجد عنصرا مناسبا أكثر من الماء. ويعتبره نيتشة أول الفلاسفة لأنه أكد عدة حقائق أساسية منها أن أصل الأشياء أو الأصل الذي تصدر عنه كل الأشياء هو أصل مادي، كما أن كل نظامه كان خاليا من الأساطير والخرافات، كما أنه أكد وحدة الأشياء ورجوعها إلى عنصر واحد، وقوله بالوحدة هو الذي يجعله فيلسوفا، لأنه أرتفع بالفكر عن المشاهدة الحسية المباشرة إلى نوع من التجريد القائم على الحدس النظري.

يتبع

#سعود_سالم (هاشتاغ)       Saoud_Salem#          

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات