|
أدب الزهد في العصر العباسي للدكتور عبد الستار السيد متولي
عطا درغام
الحوار المتمدن-العدد: 7293 - 2022 / 6 / 28 - 10:03
المحور:
الادب والفن
كان للزهد في أدب العرب شأنٌ كبير، ذلك أن الزهد نفسه ظاهرة اجتماعية بالغة العمق،ولها عمل في ذات المكان وعمل في ذات المجتمع. بيد أن الدراسات الحديثة لم تتناول موضوع الزهد كما ينعكس في الشعر والنثر بما يستحقه من اهتمام ودرس فظل مهملًا أو كالمهمل. وموضوع هذه الدراسة "أدب الزهد في العصر العباسي" الذي لم توفه الأبحاث حقه ولم تعرض لهذا الأدب بالدرس العميق. وغرض الدراسة الكشف عن منزلة الزهد في أدب هذا العصر، وأن يتبين سمو هذا الأدب لنضعه في المكان اللائق به، بعد أن أنكره الناس في القديم وحاربوا أصحابه. وجاء العصر الحديث فأهملناه أيضًا، وفي هذا نقص كبير لأنه جهل بناحية فنية من أدبنا العربي لا تقل روعة عن كثير من نواحيه الأخري إن لم نقل تفوقها في سمو أفكارها وحضَّها علي مكارم الأخلاق والدعوة إلي حياة معنوية شديدة الحاجة إليها لطغيان المادية والقوة علي نفوسهم القاسية. وموضوع هذه الدراسة عاش في فترة معينة من تاريخ الدولة الإسلامية تُعد من أزهي عصور التاريخ الإسلامي،هذه الفترة كانت زاخرة بالأدب والزهد والتصوف في بيئة من أخصب بلاد العالم الإسلامي رقة وذوقًا وأدبًا وثقافةً.. هذه الفترة كانت حافلة بجليل الأعمال زاخرة بعظماء الرجال الذين نحس بحاجتنا إلي استذكار سيرهم بين فينة وأخري؛لنهتدي بهديهم ونقتفي أثرهم..ونتخذ منهم قدوة في مجالات العلم والخلق والعمل. اتجهت الدراسة إلي جانب من جوانب الحياة المتعددة في ذلك العصر وهو الجانب الروحي الذي يثور علي مباهج الحياة وسرابها الخداع. ويذكر الباحث سبب اختياره لهذه الدراسة لسببين : الأول منهما أن الباحثين في الحياة الروحية في الإسلام معظمهم من المستشرقين، ولم يكن غاية هؤلاء اكتناء حقيقة هذه الحياة بقدر ماكانت عنايتهم سلبها عن جوهرها الحقيقي الإسلام. فانتهت أبحاثهم إلي أن الحياة الروحية في الإسلام ترتبط بكل شيء ما عدا الإسلام أثارتها اليهودية والمسيحية، كما أقامتها الديانات الفارسية والهندية وصبغتها الأفلاطونية المحدثة اليونانية. والسبب الثاني: يرجع إلي طبيعة الموضوع نفسه، فقد تكثر المصادر القديمة في ناحية وتقل أو تكاد تنعدم في ناحية أخري بحيث تكثر الفجوات أحيانًا،ثم أن الموضوع نفسه رزخ تحت سيطرة الكثير من الأساطير والأعاجيب، وافتتن المؤرخون القدامي في المبالغات علاوة علي التزييف والوضع. فمن ذا الذي يتردد عن قراءة أدب الزهد والتصوف في أن يُعلن سمو هذا الأدب ورفعته وأنه لحن السماء،ولحن القلب الذي تتفتح له أبواب السماء؟ ومن ذا الذي يتردد في القول بأن تصفية الروح وتطهير الجسد من أدران المادية تمهيد للاتصال بالله طريق معرفته..هذه المعرفة التي تخرجه من الشك إلي اليقين ومن الاضطراب والقلق وتذبذب الآراء واختلاط الأمور إلي السكون والاستقرار والعلم الثابت. ومن ذا الذي ينكر بأن العالم في حاجة نحو خالقه والاتعاظ بالموت والتذكير بالبعث والتخويف بيوم الحساب لتحطيم هذه القيود المادية وكسر أغلال الطمع والجشع والنهم التي جاءت نتيجة أطماع الفرد وأنانيته؟ ومن ذا الذي ينكر أن الناس اليوم ليسوا في حاجة إلي رسالة جديدة أو نبي جديد ، ولكنهم في حاجة إلي التذكير بالرسالة الإنسانية الكبري التي حملها الأنبياء ثم ورثتهم من الصالحين والزهاد من بعدهم. إن الناس في حاجة إلي من يعلمهم الحب..الحب الإلهي الخاص الذي يرتفع بالنفس الإنسانية عن المطامع والشهوات ،ويصل بها إلي الدرجات العلي..إلي مقام النبيين والصديقين والشهداء والصالحين. وما ضاع هذا الشرق إلا حين ترك فلسفته الروحية ،وانصرف إلي نحو الغرب المادي يطلب منه فلسفة وعلمًا..فإذا هو يفقد فلسفته الروحية الطاهرة المتوارثة التي تلائم نفسه وعقله وإقليمه..ثم إذا هو لا يجني من فلسفة الغرب إلا الظواهر والمتاعب والأباطيل.وأما اللباب والخير فلا يعرف سبيلًا إليها. وما يضير الإنسان اليوم وقد هبط بنفسه إلي أسفل الدرك الخلفقي ،وانخلعت من قلبه عواطفه الحية والمحبة والإيثار أن يلتفت إلي ورائه لعله يري بصيصًا من ذلك النور الإلهي الذي حمل مشكاته الأنبياء في كل العصور ، ثم الذين حذوا حذوهم وساروا سيرتهم ونشروا تعليمهم.. وفي كل محنة من محن الإنسان لا يكون في يده شيء إلا لجوؤه إلي السماء ، ولا يبقي له أمل إلا عندما يلوذ برحاب القدس ويؤمن الإنسان حينئذ بأنه لولا إيمانه بالله لهلك وسقط صريعًا في المعركة. وفي وسط الدعوات والمذاهب المادية والإلحادية الصرفة التي تهب علينا رياحها من الغرب في كل وقت لا يكون لنا إلا أن نلوذ بالروحية ونعتصم بها وندعو إليها. وفي خضم مباديء الانحلال والتدهور يبقي الزهد والتصوف مدرسة تكون الرجال وتحمي الأخلاق وترفع معنويات الإنسان وتربي فيه الشمم والإباء والعزة والرفعة والسمو والطهر نحن في حاجة ماسة إلي الزهد ليعيد لنا المعرفة الروحية ،وليعيد اتصالنا بالسماء ،وليصنع لنا الطريق إلي المثل الإنسانية الرفيعة.. وليجعلنا قادرين علي فهم جوهر الدين وحقيقته كما أراده الله .والزهد هو روح الإسلام..وهو الروحية المطمئنة التي تسمو بعلاقة الإنسان بالله وترتفع بها عن أدران المادية العمياء وتغمر أضواؤها جوارحه ومشاعره وخطرات نفسه. لعل أسمي ما قرره الإسلام ودعا إليه الوحدانية،ولذلك كان شعاره"لا إله إلا الله".فالله خالق كل شيء وهو رب العالمين لا رب غيره..وهو القادر علي كل شيء مدبر الكون وواضع قوانينه ومؤلف نظمه وهو العالم بكل شيء لا خلق إلا خلقه،ولا قوة إلا قوته. هذه العقيدة بالوحدانية تكسب معتنقيها قوة وعزة..فالله وحده هو القوي وهو العزيز ليس الناس كلهم إلا خلقه متساوين في الخشوع لقوته والانقياد لإرادته..وهو المعبود وهو وحده المستعان. هذه الوحدانية تشعر الإنسان بالنبل والسمو..فخضوعه لله وحده يشعره بالتحرر من سيادة أحد عليه سواء في ذلك سيادة الناس أو في سيادة قوي الطبيعة..ومن هنا كان الزهاد والمتصوفة رجالًا أشداء بلغوا من العزة في جانب الله مالم يبلغهم مثله. والزهد ليس خمولًا وانهزامًا وفتورًا وضعفًا ولا تواكلصا وهوانًا ، بل هو قوة ونضال ومعرفة وإيمان..قوة روحية تكمن وراء كل حركة بعث للقوي الروحية والوجدانية أقوي ما يكون البعث واشد ما تكزن الحركة. وكم من زهاد ومتصوفة شاركوا في المعارك الحربية التي وقعت عبر التاريخ وسجل لهم التاريخ بمداد من الفخر أكبر البطولات والتضحيات منهم: عبد الله ابن المبارك-عز الدين بن عبد السلام،وأبو الحسن الشاذلي وسواهم. والحركات الفكرية والتجديدية في الإسلام إنما كانت أثرًا لأئمة التصوف الإسلامي ولجهودهم الضخمة في التمكين للإسلام والعمل علي النهوض بالمسلمين كما فعل الغزالي ومحيي الدين ابن عربي والسهروردي وغيرهم. ومنهج الدكتور عبد الستار السيد متولي هو تتبع أصول الزهد منذ بدا في صورة الأبيات المفردة والمقطوعات الصغيرة التي تأتي عرضًا في قصيدة تعالج موضوعًا آخر إلي أن عولج في فن شعري خاص به كان له استقلال عن الشعر العربي العام من حيث الشكل والموضوع أو ظهر في مقطوعات نثرية متكاملة الأجزاء خطبة أو قصة أو رسالة. ثم تطور الزهد إلي التصوف الحادث في الملة الإسلامية كما يقول ابن خلدون..ثم أخذ الزهد يتطور بمرور الزمن إلي نظريات فلسفية ، ثم بينت الدراسة تأثر تلك النظريات بالروح الإسلامية وغير الإسلامية وإرجاعها إلي الأصل الذي نشأت عنه.
#عطا_درغام (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الأصول الفني للشعر الجاهلي
-
الهجاء في الأدب الأندلسي
-
الشعر العماني- مقوماته واتجاهاته وخصائصه الفنية
-
نقد المنظور اليهودي لتطور الشعر العربي الحديث- الدكتورمحمد ن
...
-
أبحاث في الفكر اليهودي للدكتور حسن ظاظا
-
أدب البحر
-
القاهرة مدينة الفن والتجارة
-
صحافة الاتجاه الإسلامي في مصر
-
الأدب العربي في فلسطين(1860-1960)
-
الوسائط الحديثة في سينوجرافيا المسرح
-
نظرية الكوميديا في الأدب والمسرح والسينما
-
المأساة اليونانية في القرن الخامس ق.م
-
الإنسان المصري علي الشاشة
-
مستقبل الثقافة في مصر
-
الحركة النسائية الحديثة: قصة المرأة العربية علي أرض مصرللدكت
...
-
موسيقي مصر والسودان شواهد حضارية وثقافية
-
تذوق الموسيقي العربية
-
المرأة في الفكر العربي الحديث
-
البطل في مسرح الستينيات للدكتورأحمد العشري
-
الموال القصصي سينمائيًا
المزيد.....
-
الثقافة السورية توافق على تعيين لجنة تسيير أعمال نقابة الفنا
...
-
طيران الاحتلال الاسرائيلي يقصف دوار السينما في مدينة جنين با
...
-
الاحتلال يقصف محيط دوار السينما في جنين
-
فيلم وثائقي جديد يثير هوية المُلتقط الفعلي لصورة -فتاة الناب
...
-
افتتاح فعاليات مهرجان السنة الصينية الجديدة في موسكو ـ فيديو
...
-
ماكرون يعلن عن عملية تجديد تستغرق عدة سنوات لتحديث متحف اللو
...
-
محمد الأثري.. فارس اللغة
-
الممثلان التركيان خالد أرغنتش ورضا كوجا أوغلو يواجهان تهمة -
...
-
فنانو وكتاب سوريا يتوافدون على وطنهم.. الناطور ورضوان معا في
...
-
” إنقاذ غازي ” عرض مسلسل عثمان الحلقة 178 كاملة ومترجمة بالع
...
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|