أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - داود السلمان - مع دوستويفسكي في سجنه2/ 2














المزيد.....

مع دوستويفسكي في سجنه2/ 2


داود السلمان

الحوار المتمدن-العدد: 7309 - 2022 / 7 / 14 - 20:14
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


وفيما بعد فأنّ آكيم أصبح من أفضل الشخصيات المحبوبة لدى دوستويفسكي، كان يعينه ويساعده في قضايا كثيرة داخل السجن، وبتعبير آخر أنه صار ساعده الأيمن حيث يعتمد عليه في كل شاردة وواردة تحتاج إلى حل فيقوم بها هذا الرجل الغريب الأطوار.
والشخصية الثانية التي أهتم بها الكاتب؛ شاب لا يتجاوز عمره الثانية والعشرين، وهو شاب مسلم يدعى علي، جاء مع أثنين من أخوته بتهمة واحدة، وصفه أديبنا بأنه ذكي ومحبوب، مطيع ذا اسارير منشرحة، يميل له من يراه لأول مرة لأخلاقه الجميل ومنطقه العذب، فصار يتقرب الى دوستويفسكي ليستمع اليه فيأخذ منه بهدف الاطلاع والمعرفة، حتى صار تلميذا مطيعًا للكاتب، فوجهه إلى أن يتعلم اللغة الروسية، بعد ما وجد فيه المواصفات الكاملة لارتقاء سلم الانسانية، والسياحة في أفكار تخدم الأدب، بعد خروجه من السجن.
وثمة شخصية أخرى يدعى فوما فومتش، وهو شخص يهودي يعمل مرابي حتى قام بهذا الدور في داخل السجن، وراح الجميع يرهنون عنده ملابسهم الرثة، وبعض مستلزماتهم، لأجل معلوم مقابل بعض الأموال البسيطة، كي يشترون بها خمرة، إذ كان مهربون يدخلون الخمرة إلى السجن، مقابل مبالغ مالية وفي خفية من السجانين.
دوستويفسكي وصف فومتش بأنه شخصية هزيلة، يحب النقود أكثر حبه نفسه فضلا عن كونه بخيل كثير الشح، ويفيض حقارة أحيانا ولا يتساهل مع السجناء قط؛ وله مواقف غير محمودة العواقب مع النزلاء، وكان دائما يتصادم مع احدهم، فهو بغيض لدى الجميع، لكنّ مع ذلك يعتبر ثريًا ويمتلك أموالا طائلة. وهو مع ذلك أيضا كان متدينا متمسكا بدينه إلى حد بعيد، كما يصفه أديبنا، فيؤدي صلواته في أوقاتها، فهو محافظا عليها.
وعلى كل حال، فأن هذه الرواية يؤرخ الكاتب فيها حقبة أليمة من حياته، لكنها أفادته من ناحية أخرى: أنه درس أحوال السّجناء من الداخل، وعايشهم معايشة فعلية عن كثب، خصوصًا وأنه كان فردًا منهم، وتوصل إلى الغور في أعماق النفس البشرية، لا سيما إذا كان هذه النفس في وضع غير سويّ، كالوضع داخل السجن مشلولة الحركة، معدومة الحرية، مسحوقة الارادة، تعيش في بحبوحة ضيقة لسنوات طويلة، فكيف تفكر هذه الشخصية وكيف تنظر إلى واقعها الراهن، وهي تسكن داخل اربع جدران وفي قيود صارمة.
يوصف الكاتب الحال تلك بقوله" أنني حين أهزّ هذه الذكريات القديمة أشعر بالعذاب القديم يستيقظ في نفسي ويخنق صدري. أنا واثق من أنني نسيت أشياء كثيرة، أن ما أتذكره مثلا هو أن هذه السنين قد أنقضت بطيئة حزينة وأن الأيام كانت طويلة مضجرة مملة تمضي قطرة - قطرة.
واتذكر أيضا أن رغبة عنيفة قوية في أن أبعث بعثا جديدًا وأن أحيا حياة جديدة، قد وهبت لي القدرة علي أن أصمد وأن انتظر وأن آمل؛ وأن نفسي قد قست أخيراً، فأنا انتظر صابرًا، وأعدّ الأيام يومًا بعد يوم، ويفرحني، حتى حين يكون قد بقي عليّ أن أمكث في السجن ألف يوم أخرى، أنني سأستطيع أن أقول لنفسي في الغداة أنه لم يبق إلا تسعمائة وتسعة وتسعين يوما، لا ألف يوم.
وأتذكر أيضًا أنني كنت، وأنا محاط بمئات من الرفاق، اشعر بوحدة هائلة وعزلة رهيبة، وأنني وصلت من ذلك الي أن أحب هذه الوحدة وهذه العزلة. كنت وأنا معتزل في وسط جمهرة السجناء استعرض حياتي السابقة، وأحلل أدق تفاصيلها، واطيل التفكير فيها، وأحكم علي نفسي بغير رحمة أو شفقة. حتي لقد كنت في بعض الأحيان اشكر للقدر إنه فرض علي هذه العزلة التي لولاها لما استطعت أن أحكم علي نفسي ولا أن أنفذ الي قرارة حياتي الماضية.
وما اكثر الآمال التي تنبت في قلبي حينذاك، كنت أفكر واقرر، وأحلف أن لا أقارف في المستقبل ما قارفت في الماضي من اخطاء، وأن أتجنب السقطات التي حطمتني. ووضعت برنامجا لمستقبلي، وآليت علي نفسي أن التزم هذا البرنامج فلا اخرج عنه بل ابقي وفيا له. وكنت أؤمن أيمانا أعمي بأني سأنفذ كل ما أردت، وبأنني أستطيع أن أنفذ كل ما أردت. كنت انتظر حريتي، واناديها في حرارة وحماسة. كنت أريد أن أجرب قواي مرة أخرى في كفاح ويخنقني خنقا أنني أتألم الآن من مجرد ايقاظ هذه الذكريات. ذلك لا يهم أحد غيري بطبيعة الحال. وإنما أنا اكتب ذلك لاعتقادي بأن كل إنسان سيفهمني، و بأن كل إنسان سيشعر شعوري إذا شاء حظه العاثر أن يحكم عليه وأن يسجن وهو في زهرة العمر وكمال القوة".
وقال بعض من أرخ لدوستويفسكي أن القيصر عندما قرأ هذه الرواية وعرف من خلالها معاناة النزلاء وحجم العقوبات التي اطالتهم، أصدر قرارًا بتعديل أوضاع السجناء للتقليل من عذاباتهم وما يلاقونه هناك من نصب، وضغوطات نفسية كثيرة. ويكفي هذا أنه من حسنات دوستويفسكي كمفكر وكفيلسوف وكمصلح اجتماعي.



#داود_السلمان (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أنتِ تبالغينَ في تماديكِ
- نحن الميتون بلا علامة استدلال
- تشريح جنة الخذلان
- نصوص (1)
- أنا لا أحتاج كلّ هذا الذهول
- الشاعر وليد حسين - للآن يلتمس بريقًا
- الإنسان فاقد الإنسانية هو أقل قدرًا من أي حيوان
- المديّات الصّوفيّة في (مُكَابَدَاتُ الحَافِي) للشاعر عبد الأ ...
- الحرمان الثقافي
- من أوهام الكاتب مصطفى محمود
- هل الإنسان غبي: ما هو الغباء؟
- ما هي نظرية المؤامرة؟
- مع غوستاف لوبون
- مُلخص كتب غُوستاف لوبون 2/ 2
- مُلخص كتب غُوستاف لوبون 1/ 2
- المنهج العلمي عند غوستاف لوبون
- الأخلاق: منطق التفاهة
- مَن هو غُوستاف لوبون؟
- غوستاف لوبون: اليهود في تاريخ الحضارة الأولى
- غوستاف لوبون وحضارة العرب


المزيد.....




- السعودية.. مقيم يعتدي على زوجته فقتلها مع سيدة أخرى ويحاول ا ...
- نتنياهو يعين رئيسا جديدا لجهاز -الشاباك- مع تصاعد الجدل حول ...
- تحذيرات من إعلان توفير -وسائل البقاء- للأوروبيين وسط استفزاز ...
- سيارتو: لا جدوى من مقاضاة كييف في ظل انحياز المحاكم الدولية ...
- ماسك: انتخابات المحكمة العليا في ويسكونسن -قد تقرر مستقبل أم ...
- السيسي يؤدي صلاة العيد في مسجد المشير طنطاوي
- الأنهار الجليدية في أفغانستان كنز يذوب تحت وطأة الاحتباس الح ...
- رسميا.. نتنياهو يعين رئيسا جديدا للشاباك
- لأول مرة.. صلاة العيد في قصر الشعب بدمشق
- تقرير إسرائيلي يكشف عدد صواريخ الحوثيين الباليستية


المزيد.....

- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - داود السلمان - مع دوستويفسكي في سجنه2/ 2