|
التداخلات التأويلية بين الأنا والآخر في - رسائل لم تعد تكتب - لهدى توفيق
محمد سمير عبد السلام
الحوار المتمدن-العدد: 7302 - 2022 / 7 / 7 - 10:34
المحور:
الادب والفن
التداخلات التأويلية بين الأنا والآخر في "رسائل لم تعد تكتب" لهدى توفيق د. محمد سمير عبد السلام - مصر
"رسائل لم تعد تكتب" متتالية قصصية للروائية المبدعة هدى توفيق، صدرت عن دار الأدهم بالقاهرة 2016، وتشكل بنية الرسائل فيها بين البطل/ أحمد، وساندي، أو نورا، نوعا من التداخل، والاختلاف بين صوتي الأنا، والآخر في النص؛ فالرسالة نافذة لعوالم الوعي، وتأويلاته المحتملة للأنا، والآخر من خلال أصالة التفاعل بين الفن، والسياق الواقعي؛ فقد تبدو ساندي كأثر جمالي لبنية العشق في وعي البطل، أو كعلامة فنية متحولة في السياق الاجتماعي؛ فهي ترتبط بالحكايات القديمة، والأساطير، وأخيلة الماء، وبنموذج الخلود في اللاوعي الجمعي طبقا ليونج، وهي تتطور في صيرورة الكتابة، وتداعياتها، وفي تأويلات السياق الواقعي للبطل؛ وكأن بنية العشق في النص تقع بين الحياة المجازية الافتراضية المتجددة، وتداخلاتها المحتملة بالواقع، ومستوياته الجمالية ما بعد الحداثية. وابتداء من عتبة العنوان / رسائل لم تعد تكتب، نلاحظ نوعا من الانشقاق، والتمرد في ذلك التراث الفاعل / المهمش للعشق في النص؛ فالرسائل بين ساندي، وأحمد تمزج بين تراث العشق، وتحولاته الفنية، والثقافية، والبنى الثقافية المهيمنة في اللحظة الحضارية الراهنة في النص القصصي؛ فالبطلة تتجلى كظاهرة جمالية تستعصي على التحديد في وعي المتكلم، وخطابه، وتذكرنا بحضور العمل الفني كنوع أصيل من الوجود في الزمن في فلسفة هيدجر، كما تختلط بتأويلات النماذج المتعلقة بأصالة الذات في عالم البطل الداخلي، وقد تتجلى كجنية من جنيات حكايات ألف ليلة، أو كأنثى متمردة، ومنشقة عن الآخر في إنتاجيتها الإبداعية، ولغتها الخاصة، وحضورها الخيالي في أحلام اليقظة، أو في تأويلاتها لذاتيتها الأنثوية في نسيج الرسائل، أو في ممارستها للكتابة الروائية، أو للكتابة كوجود كوني لا ينفصل عن الواقع، ولحظة الحضور؛ فالنص يوحي بالاتصال بين صوتي الأنا، والآخر عن طريق الكتابة، وتداعياتها الدائرية، وإشاراتها الاستعارية الفاعلة، رغم هيمنة الانفصال الواقعي، واغتراب تلك الرسائل نفسها عن اللغة الآلية السائدة التي تكرس للانفصال بين الأنا، والآخر في الواقع. ويومئ رايموند ويليامز إلى أن العنصر الثقافي المهمش، يظل فاعلا من خلال المهيمن؛ وهو ما نلاحظه من إعلاء الساردة -في صوتي أحمد، وساندي- من تداخلات العشق الجمالية، والمتصلة بتاريخ الفن،وبالواقع اليومي. وتجمع بنية العشق في النص بين أزمنة عديدة تصل بين الأسطورة، والذاكرة الجمعية، والقصائد الحديثة لنزار قباني، والتكنولوجيا، وعوالمها الافتراضية، وحالة الأداء التي تصل الكتابة بالواقع، وتأويلاته المتجاوزة لبنيته الأولي؛ فالواقع يتصل بأحلام اليقظة، أو بتشبيهاته، وصوره الافتراضية كما هي عند بودريار، ولا تنفصل هذه التشبيهات عن تحولات العشق القديمة، وتفكيكها لنمط العلاقات السائد؛ فالحواجز، والمسافات بين الأنا، والآخر تتصل عبر تجاوز كل منهما لحضوره التاريخي باتجاه حضور جمالي قيد التشكل في مدلول الكتابة الواسع بوصفها حياة فنية متجددة. ويمكننا ملاحظة ثلاث تيمات فنية في العمل؛ هي التداخلات التأويلية بين الأنا، والآخر، وفعل الكتابة كتجاوز مستمر للواقع، والتجدد الجمالي، والثقافي لبنية العشق. أولا: التداخلات التأويلية بين الأنا، والآخر: تقوم متتالية هدى توفيق على صوتي البطل، ومحبوبته، وتأويل كل منهما لذاته، وللآخر في آن، والتواصل عبر الكتابة، وما تستدعيه من إكمال مستمر، ووفرة في الصور المتخيلة، والأحلام، والنصوص، والأسماء، والصفات؛ فالبطل يؤول حضوره النسبي من خلال ظهور ساندي في حياته مقترنا بأغنيات فيروز التي كانت قد أهدتها له من قبل؛ فالذات، والآخر يمارسان ولادات جديدة نسبية في السياق الجمالي لكتابة الرسائل؛ وهو سياق تعددي متداخل في آن؛ فالرسالة تبرز الوعي، وتأويلاته الجمالية للآخر، كما تتصل بعوالم اللاوعي، والأدب، والأساطير، والأغاني المؤسسة لبنية العشق المنشقة، والفاعلة في السياق الواقعي. يصف البطل محبوبته بالجنية المتمردة، والشقية المحبوبة، والبيضاء، والمحبوبة الأبدية؛ وهي صفات تصلها بأسلافها في الأدب، والفن، والنماذج؛ إذ تنبع من رغبة الخلود القديمة منذ جلجامش، ومن شخصيات ألف ليلة المتخيلة، وكذلك من كتابة البطل نفسه لشخصية روائية تدعى نورا؛ ومن ثم فالهوية الجمالية للآخر تقترن بوعي الأنا، وكذلك بوفرة الصور، والنماذج المحتملة. أما ساندي فتصف العاشق بساحر الحب، ومراوغ الصمت الكبير والمتناقض بين المنطق، والانفعالات، والجني عاشق الجنية. لقد انتقل البطل – في وعي الأنثى – من الحضور الأدبي الاستثنائي في الساحر إلى المحب المصارع المؤجل، ثم إلى الحضور الأدبي المجرد، والمقترن بالنماذج الأسطورية، وما تحويه من دلالات التحول، وتجاوز الحدود؛ وهو ما يؤكد الإعلاء من التشبيهات، والعوالم الافتراضية الدائرية في الاتصال، والتداخل بين الأنا، والآخر في النص. وبصدد علاقة تفاوت الأزمنة الأدبية بالتماثلات بين نماذج القصص، يشير نورثروب فراي إلى إشارات ملفيل إلى ارتباط حوته الأبيض بالوحوش البحرية في الأساطير اليونانية. (راجع، نورثروب فراي، الخيال الأدبي، ت: حنا عبود، وزارة الثقافة بدمشق، 1995، ص 27، 28). هكذا تتضاعف هوية الأنا، والآخر من اتصالهما بالنماذج الخيالية، والاستعارية، وصور الكتابة المنتجة من كتابتهما السردية، ومن الرسائل التي تشكل عملا تفاعليا سيميائيا قيد التشكل. وقد يقترن الآخر بوعي الأنثى، وإنتاجيته الإبداعية للأشياء، والتفاصيل الصغيرة؛ فطيف البطل يبدو حاضرا في الأخيلة المرتبطة بكيس محشو بخطابات ملونة وردية، وزرقاء، وبيضاء، وتبدو هذه الأشياء ككنز ثمين؛ وكأن الأشياء الصغيرة تشكل عالما استعاريا يجمع بين أخيلة الأنا، والآخر، والتداخلات المجازية الأنثوية المحتملة بينهما؛ لأن خطابات الآخر قد تحولت إلى جزء من وعي الأنثى، وهويتها الجمالية. ثانيا:فعل الكتابة كتجاوز مستمر للواقع: الكتابة تستنزف الواقع في النص؛ وذلك من خلال الاستبدالات المتواترة للفضاء، وللأنا، والآخر؛ فقد تتجلى السفينة كصورة سوريالية، تقترن بأخيلة الماء في وعي البطل، أو كبديل عن السياق الواقعي؛ فهي تؤدي إلى الأبدية، والسلام في عوالم الوعي، واللاوعي، وقد يعاين البطل تجربة العشق كمسرحية؛ ومن ثم يصير الواقع فنيا في سياق ما بعد حداثي، وتختلط المحبوبة بنورا المتخيلة في روايته، دونما انفصال واضح في تداعيات الكتابة. ثالثا: التجدد الجمالي، والثقافي لبنية العشق: تعيد الرسائل -بين البطل، وساندي- إنتاج علامات العشق القديمة؛ لتعديل البنى السائدة في الواقع؛ فساندي تؤول حضورها كأم متخيلة، ومحبوبة معا من عوالم نزار قباني، والبطل يعانق صورتها كظاهرة جمالية تقاوم آلية العلاقات الحتمية في الواقع، وتؤسس لحضور مجازي جديد يفكك حالة الانفصال المسيطرة، ويستبدلها بفاعلية علامات العشق المتجددة. د. محمد سمير عبد السلام – مصر
#محمد_سمير_عبد_السلام (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الصوت الجمالي للشخصية .. قراءة لمجموعة سلامتك ياراسي لهدى تو
...
-
الحكي كنغمات جمالية .. قراءة في مجموعة ( الأمنية الأخيرة ) ل
...
-
تقديم وترجمة بهجة الماضي والأحلام لآن برونتي
-
تجاوز ثنائية الإغواء، والغياب في مسرحية النداهة لنسرين نور
-
نوستالجيا الصور والحكايات وتوظيف مسرح الغرفة في العرض المسرح
...
-
تشكيل الكينونة والمحاكاة الساخرة لبنية السارد العليم في رواي
...
-
المحادثة الكثيفة الموحية مع الآخر في مجموعة الأحمر لميرفت يا
...
-
التجسد التجريبي للموضوع الجمالي في قصص سيد الوكيل
-
التصوير الفوتوغرافي بين الاتساع الإنساني و تجدد إدراك الظواه
...
-
إشكالية الزمن ورمزية الشخصية الفنية والفضاء في مسرحية الأسطو
...
-
الغياب المؤجل، وتعددية الفضاء في العرض المسرحي التوهة
-
شعرية الوعي وتفاعل الهويات الثقافية في رواية صراخ الطابق الس
...
-
الإنتاجية الإبداعية للعلامة، وتجاوز مركزية الوعي في إصدارات
...
-
إيماءات الاختفاء ومراوحات الظهور والغياب في العرض المسرحي شب
...
-
أثر التجربة الشعرية الطليعية لرفعت سلام وصدور النهار الآتي
-
التجريب، والاختلاف، وثراء لغة النقد الأدبي .. قراءة لمختارات
...
-
تفكيك الحدث، و تعدد مستويات الواقع في قصص من أمريكا اللاتيني
...
-
أشكال التجاوز، وتداخل الثقافات في خطاب د. نهاد صليحة النقدي
...
-
الخنادق .. مسرحية قصيرة للعرض في الشارع
-
الذات، واستعادة قوة التراث القديمة في رواية المريض العربي له
...
المزيد.....
-
مسلسل الطائر الرفراف الحلقة 84 مترجمة بجودة عالية قصة عشق
-
إبراهيم نصر الله: عمر الرجال أطول من الإمبراطوريات
-
الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر
-
يفوز بيرسيفال إيفرت بجائزة الكتاب الوطني للرواية
-
معروف الدواليبي.. الشيخ الأحمر الذي لا يحب العسكر ولا يحبه ا
...
-
نائب أوكراني يكشف مسرحية زيلينسكي الفاشلة أمام البرلمان بعد
...
-
مايكروسوفت تطلق تطبيقا جديدا للترجمة الفورية
-
مصر.. اقتحام مكتب المخرج الشهير خالد يوسف ومطالبته بفيلم عن
...
-
محامي -الطلياني- يؤكد القبض عليه في مصر بسبب أفلام إباحية
-
فنان مصري ينفعل على منظمي مهرجان -القاهرة السينمائي- لمنعه م
...
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|