الحدث السياسي العالمي تحليل الأزمة الأوكرانية بعدسات جيو - ستراتيجية

رعد قاسم صالح

الحوار المتمدن-العدد: 7275 - 2022 / 6 / 10 - 18:30
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

أوكرانيا Ukraine هي ثاني أكبر دولة في أوربا الشرقية، فمساحتها بحدود 604 كم2، ونفوسها 46 مليون نسمة على وفق تعداد 2012، ويحدها الاتحاد الروسي من الشرق، وبيلاروسيا من الشمال، وبولندا وسلوفاكيا والمجر من الغرب، ورومانيا ومولدافيا من الجنوب الغربي، والبحر الأسود وبحر ازوف من الجنوب. وهذه المشتركات الحدودية الواسعة والمتنوعة أصفت على أوكرانيا موقعاً إقليمياً جيو- سياسياً مهماً لأنها تربط روسيا الاتحادية مع غرب اوربا وتربط غرب اوربا بشرقها وكذلك تربطهم مع روسيا الاتحادية ودول آسيا الوسطى.

التأريخ السياسي القريب لأوكرانيا:
أوكرانيا ومنذ القرن التاسع الميلادي أصبحت مركز السلاف الشرقيين، وأعانت من الاحتلالات الخارجية ومن تقاسم مناطق النفوذ على أراضيها بموجب متغيرات موازين القوى في عموم أوربا. وبحلول القرن التاسع عشر خضع الجزء الأكبر منها للإمبراطورية الروسية القيصرية، وما تبقى تحت سيطرة النفوذ النمساوي الهنكاري.

بعد الحرب العالمية الأولى سادت الفوضى السياسية فيها، وباءت جميع محاولات الاستقلال الذاتية بالفشل، واستطاعت الحركة الشيوعية العالمية من السيطرة عليها، وعدت اوكرانيا في عام 1922 كأحد الدول المؤسسة للاتحاد السوفيتي، وتأخر ضم الجزء الغربي للاتحاد السوفيتي عبر أوكرانيا الموحدة ذو الأغلبية الأكرانية الكاثوليكية حتى عام 1934. وهي من الأعضاء المؤسسين للأمم المتحدة عام 1945، وتوسعت أوكرانيا غرباً وشرقاً حتى ضمن إليها القرم عام 1945 بمساعدة الرئيس السوفيتي الأوكراني الأصل نيكيتا خوروشوف. ونستطيع القول هنا أن اوكرانيا لم تعرف الاستقلال السياسي كما عرفته دول أوربا الغربية لأنها كانت تابعة لنفوذ الشيوعية العالمية ضمن اتحاد الدول للاتحاد السوفيتي الخاضع نسبياً لهيمنة روسيا أكبر دوله.

حصلت أوكرانيا على استقلالها عام 1991، وهي لغاية اليوم لم تكمل الخامسة والعشرين سنة على حياتها السياسية كدولة مستقلة. وطبقت النظام السياسي المختلط بين الحكم الرئاسي والبرلماني مع دستور يوضح فصلاً للسلطات التنفيذية والقضائية والتشريعية.

تتألف أوكرانيا من 24 محافظة إضافة إلى القرم كمنطقة تتمتع بصلاحيات الحكم الذاتي، كذلك تمتع العاصمة كييف بصلاحيات ادارية خاصة، وأيضاً ميناء سيماستوبول الذي يخضع لاتفاقية تأجير للأسطول البحري العسكري الروسي.

الاقتصاد الأوكراني:
عدت أوكرانيا العامود الأساسي للاقتصاد الاتحاد السوفيتي السابق، لا سيما في الصناعات والتكنولوجيا التطبيقية لعلوم الاتصالات وعلوم الفضاء، والإنتاج الزراعي والحيواني، وتشكل أوكرانيا حالياً مصدراً مهماً لإنتاج متطلبات المواصلات البرية والبحرية والجوية لأوربا الغربية والشرقية، وحلت بالمرتبة 29 عالمياً بإنتاج قومي بلغ 359 مليار لعام 2007. ومشكلة أوكرانيا الاقتصادية تكمن في حاجتها لموارد الطاقة من النفط والغاز حيث تعتمد على روسيا الاتحادية وبعض دول آسيا الوسطى لسد هذه الحاجة.

الوقائع الديموغرافية لأوكرانيا:
التصنيف الديمغرافي للشعب الأوكراني، حيث ينقسم إلى عرقين رئيسيين هما العرق القومية الأكرانية الذي يتكلم اللغة الأكرانية، ويعتنق المذهب المسيحي الكاثوليكي، ويقطن المناطق الغربية من البلاد ويشكل بحدود 77% من الشعب.

والصنف الآخر من أصل روسي، ويتحدثون اللغة الروسية ويعتنقون المذهب المسيحي الأرثوذكسي، ويقطنون الجزء الشرقي من البلاد، ويشكلون ما نسبته 17% من السكان. والبقية الباقية هم من أوصول بيلاروسية ورومانية.

غياب سياسة الاندماج التام حول الهوية الوطنية الجامعة رتب انقسام الولاء بين روسيا الاتحادية والغرب الأوربي؟

التوظيف الجيو - ستراتيجي للأزمة الأكرانية:
اندلعت المظاهرات الشعبية في أوكرانيا في تشرين الثاني 2013 من قبل المناصرين للتقارب مع الاتحاد الأوربي والولايات المتحدة، والرافضين للاتفاقية التعاون والتقارب مع روسيا الاتحادية.

الفريق المناهض لروسيا الاتحادية بقيادة يوليا تيموشينكو يضم من القوميين الأوكرانيين والذين يعتنقون المذهب الكاثوليكي والمدعومين من الغرب وواشنطن.

الفريق الثاني بقيادة رئيس الحكومة فكتور يانوفيتش ويضم الاوكرانيين من أصل روسي والذين يعتنقون المذهب الأرثوذكسي وتدعمهم روسيا الاتحادية والمرتبطين بها من أصحاب شركات النفط والغاز.

أطراف الأزمة:
هم أطراف من الداخل مختلفين في المنهج السياسي والديني والعرقي، وأطراف الداخل مدعومين من الطرف الروسي، والآخر من الطرف الأوربي الغربي ومن واشنطن. أطراف الخارج توظف التنافر الداخلي لمنافع جيو- ستراتيجية تتعلق بالاستحواذ على النفوذ.

الرؤية الروسية للأزمة:
خسارة أوكرانيا تعني خسارة العمق الجيو- ستراتيجي لروسيا، وانحسارها في الحيز الروسي الذي يجعلها عرضة للضغوطات الجيوسياسية من الجنوب عند الصين والهند حيث المشاكل الحدودية، ومع الحركات الانفصالية في الشيشان، ومن غرب والشمال مع دول حلف الناتو، ومن الجنوب عندما يتم خنقها بعيداً عن البحر الأسود حيث قوتها العسكرية البحرية، وبذلك يعيد التاريخ القريب استراتيجيات خنق روسيا القيصرية والشيوعية بعيداً عن المياه الدافئة.

الرؤية الغربية الأمريكية للأزمة:
واشنطن ترى أن روسيا الاتحادية + أوكرانيا تشكل قوة عظمى وإمبراطورية، وأن روسيا بدون أوكرانيا تشكل شرق أوربية متقاربة القوة مع نظيراتها من دول أوربا، ويمكن السيطرة عليها والتعاطي معها دون وجود تهديد مؤكد لنفوذها العالمي.

تقارب الأزمة الأكرانية مع الأزمة السورية:
هو تقارب جيو- ستراتيجي من خلال وجود أطراف محلية متصارعة مدعومة من أطراف دولية كبرى لا يمكن حلها إلا من خلال التفاهمات الدولية لتقاسم النفوذ، مع طغيان العامل الدولي الخارجي على العامل المحلي.

وهي أزمة قابلة للاستمرار والتصعيد لأن هزيمة روسيا تعني خسارة كبيرة جداً لا تستطيع تعويضها في المنظور القريب. وخسارة الغرب أوكرانيا تعني خسارتهم النفوذ في الشرق الأوسط وفي قضية الأزمة السورية تحديداً، وفي شرق أوربا وتقاسمهم النفوذ مع روسيا في غربها.

الحل:
قبول جميع الأطراف بأن تكون أوكرانيا جسراً محايداً مستقلاً بين روسيا الاتحادية وأوربا الغربية مع ضمان المصالح الجيو- ستراتيجية لكلا الطرفين، وأن تتمتع بوضع قانوني حيادي في تعاملاتها مع الطرفين، مع بقاء الحال (النفوذ الروسي) في القرم على ما هو عليه لأن روسيا الاتحادية لن تتنازل عن حقها التاريخي في القرم، لا سيما وأن البرلمان المحلي للقرم أيد الانضمام لروسيا الاتحادية في 6/ 3/ 2014. وجعل يوم 16/ 3/ 2014 هو تاريخ الاستفتاء الشعبي على الانضمام، وتشير جميع التوقعات بان الاستفتاء سيفضي لصالح روسيا التي توظف الشرعية القانونية للرئيس فيكتوريانوكوفيتش المؤيد لها في تحركاتها السياسية.
المراجع :
موقع فانوس : https://www.deficientefisico.com/2022/06/blog-post.html
موقع ماري بوست : https://www.marielauremeyer.com/2022/06/blog-post.html
موقع اقرأ : https://www.iread.one/2022/06/blog-post.html

#رعد_قاسم_صالح (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات