|
لأُبتِكَ آذان الآلام .
لخضر خلفاوي
(Lakhdar Khelfaoui)
الحوار المتمدن-العدد: 7303 - 2022 / 7 / 8 - 19:37
المحور:
الادب والفن
سرد واقعي :
**** استيقظت هذا الصباح من هذا اليوم الذي قيل عنه يوم مبارك من أيام السنة ! اعتقد ذلك صدقا فهو يوم جمعة و يوم وقفة عرفة !… بعد شرب قهوتي و تنفيث سجائري الأولى لنهار اليوم. اجتاحتني فجأة مخاييل والدي و والدتي .. اجتاحتني رغبة في سماع صوتهما ؛ فمنذ أشهر لم أُحظَ بسماع صوتهما ، تحديدا آخر اتصالاتي بهما كانت قبل شهر رمضان المنصرم. قد يسأل سائل ياه! يا لهذا التصرّف و السلوك ! لم يكلم والدته و والده طيلة هذه المدة ! . إلا أنه لا يمكن لأيّ كائن معرفة حقيقة العلاقة التي تربطني بأبي أو بأمي ، أنا و هما و رابعنا الله من يعلم بالضبط طبيعة و خبايا هذه العلاقة . بغية الاتصال به أين يتواجد بمسقط رأسي ( مسكن الكاهنة ) أخرجتُ هاتفي و بحثت عن رقم والدي متّسِمْ ب( رقم بابا الجديد !) ففي البلد الناس تُغيّر أرقامها كما تُغيّر الملابس ، اعترف أن هذه المرة رقم والدي قد عمّر و استقر لفترة معقولة في قائمتي الاتصالية . والدي مُميّز و مُميّز جدا حتى لا أرميه باتهام ( الغرابة )، لم يحدث و أن تواصل معي أبي - هاتفيا - لأكثر من دقيقتين .. الجاهل لطبيعة و لعقلية والدي قد يرتاب من هذا السلوك .. لكن أبي أكثر الناس في هذه المعمورة من يطبّق حكمة ( خير الكلام ما قلّ و دلّ)، تمنيت ترشيح والدي في سجلّ الأرقام القياسية لأقصر مكالمة و دردشة هاتفية بين الوالد و ولده الذي تستنزف كيانه المنافي و هو بعيد عنه قرابة الربع قرن !. كأنَّ أبي برمج مخَّهُ برسكلة و ترتيب و اعتماد الأسئلة والأجوبة التي سيستعملها معي محضّرا نفسه عند كل اتصالي به ! أبي اعتقد أنه تحدى محرك البحث "جوجل" و ما شابهها من محركات .. يستعمل معي ( كلمات مفتاحية في الحوار! ) هكذا أفسّر أسلوب حديثه معي عبر الهاتف : "ما أخبار مجدي ؛ أوّل واحد يسأل عنه ثم يسأل عن بقية أحفاده ماجدة و ماجدولين )، كلكم بخير ؟ اهتموا بأنفسكم ، كان الله في عونكم عبارة و دعاء يختم بهم الدردشة معي ." -كما هذا الصباح حدث بالضبط ما يحدث دائما بيني و بين والدي من دردشة لأنظر بكل فضول إلى عدّاد المكالمة لأتأكد من مدة بقاء أبي معي على الخط ، هذا الصباح ختم والدي مكالمته برقم قياسي جديد يستحق الإمعان و التوثيق في مسلسل محادثاتي معه.. ستون ثانية لا زيادة و لا نقصان ! ستّون ثانية عبّر من خلالها والدي عن كل ما يجول بخاطر رجل ثمانيني يتحدث مع إبنه البكر ! اجتاحتني نوبة ضحك و أنا في خلوتي في البيت بعد انتهاء تحدّي الاتصالات بيني و بين والدي حفظه الله! قلت في نفسي ياه! ياه يا بابا ! والله لأنك عدوّ الثرثرة و سيّد الكلام القليل الدّال ! . أسعدني كثيرا سماع صوت والدي فكل ثانية سمعتُ فيها أنفاسه كانت تساوي بالنسبة لي أبدية من الكلام . أبّدني والدي فيه من خلال دقيقة واحدة يتيمة( ستّون ثانية ). عندما أنهيت مكالمتي معه لم أتأّخر في مهاتفة والدتي الساكنة بين تخوم ( شيليا) هي جبال و مرتفعات سليلة جبال "الأوراس العظيمة ) ( ولاية خنشلة )و حصلت على صوتها وردها للوهلة الأولى رغم رداءة شبكة الاتصال بها .. وجدتها خارجا ، كانت بصدد قضاء بعض حوائجها و هو بادٍ عليها في هذا اليوم المبارك كانت تستعد و تحضر اللمسات الأخيرة لاستقبال عيد ( الأضاحي و التضحيات ) !. أُمّي عكس والدي تماما في كل شيء تفكيرا و تدبيرا ، هنا خطّان مستقيمان لا يلتقيان و هذا دليل كاف أنهما انفصلا منذ عهود عابرة … -كانت أُمّي مرتبكة بفرحتها التي أحدثتها مكالمتي ، و راحت تمطرني بأسألة كالمعتاد و ككل أمّ عن أحوالي و أحاول الأولاد و الجميع و هي أيضا بكل عنصرية و - تجنّس عاطفي - تسأل عن ماجدة و خاصة مجدي حيث أسْرتْ بألم و حسرة شوقها الرهيب له ! .. جرّتني أُمّي إلى الحديث عنه دون أن أشعر ، فقلت لها أن حفيدها لا يكاد تضييع أي فرصة في التملّق و التبجح و الافتخار و الإعتزاز بنسبه و بجذوره الجزائرية " الشّاوية "، و في كل مرة يستخرج لنا جملته الطقس :" أنا جزائري أنا شاوي ، أنا راجل !" انفجرت أُمّي تضحك و تبكي في آن و أنا أسمع كفكفة دموعها من خلال أنفاسها المخترقة للمسافات عبر اللاسلكي ! كان قلبي يتأرجح بين حبال الغياب .. استرسلت أُمّي معلقة على ما سردته عن حفيدها :" يا يُمّه ! يا يُمّه ! يا كَبدي .. ربّي يحفظك ! "… ثم ذكّرها ما قلته عنه لها فسألتني ضاحكة : هل تذكر يا " فيصل " لما كنتُ عندكم في باريس قبل 14 سنة و كنت أحكي له و هو متكئ على حجري و أقصّ عليه بعض من تاريخ و مأساة آبائه و أجداده و ما كانوا يعانوه مع المستعمر الفرنسي ، فمجرد انتهائي من الحكي حتى خرج "مجدي " متذمّرا حزينا من البيت على عجلة فائقة من أمره و راح يبحث عن أي طفل فرنسي من سنه في الحي و لمّا عثر على واحد منهم ( أعطاه طريحة !) و اعتدى عليه و عنّفه بالضرب و هو يردد على مسمع ذلك الطفل الفرنسي البريء :" أنا شاوي ، أنا جزائري ، يا ولد الكلاب ! ".. انفجرت ضحكا بهيستيريا كبيرة و أمي تذكرني بما فعله مجدي الطفل بكل حماقة صبيانية مع نظيره الطفل الفرنسي ! أين تدخلت وقتها و أدّبتُ مجدي تأديبا عنيفا جزاء لما أقدم عليه من ظلم و لو لا تدخّل أمّي و حمته من غضبي لكنتُ أذيته يومها ! - نعم .. نعم تذكرت يا يمّه و هل يُنسى ذلك اليوم و هذه الحادثة!! - كنت أدردش مع والدتي و نعيد نفس الأسئلة بصيغ مختلفة لبعض الدقائق ؛ هي تريد أن تطيل بأي وسيلة لإبقائي على الخط و أنا كذلك .. كنت بمشاعري و عواطفي في حضرتها ألهث من مكاني إليها بكلي ، كان حينها لأشواقي صفاها و مرواها و للفقد مرويته الخاصة ل المواجع ، و كلما انفلت وجع مني أكظمه حتى لا تتأذّي به أُمّي السبعينية المريضة، فآمر الوجع أن يزمّ ثغره : زمْ ! زمْ! زمْ ! ابقَ هنا في صدري أيها اللعين ! ، لا تذهب و تمرّ إليها ، سأفدي أُمّي بكتمان وجع قلبي المذبوح المنتظر للهدي العظيم طيلة خمس عقود من الوجود !.. كنتُ و هي تتحدث إليّ أُبتِكُ بمقاومة شديدة لحزني آذان الآلام المتراكمة في صدري و التي كانت تتراقص و أطلق بدوري رقصات الفرحة بلقاء أُمّي و هي تحكي أشواقها و تروي حفيدها بكل ذلك الشوق و الفقد !. إنها وقفتي و من وقفاتي لهذا اليوم المبارك !. *باريس الكُبرى جنوبا - 8 جويلية 2022
#لخضر_خلفاوي (هاشتاغ)
Lakhdar_Khelfaoui#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كاتبات يحترفن السعال : « مليكة مقدم » أو الأفعى المتمرّدة! &
...
-
شُرود…
-
تُريد أن أحملها !
-
العقول الحافية و النفوس المُحبطة المكبوتة (1).
-
قلبُ أبي …
-
قصاصة من تجارب حياتي الماضية : القصائد المحروقة !
-
أفكار : Pensées *عن الإبداع الأدبي و الفضاءات الزرقاء:سقوط ك
...
-
*إصدار جديد : رواية باللغة الفرنسية: Vivre parmi les rapaces
...
-
الأرملة الزرقاء: -! La veuve bleue
-
« ساءلتُ الليل » J’ai demandé à la nuit! إصدار جديد للأديب ل
...
-
سردية روائية: *ماء و حنطة !*
-
المرأة و الرجل: ما مدى مصداقية مفهوم « الصداقة » بينهما ؟!
-
العتمة العملاقة: ماذا سيحدث للعالم و لِ - عَبدة- (الفيس و إخ
...
-
عجائب الخلق..
-
كَشُرْبِ الهِيمْ!
-
حُقنْ -الغيبوبة الإرادية- للمرضى بالحياة !
-
هذه طفولتي التي أخطأتها …
-
*دموع إسطنبولية ! ( سردية واقعية)
-
يولد الشّعر في أيّ مكان شاء .. فكن إنسانا أوّلا يا صاحبي!
-
(قصة.ق): كِظام!
المزيد.....
-
الحلقة الاولى مترجمة : متي يعرض مسلسل عثمان الجزء السادس الح
...
-
مهرجان أفينيون المسرحي: اللغة العربية ضيفة الشرف في نسخة الع
...
-
أصيلة تناقش دور الخبرة في التمييز بين الأصلي والمزيف في سوق
...
-
محاولة اغتيال ترامب، مسرحية ام واقع؟ مواقع التواصل تحكم..
-
الجليلة وأنّتها الشعرية!
-
نزل اغنية البندورة الحمرا.. تردد قناة طيور الجنه الجديد 2024
...
-
الشاب المصفوع من -محمد رمضان- يعلق على اعتذار الفنان له (فيد
...
-
رأي.. سامية عايش تكتب لـCNN: فيلم -نورة- مقاربة بين البداوة
...
-
ماذا نريد.. الحضارة أم منتجاتها؟
-
77 دار نشر ونحو 600 ضيف في معرض مكتبة الإسكندرية للكتاب
المزيد.....
-
الرفيق أبو خمرة والشيخ ابو نهدة
/ محمد الهلالي
-
أسواق الحقيقة
/ محمد الهلالي
-
نظرية التداخلات الأجناسية في رواية كل من عليها خان للسيد ح
...
/ روباش عليمة
-
خواطر الشيطان
/ عدنان رضوان
-
إتقان الذات
/ عدنان رضوان
-
الكتابة المسرحية للأطفال بين الواقع والتجريب أعمال السيد
...
/ الويزة جبابلية
-
تمثلات التجريب في المسرح العربي : السيد حافظ أنموذجاً
/ عبدالستار عبد ثابت البيضاني
-
الصراع الدرامى فى مسرح السيد حافظ التجريبى مسرحية بوابة الم
...
/ محمد السيد عبدالعاطي دحريجة
-
سأُحاولُكِ مرَّة أُخرى/ ديوان
/ ريتا عودة
-
أنا جنونُكَ--- مجموعة قصصيّة
/ ريتا عودة
المزيد.....
|