|
لماذا الحرب أيّها العقلاء ؟
علي فضيل العربي
الحوار المتمدن-العدد: 7286 - 2022 / 6 / 21 - 18:45
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لماذا الحرب ؟ سؤال يطرح نفسه بقوّة على الضمائر الحيّة . هل قدر الإنسان أن يدمّر حضارته و مدنيّته و السقوط و الانحدار من أعلى أهرامات التكنولوجيا كلّما وصل إلى القمّة ؟ هل الحرب سببها هذا التوهّج العلمي التكنولوجي ؟ إنّه لمن أعاجيب الدهر ، أن يتصرّف إنسان الحضارة في القرن الواحد و العشرين ، بالسلوك العدائي نفسه الذي كان يتصرّفه إنسان ما قبل التاريخ . كنّا نظن ، و كان الظنّ في غير محلّه ، أنّ العلم سيهذب هذا الإنسان ، و يكبح عدوانيته ، و غلوائه ، و يطهّر قلبه من الغلّ و الحقد . غير أنّ الإفلاس الأخلاقي الذي أصاب العقل البشري الغربي ، كذّب كل مزاعم الفلسفة الماديّة ، التي بشّرت الإنسان المعاصر ، و ما بعد المعاصر ، بالجنّة الأرضيّة الموعودة . لقد زعم فلاسفة الغرب ، من رواد النظريّة الأفلاطونيّة المثاليّة و النظريّة الماديّة الرأسماليّة البراغماتيّة في المعسكر الإيديولوجي الغربي و الماركسيّة في المعسكر الايديولوجي الشرقي ، زعموا أنّ مأساة الإنسان ، منذ حادثة قابيل و هابيل ، ستنتهي بمجرّد استغلال العقل ، و كبح عواطف الشرّ و غرائز الطمع و غلق مسالك الاستبداد و الرعونة و التوسّع للسيطرة على الموارد الطبيعيّة النفيسة ، الطاهرة منها و الباطنة ، الصلبة و السائلة ، الترابيّة و المائية . و زعم العلماء و الفلاسفة الغربيّون ، أنّ العلم ، سيكون الحلّ الوحيد و المناسب و الجذري لكل مشاكل الإنسان المعاصر . لكنّ المتأمل للواقع الإنساني المعيش ، يرى بعين البصر و البصيرة ، تغوّل الإنسان القويّ على أخيه الإنسان الضعيف . و كلّما ازداد العلم تطوّرا ، اتّسعت دوائر المآسي الإنسانيّة ، و توغّل الشقاء في دواليب الحياة في الدول المصنّفة في خانة التخلّف و الضعف ، و الواقعة في الضفة الجنوبيّة من الكرة الأرضيّة . العلم و الحرب و العقل .. هل تخلّى العلم عن دوره في تحقيق سعادة الإنسان ، و وعده بتشييد الجنّة الأرضيّة الموعودة ؟ و هل أصبحت الحرب وسيلة ( مثلى ) لتحقيق السلام و المحافظة عليه ؟ لماذا كل هذه الحروب الدائرة بين البشر ؟ لماذا لم يتّعظ الإنسان المعاصر من مآسي الحروب السابقة ؟ أم أنّ العقل البشري قد أصابه داء النسيان و اللامبالاة ؟ أم تجرّد هذا الإنسان المعاصر ، الأرعن من عقله العاقل و الراشد ، و انتحل عقل الشيطان و غواياته ؟ ألم يدرك الإنسان المعاصر، بعد مرور كل هذه القرون ، الغاية من وجوده على الأرض ؟ لماذا الحرب ؟ أهي تعبير عن فشل العلم و الفلسفة المعاصرة في كبح الأفكار الجامحة و المتوحشة ، و قيادة العالم إلى جنّة الأرض ؟ أكلّما غزا العلم عوالم مظلمة ، و توسّعت الفتوح العلميّة في أعماق الكون و الإنسان ، و شعر الإنسان بلذّة التحكّم و التفوّق و السمو التكنولوجي ، اندلعت الحروب الضاريّة . لفائدة من هذا السباق نحو التسلّح ، و هذه الأسلحة النوويّة و الجرثوميّة و الكيمياوية و البيولوجيّة ؟ لا وجود لعدو يهدّد وجود الإنسان غير الإنسان نفسه . كل ما يقال عن الأعداء الخارجيين مجرد هراء و أوهام . كان من الواجب على الإنسان المعاصر في الغرب و الشرق ، أن ينفق تلك الأموال الطائلة التي ينفقها في تصنيع الأسلحة الفتّاكة ، أو في شرائها و تكديسها ، في خدمة البيئات المتخلّفة ، و التي تعاني من نقص فادح ، أو من انعدام كلّي للخدمات الصحيّة و التعليميّة و سوء التغذية . كانت ، ستكون تلك المليارات و التريليونات ، نعمة على الإنسان لا نقمة عليه . لماذا الحرب ، إذن ؟ أليس ذلك هو الجنون بعينه ؟ لم تكن الحرب عبر العصور المنصرمة سوى وسيلة خراب و دمار للبنيان الاجتماعي ، و اغتيال للقيّم الإنسانيّة النبيلة ، و لم تكن دفاعا شرعيّا عن النفس و حماية للعرض و الأرض . فمنذ أن خُلق الإنسان و هو في تدافع عنيف و شرس ، ضد الطبيعة ، و ما فيها من حيوانات مفترسة ، و كوارث طبيعيّة ، من زلازل و براكين و فيضانات و حرائق ، و ما يخلّفه تصادم الكائنات الفضائية من شهب و نيازك ، و كان ذلك التدافع تزجي طموحاته أطماعه الشيطانيّة . بينما كان من واجبه ، كما أمره الله تعالى ، أنّ يعمّر الأرض و يحافظ عليها ، و يحول دون تلوذث غطاءها النباتي و مسطّحاتها المائيّة العذبة و المالحة . إذن ، لماذا الحرب أيّها العقلاء ؟ ما الفائدة التي سيجنيها الإنسان من التسابق نحو التسلّح ؟ ما جدوى من تراكم هذه الترسانة النوويّة و الجرثوميّة و الكيماويّة ؟ أيعقل أنّه كلما ازداد العلم تطوّرا و تعمّقا ، ازداد العقل توحّشا ، و ترعنت النفس ؟ أيعقل اجتماع العلم و الهمجيّة و الجنون في زمن ادّعى فيه الإنسان الحضارة و التنوير ؟ لماذا الحرب ؟ ألم يكن حريّا بالإنسان المعاصر تدمير مصانع الأسلحة التقليدية و غير التقليديّة ، و يعيش في سلام و وئام ؟ لماذا كل هذا القتل للنفس البشريّة ؟ لماذا يقتل الإنسان أخاه الإنسان لمجرّد اختلاف في الأفكار و الملّة و الأهواء و الطموحات ؟ و كأني بهذا الإنسان المعاصر يسير على خطى أسلافه المجرمين ، بدل أن يتعلّم كيف يعيش في كنف السلام و التعاون . لماذا الحرب أيّها السادة ، و الأرض تتّسع للجميع ؟
#علي_فضيل_العربي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أوكرانيا تتعمق أكثر في الأراضي الروسية.. وهذه الإجراءات التي
...
-
-الغموض المتعمد-.. مصدر في حماس يوضح لـCNN موقف الحركة من ال
...
-
هل تمتد سيول السعودية إلى مصر؟
-
الصحة في غزة تصدر تحديثا لبيانات ضحايا الحرب
-
اليابان في حالة قلق بعد أول تنبيه -للزلزال العملاق-.. ما تدا
...
-
في السودان، أمطار تهطل في غير موسمها تفاقم معاناة السكان
-
-تاس-: القوات الأوكرانية تنسحب من بعض مواقعها على محور بوكرو
...
-
علاء الدينوف: قوات كييف خططت للاستيلاء على محطة كورسك النووي
...
-
-حادث كبير-.. تسرب كيميائي في بريطانيا
-
الخارجية الروسية: أوكرانيا بهجومها على كورسك أوقفت الحديث عن
...
المزيد.....
-
الخطاب السياسي في مسرحية "بوابةالميناء" للسيد حافظ
/ ليندة زهير
-
لا تُعارضْ
/ ياسر يونس
-
التجربة المغربية في بناء الحزب الثوري
/ عبد السلام أديب
-
فكرة تدخل الدولة في السوق عند (جون رولز) و(روبرت نوزيك) (درا
...
/ نجم الدين فارس
-
The Unseen Flames: How World War III Has Already Begun
/ سامي القسيمي
-
تأملات في كتاب (راتب شعبو): قصة حزب العمل الشيوعي في سوريا 1
...
/ نصار يحيى
-
الكتاب الأول / مقاربات ورؤى / في عرين البوتقة // في مسار الت
...
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
هواجس ثقافية 188
/ آرام كربيت
-
قبو الثلاثين
/ السماح عبد الله
-
والتر رودني: السلطة للشعب لا للديكتاتور
/ وليد الخشاب
المزيد.....
|