|
التطبع و التطبيع -7-
خليل قانصوه
طبيب متقاعد
(Khalil Kansou)
الحوار المتمدن-العدد: 7293 - 2022 / 6 / 28 - 00:37
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
يثير الكلام المتداول في هذه اليوم عن حلف " ناتو " عربي ، و اعتراف بعض زعماء دول عربية بالتعاون القائم و المستمر بين جيوشها و بين قوات حلف الناتو ، باشكال مختلفة ابتداء من التجهيز و التدريب و التسليح ، مرورا بالمشاركة في مناورات دورية ، وصولا إلى الإضطلاع بادوار قتالية بالتنسيق مع قيادة حلف الناتو ، مخاوف كبيرة في ظل الأوضاع المعيشية الخانقة التي يعيشها الناس في بلدان العرب عموما و في بلاد ما بين النهرين و بلاد الشام خصوصا .
فيتساءل المرء عن الغاية المتوخاة من الخطوات المتسارعة التي تتم في موضوع تطبيع العلاقات بين دولة إسرائيل من جهة و بعض الدول العربية خصوصا الخليجية منها من جهة ثانية ، لا سيما أن هذه الدول جميعا مرشحة لعضوية حلف عسكري رديف لحلف الناتو الغربي ، أو تحت إشرافه ، إلى جانب دول عربية غير خليجية تقيم علاقات طبيعية ، علنية أو غير علنية ، بينها و بين اسرائيل . فيحق لنا إزاء هذا كله أن نفترض وجود علاقة تربط بين هذا " الحلف العسكري " الجاري الإعداد له و ذاك " التطبيع " المُستعجَل ،هذا من ناحية أما من ناحية ثانية فيمكننا أن نفترض أيضا أن مثل هذا الحلف العسكري " الناتو العربي " سيتولى الأمن و الدفاع في البقعة العربية تحت أشراف " الناتو الغربي " و سيحاكي الدور الذي يؤديه هذا الأخير على المسرح الأوروبي ، و تحديدا في أوكرانيا في مواجهة روسيا .
بالعودة إلى مسألة التطبيع تستوقفنا أحداث كثيرة مثيرة للحيرة و الجدل .من البديهي أننا لن نفرد لها هذا البحث كاملا و لكن سنقتضب تذكيرا ببعضها .
ـ يُقال أن الوسيط الدولي في مسألة ترسيم الحدود البحرية بين لبنان و فلسطين ، مزدوج الجنسية الاسرائيلية ـ الأميركية ، فهو مولود في اسرائيل و خدم في جيشها أثناء غزو لبنان سنة 1982 . ينهض السؤال هنا عما إذا كانت الحكومة في لبنان " تطبع " علاقتها بإسرائيل بحسب مفهومية التطبيع بما هو اعتراف و صلح . ـ يُقال أن لبنان سيستورد الغاز من مصر مرورا بالأردن و سورية شرط موافقة الولايات المتحدة على رفع قانون قيصر جزئيا عن سورية . ( كيف جر الغاز من مصر إلى الأردن ). السؤال هنا يتعلق بمعرفة المطبع من غير المطبع و بالعلاقة فيما بينهما . ـ يُقال أن أن الرئيس السوري دُعي لزيارة دولة الإمارات التي طبعت علاقاتها مع إسرائيل و تقوم بينهما علاقات وثيقة ، شبيهة بتلك القائمة بين إسرائيل والمملكة المغربية، تتجاوز في أغلب الظن حدود بلديهما . السؤال إذن ، عما جرى خلال هذه الزيارة بين سورية التي لم تتطبع من جهة و بين الإمارات المطبعة ، ذات الدور الإقليمي .
من البديهي أننا لا نملك إجابات على هذه الأسئلة ، فهذه يعرفها المعنيون بالتحركات التي ألمحنا إليها . و لكن هذه الأخيرة تعكس على الأرجح مفهومية للتطبيع مغايرة لتلك التي روّج لها تمهيدا لتمرير إتفاقيات التطبيع ، في كامب دافيد و أوسلو . يحسن التذكير بأن الغاية المعلنة لهذه الإتفاقيات هي إحلال اجواء من السلام ملائمة للحوار بحثا عن حل لقضية فلسطين على اساس قيام دولة لكل من الإسرائيليين اليهود و الفلسطينيين غير اليهود .
تجدر الإشارة هنا إلى أن هذه الإتفاقيات بقيت حبرا على ورق و لم تشكل بوجه عام ، عائقا في العلاقة بين الحكومات التي أعلنت عن قبولها التطبيع مع اسرائيل من جهة و بين حركة الإخوان المسلمين و بعض فروعها من جهة ثانية بالرغم من أن الأخيرة ما تزال تعبر في أدبياتها عن تمسكها بحل جذري للقضية الفلسطينية لا يتساوق مع تواجد دولة إسرائيل .
من المعلوم في هذا السياق أن التسليم بطبيعة هذه الدولة الإستعمارية الإستيطانية العنصرية لا يجعل فكرة إلغائها مقبولة في الأوساط العالمية التقدمية ، كونها غير واقعية استنادا إلى أن ثمن إقامتها على أرض فلسطين ، على حساب الفلسطينيين الأصليين كان باهظا على الصعد الإنسانية و الثقافية ، بينما سيترتب على محاولة تحطيمها كدولة نتائج كارثية إقليميا وعالميا لا يمكن التنبؤ بمداها ، ناهيك من أن هذه المحاولات تكاد أن تكون مستحيلة . و بالتالي لا مفر من النضال من أجل معالجة مضارها إقليميا و عالميا ، إلى أن تبرأ من نزعاتها الإستعمارية والعنصرية و من التعايش معها بالرغم من المخلفات و التشوهات التي ستنتج عن ذلك .
مجمل القول ليس مستبعدا أن الهدف من التطبيع الذي يتحقق في الراهن بين بعض الدول العربية من جهة و إسرائيل من جهة ثانية هو دمج أراضي هذه الدول و ثرواتها في السيرورة الإستعمارية و إقامة حلف عسكري فيما بينها لحفظ الأمن و الدفاع عنها ضد معسكر غير المعسكر الغربي ، محاكاة لنموذج التطبيع في الضفة الغربية إنطلاقا من اتفاقية أوسلو ، المتمثل بحلف امني بين السلطة واسرائيل يوفر الظروف الملائمة لمصادرة أراضي الفلسطينيين وحرمانهم من المياه الجوفية .
لا بد في الختام من الإشارة إلى ان "التطبيع " الجاري تحقيقه ، يستثني بعض الدول العربية لان وجودها لا يتساوق مع الأهداف المبتغاة من ورائه و يستثني ايضا ، على الأرجح بعض شرائح المجتمعات العربية ، لا سيما تلك التي تشكل بالقوة بيئات محتملة لإنبات حركات وطنية . لذا يعتبر التطبيع و إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط وجهان لنفس العملة .
#خليل_قانصوه (هاشتاغ)
Khalil_Kansou#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عن الفكر و الموقف في السياسة في حكم العراق و بلاد الشام .
-
كيف أخْتلقَ - الشعب الإسلامي - فرنسا نموذجا
-
فرقعة في أوكرانيا و أرق و جوع و عطش وظلام في الشرق الأوسط
-
الحائط المسدود ، الدولة اللاوطنية (2)
-
الإعصار
-
نكران الوطن
-
الولايات المتحدة و سياسة السّلب والتسليح و التدمير و التعمير
-
عن الوباء السابق و الحالي و القادم
-
عن الدين و الدولة ـ 2 ـ
-
ملحوظات على شاطئ النورماندي
-
العنف غير المتماثل
-
الدولة اللاوطنية
-
عن الدين و السياسة
-
في مرحلة تفكيك الدولة !
-
حروب الاطلسي في دول العروبة !
-
الحروب الغشومة
-
الحرب العبثية
-
في خضم - صدام الحضارات -
-
الحرب في أوكرانيا : حدودية أم وجودية ؟
-
عصر الحجر
المزيد.....
-
بلينكن يزور مصر في أول زيارة إلى الشرق الأوسط لا تشمل إسرائي
...
-
الجيش الأمريكي يكمل انسحابه من النيجر بعد حوالي سنة من انسحا
...
-
لحظة واحدة أنقذت ترامب.. فوهة البندقية كشفت ريان ويسلي روث
-
الجيش الأميركي يعلن اكتمال انسحابه من النيجر
-
البيت الأبيض يعلق على منشور إيلون ماسك المحذوف عن بايدن وهار
...
-
-ديلي ميل-: بريطانيا غير جاهزة على الإطلاق لتصعيد الصراع مع
...
-
إصابات في حادث انقلاب حافلة سياحية عائدة من موقع -ماتشو بيتش
...
-
الكابينيت الإسرائيلي يعتمد إعادة سكان الشمال لمناطقهم أحد أه
...
-
هل عادت خطة تخفيف الأحمال في الكهرباء بمصر؟ -الإدارة المحلية
...
-
بايدن يجري محادثة هاتفية مع ترامب بعد محاولة الاغتيال
المزيد.....
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
-
الخطاب السياسي في مسرحية "بوابةالميناء" للسيد حافظ
/ ليندة زهير
-
لا تُعارضْ
/ ياسر يونس
-
التجربة المغربية في بناء الحزب الثوري
/ عبد السلام أديب
-
فكرة تدخل الدولة في السوق عند (جون رولز) و(روبرت نوزيك) (درا
...
/ نجم الدين فارس
-
The Unseen Flames: How World War III Has Already Begun
/ سامي القسيمي
-
تأملات في كتاب (راتب شعبو): قصة حزب العمل الشيوعي في سوريا 1
...
/ نصار يحيى
المزيد.....
|