|
مقابلة صحفية مع الله - الحلقة السابعة
سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي
(Saoud Salem)
الحوار المتمدن-العدد: 7289 - 2022 / 6 / 24 - 17:19
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
٧
- يوجد الآن ومنذ فترة طويلة هؤلاء الأصوليون المتزمتون من كل الملل والنحل والذين يدعون أنهم يمثلونك ويمثلون إرادتك على هذه الأرض، يمارسون القتل والذبح ويصدرون الفتاوي العجيبة والغريبة دفاعا عن ذاتك العظيمة، فماذا تقول لهم؟ - ليس لدي ما أقوله لهم، فهذه مشكلتكم أنتم البشر مع الأديان ومع من يدعي تمثيل الله على الأرض. فأنا لست بحاجة لمن يدافع عني، وبالذات ليس من قبل هؤلاء المهووسين الذين فقدوا عقولهم والذين يعتقدون أن الله في حاجة إليهم وبيعونه في مزايدات علنية. عليكم أن تجدوا حلا لهؤلاء المعتوهين وإقناعهم بأن الله لا يحتاج إلى محام وأنني لم أكلف أحدا بهذه المهمة. ومع ذلك يجب الإعتراف بأن منطقهم سليم ومتماسك ، حيث أنهم أدركوا أن النظام الذي يريدون فرضه على بقية البشر لا يتحقق إلا في مجتمع مشابه للمجتمع الذي أبدع هذا النظام، لذلك هم يعيشون ويتصرفون وكأنهم يتواجدون في القرن السابع ويريدون إرجاع عجلة الزمن إلى الوراء ليعيش العالم بأسره في هذه الحقبة الزمنية السحيقة البعد. - المجتمعات الإنسانية اليوم متعددة وشديدة الإختلاف ثقافيا وإجتماعيا واقتصاديا وهي غير متكافئة من نواح عديدة، البعض منها وصل إلى القمر والبعض الآخر ما يزال يرجم "الشيطان" بالحجارة، بعض المجتمعات يموت فيها الناس بالتخمة والبعض الآخر بالمجاعة. باختصار ما هو سبب هذه الفوارق الصارخة بين المجتمعات المتقدمة والغنية وبين المجتمعات البائسة المتخلفة والفقيرة؟ - إن هذه الفوارق لا توجد فقط بين مجتمع وآخر، وانما داخل كل مجتمع. المجتمعات الغنية والمتقدمة نجد فيها الفقراء الذين لا مأوى لهم ويتسولون لقمة العيش، وفي نفس هذه المجتمعات المتقدمة علميا وتكنولوجيا ما زال الكثير منهم يعتقد بأنني خلقت العالم في ستة أيام واسترحت يوم الأحد وبأن المرأة أخرجتها من ضلع آدم وبأنني ضاجعت مريم العذراء وبأن عيسى هو إبني. وفي المجتمعات المتخلفة والفقيرة هناك من يبني القصور ويعيش في رفاهية الأباطرة. الظاهرة إذا عامة وتحتاج إلى حل جذري شامل على مستوى البشرية. في أي مجتمع يكون فيه أغنياء وفقراء هو مجتمع أعرج ومريض وفاسد ومجرم في حق مواطنيه ولا بد أن ينفجر في يوم ما. وليس الأغنياء وحدهم من يتحمل مسؤولية هذه الجريمة، فالأغنياء عادة قلة قليلة تبنى ثروتها بواسطة عرق ودماء الفقراء، ولهم الحق لأنهم أقوياء ويساند بعضهم البعض في امتصاص دماء من يتقبل هذا الإستغلال. المسؤولية الحقيقية تقع على كاهل المساكين الفقراء، لأنهم أكثر عددا وأكثر قوة ولأن ثروة الأغنياء هي من إنتاجهم ومن عملهم. ولكنهم في الغالب مشتتون ولا يعرفون كيف يدافعون عن أنفسهم ولا عن حقوقهم، والكثير منهم ينتظر مني أن أحل مشاكلهم وأنتصر لهم وأقوم بالثورة محلهم وأسحق كل الطغاة هكذا فجأة ذات يوم. وفي أحسن الحالات فإنهم يقومون بالعمل، يخلقون الثورة ويموتون بالمئات من أجل تغيير حياتهم ومستقبلهم ولكنهم في النهاية يتركون الأغنياء يديرون آخر فصول ثورتهم ويستولون علنا وبموافقتهم على منجزاتهم. فالفقراء ليسوا محصنين ضد اللصوص ولا ضد المخادعين وعبيد السلطة. أما فرق "لا حول ولا قوة إلا بالله" وهم كثيرون، فإنهم يقضون جل وقتهم في الصلاة والتعبد والإبتهال ليشتروا مكانهم في الجنة، وعلى هؤلاء أن يدركوا أن التقوى هي في العمل على هذه الأرض وليس هناك لا جنة ولا جهنم ولا ثواب ولا عقاب خارج هذه الحياة، فمن أراد شيئا عليه أن يعمل لتحقيقه الآن وهنا، والإنسان له كافة الوسائل والإمكانيات لإبداع مجتمع متماسك وعادل ويخلو من الخوف والفقر، فقط على كل إنسان أن يعمل بجد ووعي ومسؤولية. - مع إحترامي العميق لك، إلا أن هذا الذي تقوله هو مجرد كلمات، الإنسان لا يمكن أن يكون غير ما هو عليه، وهو عموما يحب المال والجاه والسلطة ولحم الخروف والسيارات الفارهة والبيوت الفسيحة والقصورالفخمة والملابس الناعمة، فكيف السبيل إلى إصلاح هذا المخلوق وإرشاده إلى الطريق الصحيح بدون الدين والأخلاق الكريمة والثواب والعقاب وبدون إغرائه بالجنة وتهديده بنار جهنم، أي بدون وجودك أنت كإله جبار يجازي ويحاكم ويعاقب؟ - لقد جرب الإنسان منذ أكثر من ألفي عام هذه الفكرة، فكرة المقايضة بالجنة والنار، ونرى بكل وضوح وبما لا يدع مجالا للشك فشل هذه التجربة فشلا ذريعا، فالناس اليوم يتظاهرون بالتقوى والورع وعبادة الله ليل نهار، غير أن هذا أصبح لمجرد البوم الصور ولخداع المجتمع لأن المجتمع الخارجي يطلب هذه الصورة، وهذا لا يمنعهم من السرقة والكذب والقتل والتسلط على بقية المواطنين. فهؤلاء ليسوا مجانين، إنهم يطلبون جنتهم الأرضية ويعملون كل ما في وسعهم لتحقيق هذه الجنة كما يتخيلونها. تعرفون كما أعرف أنه ليس هناك "طبيعة بشرية" محددة ومفصلة مسبقا لكل إنسان، فكل إنسان يختار بحرية ما يريد أن يكون، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى وفي نفس الوقت، إختيارات هذا الإنسان ترتبط بعلاقاته بالآخرين في المحيط الذي يتحرك فيه، إجتماعيا واقتصاديا وثقافيا وتاريخيا، الجميع يعرف هذا الكلام، فليس هناك إنسان صالح أو خير وآخر شرير وفاسد بالفطرة - والفطرة كما تعرفون بدعة دينية مثلها مثل العديد من البدع - فتنظيم المجتمع بطريقة جديدة كفيل بتكوين إنسان مختلف جذريا عن الإنسان الحالي المهووس بالمال والسلطة. المال والسلطة وبقية القائمة هي من مختلقات البشر ويمكن تصحيح هذه الأخطاء. الإنسان له إمكانية الحياة في مجتمع يخلو من المال ومن السلطة ويخلو من الجيوش والقتل والحروب ويخلو من التفرقة بين الناس بين أبيض وأسود وأصفروأحمر وبين الذكر والأنثى بين العادي والغير عادي إلى آخر قائمة الفوارق التي لا مبرر لها بين الناس. - هذا كلام نعرفه أيضا منذ زمن طويل، ولكن المشكلة هي كيفية تحقيق هذا المجتمع، ما هو السبيل للوصول إلى هذه الجنة الأرضية؟ - أنا لا أريد أن أتدخل في كيفية إدارة البشر لحياتهم فهذه قضية تخصكم وحدكم ولا يجب أن تنتظر إجابة على هذا التساؤل من أحد، فلا أحد يستطيع أن يعرف ما هو النظام المثالي الذي يصلح لتنظيم حياة البشر لجعل الحياة جنة على الأرض، لا أحد. الطغاة والأباطرة والمتسلطين من كل الأنواع والأحجام وحدهم لهم خرائط متعددة لتنظيم المجتمعات لما يتلائم مع خدمة مصالحهم وتنمية ثرواتهم وسلطتهم. ما يحتاج إليه العالم هو نظرية أخلاقية جديدة لا تكون قائمة على المنفعة والمقايضة والخوف وإنما على "المجانية المطلقة"، الأخلاق مهما كان مصدرها وشكلها لا يمكن أن تكون فعالة وحقيقية إلا في غياب فكرة الثواب والعقاب وغياب فكرة المصلحة عموما. الإنسان الخير - إذا أخذنا هذا المقياس ـ لا يمكن أن يكون خيرا وصالحا ومستقيما إذا كانت أعماله قائمة على الخوف من النار وعقاب الله أو لأنه يبتغي جزاء وثوابا في الجنة، الإنسان لا يكون صالحا إلا إذا كان عمله مجانيا وبطريقة مطلقة ولا ينتظر شيئا لقاء أعماله من أحد. أي أن تكون "الحرية" هي مصدر الأعمال وغايتها. ليست هذه "الحرية" التي يتغنون بها ويبيعونها في الصحف والمجلات والإذاعات، وإنما الحرية الحقيقية والتي هي معنى الإنسان ومصدر كينونته، الحرية التي تتعالى عن الفرد والعائلة والجماعة والقبيلة والوطن، الحرية التي هي مصدر الوجود الإنساني برمته.
يتبع
#سعود_سالم (هاشتاغ)
Saoud_Salem#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
-الجامع- الأغريقي
-
مقابلة صحفية مع الله - الحلقة السادسة
-
عودة للبداية
-
مقابلة صحفية مع الله - الحلقة الخامسة
-
مقابلة صحفية مع الله - الحلقة الرابعة
-
العدمية كمحرك للإبداع
-
مقابلة صحفية مع الله - الحلقة الثالثة
-
مقابلة صحفية مع الله - الحلقة الثانية
-
مقابلة صحفية مع الله - الحلقة الأولى
-
لون السماء
-
حدود الأبدية
-
لعنة الخلود
-
فصل في الجحيم
-
عن الغبار المعطر
-
سيمون دو بوفوار ورواية الموت
-
الفوضوية العدمية
-
الحياة، كوميديا رديئة الإخراج
-
روح الجدية
-
شيزوفرينيا
-
التحول
المزيد.....
-
-عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
-
خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
-
الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
-
71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل
...
-
20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ
...
-
الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على
...
-
الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية
...
-
روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر
...
-
هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
-
عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز
...
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|