أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - باقر جاسم محمد - محو الغربة و تدوين الاغتراب














المزيد.....

محو الغربة و تدوين الاغتراب


باقر جاسم محمد

الحوار المتمدن-العدد: 1677 - 2006 / 9 / 18 - 09:46
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


محو الغربة و تدوين الاغتراب
(في فلسفة العودة إلى الوطن)

1. حكاية من زمن العودة
منذ أن قررت أن أضع حدا ً لغربتي التي دامت ثمانية أعوام بالعودة إلى الوطن و أسئلة الاستغراب تلاحقني حيثما ذهبت. أسئلة قلق يتفوه بها الأهل و الأصدقاء في ليبيا. و هي أسئلة تعبر عن محبة و حرص من يطرحونها: هل درست الأمر جيدا ً؟ هل تعتقد أن الوقت مناسب للعودة؟ أنت مسالم بطبعك، فكيف ستعيش في البلاد التي تجتاحها حمى القتل؟
و حين عدت إلى العراق، سيد َ آلامنا و معقد َ آمالنا، و أنا أفاجأ بردود أفعال مستغربة من هذا الصديق أو ذاك. قال أحد الأصدقاء بعد أن سمع مني خبر القرار بالبقاء في الوطن، هل أنت ... .( و توقف فجأة عن الكلام). قلت أكملها: هل أنا مجنون ؟ قال كالمحرج : نعم هل أنت مجنون؟ الآخرون يفعلون كل شيء حتى يخرجوا و أنت تعود!!! أليس ذلك جنونا ً.
قلت: نعم. إنه نوع جنون على وفق وجهة نظر البعض, و هو عين العقل في آن واحد.
قال: لا أفهمك. كيف ذلك.
قلت: أعرف شيئا ً واحدا ً. إن الموقف الذي لا ثمن له ليس بموقف. و حين يكون الوطن جريحا ً، لا يكفى أن نراقبه من الخارج و نتأسف لما يعانيه. بل يجب أن نقف إلى جانبه في محنته. و حين أعود سأعيش مع الآخرين و بينهم. لست أفضل منهم. و سأحاول أن أكون صوت حق و صدق. ربما أنجح، و ربما أفشل. لكنني لن أتراجع قط.
سألني: و لماذا كل ذلك العناء و التعرض للمخاطر؟ بإمكانك البقاء في الخارج إلى حين أن يستقر الوضع و تتضح الأمور.
قلت: إن الموقف الذي لا ثمن له ليس بموقف.

2. حكاية من زمن الخروج
خرج من البلاد باحثا ً عن مصدر عيش له بعد أن عاني من الجوع و الفقر و القهر السياسي. اقترض من الأصدقاء و الأخوة مبالغ كبيرة بالنسبة لقدراته المادية حينها؛ لكنها بالكاد تكفي لدفع ضريبة السفر و تكاليفه. و حين وصل إلى مدينة زليتن إلى الشرق من طرابلس الغرب حيث عمل أستاذا جامعيا ً، نبهه بعض الأصدقاء بضرورة أن يغير توقيت الساعة. تذكر هذه الحقيقة المرعبة؛ العراق صار بعيدا ً. لكنه رفض أن يغير التوقيت في ساعته. اشترى ساعة ثانية للتوقيت الجديد محتفظا ً بالأولى التي ظلت تقرأ توقيت العراق في صيفه و شتائه حتى عودته. و لكن ذلك جعله موضع تندر من البعض، و موضع عطف و فهم من آخرين. فقال البعض الأول أنه يفتقر إلى القدرة على التكيف. أما الآخرون فقد ازدادت مكانته علوا ً في نفوسهم. أما هو، فكلما ضيقت الغربة عليه، كانت نفسه تتسع آفاقها و يتدفق الحب فيها كما النهر في مضايق الجبال العالية.

3. حكاية الغربة و الاغتراب
الغربة ( و هي بالإنجليزية (estrangement نأي عن المكان الأول. المكان الذي يتشكل فيه الوعي و تكتوي فيه النفس بنار التجربة بحلوها و مرها. إنها تشبه نقل الشجرة إلى مكان غريب فتتقطع عروقها التي تصلها بالأرض و تبدأ بالجفاف و الموت. لا نسغ صاعد و لا نسغ نازل. فالغربة تأكل الروح شيئا ً فشيئا ً حتى يجد المغتربون أنفسهم مثل أعجاز نخل خاوية.
أما الاغتراب( و هو بالإنجليزية alienation ) فأنه نوع من الوحشة الروحية التي يستشعرها الإنسان حين يكون مختلفا ً في رؤياه الاجتماعية و السياسية عمن سواه. فلا شعور بالاغتراب لدى المتماثلين و المتطابقين اجتماعيا ًُ. إذن الاغتراب موقف فكري واع ٍ يتسم بالمسؤولية الأخلاقية. و إذا كانت الغربة مشكلة مكان في الأصل، إلا أنها و إن كانت عظيمة الأثر في النفس، تكون في نهاية المطاف هينة و يسيرة الحل؛ إذ يمكن محوها بالعودة إلى الوطن. أما الاغتراب فإنه أعمق أثرا ً و أكثر تعقيدا ً. و هو ليس مما يستطيع المرء الوقوع على حل له مهما أوتي من ذكاء و فطنة. إنه تدوين قصدي لخيار واع ٍ يتعلق بالسياقات الاجتماعية و السياسية السائدة التي تغرب الإنسان عن محيطه الاجتماعي، و تنهش روحه و تضيق عليه في حريته و فرديته و فرادته و في رزقه. فهل يمكن أن يتخلى المرء عن وعيه!؟ هل يمكن إطفاء شعلة الحقيقة، تلك النار الأبدية، بعد أن تتوهج في الروح و العقل!؟ بل يمكن القول بأنه كلما ازداد المرء ذكاء ً و فطنة، و كلما فهم أكثر، ازداد اغترابا ً في مجتمعه.
و الآن، أيجوز أن نقول بأن العودة إلى الوطن، التي هي ليست منة من المرء أو فضل على الوطن و المواطنين، ليست بحثا ً عن الراحة و إيثارا ً للسلامة؟
نقول: نعم. قد يعود المرء إلى مدينته و يحل بين أهله و ذويه. فتكون هذه العودة للوطن محوا ً للغربة و إنهاء ً لمعاناتها، و لكن ما أن يعود المرء إلى وطنه حتى تعود مشكلة الاغتراب إلى الظهور بقوة. فحين يعود المرء إلى مجتمعه الأول فهو يكون قد اختار اختيارا ً واعيا ً أن يبدأ بتدوين الاغتراب، اغترابه هو، عما يدور حوله و رفضه له رفضا ً منهجيا ً و سياسيا ً . فهو الآن إنسان قد خبر العيش في مجتمعات أخرى. و عرف منها طرائق حياة مختلفة. و هذا مما يعمق من إحساسه بالاغتراب. لذلك نقول أن العودة للوطن تحتاج إلى فلسفة و تنظير بقدر حاجتها إلى موقف أخلاقي شجاع و إلى عمل مثابر و جهد خلاق. فالأوطان ليست حقائب كما يقول الشاعر محمود درويش. فحين يكون الظلام دامسا ً تشتد الحاجة إلى من يضيء شمعة ً هنا و شمعة ً هناك. و تشتد الحاجة إلى من يقول الحقيقة دونما خوف أو وجل. و حين يكثر أصحاب الرأي الحر و الشجاع يقترب فجر الحرية، و ينهض الوطن، كما العنقاء، من رماد الحروب و الاحتلال. أليس كذلك؟؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الحلة
السبت 16/9/2006



#باقر_جاسم_محمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مسألة السلطة السياسية هي جوهر الخلاف بين العلمانيين و القائل ...
- جدل الشكل و لامحتوى في السرد الوائي: ( حديث الصبح و المساء إ ...
- العلمانية و الدين و المجتمع
- لحية كارل ماركس
- في أخلاقيات الحوار و شروطه المعرفية
- حول اللغة و سوء التفاهم
- مفهوم الهوية الوطنية: محاولة في التعريف الوظيفي
- مرة أخرى، حول وجود قوانين للتطور الاجتماعي
- حول احتمال وجود قوانين للتطور الاجتماعي
- تعاريف ليست سياسية
- جناية محمد الماغوط
- حول حرية الكلام
- قصائد قصار
- الخطاب السياسي و اللغة العادية
- صمت الجميل ، فهل سيصمت كل جميل في حياتنا!؟
- قراءة جهرية في نص مسرحية صامت
- رسالة محبة للدكيور سيار الجميل
- أصدقاء الديمقراطية و أعداؤها
- حياة جديدة في كيريفاسو
- الأيديولوجيا و السلطة السياسية


المزيد.....




- -فريق تقييم الحوادث- يفنّد 3 تقارير تتهم -التحالف- بقيادة ال ...
- ترامب: إيران تقف وراء اختراق حملتي الانتخابية لأنها -لم تكن ...
- في ليلة مبابي.. الريال ينتزع كأس السوبر على حساب أتلانتا
- وسائل إعلام: الهجوم الأوكراني على كورسك أحرج إدارة بايدن
- طالبان تنظم عرضا عسكريا ضخما للغنائم الأمريكية في قاعدة باغر ...
- عبد الفتاح السيسي يستقبل رئيس جمهورية الصومال
- إعلام: قد تهاجم القوات الموالية لإيران البنية التحتية الإسرا ...
- السجن لمغني راب تونسي سعى للترشح لانتخابات الرئاسة
- الأخبار الزائفة تهدد الجميع.. كيف ننتصر عليها؟
- هل تنجح الوساطة الأميركية بين لبنان وإسرائيل؟


المزيد.....

- الخطاب السياسي في مسرحية "بوابةالميناء" للسيد حافظ / ليندة زهير
- لا تُعارضْ / ياسر يونس
- التجربة المغربية في بناء الحزب الثوري / عبد السلام أديب
- فكرة تدخل الدولة في السوق عند (جون رولز) و(روبرت نوزيك) (درا ... / نجم الدين فارس
- The Unseen Flames: How World War III Has Already Begun / سامي القسيمي
- تأملات في كتاب (راتب شعبو): قصة حزب العمل الشيوعي في سوريا 1 ... / نصار يحيى
- الكتاب الأول / مقاربات ورؤى / في عرين البوتقة // في مسار الت ... / عيسى بن ضيف الله حداد
- هواجس ثقافية 188 / آرام كربيت
- قبو الثلاثين / السماح عبد الله
- والتر رودني: السلطة للشعب لا للديكتاتور / وليد الخشاب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - باقر جاسم محمد - محو الغربة و تدوين الاغتراب