|
لاث محطات مربدية (المحطة الاولى )
عادل علي عبيد
الحوار المتمدن-العدد: 7277 - 2022 / 6 / 12 - 22:45
المحور:
الادب والفن
ثلاث محطات مربدية (المحطة الاولى )
نسف المربد بمهمته الادبية المبدعة مشهد عكاظ ، وثار على كل صور الجاهلية بعدما سكن العرب الامصار ، ليشخص بموقعه الاستثنائي الذي لم يكن في قلب المدن مثلما بقية الاسواق ، وراحت دكاكين الفكر تستقبل المتبضعين الوافدين من عرب البادية ، وتكسر قاعدة البيع والشراء التقليدية التي جبلت عليها بقية الاسواق العربية ، ليكون الشعر شاهدا ماثلا يتصدر قائمة البضاعة الرائجة ، وعنوانا لكل من حمل بضاعة الادب والنقد والمقالة والرواية .. وسجل وجسد ورسخ حضورا لهوية البصرة التي تميزت بضاعتها عن غيرها ، واشتهرت على انها سلع فكرية ثقافية فلسفية قبل غيرها من انواع وسلع ومواد الاسواق الاخرى ، وهكذا يحط الناس الرحال في هذا المربد - المحبس للابل والمطايا - وغيرها من ما يمتار عليه ويتزود به في رحلة الفكر الطويلة . السوق الذي ينزوي عن البصرة بثلاثة اميال او يزيد ، يؤلف مجموعة حلقات للتباري ، وعروض لمشاهد وفعاليات الشعر والادب لاسيما والمتبضعون هم وجوه جديدة تتوق الى لنيل الغنيمة والرجوع ، لتترك اثرا وشاهدا في هذا السوق الذي يزخر بالقدرات والقابليات مختلفة التوجه ، وبما يمثل مدنها ، ويثقف الى قبائلها ، ويصدر نزعات وثقافات عشائرها . لكنما محطة عامرة مشرقة ينتظرها الجميع ستجمع هذا المحفل الكبير بعدما يلتقي رواد هذه السوق ويجتمعون في حلبة واحدة لا محالة ، بعيدا عن مباريات النقود والخطب واللغة .. حلبة تحبس الكلام في الحناجر ، وتلزم المفردات بالصمت .نعم ، فهناك اذ تشخص حلبة الحسم التي تجمع فحلين لطالما تميز وضج بهما هذا المكان ، وعرفتهم سوح ومضامير المبارزة والمنازلة والسجال .. انهما جرير والفرزدق اللذين يضفيان على مساحة المكان القا جديدا ، وشعورا بالفخر والفخار ، او الذل والانكسار ! ليجعلا من هذا المربد محجا وكعبة للشعراء والادباء ، وكل من غلب بضاعة العقل على بضاعة البطن . كانت هذه المباريات المبارزات المساجلات النقائض قصائد هجاء تحتمل المدح والذم ، وهي بحقيقتها معارك شعرية لأثبات هوية القبيلة التي يؤلف الشعر اهم مزاياها ، ناهيك ان كلا الشاعرين من تميم ! ومعروف ان هذه النقائض قد دامت الى ان مات الفرزدق سنة 114 هجرية ، وافصح جرير عن حزن واسف للشاعر الند الذي يساجل قصائده ، ليثبت للملأ ان هذه النقائض لم تفسد الود بين الشاعرين ، ونعتقد ان قصيدته في رثاء الفرزدق تفصح عن ذلك ، وتثقف على ان هدف الشعر بعيد يتعدى مساحة الافق ورحابة الادب . نعم ورث المربد عكاظا ، لكنه لم يرث قبليته وبدويته وطبيعته القديمة ، فثار على طقوسه ،ونسخ العديد من برامجه ، فكان التجديد شاهدا على المربد الذي اضاف وجوها جديدة ، وانطلقت من ازقته الرحبة اسماء وعناوين كسرت حاجز ورتابة القديم . فلقاء جرير والفرزدق اسس لبداية المنبر الحر في التباري والتناظر ، ونشر ثقافة الاختلاف والقبول بالرأي والرأي الآخر ، بعيدا عن التزمت والالغاء ، اذا ما عرفنا ان الشاعرين من مدينة كانت تحتدم بالحركات السياسية والفكرية والدينية . انها البصرة التي تميزت بطابعها الثقافي الذي انتقل من دائرتها الى مدن واصقاع عربية معروفة ، لا سيما في ذروة عطائها الفكري في القرن الاول الهجري الذي شجع على انبثاق العصبية القبلية من جديد ، وهو العنوان الذي حفلت به قصائد الشاعرين المتناقضين . والمربد اليوم هو مربد الحب ، وملتقى الشعراء والادباء والكتاب الذي يجتمعون هنا في البصرة ليجسدوا صميم ذلك الحب ، وليعززوا رابطة الانتماء للثقافة والادب في بصرة الابداع والشعر والتألق .. انه الشعر الذي لطالما اضطلع بمعاناة الامم وجسد تطلعاتها لنيل السلام بعيدا عن كل برامج الالغاء والتسلط ، الشعر الذي راح يخلف مساحات مشرقة في هذه الحاضرة التي تفتح افقا واسعا رحبا لكل من يتطلع الى البناء وينشد القيم التي تقول : المجد للإنسان صانع الحضارة والتاريخ والامل .
#عادل_علي_عبيد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ورقة نقدية
-
عطشان تركي
-
ومضات شاخصة من جلسة اتحاد الادباء والكتاب لمناسبة يوم السرد
-
يوم الزبير الدامي الشيخ احمد ..العود احمد
-
الفنان الكبير ماجد عباس : الحرص المسؤول والمهنية العالية ..
-
حسن زبون العنزي ( شهادة بطعم العلقم) :
-
حسن زبون العنزي قطار الرحيل السريع
-
الصالون الرياضي في البصرة لجنة اولمبية ثانية ...
-
الزبير .. لمحات من اصالة الماضي
-
بطولة العراق للحمام الزاجل
-
غودو لن يعود
-
ملاحظات في الفيس بوك
-
لا طيف يمر في العام الجديد
-
بانتظار عام جديد
-
سائر نحو الحسين
-
كن كالقصب
-
واحدة من قرى النمل
-
مشاهد
-
جعفر حنوفي
-
شركة Oil Serv العراقية تستكمل ادبيات النهضة الحسينية
المزيد.....
-
حكاية الشتاء.. خريف عمر الروائي بول أوستر
-
فنان عراقي هاجر وطنه المسرح وجد وطنه في مسرح ستوكهولم
-
بالسينمات.. فيلم ولاد رزق 3 القاضية بطولة أحمد رزق وآسر ياسي
...
-
فعالية أيام الثقافة الإماراتية تقام في العاصمة الروسية موسكو
-
الدورة الـ19 من مهرجان موازين.. نجوم الغناء يتألقون بالمغرب
...
-
ألف مبروك: خطوات الاستعلام عن نتيجة الدبلومات الفنية 2024 في
...
-
توقيع ديوان - رفيق الروح - للشاعرة أفنان جولاني في القدس
-
من -سقط الزند- إلى -اللزوميات-.. أبو العلاء المعري فيلسوف ال
...
-
“احــداث قوية” مسلسل صلاح الدين الجزء الثاني الحلقات كاملة م
...
-
فيلم -ثلاثة عمالقة- يتصدر إيرادات شباك التذاكر الروسي
المزيد.....
-
خواطر الشيطان
/ عدنان رضوان
-
إتقان الذات
/ عدنان رضوان
-
الكتابة المسرحية للأطفال بين الواقع والتجريب أعمال السيد
...
/ الويزة جبابلية
-
تمثلات التجريب في المسرح العربي : السيد حافظ أنموذجاً
/ عبدالستار عبد ثابت البيضاني
-
الصراع الدرامى فى مسرح السيد حافظ التجريبى مسرحية بوابة الم
...
/ محمد السيد عبدالعاطي دحريجة
-
سأُحاولُكِ مرَّة أُخرى/ ديوان
/ ريتا عودة
-
أنا جنونُكَ--- مجموعة قصصيّة
/ ريتا عودة
-
صحيفة -روسيا الأدبية- تنشر بحث: -بوشكين العربي- باللغة الروس
...
/ شاهر أحمد نصر
-
حكايات أحفادي- قصص قصيرة جدا
/ السيد حافظ
-
غرائبية العتبات النصية في مسرواية "حتى يطمئن قلبي": السيد حا
...
/ مروة محمد أبواليزيد
المزيد.....
|