أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي دريوسي - سِباق التعرُّج 11














المزيد.....

سِباق التعرُّج 11


علي دريوسي

الحوار المتمدن-العدد: 7306 - 2022 / 7 / 11 - 12:55
المحور: الادب والفن
    


مساء الورد والأحلام يا أصدقائي،

أنا عبد الرؤوف عبّاس، عمري اليوم أربعة وأربعون عاماً، متزوج من تماضر النجّار، لدينا خمسة أولاد أكبرهم عدنان، خمسة عشر عاماً، وُلدت ونشأت في إحدى قرى الساحل السوري، في التاسعة عشر وصلت إلى ألمانيا للدراسة، باع أبي يومها كل ما نملك ليدرّسني على نفقته، كنت الأصغر عمراً بين إخوتي السبعة، أرادني أن أصير طبيباً، توفي أبي قبل أن يسمع أني تخرجت من الجامعة، خنت أمنيته وأمانته، درست علوم الورق والكرتون وصرت مهندس ورق، كلمة "خيانة" مرعبة، أقصد أنني لم أُخلق لدراسة الطب لارتباطه بالدم وأنا أخاف الدم، في ألمانيا تعمّقت عندي ثقافة التفكير خارج الصندوق، خرجت أكثر فأكثر عن مسار القطيع، آلاف الطلبة من البلدان الناطقة بالزراعة والحصاد يحلمون بدراسة الطب أو الهندسة، مع العلم أن الجامعات الألمانية تحتوي على أكثر من 16400 قسم للدراسة بعد الباكالوريا، اخترت هندسة الورق لحلم راودني بإنقاذ "معمل ورق دير الزور في سوريا"، كنت وأنا طالب في المرحلة الثانوية قد تعرّفت إلى المعمل وآلاته وعماله عن كثب بوساطة أخي الأوسط أسامة الذي درس هندسة ميكانيك الآلات في جامعة حلب ليُعيّن لاحقاً في معمل الورق بعد أداء خدمته الإلزامية، حين أخبرت أسامة بأنني قد سجّلت في قسم "تقنية الورق وآلاته" كاد عقله يطير من الفرح، لم يبخل عليّ برسائله التشجيعية المكتوبة بخط يده الجميل، وفي كل رسالة كان يحكي لي عن الفساد والأعطال وانعدام الخبرات في المعمل، حين نضجت أكثر بقيت في ألمانيا ورميت أحلامي الوطنية خلف ظهري، أعمل الآن في معمل كبير لإنتاج الورق ومقره الغابة السوداء، في الوقت نفسه أحاضر مادة "تقنيات الورق وآلاته" في بعض الجامعات الألمانية والنمساوية، بعد تخرجي من جامعة "دارمشتات" التقنية زرت سوريا برفقة أستاذي المشرف، سافرنا سوية إلى مدينة دير الزور لزيارة معمل الورق، اِلتقينا يومها محافظ المدينة وأمين فرع الحزب، تكلمنا كثيراً، بعد يومين ضحك أستاذي ضحكة عالية وقال: "لا أحد يقدر على إنقاذ هذا المصنع، يجب على القيادة بناء مصنع جديد".

أنا سعيد اليوم بقراراتي الصغيرة والكبيرة وبما وصلت إليه من استقرار ومعرفة وخبرة، حين تزوجت لم أتزوج عن حب، خلال زيارتي اليتيمة تلك لأمنا سورية تعرفت إلى زوجتي تماضر، حصل هذا مصادفة، وجدتها في منزل أختي سلمى، ابنة أختي صديقتها، كانتا تحضّران سوية لامتحان الباكالوريا، أعجبتني تماضر، بعد امتحان الثانوية ذهب أخي الكبير سالم مع أختي ليطلبا لي يدها من أبيها.

دخلت تماضر إلى منزلي من الباب الرئيسي ومعها دخل الحظ والأمان وضجيج الأولاد من النوافذ كلها، شخصية تماضر قيادية، قدراتها التنظيمية عالية، هوايتها المفضلة المطالعة وما زالت، تحب الطبخ ومطبخها، لم ترغب بالدراسة الجامعية، كان في داخلها ما يحركها لتصير أماً، أسعدني قرارها، تشربته حتى الثمالة، هكذا أرى المرأة، كنت وما زلت فخوراً بها، كلما أنجبت لنا طفلاً أهديتها جزءاً من أملاكي، مع الأيام ناصفتها كل شيء بكامل الحرية: نصف المنزل الريفي، نصف شقة المدينة، حساب بنكي مشترك، نصف جائزة اليانصيب، نصف السبائك الذهبية، نصف ما نستثمره ونصف كل ما سنربحه ونشتريه في المستقبل. لم أفعل ما فعلته وما أفعله بدافع "مساواة المرأة مع الرجل" ـ المبدأ الذي أرفضه ـ بل بدافع "الثقة الكبيرة" و"الأولاد" و"قانون الضرائب" الذي لن يرحم عائلتي إن مت. لا أبشع من تكريم الأشخاص بعد موتهم إلا سرقتهم.

يقولون: "من يناصف زوجته المال والرزق عن إرادة ووعي سيموت قبلها بكثير".
والله أعلى وأعلم، منه الهداية وبه التوفيق.

أنا المهندس عبد الرؤوف عبّاس، في الحقيقة أنا شخص غريب الأطوار، لا أعرف القناعة، أحلم بالعيش ـ مع زوجتي وأولادي ـ في بلد واسع ودافئ، بلد فيه جبال وغابات وبحر وبحيرات وأنهار وينابيع، فيه أراض زراعية ملونة، فيه ناس شطبت "تقطيب الحاجبين" من قاموسها اليومي، أحلم بالعيش في بلد تحكمه "الدولة"، دولة قانونية، لا بيروقراطية، دولة دكتاتورية ناعمة، عاشقة للعدالة والمساواة والسلم والأمان، دولة تحترم حقوق الإنسان، ترفع من شأن مواطنيها، دولة حامية للهواء والماء والنار والتراب، حاضنة للكائنات والحشرات الضعيفة، دولة تقدر قيمة الحيوان والطير والنبات، أحلم بالعيش في بلد تملكه "الدولة"، كل ما فيه ملك للدولة، روض الأطفال والمدارس والمعاهد والجامعات، المعامل والحقول الزراعية، الفنادق والمطاعم والمقاهي، المشافي والمستوصفات، الملاعب والحدائق، وسائل النقل من طائرات وسفن وقطارات وباصات، محلات التسوق والدكاكين ومكاتب المهندسين والمحامين وعيادات الأطباء.

أنا عبد الرؤوف عبّاس، جمجمتي ملبَّدة بالتفاصيل الواجب إنجازها، تنتظرني كل يوم عشرات الأشياء ـ التافهة والعظيمة ـ لإنجازها دفعة واحدة، أشياء لا وجود لها في كل البلدان، قلبي صغير، عقلي أتعبته العمليات الحسابية، أتعبه المال الذي ينمو كل يوم على الشجر.

أنا عبد الرؤوف عبّاس، أخاف الله، أحبه، أحب الحياة والصخب وأخاف من الموت في غير وقته، أريد بلا شك أن أبقى حياً.
>>>
أصدقائي ابقوا معنا في رحلة اليانصيب فالحياة جميلة



#علي_دريوسي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سِباق التعرُّج 10
- سِباق التعرُّج 9
- سِباق التعرُّج 8
- سِباق التعرُّج 7
- سِباق التعرُّج 6
- سِباق التعرُّج 5
- سِباق التعرُّج 4
- سِباق التعرُّج 3
- سِباق التعرُّج 2
- سِباق التعرُّج 1
- براغي
- جسر اللَّوْز الحلقة الأخيرة
- جسر اللَّوْز 54
- جسر اللَّوْز 53
- جسر اللَّوْز 52
- جسر اللَّوْز 51
- جسر اللَّوْز 50
- جسر اللَّوْز 49
- جسر اللَّوْز 48
- جسر اللَّوْز 47


المزيد.....




- وفاة الممثل الأمريكي فال كيلمر عن عمر يناهز 65 عاماً
- فيلم -نجوم الساحل-.. محاولة ضعيفة لاستنساخ -الحريفة-
- تصوير 4 أفلام عن أعضاء فرقة The Beatles البريطانية الشهيرة ...
- ياسمين صبري توقف مقاضاة محمد رمضان وتقبل اعتذاره
- ثبت تردد قناة MBC دراما مصر الان.. أحلى أفلام ومسلسلات عيد ا ...
- لمحبي الأفلام المصرية..ثبت تردد قناة روتانا سينما على النايل ...
- ظهور بيت أبيض جديد في الولايات المتحدة (صور)
- رحيل الممثل الأمريكي فال كيلمر المعروف بأدواره في -توب غن- و ...
- فيديو سقوط نوال الزغبي على المسرح وفستانها وإطلالتها يثير تف ...
- رحيل أسطورة هوليوود فال كيلمر


المزيد.....

- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111 / مصطفى رمضاني
- جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- رضاب سام / سجاد حسن عواد
- اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110 / وردة عطابي - إشراق عماري
- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي دريوسي - سِباق التعرُّج 11